تنافس الرياض وأبوظبي والدوحة بإفريقيا.. من يملأ الفراغ لصالح إسرائيل؟

"يمكن لإسرائيل أن تحقق التعاون الأمني والاقتصادي مع دول الخليج في شرق إفريقيا"
استعرض معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) التنافس بين الإمارات وقطر والسعودية في القارة الإفريقية. مدعيا أنه يعود بالنفع على الكيان الإسرائيلي.
جاء ذلك في مقال نشره المعهد للباحث يويل غوزانسكي الذي عمل سابقا في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وقدم استشارات لوزارات حكومية مختلفة، بما في ذلك وزارة الشؤون الإستراتيجية ووزارة الاستخبارات، وشاركه في كتابة المقال الباحث آشر لوبوتسكي.

تنافس محتدم
وقال الباحثان: إن "تنامي انخراط دول الخليج في إفريقيا يعكس سعيها إلى بناء مجالات نفوذ جديدة على الساحة الدولية، مستفيدة من فرصة أتاحها انخفاض مستوى الانخراط الأميركي في القارة".
وأضافا أنه "إلى جانب أشكال التعاون المحدودة، فإن احتدام التنافس بين السعودية والإمارات وقطر على النفوذ في إفريقيا يولد احتكاكات واضحة. خاصة في السودان والقرن الإفريقي، ويعبر عن صراع لرسم ملامح النظام الإقليمي الناشئ".
وأفاد بأنه "من منظور الدول الإفريقية، يمثل هذا الاتجاه سلاحا ذا حدين؛ فمن جهة يتيح فرصا لاستقطاب استثمارات ضخمة وتطوير بنى تحتية حديثة، ومن جهة أخرى، يحمل مخاطر التبعية الاقتصادية والتدخلات السياسية الخارجية التي قد تفاقم التوترات القائمة أو تخلق توترات جديدة".
"أما بالنسبة لدول الخليج، فقد أصبحت إفريقيا بالتدريج ساحة ذات أهمية حيوية لأمنها واقتصاداتها ومكانتها الدولية، كما تفتح بابا أمام إسرائيل لتوسيع التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات التي تطرحها إيران". وفق المقال.
ويرى الباحثان أن دول الخليج "تنظر إلى إفريقيا بوصفها أكثر من مجرد فرصة اقتصادية؛ إذ تُعد أيضا ساحة سياسية وأمنية تتيح توسيع النفوذ خارج الشرق الأوسط".
"وترتكز هذه المقاربة على رؤية إفريقيا كمحرك للنمو؛ إذ تجعل مواردها وأسواقها الصاعدة وموقعها الجغرافي الممتد بين البحر المتوسط والمحيط الهندي والبحر الأحمر والمحيط الأطلسي من القارة ساحة حيوية للتحكم في سلاسل الإمداد العالمية".
وتتصدر الإمارات حاليا توسع دول الخليج في إفريقيا؛ فمنذ عام 2019 أعلنت الشركات الإماراتية عن صفقات تجاوزت قيمتها 110 مليارات دولار (حوالي 72 مليار دولار منها في مجال الطاقة المتجددة)، وهو أعلى مستوى للاستثمار الأجنبي في القارة.
وتركز هذه الاستثمارات على البنية التحتية والموانئ واللوجستيات. فعلى سبيل المثال، ضخّت شركة موانئ دبي العالمية، المدعومة حكوميا، مليارات الدولارات في إنشاء مناطق تجارة حرة وموانئ إستراتيجية، من بينها ميناء بربرة في أرض الصومال؛ حيث يوجد أيضا حضور عسكري إماراتي.
كما استحوذت الشركة العالمية القابضة، وهي تكتل إماراتي كبير، على حصص في مناجم النحاس في زامبيا، مع استثمارات تشمل إثيوبيا ومصر ودولا أخرى.
وأوضح المقال أن "النشاط الاقتصادي الخليجي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقديرات الإستراتيجية والأمنية. فإلى جانب استثمارات البنية التحتية، أنشأت الإمارات قواعد عسكرية ووجودا في نقاط رئيسة على طول سواحل إفريقيا".
فمن وجهة النظر الإماراتية، تُمثل إفريقيا مسرحا لمواجهة كل من إيران ووكلائها، بالإضافة إلى القوى الإسلامية.
ومنذ الحرب السعودية-الإماراتية ضد الحوثيين، استثمرت أبو ظبي في وجود عسكري في القرن الإفريقي، وتحتفظ حاليا بموطئ قدم هام في أرض الصومال وبونتلاند (ولاية اتحادية في الصومال تتمتع بشبه استقلال فعلي).

