غزة بين الركام والفيضانات.. سيول الشتاء تكشف عمق المأساة الإنسانية

شدوى الصلاح | منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

يكابد أهالي قطاع غزة حالة انهيار كامل للبنية التحتية ودمار شبكات تصريف المياه بفعل حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي طوال عامين، وهي مأساة تجلّت مجددا مع غرق عشرات خيام النازحين في منطقة المواصي بخان يونس إثر منخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة.

وضرب منخفض جوي جديد الأراضي الفلسطينية، ما أدى إلى غرق مئات الخيام التي تؤوي نازحين فقدوا منازلهم خلال الحرب، لتتعاظم أزمة إنسانية تُعد امتدادا للمنخفض السابق قبل عشرة أيام، والذي تسبّب حينها في إغراق عشرات الآلاف من الخيام المهترئة.

وقال جهاز الدفاع المدني في غزة، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025: إن الأمطار الغزيرة أدت إلى غرق مئات الخيام ومراكز الإيواء في مختلف محافظات القطاع. محذرا من خطر انهيار مبانٍ متضررة بفعل القصف الإسرائيلي، إضافة إلى وجود مئات البلاغات عن مخلّفات متفجرة جرفتها السيول إلى مناطق مأهولة.

وأكد المتحدث باسم الدفاع المدني محمد بصل أن قدرات الجهاز “معدومة”. مشيرا إلى غياب مضخات شفط المياه ووجود آلاف المباني الآيلة للسقوط، ما يهدد حياة السكان بشكل مباشر.

وفي السياق، قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس: إن القطاع يواجه "كارثة إنسانية متصاعدة" مع دخول منخفض جوي جديد في ظل غياب مقومات الإيواء، نتيجة استمرار إسرائيل في التنصل من التزاماتها التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار المطبّق منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، والذي تضمن فتح المعابر والسماح بدخول الخيام والبيوت المتنقلة.

وأوضح المتحدث باسم الحركة حازم قاسم أن غرق النازحين في خيامهم “يمثل وجها آخر لحرب الإبادة الجماعية”. مضيفا أن استمرار الحصار ومنع الإعمار "امتداد مباشر للعدوان بأدوات مختلفة". ودعا الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى تحرك عاجل لإغاثة القطاع مع اقتراب فصل الشتاء.

ووفق معطيات المكتب الحكومي في غزة، يحتاج القطاع إلى 300 ألف خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأدنى للسكن، في ظل تدمير 90% من البنية التحتية للمدنية ووجود 70 مليون طن من الركام.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، سلّط ناشطون الضوء على المعاناة الشديدة للنازحين. مشيرين إلى أنهم عالقون بين الطقس القاسي، ومنع المساعدات، والقصف المستمر، ونقص الغذاء والدواء والتدفئة والملابس. وشارك المستخدمون مقاطع وصورا مؤلمة عبر وسوم مثل #أغيثوا_غزة، #غزة_تغرق.

ومن أبرز الصور المتداولة، مشاهد غرفة العمليات في مستشفى الكويت الميداني وقد غمرتها المياه أثناء إجراء عمليات جراحية، ما اضطر الطواقم الطبية إلى وقفها فورا لحماية المرضى، في واقعة تعكس حجم الانهيار الذي تعيشه المنظومة الصحية.

وتداول ناشطون مقطع فيديو لأطفال يحاولون منع مياه الأمطار من اقتحام خيامهم، وهم يُوجّهون غضبهم نحو الأنظمة العربية والمجتمع الدولي. متهمين الجميع بالصمت إزاء مأساة تتفاقم مع كل يوم شتاء جديد.

شتاء قاسٍ

وناشد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حذيفة عبدالله عزام، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لإغاثة أهل غزة فمصابهم عظيم وبلاؤهم جسيم ولا حول لهم ولا قوة إلا بالعلي العظيم.

ودعا الأكاديمي إياد إبراهيم القرا لمساندة أهل غزة ومساعدتهم بما يستطاع، بعيدًا عن المبادرين، واقترح البحث عن مؤسسات أو جهات موثوقة لإيصال المساعدات لهم.

