رغم معارضة ماكرون.. ماذا بعد إلغاء البرلمان الفرنسي اتفاقية 1968 مع الجزائر؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم محاولات التهدئة بين الجانبين الفرنسي والجزائري، إلا أن الأحداث الجارية تسير عكس هذه المساعي، ومن ذلك ما صدر عن الجمعية الوطنية بباريس بخصوص اتفاقية تاريخية مع الجزائر.

ففي تصويت حاسم جرى في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025، صادق النواب الفرنسيون بفارق صوت واحد فقط على مشروع قرار قدمه حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) يهدف إلى "إدانة/إلغاء" الاتفاق الفرنسي الجزائري لعام 1968.

النص الذي تمَّ اعتماده بـ 185 صوتا مقابل 184، بناء على مقترح سانده نواب حزبي "الجمهوريون" (Les Républicains) و"آفاق" (Horizons) في حين عارضته أحزاب الأغلبية الرئاسية والحكومة.

فيما أعربت زعيمة كتلة حزب اليمين المتطرف في الجمعية الوطنية مارين لوبان، عن ارتياحها قائلة: "إنه يوم يمكن وصفه بالتاريخي بالنسبة لحزب التجمع الوطني".

وأضافت في تصريح بالمناسبة، "هذا التصويت يمثل أول نص يقره البرلمان الفرنسي لصالح حزبها، رغم معارضة الحكومة والتيارات اليسارية والمقربة من الرئيس إيمانويل ماكرون".

اتفاقية 1968 منحت الجزائريين وضعا خاصا ونظَّمت شروط تنقلهم وإقامتهم وعملهم في فرنسا، وكانت تكملة لاتفاقيات إيفيان التي أنهت الحرب بين البلدين في 1962.

كما أعطت الاتفاقية الأولوية للجزائريين في الحصول على بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات بسرعة مقارنة بالجنسيات الأخرى، فضلا عن سهولة لم الشمل واستفادة كل أفراد العائلة الذين يأتون من الجزائر إلى فرنسا من بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات.

وسهلت الاتفاقية منح بطاقة إقامة خلال مدة زمنية قياسية لكل جزائري(ة) يتزوج في فرنسا. 

كما يحق أيضا للجزائريين طلب بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات بمجرد المكوث ثلاث سنوات في فرنسا مقابل خمس سنوات لباقي الأجانب. 

وقد طرأت ثلاثة تعديلات على اتفاقية 1968، خلال أعوام 1985 و1994 و2001. وكانت كل هذه التعديلات في غير مصلحة الجزائر؛ حيث قلصت من عدد المزايا التي كان يتمتع بها الجزائريون مقارنة مع السابق.

وكان رئيس الحكومة الفرنسية السابق إدوار فيليب من بين السياسيين الأوائل الذين طالبوا بإعادة صياغة اتفاقية 1968 بحجة أنها تخدم أكثر الجانب الجزائري.

وصرح فيليب في 2023 أن هذه الاتفاقية لم "تعد صالحة" لفرنسا. وازداد هذا المطلب على خلفية الانتخابات الأوروبية التي جرت في 2024 وفوز اليمين المتطرف بعدد كبير من المقاعد، ما جعل مارين لوبان تطالب أيضا بإعادة النظر في الاتفاقية.

“شأن داخلي”

بعد أيام من التصويت، جاء أول رد رسمي للجزائر على القرار على لسان وزير الخارجية أحمد عطاف، والذي رأى أن "الأمر شأن داخلي لفرنسا، ومشكل يطرح بين البرلمان الفرنسي وحكومة هذا البلد، مشيرا إلى أن "الدولة الجزائرية لم تتلق أي إشارة في هذا السياق من نظيرتها الفرنسية".

وأعرب عطاف في حوار مع قناة الجزائر الدولية، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن حسرته في رؤية فرنسا تُحول تاريخ دولة ذات سيادة إلى "موضوع تنافس انتخابي مسبق".

