محكمة ليبية تبطل قرارات أصدرها مجلس نواب برلمان صالح ـ حفتر.. كيف رد الشرق؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

تتواصل حالة الانقسام السياسي في ليبيا مع بروز فصل جديد من الجدل القانوني، بعد حكم ببطلان قانون يتعلق بنقل اختصاص إصدار الجريدة الرسمية. 

ففي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أصدرت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا قرارا قضى ببطلان قانون رقم 10 لسنة 2022، الذي كان قد نقل اختصاص إصدار الجريدة من وزارة العدل إلى مجلس النواب.

هذا القرار الذي يعد نقطة تحول محتملة في مسار الإصلاح القانوني، يأتي وسط جهود مكثفة لتوحيد المؤسسات وتعزيز دولة القانون في ليبيا المنقسمة سياسيا.

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تعاني ليبيا من انقسام عميق أدى إلى ظهور مؤسسات منافسة، أبرزها مجلس الدولة وحكومة معترف بها دوليا في طرابلس، ومجلس للنواب وحكومة تابعة للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في الشرق.

وأقر مجلس النواب قانونا في 2022 بهدف "السيطرة" على الجريدة التي تعد الوسيلة الرسمية لنشر التشريعات. لكن الدائرة الدستورية رأت في قرارها الجديد أن "هذا الإجراء ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ركن أساسي في الدستور"، مما دفعها إلى إصدار الحكم الأخير.

الحكم الذي أثار جدلا كبيرا، أكد أن القوانين الصادرة عن مجلس النواب بعد 2022 تعاني من "خلل دستوري"، ما يتطلب إعادة صياغتها ونشرها عبر الجريدة الرسمية الصادرة عن وزارة العدل.

وأشار إلى أن "أحكام المحكمة العليا تكشف الثغرات القانونية، ما يضع المؤسسات أمام تحد كبير لضمان الالتزام بالإطار الدستوري".

خطوات عملية

ومباشرة بعد الإعلان الدستوري، أفصح رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، عن نيته تشكيل لجنة قانونية متخصصة، مهمتها مراجعة القوانين كافة الصادرة عن برلمان طبرق في الشرق.

وأشار المنفي خلال بيان في 3 نوفمبر 2025 إلى أن الهدف من هذه المراجعة هو تقييم تلك القوانين والتأكد من مواءمتها مع أحكام الاتفاق السياسي والمتطلبات الشرعية الدستورية.

وتزامن هذا الإعلان مع صدور حكمين مهمين عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

إذ أبطلت المحكمة تعديلات مجلس النواب التي كانت تقضي بتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين في قضايا الإرهاب والجرائم الموجهة ضد شخصيات الدولة.

وفي سياق الأحكام القضائية، رحب المنفي بالحكم القاضي بعدم دستورية القانون رقم 10 لسنة 2022 بشأن الجريدة الرسمية.

وأكد أن أحكام المحكمة العليا ذات طبيعة كاشفة، وأن هذا الحكم يبين ما شاب القوانين المخالفة من عوار دستوري منذ تاريخ صدورها.

وشدد على التزامه بسيادة القانون واحترام القضاء واستقلاله، وهو ما يعد تأكيدا على التمسك بالمسار الدستوري والقضائي كفيصل في الخلافات السياسية.

في الاتجاه نفسه، رحّب المجلس الأعلى للدولة بقرار الدائرة القاضي بعدم دستورية قانونيْ تعديل الجريدة الرسمية، وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات العسكرية.

وعدّ المجلس برئاسة محمد تكالة أن الحكم الأول يعيد التوازن المؤسسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد أن أخلّ البرلمان بمبدأ الفصل بين السلطات، حين نقل تبعية الجريدة الرسمية إليه في تجاوز واضح لاختصاصات السلطة الأخيرة.

كما وصف الحكم الثاني بأنه انتصار للحقوق والحريات وصون للضمانات الدستورية للمدنيين، إذ ألغى النصوص التي كانت تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، مؤكدًا أنه يتوافق مع التزامات ليبيا الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأكد المجلس الأعلى للدولة أن احترام أحكام المحكمة العليا واجب على جميع السلطات، التزامًا بمبدأ سيادة القانون ووحدة القضاء في ليبيا.