وعرض صورا لعدد من الأهالي يستخدمون الدواب كإحدى وسائل المواصلات البديلة التي تسهم في تحرك الأهالي وتنقلهم في ظل الفيضانات وغرق الشوارع. قائلا: "من قسوة شتاء اليوم يبدو أننا أمام شتاء قاسٍ على أهل غزة".

وقال رئيس المرصد الأورمتوسطي رامي عبده: "إذا كانت غزة بحاجة إلى كل جهد مخلص خلال الإبادة، فهي اليوم بحاجة أكبر إلى كل ما يمكن أن يخفف وجعها ويمسح على رؤوس أهلها". مؤكدا أن من يتخلَّ عنها من أبنائها ابتداء، وينشغل بهوامش الأمور، فقد خان أمانتها.

وقال الصحفي يوسف الدموكي: "غزة غارقة في الوحل؛ مياه الأمطار تغمر خيامها ومشافيها، الأطفال يرتعدون في العراء، والنساء مقهورات بلا ساتر، والكبار مقهورون بلا حيلة، والناس في شغل عنهم كأنهم "صداع" وانزاح من رؤوسهم، ألم نوقف لكم الحرب؟ خففوا صياحكم قليلا". 

وأكّد أن الحقيقة أن غزة ستحاسب الجميع، وشدتها اليوم جنة لما سيلقاه من ظلمها غدًا، مستشهدا بقول الله تعالى في الآية 44 من سورة هود: "وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِين".

فساد البنية

وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاغوبال: إن خيام النازحين في غزة "قديمة تمامًا وغير صالحة للسكن، والكثير منها غارق تحت المياه بعمق يتراوح بين 30 و60 سنتيمترًا".

وأوضح أن المناطق التي تؤوي النازحين غمرتها المياه مع قدوم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، ما يشكّل خطرا كبيرا على الأطفال والنساء وكبار السن. لافتًا إلى أن الأمراض، بما فيها تلك المنتقلة عبر المياه، تتفشى بسرعة كبيرة. بحسب تصريحاته للأناضول.

وأكد راجاغوبال أن إسرائيل لم تسمح بإدخال العدد الكافي من الخيام والمساكن المتنقلة التي التزمت بها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، رغم وجود شاحنات مساعدات كافية تنتظر على المعابر.

وختم المقرر الأممي بالقول: "إبقاء الناس في حالة نزوح دائم هو جزء من إستراتيجية عدم الاستقرار التي تنتهجها إسرائيل، هذه هي الطريقة الوحيدة لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على غزة، وجعلها أكثر خضوعًا، إنها جزء من إستراتيجية الضم، والسماح باستمرارها أمر مؤسف للغاية".

وعلق الكاتب يحيى بشير على صورة تظهر خيام النازحين غارقة بالأمطار، قائلا: "لا بيوت، لا خيام تقي من المطر، لا كرفانات ومساكن آدمية، لا بنية تحتية لتصريف المياه والصرف الصحي".

وأضاف: "هذا جزاء غزة التي اختارت طريق الحرية، جزاء شعب قرر رفض الحصار فكان مصيره الإبادة والتنكيل على مدار عامين!!.. ضعفاء يا رب.. وكّلناك أمرنا يا رب فأصلح أمرنا يا رب".

وقال الكاتب مأمون أبو عامر: إن مشاهد الغرق للخيام في غزة تمزق القلب، وتطرح أسئلة بلا جواب حول واقع الإنسانية في هذا العالم الظالم، وعن مدى قدرتنا نحن على الاستعداد لمواجهة الكوارث والأزمات قبل وقوعها!!.

وأكّد أن الكل كان يدرك أن هناك موجة أمطار قوية قادمة. متسائلا: "ما هي استعداداتنا على المستوى الفردي والجماعي، لمنع وقوع الأزمة أو التخفيف من تداعياتها!!".

