طوفان الأقصى بعيون إسرائيلية.. هكذا ألحق خسائر إستراتيجية بالصهيونية

"برزت الحرب مجددا كأداة فعالة لتحقيق أهداف سياسية، في ظل نجاح حماس في دفع دول عديدة للاعتراف بدولة فلسطين"
بعد مرور عامين على "طوفان الأقصى" الذي أطلقته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يقف الكيان الإسرائيلي على أعتاب مرحلة جديدة تختلف عما سبق؛ حيث تبرز تساؤلات جوهرية حول تأثير هذه المعركة على الكيان والشرق الأوسط والساحة الدولية.
ويتناول مقال رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية السابق تامير هيمان الإخفاقات والإنجازات التي حققتها هذه المعركة، مسلطا الضوء على خمسة تغييرات جوهرية أحدثتها المعركة والتي تمثّل نقاط تحول في المشهد السياسي والأمني والإستراتيجي لإسرائيل وللشرق الأوسط.
وأشار هيمان في مقاله المنشور في "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي إلى أن إسرائيل وضعت في البداية عدة أهداف للحرب، أهمها إسقاط حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتفكيك المنظومة العسكرية للحركة، ثم بعد ذلك أُضيف هدف يُركز على إعادة المختطفين".
وذكر أن "هذا التصعيد في الأهداف قاد إلى إقرار خطة حرب طويلة الأمد؛ إذ تضمنت الخطة التي أقرتها تل أبيب حملة طويلة من أربع مراحل، أولها، التحضير للمناورة عبر التركيز على جهد نيراني دفاعي وإعداد القوات للعملية".
"بعد ذلك، انتقلت إسرائيل للمرحلة الثانية والتي كانت تحت عنوان الحسم العسكري، ثم شرعت إسرائيل في المرحلة الثالثة والتي شملت استمرار استنزاف قدرات حماس العسكرية، وذلك للوصول إلى المرحلة الأخيرة التي تتضمن إرساء سلطة مدنية بديلة في غزة والعودة إلى الاستقرار الأمني".
ويعتقد هيمان أن "الحرب كانت تدور في ثلاث دوائر، أولا، الدائرة العالمية، كجزء من صراع أوسع بين العالم القائم على القواعد والقوانين، بقيادة الولايات المتحدة، وبين القوى التي تسعى لتقويض هذا النظام، مثل روسيا وحماس".
وتابع: "ثم في الدائرة الثانية يوجد الشرق الأوسط؛ حيث المواجهة بين القوى المعتدلة الساعية إلى الاستقرار والمستقبل الأفضل، وبين المحور الراديكالي الذي تقوده إيران، وثالثا، الدائرة المباشرة وهي الحرب بين إسرائيل وحماس".
في هذا السياق، ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يشدد المسؤول الاستخباراتي السابق على "ضرورة فحص طبيعة التغيير الذي طرأ في الدوائر الثلاث للحرب".
وبحسب رؤيته، فإن "هذه المراجعة ضرورية لصياغة الإستراتيجية اللازمة التي تمكن إسرائيل من مواصلة الإبحار في مياه مضطربة، من ساحة فلسطينية مشتعلة، إلى شرق أوسط في حالة تغير مستمر، وصولا إلى نظام عالمي يمر هو الآخر بمرحلة اضطراب متسارع".

“الطرفان السيئ والطيب”
على الصعيد العالمي، رسم المعهد صورة قاتمة لوضع إسرائيل قائلا: "في نظر قطاعات واسعة ومؤثرة من الرأي العام العالمي، أصبحت إسرائيل تُصنف على أنها (الطرف السيئ) في الصراع، إلى جانب روسيا، بينما بات الفلسطينيون يُنظر إليهم كجزء من (الطيبين) المظلومين والمضطهدين الذين تعرضوا للهجوم، على غرار أوكرانيا".
وأشار إلى أن "هذا التحول في الرأي العام، من تصوير إسرائيل كضحية إلى عدها (جلادا)، حدث بسرعة وأثار الكثير من الإحباط".
"في المقابل، كان التغير في سياسات الحكومات حول العالم تجاه إسرائيل أبطأ نسبيا، وتطور بشكل سلبي في أعقاب ثلاثة أحداث رئيسة سيتم تفصيلها بإيجاز". يقول المعهد.
