واشنطن توسّع مهام سوريا في التحالف الدولي.. تهديد لإيران أم محاولة كبح روسيا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في لحظة سياسية مفصلية تشهدها الساحة السورية، يشكل انضمام دمشق إلى “التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة” بوصفه تحولا إستراتيجيا يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية. 

فبينما تتراجع الأدوار التقليدية للفاعلين المحليين، تتقدم الحكومة السورية نحو موقع جديد يمنحها شرعية دولية غير مسبوقة منذ عقود تتمثل في الشراكة مع حلف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

شراكة جديدة

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، إن سوريا بعد انضمامها رسميا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة “ستسهم في مواجهة وتفكيك الشبكات الإرهابية”.

وجاءت تصريحات باراك بعد ساعات من إعلان التحالف الذي تقوده واشنطن انضمام سوريا رسميا إليه، لتصبح العضو رقم تسعين فيه، عقب الاتفاق الذي جرى خلال الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض في 11 نوفمبر 2025 والتقى خلالها الرئيس دونالد ترامب.

وكتب باراك على منصة "إكس" إن "دمشق ستساعدنا من الآن وصاعدا بنشاط في مواجهة وتفكيك بقايا تنظيم الدولة، والحرس الثوري الإيراني، وحماس، وحزب الله، وغيرها من الشبكات الإرهابية، وستقف شريكا ملتزما في الجهد الدولي لإرساء السلام".

وكانت الولايات المتحدة قد حذفت اسم أحمد الشرع رسميا من قائمة الإرهاب قبل أيام فقط من زيارة واشنطن، بالتزامن مع رفع مجلس الأمن الدولي للعقوبات عنه.

ووفق باراك، فقد أبدى الشرع التزاما أمام الرئيس ترامب بالانضمام إلى التحالف، في خطوة قال إنها "تشكل إطارا تاريخيا يجسد انتقال سوريا من كونها مصدرا للإرهاب إلى شريك في مكافحة الإرهاب، والتزاما بإعادة الإعمار واستقرار منطقة بأكملها".

إن هذا التحول، لا يقتصر على البعد العسكري فحسب، بل يمتد ليشمل إعادة التموضع السياسي والأمني، وطي صفحة شراكات غير رسمية لطالما شكلت عصب العمليات الميدانية ضد تنظيم الدولة.

و"التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة"، هو أكبر تحالف عسكري دولي في القرن الحادي والعشرين، تشكل في سبتمبر/ أيلول 2014 بقرار من الولايات المتحدة بعد توسع تنظيم الدولة وسيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

ويضم التحالف اليوم أكثر من 90 دولة، إلى جانب منظمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

ما هو لافت، توسيع مهام الدولة السورية في التحالف الدولي لتشمل أطرافا إقليمية مثل الحرس الثوري الإيراني وحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وفق ما جاء في منشور باراك.

وباتت سوريا اليوم في موقع الشريك الرسمي في واحدة من أكبر شبكات التنسيق الاستخباراتي والعسكري في العالم.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، نفذت قوات الأمن السورية الجديدة عمليات واسعة ضد خلايا تنظيم الدولة، بعضها بدعم مباشر من القوات الأميركية التي نفذت ضربات جوية وعمليات إنزال محددة. 

وأسفرت هذه التحركات المشتركة عن اعتقالات ومصادرات كبيرة للأسلحة، مما يعكس مستوى التنسيق الأمني والعسكري بين دمشق وواشنطن قبل الإعلان الرسمي عن انضمام سوريا إلى التحالف.

وتواصل الولايات المتحدة نشر قواتها في سوريا والعراق ضمن التحالف الدولي الذي تأسس عام 2014 عقب اجتياح تنظيم الدولة لمساحات واسعة من البلدين.

ورغم الهزيمة العسكرية للتنظيم في العراق عام 2017 وفي سوريا عام 2019، ما تزال خلاياه النائمة تشكل تهديدا أمنيا. 

وفي 12 نوفمبر 2025، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها شاركت في أكثر من 22 عملية ضد التنظيم في سوريا خلال شهر واحد، أسفرت عن مقتل خمسة عناصر واعتقال 19 آخرين.

على الضفة المقابلة، لطالما لعبت إيران، عبر الحرس الثوري والفصائل التابعة له، دورا محوريا في دعم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد منذ عام 2011. 

هذا الدعم، إضافة إلى التدخل الجوي الروسي، كان حاسما في تغيير موازين القوى لصالح الأسد حتى سقوطه في الثامن من ديسمبر 2024.