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الإمارات داعما رئيسا للقوات المتمردة في السودان، مدفوعةً بدوافع اقتصادية ومزاعم بأن حكومة السودان تضم عناصر إسلامية.
وبحسب المقال، فإن هذا النشاط أثار انتقادات حادة، بما في ذلك اتهامات للإمارات بدعم مليشيات متورطة في جرائم حرب.
حتى إن الأزمة أدت إلى قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع أبو ظبي؛ حيث تسعى الخرطوم إلى مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بالمساعدة في الإبادة الجماعية التي يرتكبها المتمردون.
علاوة على ذلك، أثار قطاع تجارة الذهب الذي يمر عبر دبي بما يقدر بنحو 30 مليار دولار سنويا، اتهامات تتعلق بطمس الحدود بين المصادر المشروعة وغير المشروعة.
تراجع القوى الكبرى
وأشار المقال إلى أن "تراجع انخراط القوى الكبرى في القارة الإفريقية أسهم في تعزيز نفوذ أبو ظبي هناك".
فالصين التي كانت لاعبا رئيسا خلال العقد الماضي عبر مبادرة الحزام والطريق، اضطرت إلى تقليص استثماراتها بسبب أزمات الديون في الدول الإفريقية ومشكلاتها الاقتصادية الداخلية، رغم أنها ما زالت فاعلا محوريا في القارة.
أما الولايات المتحدة، خصوصا خلال إدارة ترامب، فقد خفضت مساعداتها، وقلصت عمليات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وخففت حضورها في المؤسسات المالية الإفريقية.
وفي ظل غياب استثمارات كبيرة من واشنطن وبكين، تمكنت الإمارات من إبراز نفسها بوصفها مستثمرا رئيسا، مع استثمارات تقارب 97 مليار دولار خلال العامين الماضيين، أي ما يساوي ثلاثة أضعاف الاستثمارات الصينية، ويتجاوز بكثير ما ضخّته الولايات المتحدة.
وإلى جانب الإمارات، تنشط قطر أساسا عبر الدبلوماسية الناعمة والاستثمارات في مجالي الطاقة والبنية التحتية. وفق المقال.
وتنظر الدوحة إلى علاقاتها مع إفريقيا بصفتها مصدرا للدعم الدبلوماسي والاقتصادي داخل النظام الدولي، وتسعى من خلالها إلى توسيع نفوذها مقارنة بمنافسيها الخليجيين، خصوصا الإمارات.
وإضافة إلى الإمكانات الاقتصادية الواسعة للقارة، تعمل قطر أيضا على تقليص اعتمادها على عائدات الغاز وتعزيز مكانتها الدولية عبر شراكات جديدة.
وتعزز موقع قطر في السودان وموزمبيق وتنزانيا، كما اضطلعت بدور الوساطة في نزاعات جمهورية الكونغو الديمقراطية (حيث تعاونت بشكل وثيق مع إدارة ترامب)، فضلا عن جنوب السودان وتشاد.
ومن خلال هذا الدور، تحاول الدوحة تقديم نفسها كبديل لأبو ظبي، مستندة إلى صورتها كوسيط مقبول عموما، وساعية إلى تجاوز العزلة التي تعرضت لها بين عامي 2017 و2021.