ويتابع: "أولا، أدى تأخر الهجوم على رفح إلى نشوب أزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وعدّ هذا الحدث نقطة تحول رئيسة في المعركة على غزة".
في هذا السياق، استخلص المقال ثلاثة دروس مهمة من هذه الواقعة، وهي: أهمية وتيرة الإنجازات التكتيكية بالنسبة للمستوى الإستراتيجي، وضرورة الوضوح والتزامن في هدف الحرب، وكذلك البعد الشخصي، فلا يجوز إهانة رئيس، وبخاصة رئيس الولايات المتحدة.
ويرى المعهد أن تأخر الهجوم على رفح أضعف الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل خلال الحرب، وقال: "وفق الجدول الزمني الذي كانت إدارة بايدن تعتمد عليه، كان من المفترض أن تنتهي المرحلة الثانية من الحرب، وهي الأكثر عنفا، بحلول فبراير/ شباط 2024، لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة المتوقعة، والمتعلقة بإدارة مدنية لقطاع غزة ضمن ما يعرف شعبيا بـ (اليوم التالي)".
واستدرك: "إلا أن العملية في رفح تأخرت بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى محاولات متكررة لاغتيال قائد حركة حماس يحيى السنوار في أنفاق خان يونس، بالإضافة إلى نقل الفرقة العسكرية التي كان من المقرر أن تدخل رفح إلى لبنان".
ويرى هيمان أن "هذه التأخيرات مجتمعة زعزعت ثقة الولايات المتحدة في جدية إسرائيل في حسم المعركة مع حماس بسرعة".
ويقدر أنه "منذ ذلك الحين، وبالتزامن مع تصريحات مسؤولين إسرائيليين تحدثت عن تهجير سكان القطاع وضمه وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيه؛ بدأت الإدارة الأميركية تشكك في الهدف الحقيقي للحرب".
وبحسب وجهة نظره، "كانت العملية في رفح هي السبب المباشر في تصاعد التوتر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، فقد عارضت واشنطن العملية خشية وقوع إصابات واسعة بين المدنيين، وإغلاق طرق الإمداد من مصر إلى غزة"، على حد قوله.
وتابع: "هددت الإدارة الأميركية بأن للعملية (عواقبا)، وطالبت إسرائيل بعدم مفاجأتها بتنفيذها، ومع ذلك، بدأت العملية بشكل مفاجئ".
من ثم كانت النتيجة أن الرئيس بايدن أمر بوقف شحنة من القنابل زنة طن، وأوقف تسليم جرافات ثقيلة للجيش الإسرائيلي.
ويرى هيمان أن "هذا الإجراء أعطى إشارة واضحة لدول أخرى حول العالم إلى أن الموقف الدولي تجاه إسرائيل آخذ في التدهور".
أما الحدث الرئيس الثاني فهو "خرق الاتفاقيات، فمع اقتراب بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تم التوصل إلى اتفاق ثان للإفراج عن الرهائن، والذي عده كثيرون حول العالم بمثابة نهاية للحرب".
واستدرك المقال: "لكن في الواقع، قررت الحكومة الإسرائيلية عدم مواصلة التفاوض بشأن المرحلة التالية من الصفقة، مما أدى إلى انهيارها".
وبحسب هيمان "فُسر استئناف القتال على المستوى الدولي، وحتى داخل قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي؛ على أنه رفض إسرائيلي لإنهاء الحرب".
وقد أدى ذلك إلى "تصعيد جديد في الانتقادات الدولية، ودفع بعض الحكومات الأوروبية إلى فرض حظر على توريد الأسلحة لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بقطع الغيار الخاصة بسلاح البر".
ويعتقد المقال العبري أن هذه السياسة الإسرائيلية ترافقت مع "ضعف الدبلوماسية العامة في مواجهة حملة التجويع المتعمد التي شنتها حماس".
وقال: "ففي مارس/ آذار 2025، صدرت تصريحات من مسؤولين إسرائيليين بشأن وقف المساعدات الإنسانية للقطاع، وترافقت هذه التصريحات مع نبرة تفاخر، ما أضر بصورة إسرائيل بشكل كبير".
