دول الساحل تتجه لتفعيل القوة العسكرية الموحدة.. فرص النجاح والعقبات

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أمام تنامي الإشكالات الأمنية، أعلنت دول تحالف الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، عن تسريع الخطوات لتفعيل قوة عسكرية مشتركة، وسط تساؤلات عن أهدافها والعوائق التي قد تؤثر على فعاليتها.

الخطوة المشتركة تم الإعلان عنها خلال اجتماع رفيع المستوى استضافته العاصمة النيجرية نيامي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، ضم وزراء دفاع دول تحالف الساحل.

وبحث الاجتماع سبل تسريع تفعيل القوة العسكرية المشتركة المعلنة مطلع عن فكرتها مطلع 2025، في ظل تزايد التهديدات الأمنية بالمنطقة.

تحولات متسارعة

الاجتماع الذي ترأسه رئيس النيجر، عبد الرحمن تياني، بحضور وزراء الدفاع في الدول الثلاث، ناقش ترتيبات القيادة الموحدة وآليات تبادل المعلومات والتنسيق الميداني لضمان جاهزية القوة لتنفيذ مهامها.

ومن المقرر أن تضم القوة نحو خمسة آلاف جندي، وتتخذ من نيامي مقرا لقيادتها المركزية في القاعدة السابقة لعملية "برخان" الفرنسية، بقيادة العقيد البوركينابي إريك دابيري.

وأكد رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري أن تجهيز الكتائب “يتم وفق معايير موحدة، رغم أن كل دولة تتولى شراء عتادها منفصلا”.

ويأتي هذا التحرك في ظل انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من منطقة الساحل، وتراجع التنسيق مع بعثات الأمم المتحدة، ما دفع دول التحالف إلى تبني إستراتيجية دفاعية ذاتية. 

وتعتمد هذه الإستراتيجية على “القدرات الوطنية لمواجهة الجماعات المسلحة العابرة للحدود، خاصة في المثلث الحدودي بين الدول الثلاث”.

ويعكس الاجتماع رغبة الدول الأعضاء في إعادة صياغة معادلة الأمن الإقليمي، بعيدا عن الارتباط المباشر بالقوى الدولية، في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة، وتنامي خطر الجماعات "الجهادية"، التي تفرض حصارا على عاصمة مالي باماكو منذ أكثر من شهرين، وفق تقارير أمنية.

يُذكر أن تحالف دول الساحل هو تكتل إقليمي أنشأته المجالس العسكرية الحاكمة لدول مالي وبوركينا فاسو والنيجر في يوليو/ تموز 2024، وهو امتداد لتحالف دفاع مشترك وقعته في سبتمبر/ أيلول 2023، تزامنا مع عقوبات فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

وتضمنت أهداف الكونفدرالية التنسيق العسكري، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والقضاء على "المنظمات المصطنعة والعميلة"، إضافة إلى التنسيق السياسي والدبلوماسي، وتعزيز التبادل التجاري والثقافي.

أهداف مشتركة

في قراءته لهذا التطور، يرى الباحث المغربي في الشؤون الإفريقية، زكرياء أقنوش، أن القوة الموحدة المعلن عنها هي امتداد لتحالف الدفاع المشترك الذي وقعته دول الساحل في سبتمبر/أيلول 2023، بالتزامن مع فرض عقوبات من قِبَل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس".

وأضاف أقنوش لـ"الاستقلال"، أن التنسيق العسكري بين هذه الدول يهدف إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة واستمرار تفعيل التحالف الثلاثي، مشيرا إلى أن التهديد الأمني ما يزال قائما، وأن النتائج المحققة على صعيده تتسم بالتذبذب.

ومن التحديات الكبرى التي تواجه تفعيل هذه القوة الموحدة، الوضع الإنساني المتدهور في المنطقة، إذ نشرت الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2025 تقريرا يشير إلى وجود نحو 4 ملايين نازح في منطقة الساحل بسبب أعمال العنف وانعدام الأمن.

وعن أسباب تشكيل القوة الموحدة، أوضح أقنوش أن "الهدف الرئيس هو مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والقضاء على المنظمات الإجرامية، إلى جانب وجود تعاون سياسي ودبلوماسي لتعزيز التبادل التجاري والثقافي".

