إعادة اللاجئين السوريين لبلادهم.. لماذا تتباين مواقف الحكومة الألمانية؟

"مع انتهاء الحرب في سوريا يجب أن يكون هناك احتمال تدريجي للعودة"
يكتسب النقاش داخل الحكومة الألمانية زخماً متزايداً بشأن مصير اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسط تباين واضح في المواقف بين من يدعو لتفعيل عمليات الترحيل ومن يعارض ذلك.
وقد برز هذا الجدل بين المستشار الألماني فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تحدث عن ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم أو ترحيلهم عند اللزوم، وبين وزير الخارجية يوهان فاديفول الذي عبّر عن موقف معاكس خلال زيارته إلى دمشق في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

اللاجئون في ألمانيا
وخلال زيارته إلى سوريا ولقائه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، أشار فاديفول إلى أن الحرب قد انتهت بالفعل، إلا أن سوريا غير قادرة حاليا على استقبال أعداد كبيرة من العائدين بسبب الدمار الواسع في البنية التحتية. وقال الوزير، أثناء ظهوره أمام مبان مدمرة: "العودة الممكنة الآن محدودة للغاية، فهناك مناطق واسعة باتت غير صالحة للحياة الإنسانية الكريمة".
إلى جانب ذلك، أعلن فاديفول نية الحكومة الألمانية استئناف ترحيل المجرمين إلى سوريا، ودعا الشرع إلى زيارة برلين لمناقشة التعاون في هذا الملف، وأوضح أن تقديم طلبات لجوء جديدة لم يعد له مبرر وفق الواقع الحالي. كما أعرب عن اعتقاده بأن عدداً محدوداً فقط من اللاجئين سيختار العودة طوعاً.
هذا الموقف تزامن مع تصريحات للمستشار ميرتس أكد فيها أن "من يرفض العودة يمكن ترحيله"، ما أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والإعلامية.
ويبلغ عدد السوريين المقيمين في ألمانيا نحو مليون شخص، ما يجعلهم ثالث أكبر جالية أجنبية بعد الأتراك والأوكرانيين. ويسهم هؤلاء بشكل ملحوظ في سوق العمل، خاصة في قطاعي الرعاية الصحية والخدمات، حيث تشير الجمعية الطبية الألمانية إلى وجود أكثر من 7000 طبيب سوري يعملون في البلاد.
ومقابل ذلك، توجد فئة من السوريين لا تمتلك وضع إقامة مستقر، إذ تشير بيانات رسمية إلى أن 10,700 شخص مطلوب منهم مغادرة ألمانيا، غير أن نحو 9,800 منهم مُنحوا إقامة مؤقتة.
كما أن قرار البرلمان الألماني في يونيو/حزيران 2025 القاضي بتعليق لمّ شمل أسر الحاصلين على "الحماية الثانوية" لمدة عامين أدى إلى حالة إحباط واسعة بين السوريين، خصوصاً أن عدد المستفيدين من هذا النوع من الحماية بلغ نحو 350 ألف شخص.

