تحت الضغط وتهديدات ترامب ونتنياهو.. هل تقبل حماس والمقاومون تسليم السلاح؟

"الضغوط الأميركية قد تدفع إسرائيل إلى تقبّل خطوات مرحلية من الاتفاق"
تتواصل التهديدات الأميركية والإسرائيلية بشأن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ضمن المرحلة الثانية من تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025؛ إذ شدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارًا على ضرورة تجريد المقاومة من سلاحها كشرط أساسي لاستمرار وقف إطلاق النار، في ظل تهديدات إسرائيلية تؤكد الاستعداد للعودة إلى العمليات القتالية في حال رفض ذلك.
وهدد ترامب، في 15 أكتوبر 2025، حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأنه قد يمنح الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستئناف الحرب في غزة، إذا لم تلتزم المنظمة بنزع سلاحها طوعًا.

تهديد بعودة الحرب
وقال ترامب: إن "القوات الإسرائيلية يمكن أن تعود إلى الشوارع بمجرد أن أقول كلمة، وما يحدث مع حماس سيتم تصحيحه بسرعة".
ويأتي تهديد ترامب باستئناف الحرب استكمالا لدور بلاده في الإبادة الجماعية التي جرت بسلاح أميركي لم يتوقف عن التوافد إلى تل أبيب طيلة عامين، وقتل فيه أكثر من 68 ألف فلسطيني وأصيب نحو 170 ألفًا أغلبهم من النساء والأطفال.
وهذا إضافة إلى تدمير نحو 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية في القطاع، حسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، 11 أكتوبر 2025.
وأكد ترامب، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بقاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة حتى يفرض نزع السلاح وتمنع عسكرة القطاع.
وشدّد على أن فريقه بالتعاون مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمر أعدّ خطة من 20 نقطة تهدف إلى "عزل حماس فعليًا"، عبر منح فرصة لقوة دولية تتولى نزع سلاح الحركة وإقصائها من مستقبل الحكم في غزة.
وتعد القوة الدولية المقترحة أحد البنود الرئيسة في خطة ترامب التي شكلت أساس اتفاق وقف إطلاق النار، والتي من المقرر أن تسيطر أمنيًا على القطاع تحت إشراف من دول إقليمية والولايات المتحدة.
ورغم تعهدات ترامب باستخدام القوات الدولية لنزع سلاح المقاومة، فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز في 21 أكتوبر 2025، نقلًا عن دبلوماسيين ومسؤولين أن العديد من الدول رفضت الانضمام إلى قوات حفظ السلام الدولية خوفًا من الاشتباك مع حركة حماس.
وأوضحت الصحيفة أن تلك الدول لا تريد إرسال جنودها لمواجهة حماس نيابة عن إسرائيل، كما أن بعض الدول رفضت، خلال مفاوضات خاصة، تمركز قواتها داخل مراكز المدن في القطاع بسبب المخاطر التي تشكلها أنفاق الحركة والمسلحون المنتشرون في تلك المناطق.
أما رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، فقال، في 6 نوفمبر: إن تكليف القوة الدولية المزمع تشكيلها بنزع سلاح "حماس" سيؤدي إلى اشتباكات مسلحة.
وأشار إلى أن أيًا من الدول المشاركة لن تقبل بتحمل هذا العبء، لافتا إلى أن خطة ترامب تضمنت الحديث عن نزع سلاح الحركة أو تجميده، وهي مسألة ما تزال محل تفاوض، مبينا أن تسلم هذه القوة للسلاح يضعها أمام معضلة صعبة.
وفي تعليق ساخر على رفض وتراجع دول عن المشاركة في القوة الدولية، قال وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر خلال اجتماع المجلس الأمني المصغر "الكابنيت" في 6 نوفمبر 2025: "يبدو أن الفوز بكأس العالم أسهل من نزع سلاح غزة".
حل وسط
ومع تزايد رفض ومخاوف الدول المرشحة لتكوين القوة الدولية التي ستدخل للقطاع، تحرك الوسطاء لنقاش ملف سلاح حماس الذي يرى مراقبون أنه يردع معظم الدول عن المشاركة في هذه القوات.
وقال مصدر عربي مشارك في مفاوضات الوساطة، لقناة i24NEWS الإسرائيلية، في 3 نوفمبر 2025: إن "حماس" اقترحت صيغة تقضي بتسليم سلاحها الثقيل لمصر، مع التعهد بعدم تهريب الأسلحة أو تنفيذ أي أنشطة عسكرية جديدة.
وأضاف المصدر أن مصر والسلطة الفلسطينية والحركة سيختارون لجنة من 15 عضوًا لإدارة غزة، من أصل قائمة تضم 40 اسمًا مقدمة إلى القاهرة، لكن الاتفاق لم يُحسم بعد، فيما سيكون القرار النهائي بيد مصر.
وبدوره، قال رئيس لجنة العرب الأميركيين من أجل السلام والوسيط الأميركي بشارة بحبح، في 3 نوفمبر 2025: إن حركة حماس أبدت له انفتاحًا وقابلية لنزع سلاحها الثقيل.
