هيمنة صينية ناعمة في قطاع الطاقة العراقي.. أين تقف أميركا؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، عمل على زيادة انخراط الولايات المتحدة في قطاع الطاقة العراقي، فقد وسّعت حكومته أيضا علاقاتها العميقة بالفعل مع بكين.

وذلك من خلال منح مشاريع جديدة لشركات صينية وتوسيع نطاق مشاريع البنية التحتية الحيوية للطاقة الممولة من الصين.

هيمنة مقلقة

وقال "المجلس الأطلسي"، في تقرير له بقلم الباحثين "جاريد ليفي" و"بن فان هوفلين"، إن "الصين كانت بالفعل أكبر لاعب دولي في قطاع الاستكشاف والإنتاج النفطي العراقي؛ حيث كانت تشغّل عدة حقول نفطية كبيرة في جنوب العراق، حتى قبل أن تمنح الشركات الصينية مواقع جديدة من النفط والغاز خلال حكومة السوداني".

وهيمنت على مزاد عقود النفط والغاز الوحيد الذي عُقد خلال عهد السوداني، مجموعة من شركات النفط الوطنية الصينية وشركات الاستكشاف والإنتاج الصينية الخاصة.

أما اهتمام شركات النفط الغربية الكبرى (السوبرماجورز) فكان ضعيفا للغاية (حيث قدمت "شِل" عرضا واحدا فقط ولم ينجح)، بينما اهتمام الشركات الأميركية كان شبه معدوم.

وكانت هيمنة بكين على جولة المناقصات كاملة إلى حد أن الشركة الوحيدة غير الصينية التي حصلت على أصول كانت شركة عراقية، وهي مجموعة (KAR).

وقال التقرير: "يبدو أن التمويل الصيني منح الشركات الصينية ميزة كبيرة للفوز بمشاريع البنية التحتية الحيوية في قطاع الطاقة".

ففي إطار برنامج بدأ قبل حكومة السوداني، عام 2019، يحوّل العراق الآن حوالي 150 ألف برميل يوميا من عائدات النفط إلى حساب ضمان، يعمل بعد ذلك كضامن لفتح قروض عبر الشركة المملوكة للدولة (Sinosure).

وفي بداياته، كان هذا الصندوق يُستخدم لتمويل مشاريع خارج قطاع الطاقة، لكن حكومة السوداني استغلت أخيرا برنامج التمويل الصيني للدفع قدما بمشروعين حيويين في البنية التحتية لقطاع الطاقة:

الأول هو مشروع خط أنابيب بقيمة 2.6 مليار دولار لنقل مياه البحر المعالجة إلى الحقول النفطية العملاقة لحقن المياه، مُنح لشركة هندسة وإنشاءات البترول الصينية (China Petroleum Engineering and Construction Corporation).

والثاني مشروع خط أنابيب للغاز بقيمة مليار دولار يربط حقل غاز في محافظة الأنبار بمنشآت توليد الطاقة، وبعض هذه المنشآت من بناء شركات صينية.

ومن المرجح أن يكون التمويل الصيني هو العامل الحاسم في إنجاح أو إخفاق مشروع متكامل بقيمة 18 مليار دولار، مُنح تنفيذه في وقت سابق من هذا العام لشركة (Geo-Jade Petroleum) الصينية.

ويتضمن المشروع تطوير حقل نفط الطوبة في مدينة البصرة، بالإضافة إلى بناء مصفاة نفط، ومحطتين للطاقة، ومصنع للبتروكيماويات، ومصنع للأسمدة.

وقال التقرير: إن "الجاذبية التي تتمتع بها الصين بالنسبة للعراق واضحة. ففي قطاع الاستكشاف والإنتاج، تقبل الشركات الصينية شروطا تجارية لا تستطيع الشركات الغربية الكبرى وشركات التنقيب والإنتاج الأميركية قبولها".

"وفي الواقع، فإن نجاح الصين في مزاد عقود النفط والغاز العراقي لعام 2024 لم يكن نتيجة إستراتيجية عراقية متعمدة لتفضيل الشركات الصينية بقدر ما كان انعكاسا لطبيعة هيكل المزاد، الذي اعتمد على معيار وحيد لتحديد الفائز: استعداد الشركة لقبول هامش ربح محدود".