وعرض ياسر خطاب، عدد من الصورة تظهر أن خيام النازحين تغمرها المياه في مدينة غزة. مؤكدا أن ظروف قاسية ومحاولات خجولة من الأهالي لحل الإشكالية في ظل انهيار البنية التحتية والمنخفض الجوي.

وشارك الناشط تامر قديح، مقطع فيديو من غرفة العمليات في المستشفى الكويتي الميداني غارقة في مياه الأمطار نتيجة تعرض القطاع لمنخفض الجوي، بينما يحاول الطاقم الطبي نزح المياه.

وأشار إلى أن هذا المكان الذي يفترض أن يكون الأكثر حرصا واعتناءً وبعيدًا عن أي شكل من أشكال التلوث. قائلا: "لكن آلة الحرب الإسرائيلية لم ترحم لا المستشفيات ولا البنية التحتية.. غزة اليوم عبارة عن كومة من الأنقاض وتفتقد لكل مقومات الحياة".

وقال مدير مركز دراسات الأمم المتحدة مارك سيدون: "لو كان هناك أي عدالة حقيقية في هذا العالم، لكانت إسرائيل ستدفع تعويضات كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية المدنية التي دمّرتها عمدا".

غرق الخيم

وتنديدا بخذلان الأنظمة العربية الحاكمة والعالم أجمع لغزة، عرض الصحفي عماد زقوت، مقطع فيديو له وهو يحاول نزح المياه من خيمته، قائلا: "غرقت خيمتي وغرق معها ما استطعت من جمعه من أشياء بعد نزوحي المتكرر".

وأضاف: "هذا حالنا للشتاء الثالث على التوالي، نغرق في البرد والماء والخذلان والإبادة".

وعلق كريم جودة على صورة لأطفال نائمين في خيمة غارقة في المياه ويتلحفون من البرد القارس بأكياس من البلاستيك، قائلا: "أولئك الحمقى الذين نهبونا وعاشوا في رفاهيةٍ ورفاهية لن يفهموا أبدًا مشاعر العالقين في خيامٍ مُمزّقةٍ مُتجمدة، أناسٍ ظُلِموا، سُحقوا، وتُركوا ليغرقوا في برد الشتاء القارس، يعيشون في جحيمٍ لا يُطاق".

واستنكر غازي المجدلاوي خذلان غزة وأطفالها، قائلا: “أطفال غزة الذين تسلّقتم على أكتافهم ”وأسطرتوهم" في شعاراتكم لصنع مجدكم الوهمي".

وأكد الشيخ عبدالعزيز الطريفي، أن خذلان المسلمين في غزة شراكة في الظلم والعدوان، وأعظم من الخذلان الإعانة على حصارهم فهو موالاة لليهود. داعيا الله أن ينصر أهل غزة ويخذل الخاذل القادر.

واستهجنت المغردة سمية، أن عالما كبيرا بكل دوله وأقطاره لا يستطيع إدخال كرفان واحد إلى غزة التي يسبح أهلها في الوحل والطين، ووصفته بأنه "عالم جبان، قذر، مجرد من كل معاني الإنسانية، متوحش لا يفرق عن عالم الحيوان في شيء".

وكتب محمد كنفاني: "غزة تقف في العراء تحت المطر، لا خيام تكفي ولا دفء يحمي. الأطفال يرتجفون، والنساء يخفين قهرهن، والرجال يرفعون الوحل عن طريقٍ لا ينتهي.

ووسط هذا كله، العالم يكتفي بالصمت وكأن الألم مجرد ضجيج يمكن تجاهله.

لكن غزة لا تُنسى، ولا تسقط من الذاكرة. وغدًا… سيُسأل الجميع".

هندسة الحصار

وتنديدا بسماح جيش الاحتلال الإسرائيلي بدخول منتجات الرفاهية بينما يمنع دخول المقومات الأساسية للحياة، قالت إحدى المدونات: "‏الجيش الإسرائيلي يُدخل كميات كبيرة من هواتف iPhone 17 بكل أشكالها، حتى المطلية بالذهب.

