وفد عسكري روسي في سوريا.. تثبيت نفوذ أم رسم مرحلة ما بعد الأسد؟

مصعب المجبل | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

قدّمت روسيا خلال الأيام الماضية إشارة جديدة إلى مساعيها لإعادة ترسيخ حضورها ونفوذها في الساحة السورية، وذلك في أعقاب التغييرات العسكرية والسياسية التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، حليف موسكو السابق.

وفي هذا السياق، استقبل وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، في 16 نوفمبر 2025، وفدا عسكريا روسيا رفيع المستوى في العاصمة دمشق؛ لبحث سبل تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين. بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع السورية.

وفد روسي في دمشق

أعلنت وزارة الدفاع السورية عبر معرفاتها الرسمية أن الوزير مرهف أبو قصرة استقبل في دمشق وفدا برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف. وجرى خلال اللقاء بحث مجالات التعاون العسكري وتعزيز آليات التنسيق بما يخدم المصالح المشتركة ويلبّي تطلعات البلدين.

وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لممثلي وزارة الدفاع الروسية إلى دمشق منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، وفراره إلى روسيا التي منحته اللجوء الإنساني مع عائلته.

وكان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة قد قام، برفقة وفد مرافق، بزيارة رسمية إلى موسكو نهاية أكتوبر 2025 استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف. ودار خلال الزيارة بحث سبل دعم العلاقات الثنائية بين وزارتي الدفاع إلى جانب مناقشة تبادل الخبرات في مجالات التدريب وعدد من المجالات العسكرية الأخرى.

وتتسارع منذ أشهر الجهود الرامية إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين روسيا والقيادة السورية الجديدة، وتجاوز حقبة حكم بشار الأسد. وقد تجلّى ذلك في اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السوري أحمد الشرع في الكرملين بتاريخ 15 أكتوبر 2025.

وفي هذا السياق، يشير المراقبون إلى أن التواصل النشط للمسؤولين الروس مع السلطات السورية الجديدة يعكس رغبة موسكو في عدم التفريط بعلاقاتها مع دمشق، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على قواعدها العسكرية، التي ترى وزارة الدفاع الروسية أنها تمثّل مصلحة إستراتيجية لبلادها.

في المقابل، يرى مراقبون أن لسوريا أيضا مصلحة كبيرة في استمرار التعاون مع روسيا خلال هذه المرحلة الحساسة من إعادة مأسسة الدولة وإعادة الإعمار، وفي إطار بناء علاقات مع أطراف قادرة على ممارسة الضغط على إسرائيل التي ما تزال- وفق توصيفهم- تزعزع استقرار سوريا الجديدة.

ويؤكد محللون أن موسكو تملك القدرة على التأثير في تل أبيب، خاصة بعد انسحاب إسرائيل من اتفاق فضّ الاشتباك الموقع مع سوريا عام 1974 في اليوم التالي لسقوط الأسد، ما أدى إلى تصاعد الخروقات الإسرائيلية التي تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها. فمنذ ذلك الحين، ينفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي توغلات برية شبه يومية داخل الأراضي السورية. إضافة إلى غارات تستهدف مواقع مختلفة وتتسبب غالبا في خسائر بشرية ومادية، فضلا عن دعم نزعات انفصالية في جنوب سوريا، لا سيما في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن نشر قوات روسية لحفظ السلام في الجولان- وهو اقتراح قدّمه بوتين عام 2013- قد يكون خيارا مطروحا أمام دمشق اليوم لإعادة إحياء هذا الدور في ظل الخروقات الإسرائيلية الحالية. خاصة في ظل العلاقة الجيدة بين موسكو وتل أبيب. وكانت القوات الروسية قد أنشأت سابقا ثماني نقاط عسكرية في منطقة "فضّ الاشتباك" على طول الحدود بين الجولان السوري المحتل ومحافظة القنيطرة، لكنها باتت معطّلة حاليا.

اللافت أن الكرملين أعلن في 15 نوفمبر 2025 أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تطورات الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك المستجدات في الساحة السورية.

رغبة في التعاون

قال المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، في حديث لـ"الاستقلال": إن حضور وفد روسي كبير إلى دمشق وعقده اجتماعا مع وزير الدفاع السوري يؤكد حرص موسكو على متابعة تعاونها مع "سوريا الجديدة".

وأضاف حمادة أن روسيا تولي اهتمامًا خاصًا بالتعاون العسكري، بالنظر إلى حرصها على تعزيز وجودها في القواعد العسكرية داخل سوريا، والاستفادة من الموقع الجيوسياسي السوري المطل على البحر المتوسط، لا سيما في ظل سعي موسكو إلى ترسيخ توازن دولي بدا واضحًا بعد حرب أوكرانيا.

وأشار إلى أن دمشق بدورها تبحث عن الحفاظ على توازن في علاقاتها الدولية، كما أنها ما تزال بحاجة إلى العتاد العسكري الروسي في هذه المرحلة، فضلا عن قدرة موسكو على التأثير في العديد من الملفات، وهو ما يدفعها إلى إبقاء قنوات التواصل الفاعلة مع روسيا.

وحول زيارة الوفد الروسي إلى الجنوب السوري واطلاعه على الأوضاع الميدانية هناك، خاصة الخروقات الإسرائيلية، رأى حمادة أن هذه الخطوة قد تشكّل بداية لدور وساطة روسي، أو ربما مؤشرا على توجه لإعادة تفعيل police العسكرية الروسية التي كانت منتشرة في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد، بهدف الحد من الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية.