وتلافيا لحالة الفراغ القانوني الناتج عن إبطال الجريدة الرسمية الصادرة عن مجلس النواب، أعلن رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار مصطفى محمد قرارا "بإعادة دعاوى وطعون محجوزة للحكم أمام الدائرة الدستورية بمحكمة النقض (المحكمة العليا) إلى المرافعة من جديد".

وأشار القرار إلى "الاستمرار في العمل بالقوانين واللوائح الصادرة عن مجلس النواب بصفتها نافذة، ولا يجوز وقف العمل بها أو إلغاؤها أو تعديلها ما لم يصدر عن المجلس ذاته تشريع يلغيها أو يعدلها".

وطالب رؤساء الهيئات القضائية ورئيس المحكمة العسكرية العليا والمدعي العام العسكري والجهات المختصة الأخرى كل في نطاق اختصاصه باتخاذ ما يلزم لتنفيذ القرار.

الشرق الليبي

في الطرف الآخر من ليبيا، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، التابع لسلطة حفتر: إن البرلمان هو الجهة المعنية بتنظيم القضاء، وإن ما يتخذه من إجراءات لا تعد تدخلا في عمل الأخير أو استقلاليته.

وردا على القرار الدستوري وتعليق المنفي عليه، نقل موقع "ليبيا الأحرار"، في 4 نوفمبر 2025، أن صالح اتهم رئيس المجلس الرئاسي بالتدخل في شؤون السلطتين التشريعية والقضائية، معتبرا ترحيبه بأحكام المحكمة العليا محاولة لتسييس القضاء وانتقاء ما يناسبه من أحكام.

وحول سحب اختصاص الرقابة الدستورية من المحكمة العليا، أوضح صالح أن "مجلس النواب هو من أعطى هذا الاختصاص وهو من سحبه".

وأشار إلى أن قانون المحكمة الدستورية الذي جرى إصداره لاحقا يهدف إلى تكوين محكمة من قضاة مؤهلين ومتخصصين ومتفرغين لهذه المهمة.

واسترسل أن "قضاة المحكمة العليا لا ولاية لهم بهذا الشأن، فالذي أعفاها بسحب النظر في دستورية القوانين منها، هو أفضل من قضاة غير مؤهلين لهذه المهمة".

وتوقف المتحدث ذاته عند وجود تباين داخل المجلس الرئاسي نفسه، لافتا إلى أن النائبين، عبد الله اللافي وموسى الكوني، كانا قد أيّدا قانون مجلس النواب، على عكس اعتراضات المنفي، بحسب تقديره.

إذ شدد عضوا المجلس الرئاسي اللافي والكوني على أن "استقلال القضاء يمثل ضمانة لحماية الحقوق وصون مبدأ الشرعية".

وحذر العضوان في بيان مشترك، من "الزج بالقضاء في التجاذبات السياسية أو استخدامه كأداة لخدمة الخلافات الشخصية".

ولم يتوقف الجدل عند عقيلة صالح، إذ انضم إليه زميله في سلطات الشرق رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد.

وقال حماد خلال بيان في 3 نوفمبر: إن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا "ملغاة قانونا"، وإن ما يصدر عنها "هو والعدم سواء".

وأكد أن كل ما يعلنه المجلس الرئاسي من بيانات أو قرارات "لا أثر قانونيا له"، نظرا لانتهاء ولايته وفق اتفاق جنيف.

وذكر أن اتفاق جنيف جرى توقيعه عام 2020 وأدى إلى إنشاء المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة بهدف توحيد البلاد وتمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأوضح أن القانون رقم (5) لسنة 2023، الصادر عن مجلس النواب بشأن إنشاء المحكمة الدستورية العليا، هو الذي ألغى عمل الدائرة الدستورية بمحكمة النقض السابقة.

كما ألزمها بإحالة الطعون كافة المنظورة أمامها إلى المحكمة الدستورية العليا التي أصبحت الجهة الوحيدة المختصة بنظر الطعون.

ولهذا، أضاف حماد أن "ما يصدر عن الدائرة السابقة بعد هذا القانون لا يحمل أي حجية قانونية أو قضائية".

ورأى أن المحكمة الدستورية العليا "باشرت مهامها القضائية بكامل صلاحياتها"، محذّرا من أن أي استمرار في عمل الدائرة السابقة "يعد اعتداء على وحدة القضاء ومحاولة لجره إلى الانقسام".