جدل الترحيل
يريد وزير الداخلية دوبريندت (حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) المضي في عمليات ترحيل اللاجئين إلى سوريا، بينما يعارض وزير الخارجية ذلك حالياً استناداً إلى تقييمات الوضع الأمني على الأرض. ويحظى موقف فاديفول بدعم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزبي الخضر واليسار، الذين يحذرون من مخاطر الترحيل في ظل استمرار بعض مظاهر الاضطراب ووجود تهديدات محتملة في عدد من المناطق.
وضمن هذا السياق، قال الصحفي السوري المقيم في ألمانيا محمد عماد لـ"الاستقلال": إن الجدل الدائر حول قضية ترحيل اللاجئين السوريين أو تسريع إجراءات ترحيلهم تقوده بالأساس الأجنحة اليمينية داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يتزعمه المستشار الحالي. وأضاف أن الوضع القانوني للاجئين السوريين في ألمانيا معقد، إذ تشترط السلطات إجراء تقييم شامل للحالة الأمنية في سوريا بكامل جغرافيتها قبل اتخاذ قرار بسحب الحماية أو إلغاء صفة اللجوء، ولا يمكن تنفيذ ذلك بشكل فوري دون دراسة دقيقة.
وتابع عماد قائلاً: إن العودة ينبغي أن تكون طوعية ومدروسة، وأن تكون مرتبطة بتأكد السلطات الألمانية من توفر حد أدنى من الاستقرار والأمان في مختلف المناطق السورية، وهو ما يطالب به عدد من الساسة والبرلمانيين الألمان. وأشار إلى أن أي تغييرات مفاجئة في وضع اللاجئين قد تتجاهل معطيات مهمة، مثل استمرار آلاف السوريين في المدارس والجامعات الألمانية، إلى جانب اندماج واسع في سوق العمل والمجتمع.
ولفت عماد إلى أن الرافضين لعمليات الترحيل يستندون إلى تقارير منظمات دولية كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، التي ترى أن معظم مناطق سوريا لا تزال مصنفة غير آمنة. وأضاف أن هذا الواقع يجعل غالبية دول الاتحاد الأوروبي ممتنعة في الوقت الراهن عن تنفيذ عمليات ترحيل إلى سوريا، بسبب استمرار حالات التوتر الأمني والتجنيد الإجباري في بعض المناطق، خاصة في شمال شرقي البلاد.
وأشار كذلك إلى أن بعض البلديات الألمانية تتعامل مع المسألة من منظور اقتصادي واجتماعي، إذ تستند إلى نسب اندماج اللاجئين في سوق العمل، فمثلاً في بافاريا يشكل ذوو الأصول الأجنبية 41 بالمئة من العاملين في قطاع رعاية المسنين، وهو ما يجعل مسألة الاستغناء عنهم صعبة.
كما أوضح أن الأشهر الأخيرة شهدت صدور أحكام من محاكم إدارية ألمانية تسمح بتصنيف بعض المناطق السورية على أنها قابلة للعودة، ما فتح الباب أمام إمكانية تنفيذ عمليات ترحيل محدودة، وأدى إلى تصاعد الجدل السياسي حول تقييم الوضع الأمني.
وختم عماد بالقول: إن تطورات ملف الهجرة تتسارع بوتيرة أكبر من الخطاب السياسي للحكومة الألمانية، فالوضع في سوريا ما يزال بعيداً عن الاستقرار الكامل في ظل وجود نزعات انفصالية وواقع سيادي منقسم، ما يفرض على برلين تحديات إضافية في صياغة سياستها تجاه اللاجئين، بحيث تراعي الجوانب الإنسانية والأمنية في آن معاً.

العودة الطوعية
تصريحات وزير الخارجية أثارت انتقادات داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ما دفع المستشار ميرتس للتأكيد لاحقاً أن هدف الحكومة لا يزال تشجيع اللاجئين على العودة. وفي مقابلة مع قناة ARD في 7 نوفمبر 2025، اقترح ينس سبان تقديم حوافز مالية أكبر للراغبين في العودة، موضحاً أن الدعم الحالي يبلغ 1000 يورو للفرد و4000 للأسرة، دون تحديد نسبة الزيادة المحتملة.
ورغم ذلك، أكد سبان ضرورة الإقرار بأن سوريا لا تزال تعاني بشدة، وأن العودة لن تكون فورية بل تدريجية، وقد تتطور لاحقاً إلى "التزام بالعودة".
تزايد الجدل حول الهجرة بعد صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف إلى المرتبة الثانية في انتخابات فبراير 2025، وهو حزب يطالب بترحيل الأجانب عموماً والسوريين خصوصاً.
وتشير الإحصاءات إلى انخفاض كبير في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2025 بنسبة 67.1% مقارنة بالعام السابق، إلا أن السوريين ما زالوا يشكلون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في ألمانيا.
وتجمع الحكومة الألمانية على ضرورة ترحيل السوريين المدانين بجرائم، بينما لا يُناقش حالياً ترحيل السوريين المندمجين والمستقرين وظيفياً.
ويرى مراقبون أن أي تحول في سياسة اللجوء يتطلب أولاً وضع خطة أوروبية مشتركة تشجع العودة الطوعية، وتحديد ما إذا كان الترحيل قابلاً للتنفيذ قانونياً وعلى نحو يراعي حقوق الإنسان.