وكانت القرى الأمامية المتاخمة لخط وقف إطلاق النار في محافظة القنيطرة جنوب سوريا قد شهدت، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، جولة استطلاعية للوفد الروسي برفقة الشرطة العسكرية بوزارة الدفاع السورية وقوات من الأمن العام، وشملت مناطق تعرضت لاختراقات إسرائيلية متكررة منذ سقوط الأسد، ما فتح الباب أمام توقعات بعودة دور روسي مشابه لما كان عليه عام 2018.

كما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر عسكري أن موسكو اقترحت إعادة دوريات الشرطة العسكرية الروسية إلى الجنوب السوري لتكون حاجزًا بين القوات الإسرائيلية والسورية.

ويُذكر أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع كرر منذ سقوط نظام الأسد تصريحاته بأن دمشق تعتزم إعادة ضبط العلاقات مع موسكو. وقبيل زيارته للعاصمة الروسية، أكد الشرع أن سوريا تسعى إلى إدارة علاقات هادئة مع روسيا.

ويرى خبراء أن دمشق تتجه إلى تسريع إعادة تعريف علاقتها مع موسكو بعد عقد من الزمن أصبحت خلاله روسيا لاعبا مؤثرا في القرار السوري، مستفيدة من حاجة النظام السابق إلى دعمها في مواجهة الثورة.

أهداف هجينة

تبدو موسكو في طور إعادة تقييم حضورها العسكري في سوريا، وهو ما عكسته تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي تحدث عن توجه جديد لإعادة تعريف مهام القوات والقواعد الروسية على الأراضي السورية.

وقال لافروف في مقابلة مع مشروع "جسور إلى الشرق"، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025: إن العديد من دول الشرق الأوسط باتت معنية ببقاء القوات الروسية في سوريا، غير أن المرحلة الحالية تفرض إعادة النظر في وظائف هذا الوجود العسكري. مؤكدا أن ذلك ينطبق أيضا على القواعد الروسية هناك.

وأوضح الوزير الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين شدد مرارًا على أن وجود موسكو في سوريا لن يستمر خلافا لرغبة القيادة السورية، مستدركًا بأن دمشق، إلى جانب عدد من دول الإقليم، باتت مهتمة بالحفاظ على ذلك الوجود، وإن بصيغ وأهداف جديدة لا تتصل بدعم السلطة عسكريا في مواجهة المعارضة المسلحة كما كان عليه الحال في السابق.

وأشار لافروف إلى مشروع محتمل يأخذ بعدًا اقتصاديًا–إنسانيًا، يتمثل في إنشاء مركز لوجستي لنقل البضائع من روسيا ودول الخليج العربي إلى إفريقيا، ويرى أن هذا المشروع يشكّل مصلحة مشتركة لكل من موسكو ودمشق وعدد من العواصم الإقليمية.

لكن اتجاهًا مقابلا يرى أن روسيا تسعى، عبر هذه المقاربة الجديدة، إلى تثبيت توازن النفوذ داخل سوريا، خاصة في ظل تحسّن العلاقات الأميركية السورية، واستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الانتقالي أحمد الشرع في البيت الأبيض في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وقد أفضى هذا الانفتاح إلى إعلان واشنطن في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 انضمام سوريا رسميا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، لتصبح العضو التسعين فيه، في تحول إستراتيجي يعيد رسم خريطة تحالفات دمشق الإقليمية والدولية.

وفي سياق موازٍ، دفع الكرملين بأحد أبرز عسكرييه، يونس بك يفكيروف، إلى دمشق بوصفه "أداة موسكو الجديدة" لإدارة الملفات الحساسة في سوريا. ووفق ما ذكره الباحث السوري ضياء قدور، فإن بوتين أوفد "أكثر رجاله العسكريين موثوقية". واصفا يفكيروف بأنه "الدبلوماسي المسلّح لروسيا"؛ نظرا لاعتماده مقاربة هجينة تجمع بين الأبعاد العسكرية والاقتصادية، مستفيدًا من سجل ميداني قوي وقدرات تفاوضية متقدمة.

وعقب سقوط الأسد يرى الخبراء أن استئناف إمدادات روسيا التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح بمثابة طوق نجاة لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة ويعاني 80 بالمئة من سكانه الفقر.

ويرى بعض الخبراء كذلك أن وضع العداوة جانبا يعود بالنفع على البلدين؛ فسوريا التي بدأت مرحلة بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد تحتاج إلى علاقات إيجابية مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم روسيا.

وقد تجلى ذلك، بعدم اعتراض روسيا حينما صوت مجلس الأمن الدولي على رفع العقوبات عن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بينما امتنعت الصين عن التصويت.

ولفت قدور إلى أنه "يُنظر إلى يفكيروف بوصفه مهدئا للنزاعات، نظرا إلى دوره السابق في احتواء التوترات العرقية في القوقاز، وهو ما ينعكس إيجابا على الوضع في سوريا".

وختم بالقول "يُعد يفكيروف خليفة لقائد مجموعة فاغنر السابق، في مؤشر على أن موسكو لم تعد تعتمد على قاعدة حميميم للتأثير في سوريا بقدر ما تسعى إلى تثبيت حضورها هناك كنقطة وصل نحو إفريقيا".