وشدد رئيس الحكومة المكلفة على أن احترام الشرعية يقتضي الالتزام بما يصدر عن مجلس النواب “بوصفه السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب”. وفق تعبيره.

وأشار حماد إلى أن الطعن في القوانين يكون فقط وفق الآليات التي حددها القانون رقم (5) لسنة 2023، مُحذرا من "افتعال أزمات قضائية أو دستورية لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة على حساب استقرار الدولة وسيادتها".

صراع الشرعية

ويؤكد المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الليبية، محمد صالح العبيدي، أن "عودة التراشق الكلامي بين البرلمان والمجلس الرئاسي في ليبيا يعكس خلافا وصراعا على الشرعية بين الطرفين، فكلاهما يسعى إلى إلغاء الآخر".

وأوضح العبيدي لـ "الاستقلال" أن "هذه الخطوة من رئيس المجلس الرئاسي لن تقود إلا إلى تأزيم وتفخيخ المشهد السياسي في البلاد، خاصة مع تشبث الرجل بإعادة النظر في قوانين صدرت عن البرلمان وفي الجريدة الرسمية".

وشدد على أن “المشهد السياسي في ليبيا الآن لا يحتمل مزيدا من الخطوات التصعيدية، سواء من البرلمان أو المجلس الرئاسي أو غيره”، خاصة في ظل تجدد الاشتباكات المسلحة في كل مناسبة، ما يعني أن وقف إطلاق النار مهدد بالانهيار.

وحول التأثيرات المستقبلية لقرار الدائرة الدستورية وطبيعة التعامل معه، أكد المستشار القانوني، أسامة أبو ناجي، أن ما رشح من تفاعلات تطعن وتشوش على وجود المحكمة العليا واختصاصها أمر مرفوض، ولن يؤثر عليها.

وأكد أبو ناجي لموقع "ليبيا 24" المحلي، في 7 نوفمبر 2025، أن المحكمة العليا، وخاصة الدائرة الدستورية، ما تزال تقف على أرض صلبة.

وأشار إلى أن هذه الأرضية بنيت على مدى 73 عاما من العمل المستمر، وهي مؤسسة قضائية راسخة تتمتع بكثير من الأحكام والمبادئ القانونية الثابتة.

وعدّ أن ما يحدث الآن ليس إلا محاولة لزعزعة النظام القضائي الليبي. مشددا على أن على جميع السلطات احترام الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا.

ورأى أبو ناجي، أن استمرار التضارب بين القرارات القضائية، سيُنتج نظاما قانونيا مُجزأ، حيث سيكون لبعض التشريعات فاعلية في غرب البلاد فقط، بينما لا يمكن تطبيقها في الشرق، والعكس.

ونبه إلى أن هذا الوضع قد يؤثر بشكل بالغ على القوانين القائمة، خصوصا بعد إلغاء أو تعديل قانون الجريدة الرسمية أخيرا، الأمر الذي سيؤدي إلى بطلان العديد من القوانين التي نشرت بناء على إجراءات غير معترف بها قانونيا.

وحسب أبو ناجي، فمن غير الممكن أن تُنفذ القوانين دون نشرها بشكل صحيح، حيث يُعد النشر من شروط نفاذ القوانين.

وأضاف أنه في ظل الوضع الحالي، لا يمكن الاستناد إلى تلك القوانين أو تنفيذها من قبل السلطات التنفيذية أو القضائية، مما يضع البلاد أمام أزمة قانونية عميقة.

وفيما يتعلق بالسبل المقترحة لحل هذا التضارب، أشار المستشار القانوني إلى أن الاتفاق السياسي وضع آلية واضحة لإقرار التشريعات في المرحلة الانتقالية، يشمل تشكيل لجنة لمراجعة القوانين الصادرة قبل هذا التوافق.

ودعا المستشار القانوني إلى ضرورة العودة إلى احترام سيادة القانون والتزام السلطات التنفيذية والقضائية بأحكام المحكمة، خاصة فيما يتعلق بالأحكام الدستورية.

وخلص أبو ناجي إلى تأكيد أن ليبيا بحاجة إلى العودة إلى مسار ديمقراطي حقيقي يرسخ سيادة القانون ويضمن استقلالية القضاء، بعيدا عن التدخلات السياسية التي قد تعصف بمستقبل البلاد.