خطة ترحيل الغزيين إلى جنوب إفريقيا وماليزيا وإندونيسيا.. من يقودها؟ ومن المستفيد؟

حسن عبود | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وصل 153 فلسطينيا من قطاع غزة إلى جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا بشكل مفاجئ ودون تنسيق مسبق؛ حيث جرى احتجازهم داخل الطائرة لنحو 12 ساعة قبل السماح بدخولهم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لتتولى منظمة "غيفت ذي غيفرز" غير الحكومية توفير مكان إقامة مؤقت لهم.

وأثار وصولهم بهذا الشكل تساؤلات واسعة حول كيفية خروجهم من غزة التي تعيش للعام الثاني تحت عدوان إسرائيلي مدمر، وفي ظل إغلاق جميع معابر القطاع المحاصر أمام حركة الأفراد، ما فتح باب الجدل بشأن الجهات أو الدول التي تقف خلف عمليات تسفير الغزيين إلى جنوب إفريقيا ودول أخرى كماليزيا وإندونيسيا.

لماذا مُنعوا من الدخول؟

فيما يتعلق بأسباب منع دخولهم في البداية، أعلنت شرطة الحدود في جنوب إفريقيا أن الفلسطينيين تم احتجازهم على متن الطائرة التي أقلّتهم لأن جوازات سفرهم خلت من أختام مغادرة صادرة عن السلطات الإسرائيلية.

وبقي الفلسطينيون محتجزين على مدرج المطار لساعات طويلة، الأمر الذي أثار غضب منظمات المجتمع المدني في البلاد، ودفع الرئيس سيريل رامافوزا للتدخل والسماح لهم بالدخول.

وقال رامافوزا للصحفيين في اليوم التالي: "على الرغم من أنهم لا يملكون الوثائق والأوراق اللازمة، فلا يمكننا إعادتهم. هؤلاء أناس من بلد مزقته الحرب، ومن باب الرحمة والتعاطف، يجب أن نستقبلهم".

وتُعد جنوب إفريقيا من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد وصلت مواقفها إلى حد مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وفي تصريح لافت، عبّر الرئيس رامافوزا عن قلقه قائلا: "يبدو أنهم (الفلسطينيون) يُطردون من قبل إسرائيل. سنحصل على التفاصيل لاحقًا".

وأوضح أن الحكومة فتحت تحقيقًا في الرحلات الجوية العارضـة "الغامضة" التي نقلت الفلسطينيين إلى البلاد دون استيفاء الوثائق والإجراءات الرسمية المتعارف عليها.

وليست هذه الرحلة الأولى من نوعها؛ فقد هبطت طائرة أخرى في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تقلّ 176 فلسطينيًا، لكن دخولهم تم دون عوائق تُذكر. أما الرحلة الأخيرة، فقد توقفت أولًا في العاصمة الكينية نيروبي، قبل أن تصل إلى جنوب إفريقيا بدون أختام مغادرة على جوازات سفر الركاب، وهو ما أعاد فتح ملف الاتهامات لإسرائيل بتسهيل خروج سكان غزة وفتح باب الهجرة القسرية منهم.

ومن أصل 153 فلسطينيًا وصلوا إلى جوهانسبرغ، غادر نحو 23 منهم إلى وجهات أخرى داخل جنوب إفريقيا أو خارجها، فيما بقي 130 شخصًا في البلاد، إضافة إلى 176 وصلوا في الرحلة السابقة.

وفي المقابل، قالت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025: إن الفلسطينيين الـ153 الذين وصلوا أخيرًا إلى جنوب إفريقيا غادروا غزة بعد حصولهم على موافقة دخول من "دولة ثالثة" لم تُسمّها.

وأفاد شيمي زواريتس، المتحدث باسم "هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية"، بأن خروج الفلسطينيين من غزة تم فقط: "بعدما حصلنا على موافقة من دولة ثالثة لاستقبالهم".

وأوضح زواريتس أن مكتبه يقوم بتسهيل مغادرة سكان غزة عبر إسرائيل إلى دول مضيفة، مشيرًا إلى أن ذلك يشمل المرضى المحتاجين إلى علاج طبي، وحملة الجنسيات المزدوجة وأفراد عائلاتهم، أو أولئك الذين يحملون تأشيرات سفر إلى وجهات أخرى. وفق تعبيره.