وأشارت إلى أن جيش الاحتلال يدخل الكولا والشيبس والشوكولاته، بينما يمنع الأدوية الجاهزة والمستلزمات الطبية، والخيام، والآليات الهندسية لإصلاح البنية التحتية، والملابس الشتوية واللحوم.

وأكدت المدونة، أن هذه هي هندسة الحصار؛ ليُظهر للعالم حالة من الترف والبذخ في غزة، وفي المقابل يَحرِم الناس من الأساسيات والاحتياجات المهمة والمفيدة والضرورية للاستمرار في الحياة.

وعلق حسام خلف المخ على صورة لثلاثة أطفال من غزة تظهر عليهم معاناتهم من مياه الأمطار وما خلفته، قائلا: "بين أطفال يعيشون في الوحل.. وطبقة من المبادرين يتزاحمون لشراء آخر إصدار من آيفون".

وأوضح الداعية جهاد حلس، أن الاحتلال يريد بإدخاله آيفون 17 بروماكس المطلي بالذهب إلى غزة بينما يمنع عنهم أبسط مقومات الحياة من كرفانات وخيام وأدوات الإعمار التي تقيهم برد الشتاء، إيصال رسالة مزيفة للعالم أن غزة غارقة بالكماليات والرفاهيات ولا تحتاج إلى شيء.

وأوضح أن الاحتلال يفعل ذلك بينما يخفي عن العالم حقيقة أن غزة تحتاج لأبسط مقوّمات الحياة. مؤكدا أن هذا ديدن الاحتلال.

وأكد الناشط صلاح صافي، أن الحقيقة التي لا يريد الاحتلال لها أن تُرى، أن غزة غارقة في الطين، في الخيام الممزقة، في البحث عن رغيف خبز وعلبة حليب لطفل، وفي طوابير تنتظر بيضا أو لحوما حُرمت منها منذ شهور.

ولفت الصحفي وائل أبو عمر إلى الفجوة بين المقطع الذي يظهر نجاح تاجر في  إدخال آيفون 17 ذهبي مرصّع بالألماس إلى غزة، والمشاهد القاسية التي تُظهر خيام النازحين وهي تغرق جراء غزارة الأمطار، لا تصنع مجرد تناقض بصري؛ بل تخلق ضبابية حقيقية لدى الجمهور الذي يتابع أخبار غزة ويحاول فهم الحقيقة.

وقال: إن صاحب مشهد الآيفون يمنح دون قصد مساحة لمحتوى عشوائي يُشوّش على الصورة الحقيقية، ويعطي انطباعًا زائفًا بأن الحياة بغزة أصبحت "وردية" بينما الواقع يصرخ بعكس ذلك.

وأضاف أبو عمر، أن المطلوب ليس معجزة… المطلوب وعي أكبر في تصدير الرواية والصوت والصورة، في ظل تنامي التقارير الإخبارية عن كبرى الصحف العالمية التي بدأت تتداول تقارير عن انخفاض حجم التبرعات والتعاطف مع غزة.

وأشار إلى أن الجمهور الغربي والرأي العام العالمي فسر التهدئة التي مضى عليها نحو شهر تقريبا، واخترقت حوالي 5 مرات، والتي عمليا هي مربوطة بخيط عنكبوت، أنها نهاية عامين من الحرب والعذاب الذي تجرعه أهالي غزة، وأن الفلسطيني في غزة وصل لنهاية رحلة عذاباته.

وأكد أبو عمر أن الواقع يعكس خلاف ذلك، فلا زالت معاناتنا متنامية في ظل عدم وجود مأكل نظيف وبجودة إنسانية، وتعنّت إسرائيلي في إدخال البضائع، وإعمار المستشفيات، والمدارس، وإدخال الكرفانات بدلا من الخيام.. إلخ.

وشدد على أن مسؤولية الفلسطينيين تقريب الحقيقة للناس، قائلا: "تبًا للمرة المليون لتجار متخلفين أتقنوا بمهارة مص دم وجيوب الناس، وكل واحد دخل غرض جديد على البلد بيصور فيديو ويقولك الأول أول".

الكلمات المفتاحية