وأردف: "بصراحة، أُكنّ احتراما كبيرا للجمعية الوطنية الفرنسية، ولكن عندما تابعت هذا التصويت، كان أول ما خطر ببالي: هذا مجرد صراع تافه آخر على السلطة".

وأصرّ عطاف أن التصويت "أمر داخلي لا يعني الجزائر في الوقت الراهن"، قبل أن يشير إلى أنه "قد يعنينا الأمر في حال باتت المسألة بين الحكومات؛ لأن اتفاقية عام 1968 هي اتفاقية بين حكومتين. هي اتفاقية دولية".

وانتقد عطاف معطيات بعض السياسيين ووسائل الإعلام الفرنسية الذين لديهم فهم وصفه بـ "المتحيز للغاية لاتفاقية عام 1968"، قائلا: إن "الاتفاقية لم تُصغ أبدا لتخدم هجرة الجزائريين، بل على العكس تماما. لقد وَضعت قيودا مقارنة بالنظام الذي أرسته اتفاقيات إيفيان".

كما انتقد وزير الخارجية التقرير الذي أعده نائبان برلمانيان مؤيدان لماكرون حول هذه الاتفاقية، والذي قدّر تكلفتها لفرنسا بملياري يورو سنويا، ويرى أنها "أرقام لا أساس لها من الصحة. وهي من الخيال".

قلق عميق

في تفاعله مع التصويت، عبّر ممثل الجالية الجزائرية في فرنسا وعضو اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان والحوار بين الحضارات في الجمعية البرلمانية للمتوسط، النائب عبد الوهاب يعقوبي، عن قلقه العميق ورفضه القاطع للخطوة.

وقال يعقوبي في تصريح للصحافة بالمناسبة: إن الخطوة تمثل إشارة سياسية مقلقة، تُضعف الطبيعة التاريخية والإنسانية للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، وتوجّه رسالة سلبية إلى ملايين المواطنين المتمسكين بالحوار والعدالة والاحترام المتبادل".

وأوضح النائب أن اتفاقيات 27 ديسمبر/كانون الأول 1968 كانت ثمرة لتفاهم سياسي وإنساني متوازن، وضمنت على مدى أكثر من نصف قرن حقوق العائلات الجزائرية المقيمة في فرنسا، بما يكفل كرامتها واحترامها لقوانين الجمهورية الفرنسية.

وشدد على أن إخضاع الجزائريين للقانون العام المطبق على باقي الأجانب "سيقوّض الثقة المتبادلة بين الشعبين ويُضعف ركائز العلاقة الثنائية"، داعيا إلى تحمّل المسؤولية الجماعية وإعلاء صوت الحكمة للحفاظ على التوازنات التاريخية التي يقوم عليها التعاون بين البلدين.

بدورها، تفاعلت "حركة النهضة" الجزائرية الإسلامية، غير المشاركة في البرلمان، مع هذا التطور اللافت في الأزمة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، حيث دعا أمينها العام محمد ذويبي، في 31 أكتوبر 2025 بالعاصمة، إلى "معاملة فرنسا على أساس الندية ووفق المصالح المشتركة".

وأكد ذويبي أن الذكرى الـ71 لثورة الاستقلال (1 نوفمبر 1954)، "تستوجب تقديم مصلحة الجزائر على مصلحة الأشخاص، مهما كانت مواقعهم ومراتبهم ومصالحهم".

ودعا في السياق إلى "الإسراع بتمرير قانون تجـريم الاستعمار الذي طال التردد بشأنه، ورفع التجميد عن قانون تعميم استعمال اللغة العربية".

1255986.jpeg

"ليّ الأذرع"

في الجانب الفرنسي الرسمي، حذر وزير الداخلية لوران نونيز من انتهاج سياسة "ليّ الأذرع" مع الجزائر.

وقال نونيز ليومية "لوباريزيان"، في مطلع نوفمبر 2025: إن "من يُقنعون الفرنسيين بأن "ليّ الأذرع" والأساليب الغليظة هما الحل الوحيد، والمخرج الوحيد، مخطئون. فهذا لا يجدي في أي مجال".