من أخرجهم؟

لم تُفصح إسرائيل رسميًا عن الجهة التي أوصلت الفلسطينيين إلى جوهانسبرغ، إلا أن منظمات مدنية في جنوب إفريقيا شككت في منظمة تُدعى "المجد أوروبا".

قال امتياز سليمان، مؤسس منظمة "هبة الواقفين"، إن هذه الرحلة تُعد الثانية من نوعها التي تصل إلى جنوب إفريقيا بطريقة مستأجرة وغامضة، مشيرًا إلى أن "المجد أوروبا" لها صلات بإسرائيل وتنظم خروج سكان غزة.

وأضاف سليمان: "لم يكن الركاب على دراية في البداية بوجهتهم، ولم يُقدم لهم أي طعام طوال اليومين اللذين استغرقهما السفر إلى جوهانسبرغ. يجب التحقيق في الأمر".

لا توجد معلومات كثيرة عن "المجد أوروبا"، لكن متابعة مراسل "الاستقلال" أظهرت أن هذه المؤسسة الغامضة نشرت رابطًا ممولًا عبر فيسبوك في وقت مبكر من عام 2025، تدعو من خلاله أهالي غزة إلى التسجيل من أجل الإجلاء.

وتدعي "المجد أوروبا" أنها مؤسسة ألمانية مقرها القدس، وتنفذ أعمالًا إنسانية لصالح الفلسطينيين منذ عام 2010، لكن البحث كشف أن موقعها تأسس بعد العدوان الأخير على غزة.

كشفت صحيفة "هآرتس" أن الشركة تُدار من إسرائيلي واستوني، وأنها نجحت في تهجير مئات الفلسطينيين من غزة بعد إتاحة خيار دفع حوالي 2000 دولار أميركي مقابل حجز مقعد على متن رحلات طيران مستأجرة إلى وجهات مثل إندونيسيا وجنوب إفريقيا.

وعلى خلاف ادعاءات المنظمة، أكدت "هآرتس" أنها غير مسجلة في ألمانيا أو القدس، كما علمت الصحيفة أن مكتب الهجرة الطوعية التابع لوزارة الجيش الإسرائيلية أحال الشركة إليه لتنسيق عمليات المغادرة.

ينص قانون الضرائب الألماني على أن المنظمات التي تتمتع بامتيازات ضريبية يجب أن تكون مدرجة في سجل الجمعيات الخيرية العام الذي يحتفظ به مكتب الضرائب المركزي الاتحادي (BZSt) لتلقي تبرعات معفاة من الضرائب، لكن "المجد أوروبا" لا تظهر في هذه القائمة، وفقًا لما ذكرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في 16 نوفمبر.

إضافة إلى ذلك، فإن عنوان البريد الإلكتروني المدرج على موقع المنظمة يُرجع رسائل آلية تفيد بعدم وجوده، كما يستخدم الموقع صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي لمسؤوليه التنفيذيين.

ما حقيقة استغلال الفلسطينيين؟

جرت أولى رحلات الإجلاء عبر "المجد أوروبا" في مايو/أيار 2025، وكانت مجانية كخطوة دعائية، حين وصل مسجلون عبر رسائل واتساب من أرقام إسرائيلية تطالب نحو 57 فلسطينيًا بالاستعداد للسفر.

في 27 مايو، تم نقلهم عبر حافلة من دير البلح وسط قطاع غزة إلى مطار رامون الإسرائيلي، حيث كان موظف من "المجد أوروبا" في استقبالهم، وتم حجز فنادق لهم لمدة شهر في وجهاتهم.

بعد النجاح الظاهر للرحلة الأولى التي استخدمتها المنظمة لإثبات مصداقيتها، بدأت "المجد أوروبا" تطلب مبالغ مالية تتراوح بين ألفين إلى خمسة آلاف دولار عن كل شخص يرغب في المغادرة.

أفادت السفارة الفلسطينية في جنوب إفريقيا بأن الرحلة الأخيرة رتبتها منظمة "غير مسجلة ومضللة" استغلت ظروف غزة الصعبة، وخدعت العائلات، وجمعت الأموال ورتبت السفر بشكل غير مسؤول، ثم تخلت عنهم عندما واجهتهم العقبات.

لم تُسمِّ السفارة المجموعة بشكل مباشر، لكن مصدرًا عسكريًا إسرائيليًا وصفها بأنها "المجد"، وفق ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في منتصف نوفمبر.