هذا الهيكل منح الشركات الصينية ميزة؛ إذ يمكن لشركات النفط الوطنية الصينية المتكاملة رأسيا تحقيق الأرباح من خلال منح فرص التعاقد الكبرى لشركاتها الفرعية، بينما تستطيع شركات التنقيب والإنتاج الصينية الصغيرة العمل بتكاليف أقل مقارنة بنظيراتها الغربية.

في الوقت نفسه، يمكن للشركات الصينية الوصول إلى التمويل الحكومي بسهولة نسبية، لأن بكين ترى أن وجودها القوي في قطاع الاستكشاف والإنتاج العراقي يمثل أولوية إستراتيجية لتأمين إمدادات النفط الخام طويلة الأمد.

وأضاف أن "شركات النفط والغاز العملاقة وشركات التنقيب والإنتاج الأميركية وجدت أن حكومة السوداني حريصة على إبرام صفقات تجارية، حتى مع عدم قدرتها على منافسة الشركات الصينية في جولات المناقصات المفتوحة".

حيث وقّعت إدارة السوداني عقودا رئيسة مع كل من (TotalEnergies) و(BP) بعد مفاوضات ثنائية، وتجري محادثات مستمرة مع كل من (Chevron) و(ExxonMobil). كما وقّعت حكومة السوداني مذكرة تفاهم مع شركة التنقيب والإنتاج الأميركية الخاصة (HKN Energy).

التودد لواشنطن

وأضاف: "يبدو أن حكومة السوداني ترى قيمة إستراتيجية كبيرة في التودد إلى شركات النفط العملاقة وشركات الاستكشاف والإنتاج الأميركية، حتى لو كانت الشروط التي تطلبها هذه الشركات أقل فائدة للعراق من تلك التي تقبلها الشركات الصينية".

فقد كانت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ فترة طويلة حذرة من التوسع التدريجي للسيطرة الصينية على قطاع التنقيب والإنتاج في العراق.

على سبيل المثال، صرّح وزير النفط العراقي السابق، إحسان إسماعيل، لتقرير النفط العراقي عام 2021 بأنه رفض محاولة شركة (Lukoil) لبيع أصول في حقل غرب القرنة-2 لشركة صينية، قائلا: "نحن بحاجة للحفاظ على نفس توازن حصة السوق في الجنوب".

وقال الباحثان: "بالإضافة إلى ذلك، أفاد عدد من مسؤولي النفط للمؤلفين بأن مسؤولي النفط العراقيين غالبا ما يُعربون عن تفضيلهم لتكنولوجيا ونهج شركات النفط الكبرى".

وتابعا: "في الوقت نفسه، ينظر صانعو السياسات في بغداد -بناءً على أبحاثنا ومحادثاتنا مع قادة رئيسين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم- إلى زيادة الاستثمار الأميركي في قطاع الطاقة العراقي كأداة للتخفيف من خطر فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الكيانات العراقية".

وأوضح التقرير أن "مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية، من المرجح أن تتواصل تعاملات الشركات الأميركية والصينية مع الحكومة الجديدة في وقت ما من عام 2026".

"وحتى في حال وجود رئيس وزراء جديد، من المتوقع أن تتأثر سياسة الحكومة العراقية المقبلة تجاه الاستثمار الدولي في قطاع الطاقة بنفس العوامل التي شكلت نهج حكومة السوداني".

وبغض النظر عن التشكيل المحدد للحكومة العراقية المقبلة، من المرجح أن تستمر الشركات الصينية في التمتع بميزة، نابعة من رغبة العراق في الحصول على شروط تجارية مواتية وسهولة الحصول على التمويل الصيني نسبيا.

في الوقت نفسه، غالبا سيواصل العراق التماس مشاريع ضخمة من شركات عملاقة نظرا لقدراتها التقنية وقيمتها الجيوسياسية المحتملة، بحسب التقرير.