وأكد بحبح، الأميركي من أصل فلسطيني، أن مسؤولين بالإدارة أبلغوه انفتاح واشنطن للقبول بصيغة تسليم حماس سلاحها الثقيل فقط.
ومن جانبه، قال الباحث في الشؤون الفلسطينية محمد عيد: إن تسليم حماس سلاحها أو تفكيك أجنحتها العسكرية يُعدّ نهاية فعلية لها.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الحركة التي نشأت على قاعدة مقاومة الاحتلال وحمل السلاح لا يمكن أن تستمر في وجودها دون هذا الركن الأساسي".
وأضاف: "من غير الواقعي أن يأتي يوم تُجرَّد فيه الحركة من سلاحها بشكل كامل". موضحًا أن هذا القرار لا يقع ضمن صلاحيات المستوى السياسي أو المفاوضين (فقط)، بل يرتبط بالمقاتلين أنفسهم والقيادات الميدانية في كتائب القسام الجناح العسكري لحماس وفصائل المقاومة الأخرى.
وأضاف أن نزع سلاح المقاومة أمر غير قابل للتنفيذ عمليًا، ولذلك واحتمال تحقق هذا السيناريو يبقى مستبعدًا تمامًا.
وشدّد عيد على أن البدائل قد تتضمن موافقة حماس على نزع صلاحياتها الهجومية لفترة زمنية محددة وبشروط معينة، مع احتفاظها بسلاح دفاعي.
ورأى أن هذا الخيار قد يكون الحلّ الأقرب لموقف الحركة حاليا ويشكّل مخرجًا للمضيّ في مرحلة انتقالية نحو المرحلة التالية.
وحول السيناريوهات المتوقعة، أكد الباحث أن "الاحتلال سيظل متشدّدًا في مطلب نزع السلاح الكامل وتدمير الأنفاق كافة، وبغض النظر عن النتائج، أستبعد في المرحلة الحالية العودة إلى الحرب المفتوحة أو اشتعال القتال".
وأوضح أن بوابة الإعمار والمساعدات وفتح المعابر وتحسين الأوضاع المعيشية ستكون الأدوات الأبرز التي سيستخدمها الاحتلال للضغط نحو هذا المسار، بدل المواجهة العسكرية المباشرة.
وتابع عيد أن الضغوط الأميركية قد تدفع إسرائيل إلى تقبّل خطوات مرحلية من الاتفاق، تتمثل في نزعٍ جزئيٍّ من سلاح حماس مقابل ضمانات طويلة الأمد بعدم الاقتراب من المناطق الحدودية وغيرها من التدابير الأمنية.
وأضاف أن هذه الضمانات قد تأتي أيضًا بمساهمة من وسطاء إقليميين، مما قد يمهّد لإنجاز اتفاقٍ كامل لوقف إطلاق النار مع آليات رقابة وتدرّج تنفيذي محدّد.

الموقف الفصائلي
وترفض الفصائل الفلسطينية مسألة تسليم السلاح؛ إذ أعلن القيادي في حماس أسامة حمدان، في 9 أكتوبر، أن أي فلسطيني لن يقبل بذلك. مؤكدًا أن "شعبنا أحوج ما يكون له وللمقاومة".
وفي اليوم نفسه، أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، رفض حركته مجرد مناقشة فكرة نزع سلاح المقاومة.
وقال ناشط في المقاومة لـ"الاستقلال": إن موضوع تسليم السلاح ليس واردًا. موضحًا أن مثل هذه الأمور تمثل تحقيقًا لمطالب الاحتلال التي يعجز عن فرضها في المعركة ولن يحصل عليها بعد نهايتها.
وأكّد أن هذا موقف كل مقاوم وكل الشعب الفلسطيني مهما كان انتماؤه وخلفيته السياسية، مشددًا على رفض نزع السلاح.
وأوضح أن نزع السلاح يتعارض مع الدين الإسلامي والموجبات الشرعية التي نشأت على أساسها المقاومة الإسلامية. مضيفًا أن هذا الإجراء يمثل ذلًا ونهاية لمشروع التحرير ويمحق تاريخًا مشرفًا وطويلًا من التضحيات والبطولات.
وأضاف الناشط: "شخصيًا فقدت عائلتي بأسرها ومنزلي والعديد من الأقارب، والجزء الأكبر من المحيط الاجتماعي من أهل وأقارب وجيران. والمنطقة التي نشأت فيها لا تزال تحت سيطرة قوات الاحتلال. فقد معظم المقاومين كل شيء إلا بنادقهم، ويستحيل أن يتخلوا عنها".
وشدّد الناشط على أنه رغم الثقة العالية بالفريق المفاوض الذي يمثل الفلسطينيين في مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنه إذا أخطأ هذا ووافق على أمور تفضي إلى نزع السلاح، فسيكون عاجزًا عن نقل هذا القرار إلى أرض غزة.