وأوضحت الصحيفة أن المنظمة تزعم أنها ساعدت في نقل أكثر من 150 فلسطينيًا من القطاع، وأفاد المصدر بأن إسرائيل نسقت دخول حافلات من معبر كرم أبو سالم إلى مطار رامون لمغادرة هؤلاء الفلسطينيين.

خطط التهجير الإسرائيلي

خلال عامين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حاولت إسرائيل تنفيذ خطط متعددة لتهجير الفلسطينيين من القطاع، لكنها اصطدمت بصمود الأهالي ورفض العديد من الدول استقبال اللاجئين الفلسطينيين، ما حال دون تحقيق تلك المخططات.

مع ذلك، تواصل إسرائيل تسهيل خروج أي فلسطيني تطلبه دولة أخرى أو توافق على استقباله، ومن بينهم الجرحى والمرضى، وأفراد عائلات حاملي جنسيات أخرى، والطلاب الحاصلين على منح دراسية، والكفاءات التي ترغب بعض الدول في احتضانها.

وأثارت منظمات حقوق الإنسان مخاوف بشأن أن تكون الرحلات الأخيرة التي تنقل فلسطينيين من القطاع جزءًا من خطة إسرائيلية ممنهجة لتهجير السكان.

ووفقًا لهيئات التنسيق الإسرائيلية، غادر حوالي 40 ألف فلسطيني قطاع غزة منذ بدء الحرب، وذلك بناءً على ترتيبات قالت إسرائيل إنها تمت بموافقة دول أخرى.

في هذا السياق، تخصص إسرائيل طائرات مستأجرة لنقل الفلسطينيين، حيث استأجرت سابقًا طائرة رومانية خصصتها لنقلهم من مطار رامون، عبر ترانزيت في بودابست، وصولًا إلى وجهات مثل ماليزيا وإندونيسيا، وفق ما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وتدور شبهات حول دور دولة الإمارات العربية المتحدة في تسهيل وتنفيذ خطط التهجير، إذ يُعتقد أنها تسهل نقل الفلسطينيين إلى ماليزيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا.

قال شاب من قطاع غزة يعيش في دبي لمراسل "الاستقلال": "هناك مؤسسة، لم أفصح عن اسمها، تعمل مع حكومة الإمارات، تقوم بتسجيل أسماء عائلات فلسطينية لديها أفراد يعيشون في الدولة الخليجية من أجل إجلائهم".

وأضاف: "سجلت أفراد عائلتي للإجلاء إلى الإمارات ومن ثم إلى إندونيسيا، بسبب عدم وجود حل لأزمة غزة حتى الآن، بما في ذلك فتح معبر رفح والسفر بشكل طبيعي".

وأشار إلى أن الإجلاء كان مشروطًا بالتوقيع على تعهد بعدم العودة إلى القطاع، مع منح كل فرد مبلغ 5000 دولار عند مغادرته إلى الدولة المستضيفة.

وأردف قائلاً: "قد تكون هذه الخطط انتهت بانتهاء الحرب، لكن الإمارات كانت تقود هذا المخطط وتموله، وتعتزم إرسال آلاف الفلسطينيين إلى دول مثل إندونيسيا وماليزيا وليبيا وجنوب إفريقيا وغيرها".

وحذرت أوساط فلسطينية من خطورة التعامل مع مؤسسة "المجد أوروبا"، مرجحة أنها ذراع استخباري إسرائيلي يسعى إلى تهجير الفلسطينيين من غزة.

ففي فبراير/شباط 2025، أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنشاء مديرية جديدة أطلق عليها اسم "المغادرة الطوعية لسكان غزة"، بالتزامن مع نشاط مؤسسة "المجد أوروبا"، ما يؤكد أن التهجير أصبح سياسة رسمية وليس مجرد تسريبات أو خطط سرية.

وترى وسائل إعلام فلسطينية أن استخدام المطار الإسرائيلي وطرق السفر التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية يشير إلى مشروع منظم لتجريب مسارات التهجير تدريجيًا، بالإضافة إلى جمع بيانات أمنية عن السكان.

في هذا السياق، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية جميع الجهات التي تُسهّل دخول الفلسطينيين القادمين من غزة، أو تُضلّلهم، أو التي تتورط في الاتجار بهم، مؤكدة أنها ستتحمل المسؤولية القانونية كاملة، وستحال إلى الجهات القضائية المحلية والدولية، ودعت إلى الحذر الشديد وعدم التعامل مع تلك الجهات.