بأموال إيطالية.. هكذا تنفذ ليبيا أعمال ميلوني "القذرة" في مجال الهجرة

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

اتهمت صحيفة إسبانية الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني بتمويل "الأعمال الليبية القذرة" في سعيها لمكافحة الهجرة غير النظامية.

وأكدت صحيفة إلباييس أن خفر السواحل الليبي يشكل خطرا على المهاجرين، ويطلق النار على سفن المنظمات غير الحكومية، منتقدة اتفاقية الهجرة الموقعة بين الجانبين.

انتهاكات متكررة

ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أطلق زورق دورية ليبي النار على قارب مهاجرين، حتى أثناء وجوده في المياه الدولية ضمن منطقة البحث والإنقاذ التابعة لمالطا، أي المنطقة التي تتولى فيها الدولة تنسيق عمليات الإنقاذ، مما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص. 

وفي 26 سبتمبر/أيلول، تعرضت سفينة أخرى تابعة لمنظمة "سي ووتش" الألمانية غير الحكومية لإطلاق نار بعد إنقاذها 66 شخصا من حطام قاربهم. 

وأطلق خفر السواحل الليبي في 24 أغسطس/آب 2025،  النار في المياه الدولية على سفينة "أوشن فايكينغ".

وكانت السفينة تتبع لمنظمة "إس أو إس ميديتيراني إيطاليا" غير الحكومية وترفع العلم النرويجي، وعلى متنها 87 شخصا، معظمهم مهاجرون جرى إنقاذهم في عرض البحر. 

وأكدت الصحيفة أن أعمال الترهيب التي يستخدمها الجنود الليبيون ضد المهاجرين المتجهين نحو إيطاليا وحتى أولئك الذين يمدون إليهم يد المساعدة تأخذ منحى تصاعديا. ووفقا لتقرير حديث لمنظمة "سي ووتش"، سُجِّلت 60 حادثة على الأقل خلال 10 سنوات. 

في المقابل، تغض حكومة ميلوني الطرف عن هذه الأرقام، والأسوأ من ذلك، أن إيطاليا تمول هذه الأعمال الليبية القذرة. وفق تعبير الصحيفة.

علاوة على ذلك، فإن القوارب التي تطلق النار على المنظمات غير الحكومية والمهاجرين هي إيطالية، مقدمة من حكومة روما.

كما أن رجال المليشيات الذين يطلقون النار مدربون ويتلقون رواتبهم من أموال الاتحاد الأوروبي. بحسب الصحيفة.

يعود ذلك إلى اتفاقية الهجرة الجدلية التي وقعت بين إيطاليا وليبيا عام 2017 وجُددت تلقائيا في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2025 لثلاث سنوات أخرى.

وجاء تجديد اتفاقية التمويل الغامضة رغم أحكام قضائية تتهم ليبيا بانتهاك حقوق الإنسان في التعامل مع المهاجرين.

وتظاهر مئات المهاجرين والناشطين في روما في 18 أكتوبر ضد هذا الاتفاق بعد يوم من حادث آخر غرق فيه مركب في البحر الأبيض المتوسط واختفى فيه حوالى 20 شخصا.

وفي التظاهرة، روى عشرات المهاجرين من دول جنوب الصحراء الأفريقية تجاربهم في ليبيا، ووُقِف دقيقة صمت حدادا على أرواح الذين لقوا حتفهم في أثناء محاولتهم عبور البحر.

ووُقعت هذه المذكرة سنة 2017 من قِبَل حكومة باولو جينتيلوني، ذات التوجهات اليسارية الوسطية، وحافظت عليها منذ ذلك الحين أربع حكومات أخرى ذات توجهات سياسية مختلفة.

اتفاقية جدلية

ونوهت الصحيفة إلى أن ليبيا تُعدّ محل اهتمام كبير لإيطاليا نظرا لمخزونها من النفط، والتي تمثل 38 بالمئة من احتياطيات إفريقيا، وكذلك غازها؛ حيث إنها خامس أكبر احتياطي في القارة.

ويوجد خط أنابيب غاز مباشر تحت الماء يصل إلى إيطاليا، فيما تعمل شركة إيني الإيطالية للنفط في البلاد منذ سنة 1959.

وبحسب الاتفاق، تدفع إيطاليا والاتحاد الأوروبي للدولة الإفريقية لوقف تدفق قوارب المهاجرين؛ رغم أن تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق لسنة 2023 يُشير إلى أن نظام إدارة المهاجرين في ليبيا يُمثّل "حلقة عنف مُريعة".

وقد قدّرت منظمة العفو الدولية سنة 2022 أن إجمالي التمويلات الأوروبية للبلد الإفريقي وصل إلى 100 مليون يورو حتى ذلك العام.

ونقلت الصحيفة أن الانتهاكات الليبية بتمويلات أوروبية ليست إلاّ أثرا آخر للفوضى التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011.

وقد تسببت الحرب بين الأطراف المتناحرة بعد ذلك في زيادة كبيرة في أعداد الوافدين بحرا إلى جزيرة لامبيدوزا، لتصل هذه الأرقام إلى حوالي 500 ألف شخص بين سنتي 2014 و2017.

وأمام هذا الوضع، جعلت إيطاليا حدا للتدفقات عبر هذه الطريق غير المنضبطة بالتفاوض مع دولة تسيطر عليها الجريمة المنظمة، وفق تعبير الصحيفة.

وواصلت: "الأسوأ من ذلك، أن إيطاليا تجاهلت حقيقة أن مراكز الاحتجاز الليبية سجون مرعبة؛ حيث ينتشر التعذيب والاعتداء الجنسي والعنف بجميع أنواعه". 