ووصف تأسيس القوة الموحدة بأنه "خطوة جماعية تبنتها الدول الثلاث"، لافتا إلى أنها تأتي في سياق "الخروج من بعض المنظمات الدولية والإقليمية التي تعارضت إستراتيجيتها مع ما تتبناه تلك الهيئات".

ولم يقتصر الأمر على "إيكواس"، بل انسحبت الدول الثلاث بشكل مشترك من المحكمة الجنائية الدولية في 22 سبتمبر/أيلول 2025، وقطعت علاقاتها بالمنظمة الدولية للفرانكفونية في مارس/آذار 2025.

ويرى أقنوش أن هذه "الخطوات الصدامية"، وفق تعبيره، "وجدت في معظمها مستوى كبيرا من القبول الشعبي، ما شكل حافزا قويا للعسكر للمضي قدما، حيث ترسخت في أذهان الكثير من مواطني هذه الدول أن الأنظمة العسكرية الحاكمة تنشد السيادة والاستقلال".

ورغم إشارته إلى أن بعض الإجراءات أثمرت نتائج ملموسة، خصوصا في إعادة التفاوض مع الشركات لرفع حصص الاستفادة من المعادن، فإنه أكد أن "الواقع يشير إلى أن البدائل التي تقدمها هذه الأنظمة العسكرية الانتقالية لا تكاد تختلف كثيرا في بعض جوانبها عما كان قائما، والأهم أن التهديد الأمني لا يزال قائما".

شركاء إقليميون

الاجتماع المشترك الجديد يأتي بعد تحركات سابقة للتحالف، إذ التقى وزراء خارجية تحالف دول الساحل برئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، لمناقشة التعاون بين المنظمتين، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وذلك على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب ما نقل موقع "قراءات إفريقية" في 25 سبتمبر 2025، فقد حدد الوزراء عبد الله ديوب (مالي)، وباكاري ياوو سانجاري (النيجر)، وكاراموكو جان ماري تراوري (بوركينا فاسو) أهم توقعات تحالف دول الساحل من الاتحاد الإفريقي في ظل الأزمة المستمرة في المنطقة. 

وأكدوا أن قرارات المنظمة "يجب أن تراعي الظروف الحقيقية".

ورحبت وفود دول التحالف بمبادرات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الرامية إلى إرساء الحوار، بما في ذلك إرسال بعثات لدراسة الوضع الميداني.

 وصرح تراوري بقوله: "علينا تصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال الانغماس في واقعنا والتفاعل المباشر مع المناطق…، إن إفريقيا بأكملها، وليس منطقة الساحل فقط، تواجه الإرهاب.. لا يمكننا الحديث عن مكافحة الإرهاب دون دول التحالف".

كما أعرب الوزراء عن اعتقادهم بأن "الإرهاب في المنطقة ما يزال قائما إلى حد كبير بسبب التدخل الخارجي والدعم القادم من الدول المجاورة".

بدوره، أشار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى أنه أحاط علما بمخاوف وزراء التحال، ووعد بأن الاتحاد سيسعى، تحت قيادته إلى "تكييف قراراته مع الواقع الوطني وتجنب عزل الدول الأعضاء في تحالف دول الساحل".

وأفاد محمود علي يوسف بأن "المفوضية، التي أرأسها، ستواصل دعم التحالف وتقديم المشورة له، وستأخذ أيضا انتقاداته في الاعتبار.. سنمضي قدما معا".

وفي إطار الانفتاح على المحيط الإقليمي، استقبل وزير الدفاع السنغالي الجنرال بيرام جوب، وفدا عسكريا ماليا رفيع المستوى برئاسة العقيد عمارو مايغا، المستشار التقني للتعاون بوزارة الدفاع، لبحث سبل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

وبحسب موقع “أفريكان بيرسيبشنز” في 6 نوفمبر 2025، تأتي المحادثات في ظل تدهور الأمن في مالي، حيث تواجه البلاد أزمة وقود حادة نتيجة الحصار الذي تفرضه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" عبر هجماتها المتكررة على قوافل الإمداد.