ومع ذلك، ما زال لإيران حضور عسكري في بعض مناطق سوريا على شكل خلايا نائمة تواصل قوى الأمن ملاحقتها، ما يجعل قرار دمشق بمواجهة نفوذ طهران تحولا جذريا في مسار علاقتها السابقة مع "محور المقاومة".

فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، في 14 نوفمبر 2025 أن الأمن الداخلي في محافظة طرطوس الساحلية ألقى القبض على خلية "إرهابية خطيرة يتزعمها أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني".

وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية لقناة "الإخبارية" السورية بأن المدعو عبد الغني قصاب هو أحد أذرع الحرس الثوري، وقد تم القبض عليه مع عدد من أفراد مجموعته وأبنائه بعد ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بحوزتهم.

أما حزب الله اللبناني، فإن المعطيات الميدانية تكشف أنه ما يزال يتمتع بخلايا نشطة في الأراضي السورية، ما يعكس خطورة تنفيذ عمليات تهدد استقرار سوريا الجديدة.

وقد ركزت السلطات السورية الجديدة خلال الأشهر الأخيرة على تتبع مخازن السلاح التي خلّفتها إيران ومليشياتها ومنع حزب الله من الاستفادة منها؛ إذ عمل “حزب الله” على محاولة استرجاع كميات كبيرة من سلاحه المخزن في سوريا، إلا أن السلطات تمكنت في كثير من الأحيان من إحباط تلك المحاولات. 

أما فيما يخص “حماس” فلم يظهر لها نشاط في سوريا منذ مغادرتها عام 2012، وعقب سقوط الأسد قالت مصادر فلسطينية لصحيفة "الشرق الأوسط" في مايو/ أيار 2025 إن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى ضبط انتشار السلاح بين الفصائل الفلسطينية في سوريا.

وأشارت إلى أن حركة "حماس" هي من تقود الاتصالات بين الحكومة السورية والأطراف الفلسطينية.

رغم أن الشرع كان قد تجنب في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" قبل أيام من زيارته للبيت الأبيض تقديم إجابة صريحة حول التزامه بالانضمام إلى التحالف، قائلا "علينا أن نناقش هذه القضايا وأن نتوصل إلى اتفاق حولها"، فإن إعلان واشنطن يؤكد أن المفاوضات وصلت إلى صيغة نهائية.

مرحلة جديدة

وبهذا، تدخل سوريا مرحلة جديدة، مرحلة شراكة مع التحالف الدولي، تتجاوز البعد العسكري إلى إعادة رسم موقع دمشق في النظام الدولي، وتحديد مسار جديد في الشراكات العسكرية، وتحديد "هوية الأعداء والحلفاء" في مرحلة ما بعد الأسد.

وفي هذا السياق، قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، إن "انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يعد فرصة كبيرة جدا لها للتنسيق الكامل استخباراتيا وأمنيا وعسكريا ولوجستيا مع الدول الكبرى والفاعلة في هذا التحالف، وعلى رأسها الولايات المتحدة".

وأشار علوان لـ"الاستقلال" إلى أن “الكلفة ضئيلة جدا بالنسبة لسوريا، لأنها أساسا تقاتل الجهات ذاتها التي يستهدفها التحالف الدولي”. 

وأضاف "فعلى سبيل المثال، تقاتل دمشق تنظيم الدولة، كما أن الفصائل التي كانت في شمال غرب سوريا، وتحديدا هيئة تحرير الشام، كانت شريكا محليا غير رسمي وغير معلن للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم الدولة منذ سنوات".

وأوضح علوان أن “حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية التي قاتلت إلى جانبه وإلى جانب نظام الأسد، وكذلك الفصائل العراقية الولائية التي كانت تقاتل تحت راية الحرس الثوري الإيراني، جميعها تشكل خصوما للشعب السوري ولحكومته الحالية”. 

وتابع: "بل وحتى بالنسبة للحكومات المحلية التي أدارت مناطق المعارضة سابقا في شمال غرب سوريا. ولذلك، فإن انضمام دمشق للتحالف لا يغير شيئا في بوصلتها، لأن هذه الحروب كانت قائمة اصلا".

ويؤكد علوان أن “هذا الانضمام سيمنح الحكومة السورية دعما سياسيا ولوجستيا وعسكريا وأمنيا كاملا، كما أنه سينزع ورقة مهمة استخدمتها أطراف داخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمنعها من الاندماج مع الحكومة السورية، حيث إن قسد كانت الحليف المحلي المعتمد للتحالف الدولي”. 