وفي السياق نفسه، ضخّت قناة الجزيرة، الذراع الإعلامية العالمية لقطر، استثمارات كبيرة في تغطية القضايا الإفريقية بهدف إبراز الدور القطري وصياغة روايات تخدم مصالح الدوحة. وفق المقال.
وأعلنت الدوحة أخيرا عن خطة استثمارية غير مسبوقة بقيمة 103 مليارات دولار في 6 دول إفريقية. وتشمل هذه الخطة جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ستتلقى ما يقارب 21 مليار دولار، مُخصصة بشكل رئيس للتعدين والطاقة والزراعة.
وموزمبيق التي ستتلقى حوالي 20 مليار دولار مُخصصة لتطوير الزراعة والطاقة؛ وزامبيا وزيمبابوي، حيث ستتلقى كل منهما حوالي 19 مليار دولار مُركزة على قطاعات مُتنوعة، بما في ذلك النفط والغاز؛ وبوتسوانا وبوروندي، حيث ستتلقى كل منهما حوالي 12 مليار دولار.
وتُركز بوتسوانا على البنية التحتية، ومعالجة الماس، والسياحة، والأمن السيبراني، والأمن، بينما تُعطي بوروندي الأولوية للطاقة والزراعة والبنية التحتية. ويعكس حجم هذه الاستثمارات المُخطط لها طموح قطر في تأمين الوصول إلى الموارد الحيوية والأسواق الناشئة.
واستدرك المقال: "مع ذلك، يعتمد تنفيذ هذه المشاريع بشكل كبير على الاستقرار السياسي، وقدرة الحوكمة، والقدرة على إدارة المشاريع الضخمة في دول غالبا ما تُعاني من ضعف المؤسسات ومحدودية البنية التحتية".
"وبالتالي، فإن هذه الإعلانات لا تُمثل سوى مرحلة أولى، ويكمن التحدي الحقيقي في ترجمتها إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع".
انتقادات للسعودية
وأضاف: "من جانبها، اعتمدت السعودية نهجا أوسع نطاقا وأكثر تدرجا؛ حيث تستثمر في الزراعة والطاقة المتجددة والتعدين والبنية التحتية لا سيما في شرق إفريقيا وحزام الساحل، في إطار جهودها لضمان الأمن الغذائي وتوسيع نفوذها الإقليمي".
على سبيل المثال، خططت المملكة لتوسيع استثماراتها بشكل كبير في ميناء عصب الإستراتيجي في إريتريا، وأعلنت عن نيتها زيادة إجمالي استثماراتها في القارة إلى حوالي 25 مليار دولار في السنوات القادمة.
ويُنفذ بعض هذه المشاريع بالتعاون مع مؤسسات مالية دولية، وهي متوافقة مع رؤية السعودية 2030، مما يعكس طموح المملكة في تأمين الإمدادات الغذائية، وتقليل الاعتماد على النفط، والاستفادة من الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر.
إضافةً إلى ذلك، تُدير السعودية منظمات دينية وإنسانية، بما في ذلك "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية"، مما يعزز حضورها الثقافي والديني. ومن خلال ذلك، تسعى إلى ترسيخ مكانتها كقوة إسلامية رائدة ذات قدرات اقتصادية هائلة ومكانة عالمية متنامية.
وبحسب المقال "ففي الوقت نفسه، أدى عدم الاهتمام الكافي بالاحتياجات المحلية إلى احتجاجات ضد العديد من المشاريع، وفي بعض الحالات إلى انهيارها، مما أضرّ بصورة المملكة".
ولذلك أكد أنه "لتحقيق نتائج مستدامة، ستحتاج الرياض إلى تعديل نهجها بحيث يضمن توظيف وتدريب الكوادر المحلية، وإشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار، وتوجيه جزء من الأرباح لتلبية الاحتياجات الأساسية كالمياه والكهرباء".

وقال الباحثان الإسرائيليان: إن "انخراط دول الخليج المتزايد في إفريقيا صحبته توترات فيما بينها؛ فالسعودية والإمارات تتحفظان على تنامي النفوذ الإسلامي في القارة، خصوصا ذلك المرتبط بقطر وتركيا".
"في المقابل، تنظر كل من الرياض والدوحة إلى سياسات أبو ظبي بوصفها تصادمية وتتجاوز الأعراف، لا سيما في الساحة الصومالية والسودانية، حيث تدعم الإمارات قوى انفصالية تخالف الموقف العربي العام".
"ويتجلى التنافس الخليجي على النفوذ في إفريقيا في صورة سباق استثماري بين دول الخليج، الأمر الذي يرفع من مكانة الدول الإفريقية ويمنحها أدوات ضغط إضافية".
"وتركز الإمارات وقطر والسعودية على أولويات مختلفة، لكنها تتفق جميعا على تقدير القارة الإفريقية ساحة استراتيجية تعزز مكانتها على الساحة الدولية".
وتابع الباحثان: "من منظور إسرائيلي، ونظرا لتقاطع المصالح بين إسرائيل وعدد من دول الخليج في إفريقيا، خصوصا في مواجهة النفوذ الإيراني والتيارات الإسلامية، يمكن لإسرائيل أن تجد فرصا للتعاون الأمني والاقتصادي معها، لا سيما في شرق إفريقيا قرب البحر الأحمر والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن".
“ومع ذلك، يتعين على إسرائيل التحرك بحذر، إذ إن بعض الدول الخليجية العاملة في إفريقيا واجهت إخفاقات أو انتقادات، وأي شراكة معها قد تعرّض إسرائيل لقدر مماثل من التدقيق والمساءلة”. وفق المقال.