وتربط البلدان مصلحة أمنية واقتصادية متبادلة، حيث تعد السنغال موردا أساسيا للوقود إلى مالي، التي كانت بدورها الشريك التجاري الإفريقي الأبرز للسنغال خلال 2024، حيث استحوذت على أكثر من نصف صادراتها إلى القارة.

عوائق التفعيل

ويرى الباحث السياسي السينغالي ريك لو موايا تامبا، أن “الإرادة السياسية بين قادة التحالف واضحة وجلية، لكن القدرة العملياتية لخلق استجابة عسكرية فعالة ما تزال بحاجة إلى إثبات”.

وأوضح لو موايا تامبا لـ"الاستقلال"، أن "الجيوش الوطنية بالدول الثلاث، ورغم خبرتها، إلا أنها تواجه تحديات مستمرة، ومنها نقص المعدات الثقيلة، والعجز اللوجستي، والوقوع تحت تأثير معلومات استخبارات العدو، وضعف التنسيق الجوي".

وشدد على أن "كل هذه العوامل والقيود تؤثر بشكل مباشر على الأثر الإستراتيجي للمبادرات المشتركة، ومنها القوة العسكرية بين التحالف".

وإلى جانب التنسيق العسكري، يردف لو موايا تامبا، بأن "التحالف يمكنه أن يُرسي أسس عقيدة لمكافحة الإرهاب خاصة بمنطقة الساحل".

وذكر أن "العقيدة الجديدة للتحالف كما تم التعبير عنها من قادته، تهدف إلى الإدماج المنهجي لعامل المجتمع في تحليل الصراعات؛ وإعادة تأهيل الزعماء التقليديين كجهات وساطة؛ ورابط أوثق بين التنمية المحلية والسلام؛ وسياسة إعادة دمج المقاتلين السابقين القائمة على البراغماتية المحلية".

وشدد الباحث السياسي على أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بـ"كسب الحرب" ضد الجماعات المسلحة، بل بـ"استعادة المجتمعات"، وهي صياغة متطابقة مع الخطاب الرسمي للقادة العسكريين لدول التحالف، والذين يدعون إلى استعادة السيطرة الفعلية على المناطق المفقودة واستعادة حضور الدولة في المجتمعات المحلية.

ورأى أن هذا الطموح يعكس رغبة لدى النخب الساحلية في استعادة دور الأمن.

كما يهدف هذا الطموح الذي يُشدد عليه القادة العسكريون باستمرار، إلى دمج الهياكل الاجتماعية المحلية بشكل أفضل في الاستجابة الأمنية.

وأشار لو موايا تامبا إلى أن "تحالف دول الساحل يقدم نفسه كنقطة تحول رمزية في السعي لتحقيق السيادة الأمنية غرب إفريقيا، إذ يعبر عن إرادة ثلاثة أنظمة لاستعادة مصيرها الإستراتيجي في ظل فشل الآليات الإقليمية وانعدام الثقة تجاه الشركاء الخارجيين".

ومع ذلك، يرى المتحدث ذاته أن مستقبلها ما يزال غامضا، مستدركا، غير أن التعاون العسكري بينها سيشكل نموذجا فرديا في الإقليم، إن تم العمل عليه عبر إنشاء قيادة موحدة، وتمويل مشترك، وآليات مساءلة شفافة، بما يعزز مصداقية هذا المسار.

وأضاف أن السيناريو الثاني يتمثل في "الركود"، أي ضعف تفعيل فكرة القوة المشتركة، بسبب نقص الموارد، والتنافس الداخلي المستمر، والاعتماد المتزايد على الجهات الخارجية، مما قد يحوّل هذه القوة المشتركة إلى مجرد واجهة للتحالف.

وأما السيناريو الأكثر طموحا، بحسب لو موايا تامبا، فهو توسيع هذه القوة المشتركة أو تكاملها مع أطر إفريقية أخرى، لتصبح مختبرا لحوكمة الأمن الإفريقي الشامل، القائم على مبدأ الاستقلالية عن الخارج واعتماد الحلول المحلية.

وخلص إلى أن تقييم سلطات التحالف لن تتم على أساس تعزيز القوة العسكرية المشتركة فقط، بل من خلال قدرتها على تحويل ممارسات الحكم، واستعادة ثقة المجتمعات الساحلية، ودمج أفعالها في منطق التكامل الإفريقي المستدام.