وبعد أن أبدى الوزير أسفه "للظروف التي جرى فيها هذا التصويت" في الجمعية الوطنية، أوضح أن "الدليل" على عدم فعالية هذا النهج هو أن "قناة التواصل اليوم مقطوعة تماما مع الجزائر".

هذا وتستمر أزمة دبلوماسية بين باريس والجزائر منذ أكثر من عام، بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 بخطة الحكم الذاتي المغربية لحل النزاع حول الصحراء الغربية، وهو القرار الذي سانده مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير بتاريخ 31 أكتوبر 2025.

وشدد نونيز مرارا منذ انضمامه إلى الحكومة، على ضرورة استئناف "الحوار" مع الجزائر، مسلطا الضوء على الحاجة إلى التعاون الأمني، خصوصا في مكافحة الحركات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي.

ويتجلى جمود العلاقات بين فرنسا والجزائر خصوصا في الوقف الكامل للتعاون في مجال الهجرة؛ إذ أكد وزير الداخلية الفرنسي أن "الجزائر لم تعد تقبل (ترحيل) مواطنيها الموجودين في وضع غير نظامي منذ الربيع الماضي".

وبحسب نونيز، تم تنفيذ 500 عملية ترحيل قسري من فرنسا إلى الجزائر بحلول نهاية أكتوبر 2025، مقارنة بـ1400 عملية إبعاد قسري خلال الفترة نفسها من سنة 2024.

وأدى ذلك إلى امتلاء مراكز الاحتجاز الإداري الفرنسية "بالكامل"؛ حيث أشار الوزير الفرنسي إلى أن الجزائريين يشغلون "40% من الأماكن الاحتجاز الإداري". وفق المتحدث ذاته.

من جانبها، انتقدت المعارضة اليسارية خطوة البرلمان الفرنسي بشدة. حيث وصف زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون التصويت بأنه "عار جديد يعيد حروب الماضي".

فيما تساءل أوليفييه فور من الحزب الاشتراكي عن غياب الكتلة الماكرونية التي سمحت بغيابها بتمرير اللائحة.

وبدا انقسام المعسكر الرئاسي واضحا في أرقام التصويت؛ إذ لم يشارك سوى 30 نائبا من أصل 92 في الكتلة الرئاسية بالاقتراع ضد اللائحة، فيما امتنع آخرون وغاب عدد كبير عن الجلسة، وهو ما عكس هشاشة الأغلبية الداعمة لماكرون أمام تكتل اليمين.

ETGW7JKXHRA63H4RMRNUJITDQU.jpg

“دولة عدوة”

أثارت تصريحات وزير الداخلية الجديد غضبا في أقصى اليمين السياسي الفرنسي، وفي هذا الصدد، صرّح الكاتب والسياسي اليميني المتطرف إريك زمور، بأن "الجزائر اليوم دولة عدوة، لذا يجب معاملتها كعدو".

وانتقد زمور خلال برنامج حواري على قناة BFMTV، 02 نوفمبر 2025، وزير داخلية بلاده بقوله: "يكفي قراءة ما جاء على لسان نونيز لفهم أنه سينحني للجزائريين، كما فعل أسلافه".

ورأى المتحدث ذاته أن المواجهة مع الجزائريين ضرورية، وأنه يجب فرض توازن القوى معها.

ودعا زمور إلى "إلغاء جميع التأشيرات"، و"منع لمّ شمل العائلات"، و"تجميد الأموال التي يرسلها الجزائريون إلى الجزائر عبر ويسترن يونيون"، بل وحتى "منع كبار الشخصيات الجزائرية من القدوم إلى فرنسا لتلقي العلاج".

بدوره، أكد اليميني المتطرف سيباستيان شينو، ضرورة تحقيق توازن القوى مع الجزائر، واستعمال النفوذ الفرنسي الكامل لتبين فرنسا للجزائر أنها لن تقبل باستغلالها.