وأضاف: "رغم أن هذه الحملة كانت مضللة، إلا أنها لحقت بإسرائيل حتى إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر/ تشرين الأول 2025".
ولفت إلى أن "هذه الحملة تصاعدت بعد انتصار إسرائيل في حرب الأيام الـ 12 مع إيران، نتيجة لتراكم الإحباط من تجدد القتال في غزة، ونفاد مخزون المعدات الإنسانية في القطاع، مما تسبب فعلا في نقص الغذاء، خاصة بين الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء والمرضى والأطفال".
"وهكذا، ولأول مرة، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة خطر حقيقي من العزلة والعقوبات الدولية، ووقفت على حافة الهاوية". وفق تعبيره.

تحولات جذرية
على مستوى الشرق الأوسط، رأى المسؤول الاستخباراتي السابق أن المنطقة "شهدت خلال العامين الماضيين تحولات جذرية".
وتابع موضحا: "فقد تزعزع المحور الشيعي، وتراجعت هيمنة إيران في المنطقة، في مقابل صعود نفوذ الدول الداعمة لأيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها قطر وتركيا".
"كما أن سوريا ولبنان لم تعودا كما كانتا، وعاد الحديث مجددا إلى الواجهة الإقليمية والدولية حول إمكانية توسيع (اتفاقيات أبراهام)"، على حد قوله.
وبحسب تقديره، "يكمن سر النجاح في الحرب ضد المحور الشيعي بقيادة إيران في استغلال العشوائية التي فرضها الواقع المتغير، والمرونة في استخدام الأدوات والقدرات التي تم إعدادها على مدى سنوات".
ومن هنا، يرى هيمان أن "الدرس الأكثر أهمية المستفاد من هذه الحرب هو أهمية المزج بين التحضير العميق، والمرونة، والجرأة، مع اغتنام الفرص العارضة".
مشددا على أنه "لا بد من الاعتراف بأن الحظ والصدفة لعبا دورا محوريا في هذا النجاح".
أما التغير الجذري الثاني، فهو، وفق تحليله، "حسم المواجهة مع حزب الله". وقال: "طوال عام 2024، شهدت المواجهة مع حزب الله تصعيدا تدريجيا وبطيئا".
وأردف: "هذا الإيقاع البطيء عزز قناعة الأمين العام للتنظيم، حسن نصر الله، بأن إسرائيل لا تنوي خوض حرب شاملة، وهي القناعة التي دفعته إلى الانسحاب من جنوب لبنان وتجنب التصعيد".
وزعم أن "نقطة التحول جاءت بعد إطلاق صاروخ باتجاه جبل دوف، لكنه أخطأ هدفه وأصاب ملعبا رياضيا في مجدل شمس، ما أسفر عن مقتل 12 طفلا".
هذه الفاجعة -وفق المقال- دفعت إسرائيل إلى اتخاذ قرار بتصفية رئيس أركان حزب الله، فؤاد شكر.
وأردف: "عقب ذلك، أطلقت إسرائيل (عملية البيجر)، ومن ثم تمت تصفية قادة الحزب بما فيهم حسن نصر الله، الذي لم يغير من نمط تحركاته رغم التصعيد الإسرائيلي، وذلك بسبب ثقته الزائدة واستهانته بالمخاطر في نجاح عملية اغتياله".
أما الحدث الأبرز فكان "الحرب على إيران وإضعافها"، وهو هدف أوضح المقال أنه "جرى الإعداد له بالتنسيق الوثيق مع ترامب، عبر تخطيط مشترك امتد لعدة أشهر قبل تنفيذ العملية العسكرية".
وشدد المقال على أن إسرائيل "أدركت حينها أن لديها ضوءا أخضر أميركيا، بل واستعدادا للقتال إلى جانبها، مما خلق واقعا جديدا وفرصة إقليمية قد لا تتكرر".
ومع أن المقال زعم أن الحرب حققت أهدافها ضد طهران، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن "النظام الإيراني لم يتزعزع، بل توحد الشعب الإيراني حول قيادته، وشهد النظام دعما شعبيا متزايدا، إلى جانب تصاعد الكراهية والخوف من إسرائيل، التي باتت تعتبر التهديد الأكبر لإيران".