واستطرد: "أما الآن، فقد انتفت هذه الذريعة، وأصبحت الحكومة السورية هي الحليف الرسمي".

ويضيف علوان أن “قسد ستواصل جهودها في مكافحة الإرهاب عبر وحدات وقوات مكافحة الإرهاب، وكذلك (جيش سوريا الحرة) الذين كانوا شركاء للولايات المتحدة منذ سنوات، ويتلقون دعما وتمويلا معلنا ورسميا منها”. 

واستدرك: "ستستمر هذه المهام، ولكن ضمن إطار الحكومة السورية التي باتت الجهة الرسمية المنسقة مع التحالف الدولي، وبالتالي سيصبح كل الدعم والتنسيق الاستخباراتي واللوجستي والأمني والعسكري والمالي عبر الحكومة السورية".

ومضى علوان بالقول "أما بخصوص تحديد من هو الإرهاب الذي سيكافح، لن تشكل تحديا أو إشكالا للحكومة السورية، لأن البوصلة قد تم ضبطها منذ سنوات، عندما كانت الفصائل شمال غرب سوريا، وخاصة هيئة تحرير الشام، شريكا غير رسمي وغير معلن للتحالف الدولي في مكافحة الإرهاب".

"كتف إضافي"

إن التقارب الأميركي - السوري، الذي كان مستبعدا قبل أعوام قليلة، أصبح اليوم إحدى الركائز التي تبني عليها واشنطن رؤيتها لمكافحة الإرهاب وإعادة ضبط الخارطة الأمنية بالمنطقة.

ولهذا تتجه واشنطن نحو خلق شراكات جديدة لتخفف عنها أعباء المواجهة المباشرة، وفي قلب هذه التحولات، تبرز هنا دمشق كلاعب إقليمي يعاد تأهيله ليتحول من ساحة صراع إلى شريك أمني محتمل، قادر على حيازة دور محوري في مواجهة التنظيمات العابرة للحدود، وفي مقدمتها حزب الله والحرس الثوري وبقايا تنظيم الدولة.

وهذا الانعطاف الكبير يعكس إدراكا أميركيا بأن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا عبر إشراك الدولة السورية الجديدة في المعادلة، ليس فقط في الحرب على الإرهاب، بل في معالجة الملفات الأكثر تعقيدا الممتدة من العراق إلى لبنان، في محاولة لإعادة بناء توازنات جديدة.

ويقول رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية، العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، إن "التحولات الدولية وتغيّر التحالفات في المنطقة دفعت الولايات المتحدة إلى توسيع دور سوريا، بهدف تحويلها إلى دولة شريكة لواشنطن ضمن التحالف الدولي".

وأوضح الأسعد لـ"الاستقلال"، أن "هذا التحالف يضم دولا فاعلة مثل تركيا والعراق ولبنان، ويهدف إلى القضاء على الحركات الإرهابية في المنطقة".

وأشار إلى أن "الأولوية الأميركية تتمثل في مواجهة حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، وبقايا تنظيم الدولة، وبعض الشبكات الإرهابية، إضافة إلى ما تصفه واشنطن ببقايا حماس المتجددة في دمشق".

ولفت الأسعد إلى أن “هذا الدور الجديد لسوريا سيمنح واشنطن كتفا إضافيا داخل التحالف الدولي، ويسمح لها بتحميل دمشق جزءا من أعباء مكافحة الإرهاب”. 

إضافة إلى "إتاحة المجال للفصائل المنتشرة في شرق سوريا لإعادة ترتيب الوضع الأمني هناك، خاصة بعد التراجع النسبي للدور الذي كانت تلعبه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي كانت الأداة التنفيذية الأساسية لواشنطن في تلك المنطقة".

وأكد الأسعد أن “ما شهدته المنطقة أخيرا من نشاط سياسي وعسكري وإعادة هيكلة التحالفات بين الولايات المتحدة وتركيا والدولة السورية الجديدة، يعكس اعتمادا متزايدا على دمشق لتكون شريكا محوريا في الملفات الإقليمية”. 

واستدرك: "ليس فقط في مكافحة تنظيم الدولة، بل أيضا في معالجة القضايا الشائكة في لبنان والعراق، والتعامل مع بقايا الفصائل الإرهابية العابرة للحدود، وذلك حفاظا على أمن المنطقة بالكامل".