وأردف شينو لإذاعة فرانس إنتر، الأحد 02 نوفمبر 2025، "أقول دعونا نفعل ذلك، أولا لأنه يتعلق بالنظام الجزائري. وأنا لا أخلط أبدا بين الجزائريين وهذا النظام المعادي لفرنسا، والذي يُسيء إلى فرنسا يوميا، والذي يعتقل اثنين من مواطنينا ويرفض رفع أوامر ترحيلهما، رغم أنهما لم يعد لهما أي عمل على أراضينا".

“مزيد من التشدد”

في قراءة أكاديمية لهذه التطورات، قالت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أمينة رباحي: إن الجدل الدائر في الساحة السياسية الفرنسية حول إلغاء اتفاقية 1968 الخاصة بتنظيم شؤون الهجرة الجزائرية يعكس تحوّل الخطاب السياسي الفرنسي نحو مزيد من التشدد والعداء للأجانب.

وتابعت رباحي لموقع "الجزائر الآن" في 31 أكتوبر 2025، وذلك في ظل صعود اليمين المتطرف الذي يوظّف ملف الهجرة كورقة انتخابية داخلية.

وأوضحت أن المعاملة التفضيلية التي استفاد منها الجزائريون وفق نص الاتفاقية، أثارت مع مرور الوقت رفضا متزايدا من التيارات اليمينية المتطرفة بفرنسا، والتي عدت الاتفاقية خرقا لمبدأ المساواة بين الجاليات الأجنبية.

واستذكرت في هذا السياق تصريح الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي وصف الاتفاقية بأنها "تمنح أفضلية غير مبررة للجالية الجزائرية"، مقدرة أن ذلك شكّل منطلقا لخطاب سياسي يغلب عليه الطابع الشعبوي والعنصري.

وأكدت الأستاذة الجامعية أن تصويت الجمعية الوطنية لا يترتب عليه أي أثر قانوني مباشر؛ لأن البرلمان الفرنسي لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاقيات الدولية، إذ يُعد هذا الاختصاص من صلاحيات السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية.

وتوقعت أن يؤدي هذا التوجه اليميني المتطرف إلى زيادة حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا إذا تمادت باريس في خطوات أحادية الجانب تمسّ بمصالح الجالية الجزائرية التي تفوق مليوني شخص.

ورأت أن الجزائر "لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي تصعيد من هذا النوع"، وقد تلجأ إلى الرد بالمثل أو مراجعة الاتفاقيات الثنائية لحماية مصالحها ومصالح جاليتها.

بدوره، أكد الكاتب الصحفي الفرنسي فريديريك بوبين، أن تصويت الجمعية لإبطال اتفاق الهجرة يشكل عقبة جديدة أمام المصالحة بين فرنسا والجزائر.

ورأى بوبين في تحليل لجريدة "لوموند" في 31 أكتوبر 2025، أنه من المرجح أن يتصاعد مناخ التوتر بين البلدين مجددا، عقب تصويت النواب الفرنسيين.

وأردف، كنا نترقب بوادر التعافي بعد عام مروع، وسلسلة من الأزمات بين باريس والجزائر بلغت حدا غير مسبوق منذ الاستقلال، مما يعني أن مطلب التهدئة سيتأخر من جديد بين البلدين.

وتوقف الكاتب الصحفي أن يؤدي هذا التصويت إلى إشعال فتيل التوترات بين العاصمتين، العالقتين الآن في دوامة من انعدام الثقة المتواصل. 

وأشار إلى أن هذا الجو البارد يجسده ردّ فعل رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو، الذي دعا إلى "إعادة التفاوض" على معاهدة عام 1968، وأكد أن "علاقة فرنسا مع الجزائر تبدأ أساسا بمصالحنا الخاصة"، مما يعني الابتعاد عن التطلعات التصالحية بين الجانبين في الأفق القريب.