لذلك، تُجادل المنظمات غير الحكومية بأن إعادة الفارين من البلاد إلى هناك يُخالف المادة 33 من اتفاقية جنيف لسنة 1951.

علاوة على ذلك، تحظر لوائح الإنقاذ البحري الدولية إنزال الأشخاص في بلد غير آمن، وليبيا دولة لا تستجيب إلى معايير مثل هذه.

ومع ذلك، ووفقا لبيانات الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، جرى اعتراض ما لا يقل عن 169 ألف شخص في البحر وإعادتهم بشكل غير قانوني إلى ليبيا منذ سنة 2016، على الرغم من أن التقديرات الفعلية تشير إلى أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. 

ولمعالجة هذا الوضع، تُلزم الحكومة الإيطالية، من خلال مرسوم بيانتيدوسي الذي سُمي على اسم وزير الداخلية (ماتيو بيانتيدوسي)، سفن المنظمات غير الحكومية بالتنسيق مع مركز الإنقاذ البحري في طرابلس والامتثال لأوامره.

وتقول فرانشيسكا دي فيتور، الأستاذة والباحثة في القانون الدولي بالجامعة الكاثوليكية بميلانو: "إن مذكرة التفاهم الإيطالية الليبية برمتها تمثل انتهاكا للقانون الدولي، ويتفق جميع الخبراء على ذلك".

ونقلت الصحيفة عن فاليريا تاورينو، مديرة منظمة "إس أو إس ميديتيراني إيطاليا"، أن الهجوم على سفينتها في أغسطس استمر لمدة 20 دقيقة وتعرضت لمائة طلقة نارية. 

وبحسب تاورينو، "من الخطير بشكل خاص تجديد الاتفاق بعد تصعيد العنف ضد السفينة التابعة للمنطمة؛ لقد كان حدثا يتطلب تدخلا حاسما، إلا أنه بدلا من ذلك، سمح لخفر السواحل الليبي بالإفلات التام من العقاب". 

في الأثناء، لم تُجدِ احتجاجات المعارضة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية في إيطاليا لتعليق الاتفاق مع ليبيا نفعا. 

مبادرات فاشلة

ومن جهتها، لا يمكن لميلوني تحمّل ذلك: فحتى السابع من نوفمبر، وصل 60,810 أشخاص إلى إيطاليا بحرا، بزيادة قدرها 4.7 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وجاء 80 بالمئة منهم من ليبيا. وفق الصحيفة.

ونوهت إلى أن مبادرات ميلوني الأخرى المعارضة لتدفقات الهجرة باءت بالفشل، على غرار إنشاء معسكر اعتقال في ألبانيا (لترحيل طالبي الهجرة إليه)، وهي خطوة أوقفتها المحاكم.

 وحتى فيما يتعلق بالتعاون مع ليبيا، يطعن في الاتفاق أيضا قضاة إيطاليون، منحازون إلى منظمات الإنقاذ غير الحكومية.

وقد صدرت أحكام من محاكم مختلفة في جميع أنحاء البلاد لصالح المنظمات غير الحكومية. 

وتقول المحامية كريستينا لورا تشيكيني: "من المُوثق جيدا أن أفراد ما يسمى بخفر السواحل الليبي يتصرفون في المياه الدولية كقطاع طرق حقيقيين، أي بمثابة قراصنة".

ونقلت إلباييس أن الجوانب المشبوهة للاتفاق قد انكشفت أخيرا، بالتزامن مع إعلان الحكومة الإيطالية سرية عقود التوريد إلى ليبيا وتونس لمعدات مراقبة الحدود؛ مما أضرّ أكثر بسمعة جورجيا ميلوني. ويضاف إلى ذلك فضيحة المصري، التي انكشفت آخر حلقاتها في نوفمبر 2025.

والمصري اسم شهرة للعضو البارز في جهاز الردع الليبي أسامة نجيم، والذي اعتقلته السلطات الإيطالية في 19 يناير/ كانون الثاني 2025 بتهم تتعلق بالتعذيب والإخفاء القصري وانتهاكات ضد حقوق الانسان، وذلك بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

إلا أن السلطات الإيطالية أفرجت عنه لأسباب غير معلنة دون تسليمه للمحكمة وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة محليا ودوليا وعرّض الحكومة الايطالية لانتقادات واسعة.

وجمع المصري ثروته في إحدى المليشيات العديدة التي ظهرت في ليبيا، وترقى إلى رتبة لواء، وكان مسؤولا عن سجن معيتيقة، أحد أشهر مراكز احتجاز المهاجرين، وهو متهم من قبل الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وفي 5 نوفمبر 2025، أعلنت النيابة العامة في ليبيا حبس أسامة نجيم "مسؤول إدارة العمليات والأمن القضائي (سابقا)".

وختمت الصحيفة بأن أعمال ليبيا القذرة ليست سوى جانب واحد من تضييق الخناق على المهاجرين. أما الجانب الآخر من المسؤولية فيقع على عاتق إيطاليا، التي تنتهج سياسة مضايقة وعرقلة المنظمات غير الحكومية التي تنقذ الأرواح في البحر الأبيض المتوسط. 

فإلى جانب إلزامها بإبلاغ السلطات الليبية واتباع تعليماتها عند العثور على مهاجرين غرقى، لا تستطيع المنظمات غير الحكومية إنزالهم في أقرب ميناء، بل في موقع تحدده السلطات الإيطالية، والذي غالبا ما يكون في شمال البلاد، على بُعد ثلاثة أو أربعة أيام بحرا. 

وبالتالي، تخسر هذه المنظمات المال، والأكثر أهمية من ذلك، الوقت، وتعجز عن إنقاذ الأرواح. وإذا خالفت تعليمات روما، فإنها تخاطر بمنع سفنها من العودة إلى الميناء. وفق الصحيفة.