ومقابل تلك الأحداث الثلاثة التي اعتبرها المعهد العبري تصب في صالح إسرائيل، برز في المقابل متغير سلبي وهو ما أسماه "النظام الناشئ في العالم السني".
وتحدث تحديدا عن سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وتولي الرئيس السوري أحمد الشرع السلطة في دمشق، وهو ما عده "ترسيخا لمحور تركيا-قطر في سوريا، ما دفع المملكة العربية السعودية إلى التحرك، إذ ترى في هذا المحور السني الراديكالي تهديدا لهيمنتها الإقليمية".
في هذا السياق، "جاءت استضافة الرياض للرئيس ترامب في مايو/ أيار 2025، بالتزامن مع رفع العقوبات الأميركية عن سوريا؛ كخطوة ذكية من السعودية ضمن صراعها على الزعامة الإقليمية". وفق قوله.
"أما التطور الأكثر دراماتيكية، والذي عزز مكانة قطر وتركيا في المنظومة الإقليمية، فكان الغارة الجوية التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على الدوحة، في سبتمبر/ أيلول 2025". يقول المعهد.
ويتابع موضحا: "فقد خرقت إسرائيل بذلك القاعدة غير المعلنة في الخليج، والتي تنص على (الأمن المشترك)، أي أن الدول التي تربطها قنوات حوار لا تهاجم بعضها البعض".
وبحسب هيمان، "رأت الدوحة في هذا التصرف خيانة من الولايات المتحدة، حليفتها، ما دفع الإدارة الأميركية إلى التراجع الفوري عن دعمها لإسرائيل، وإعلان تأييدها لقطر، وبدء حملة لترضية الأمير القطري".
وأشار إلى أنه "نتيجة لذلك، حصلت قطر على ضمانات أمنية مماثلة لتحالف دفاعي مع الولايات المتحدة، إلى جانب اعتذار رسمي علني من نتنياهو، وتعهد أميركي بفرض وقف الحرب على غزة، حتى في مرحلتها الأولى، رغم استمرار سيطرة حماس على الأرض، وهو ما كانت إسرائيل ترفضه بشدة".

فلسطين إلى الصدارة
فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعتقد المعهد أن "الحرب أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، لكنها لم تحظ بالمكانة ذاتها داخل إسرائيل".
وتابع: “بل على العكس، فإن غالبية الإسرائيليين لا يرون جدوى من حل الدولتين، ويرى كثيرون أن مجرد طرح فكرة الدولة الفلسطينية يُعد مكافأة للإرهاب”. على حد قوله.
وأضاف أنه "حتى أولئك الذين يؤيدون الانفصال عن الفلسطينيين يشعرون بالإحباط والغموض حيال كيفية تحقيق هذا الهدف".
كما أن الحرب "أسهمت في تدهور النظرة العامة تجاه العرب داخل إسرائيل، خاصة بعد صدمة أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي يُتوقع أن تترك آثارا نفسية طويلة الأمد، خصوصا بين الشباب والجنود المسرّحين"، وفقا له.
وادعى أنه "من حيث أهداف الحرب التي أطلقها يحيى السنوار، يمكن القول إن حماس مُنيت بهزيمة واضحة، إذ فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وعلى رأسها تنفيذ هجوم مفاجئ بالتنسيق مع إيران والمحور الشيعي لتدمير إسرائيل".
"كما أن الدمار الهائل الذي لحق بغزة، والمعاناة الإنسانية، والثمن الباهظ الذي دفعه سكان القطاع، أضافوا بعدا من الصدمة الوطنية الفلسطينية إلى الهزيمة العسكرية". على حد زعمه.
ومع ذلك، نوه المسؤول الاستخباراتي السابق إلى أن "الإنجاز الإسرائيلي لا يبدو مستقرا، ولم يُفض إلى نظام جديد، فلا توجد قيادة فلسطينية بديلة، وحماس ما تزال تنظيما قائما، بينما تبقى السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح متهمة بالفساد وتفتقر إلى الشرعية الشعبية".
وأشار إلى أنه “رغم تعاونها مع إسرائيل في مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية، إلا أنها لا يزال ينظر إليها من قبل قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي كجهة معادية لا تختلف جوهريا عن حماس”. على حد قوله.