وأضاف أن كل مقاوم سيتمسّك بسلاحه مهما حصل وأيما كانت النتيجة، مؤكدًا أن لا أحد يملك القدرة الفعلية على نزع السلاح ما دام الاحتلال موجودًا على أرض فلسطين التاريخية.
وأضاف الناشط أن المقاومة مرّت بمراحل عصيبة، وأن محاولات القضاء عليها لم تنجح، مستدلاً بمحاولة السلطة الفلسطينية في عام 1996 حين اعتُقل كل من يشتبه بانتمائهم لحماس وامتلأت السجون بهم، وفي النهاية فشلت تلك الخطوات.
وأكد أنه "لا يمكن إنهاء الجناح العسكري في حماس، وإذا افترضنا أنه انتهى - رغم استحالة حصول ذلك - فسينشأ من بين نفس المقاومين أو غيرهم مقاومة مسلحة جديدة تستكمل المسار".
وأوضح أن التنظيمات والمسميات بالنسبة لهم وسيلة، وليست غاية، أما الأمر المقدّس فهو الجهاد بحسب قوله.

رفض شعبي
ولا يقتصر رفض نزع سلاح المقاومة الفلسطينية على موقف الفصائل فقط، بل يترافق مع موقف شعبي صارم فيما يتعلق بمستقبله.
وأظهر أحدث استطلاع للرأي العام الفلسطيني، صدر عن مركز البحوث المسحية في 28 أكتوبر 2025، نتائج تعكس بوضوح ثبات المزاج الشعبي على رفض نزع سلاح حماس ورفض أي تسوية سياسية تمس جوهر المقاومة.
وأظهر الاستطلاع أن نحو 70 بالمئة من الفلسطينيين يرفضون نزع سلاح حماس حتى لو كان شرطًا لإنهاء الحرب.
ترتفع النسبة إلى 78 بالمئة في الضفة الغربية و55 بالمئة في قطاع غزة، ما يعكس وحدة الموقف الشعبي حول هذا الخط الأحمر رغم الفوارق السياسية والجغرافية بين المنطقتين.
واستطلعت "الاستقلال" آراء عدد من المواطنين الغزيين حول مطالب الاحتلال بنزع سلاح المقاومة؛ حيث أكدوا أن هذا الأمر مرفوض قطعًا.
وقال أبو خالد حمدي: إن نزع سلاح المقاومة أمر مرفوض ومحرم من قبل الشعب الفلسطيني كله ولا يمكن القبول به مهما اختلفت الفصائل في ذلك.
وأضاف أن هذا السلاح يمثل حماية غزة من احتلال دائم وشامل، وهو ما منع إسرائيل من التمدد في جميع مناطق القطاع، وأتاح للسكان الشعور بالأمن والأمان.
وأوضح أن هذا السلاح كان السبب في منع الاحتلال من مداهمة منازل الغزيين في الليل أو النهار واعتقالهم واحدا تلو الآخر، وإهانة النساء.
أمّا حسام بكرة فأكد أن التفريط في السلاح خيانة وفتحٌ لباب قد يعيد تكرار مجازر مثل صبرا وشاتيلا مرارًا وتكرارًا.
وأضاف أن هذا السلاح ملكٌ وحقّ لكل الفلسطينيين، وأنه صُنع بأيديهم ودمائهم وأموالهم، بل وبجهود تبرعات النساء الفلسطينيات من حُلِيّ ومجوهرات ساهمت في وشرائه، لذا فهو في النهاية ملك للشعب ولا يقبل أحد التفريط به. وفق تعبيره.
ومن جانبه، قال الحاج أبو حسن التعبان: إنه لا يزال يتذكر ما حدث في النكسة عام 1967، وأن قصص النكبة في 1948 التي يرويها له آباؤه وأجداده ما زالت تدور في ذهنه. مبينا أن الفارق أنه لم يكن لدى الفلسطينيين سلاح آنذاك كما اليوم ليدافعوا به عن أنفسهم.
وأضاف أن لا أحد، لا الجيوش العربية ولا غيرها، يمكنها حماية الفلسطينيين كما يحمون أنفسهم. وأكد أن هذه الحرب أثبتت ذلك واقعًا.
وأوضح أنه لولا وجود المقاومة لما تمكن الفلسطينيون من العودة إلى مناطقهم التي طردهم منها الاحتلال، ولما استطاعت الأسر البقاء فيها، مضيفا أن السلاح يمثل الطريق الأساسي للفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وحياتهم.
وأقر الحاج أن الحرب الأخيرة ألحقت آلامًا لا تُحصى وحزنًا كبيرًا في قلوب الفلسطينيين، وفقدوا الكثير من أبنائهم ومنازلهم وتعرضوا للتهجير.
لكنه شدد على أن من غير الوارد التخلي عن فكرة التصدي. مؤكدًا أن الاحتلال هو من جلب هذا الدمار، ومن يمنع تكرار ما حدث هو ثبات المقاومة وبقاء سلاحها.