ولفت إلى أن هناك "خطرا إضافيا يتمثل في أن صيغة إنهاء الحرب قد تُبقي على مكانة حماس في غزة".
واستطرد: "إذا لم يتم نزع سلاحها واستمرت في السيطرة على القطاع، فقد يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى تعزيز موقعها، ما يعني أن الشعور بالهزيمة قد يتحول تدريجيا إلى شعور بالنصر".

خمسة تغييرات
واستنادا إلى ما سبق، أبرز مدير معهد دراسات الأمن القومي العبري خمسة تغييرات في بنية النظام الإقليمي والدولي جراء حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال: "بداية، تراجعت مكانة إسرائيل عالميا، وارتفعت بشكل ملحوظ معدلات معاداة السامية حول العالم، ورغم أن وقف إطلاق النار ضمن المرحلة الأولى من مبادرة ترامب أسهم في كبح التدهور، إلا أنه لم يُحدث تحسنا فعليا في الوضع".
إضافة إلى ذلك، "برزت الحرب مجددا كأداة فعالة لتحقيق أهداف سياسية، في ظل نجاح حماس في دفع دول عديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، واحتمال تحقيق روسيا لمكاسب في شرق أوكرانيا".
الأمر الذي رأى أنه "يعيد التقدير لفكرة الحرب كوسيلة دبلوماسية، بعد عقود من التراجع في الفكر الغربي الليبرالي، خصوصا الأوروبي حول دور الحرب في تحقيق الإنجازات السياسية، وهو ما يشير إلى تحول معاكس للمسار الذي ساد منذ تفكك الاتحاد السوفيتي".
على الصعيد الإقليمي، جدد المقال تحذيره من صعود "المحور السني الإخواني بدعم أميركي".
"ورغم أنه لا يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل كما فعل سابقا المحور الشيعي، إلا أن تنامي نفوذ قطر وتركيا في غزة والمنطقة يمثل تحولا مهما يحمل في طياته مخاطر محتملة". بحسب تقديره.
أما على صعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فحذر هايمان من أن الصراع "دخل مرحلة التدويل؛ إذ باتت الولايات المتحدة اللاعب المهيمن، ما يقيد حرية إسرائيل في اتخاذ قراراتها التكتيكية".
كما لفت إلى أن "نشر قوات دولية في غزة يُعد تحولا إستراتيجيا". مشيرا إلى أنه "لا يزال من المبكر تحديد ما إذا كان هذا التحول مؤقتا أم يستدعي تعديلا جوهريا في السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية".
أخيرا، على مستوى الداخل الإسرائيلي، ينوه هيمان إلى أن الحرب "عمقت الانقسام السياسي والاجتماعي في إسرائيل".
وأبرز أن "الخلافات حول طبيعة الحرب، وقضية الرهائن، وأسلوب إدارة (اليوم التالي) في غزة؛ أسهمت في تعميق الانقسام على أسس سياسية، وزادت من حدة الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي".
في ضوء هذه التغيرات الإستراتيجية، يرى المعهد أن إسرائيل "تحتاج إلى صياغة سياسة أمن قومي جديدة تتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية".
وشدد على أن "استمرار الوضع الراهن لم يعد ممكنا، وأنه لا بد من مراجعة شاملة تنتهي بإعلان سياسة محدثة، يضع الجيش الإسرائيلي على أساسها إستراتيجيته التنفيذية".
كما "يجب أن تشمل الدروس المستفادة من الحرب الجوانب الاجتماعية، وتعزيز التماسك الوطني الداخلي".
وأردف: "ومع دخول إسرائيل عاما انتخابيا، من الضروري أن تتركز الحملات على مستقبل الدولة، لا على ماضيها".
وختم قائلا: "ينبغي استثمار صدمة أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحرب التي تلتها في بلورة رؤية جديدة لإسرائيل، وذلك رغم أن الاحتمال الأكبر هو أن تهيمن على الانتخابات لغة الاتهامات، وصراع الروايات والسرديات، ما سيزيد من الانقسام الداخلي والعنف السياسي".














