هشام حرب.. فدائي فلسطيني يعتزم عباس تسليمه "عربون شكر" لفرنسا

حسن عبود | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة غير مسبوقة، يتجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نحو تسليم مواطن فلسطيني معتقل لديها إلى فرنسا، لطي ملف حادثة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.

وخلال مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، كشف عباس أن الإجراءات القانونية لتسليم المواطن هشام حرب إلى فرنسا وصلت إلى مراحلها النهائية.

وقد أثارت تصريحات عباس جدلا واسعا حول قانونية الاعتقال والتسليم المرتقب، حيث يرى كثيرون أن هذه الخطوة تمثل عربون شكر بعد اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية.

عملية الحي اليهودي

في 9 أغسطس 1982، قاد هشام حرب مجموعة نفذت عملية تفجير وإطلاق نار في مطعم "جو جولدنبرغ" الواقع في الحي اليهودي بباريس، مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 22 آخرين. بدأ الهجوم في منتصف النهار بإلقاء قنبلة يدوية داخل المطعم، ثم دخل رجلان المكان الذي كان يضم نحو 50 زبونًا، وأطلقا النار من رشاشين من طراز WZ-63.

وفق التحقيقات الفرنسية، كان هشام حرب عضوا سابقا في فصيل "فتح – المجلس الثوري"، وهو تنظيم فلسطيني منشق عن منظمة التحرير بقيادة صبري البنا المعروف بـ"أبو نضال". وتشتبه باريس بأن حرب لعب دورًا محوريًا في الإشراف على الخلية المنفذة وتخطيط العملية، ما جعله من أبرز المطلوبين في هذه القضية.

في عام 2015، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف دولية بحقه وبحق آخرين، لكن تنفيذها تعثر بسبب تعقيدات سياسية وأمنية، خاصة أن سلطة محمود عباس كانت ترفض تسليم حرب بحجة أن فلسطين ليست دولة معترفًا بها رسميًا. إلا أن الملف أعيد فتحه مجددًا بطلب رسمي من فرنسا في إطار عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

يُعد هشام حرب واحدًا من ستة رجال تمت إحالتهم إلى محكمة الجنايات الخاصة بباريس في يوليو 2025 على خلفية الهجوم. ومن بين هؤلاء الستة، أصدرت فرنسا مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة منهم، وهم هشام حرب، وزهير محمد حسن خالد العباسي المعروف بـ"أمجد عطا"، الذي اعتُقل في الأردن عام 2015 وأُفرج عنه لاحقا بكفالة، ووليد عبد الرحمن أبو زيد المعروف بـ"سهيل عثمان"، المقيم في النرويج، والذي اعتقلته السلطات النرويجية عام 2020.

وقد رفضت جميع الحكومات المعنية تسليم هؤلاء المطلوبين إلى فرنسا، وفق ما أكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عام 2017، مما جعل القضية محاطة بتعقيدات سياسية وقانونية متشابكة حتى اليوم.

هشام حرب هو الاسم الحركي للمواطن الفلسطيني محمود خضر عابد العدرة، المولود عام 1955 في بلدة يطا بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية.

ارتبط اسمه منذ بدايات نشاطه بالعمل الوطني والنضالي، خصوصًا مع منظمة أبو نضال، الجماعة المنشقّة عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. تميزت منظمة أبو نضال بنشاطها العسكري خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، حيث أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة هجمات في مناطق متعددة حول العالم. ويُذكر أن مؤسس المنظمة، صبري البنا المعروف بـ"أبو نضال"، توفي في العراق عام 2002، فيما يُقدر أن هجمات المنظمة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 900 شخص حول العالم، بحسب موقع بي بي سي البريطاني.

على الرغم من مرور سنوات طويلة على تلك العمليات، لم تحقق التحقيقات سوى تقدم محدود في القضية، إلا أن العثور على أحد الأسلحة المستخدمة في هجوم مطعم "جو جولدنبرغ" في متنزه بباريس قدّم بعض الخيوط الهامة.

وفي عام 2007، أعاد القاضي الفرنسي مارك تريفيديك فتح ملف التحقيق في الهجوم على المطعم، وتمكن من تحديد هوية هشام حرب بفضل شهادتين سريتين صدرتا عن عضوين سابقين في منظمة أبو نضال، عُرفا بـ"الشاهدين 93 و107". أكدت الشهادتان أن هشام حرب كان قائد المجموعة المنفذة على الأرض والمشرف على تنفيذ العملية مباشرةً.

كما أدلى ناجٍ من الهجوم يدعى غي بناروس، وكان يبلغ من العمر 16 عامًا وقت الحادثة، بشهادته مؤكداً أنه رآه يطلق النار عليه أثناء فراره من المكان.

بعد تنفيذ الهجوم، غادر هشام حرب فرنسا، متنقلاً بين عدة دول عربية، حتى استقر في قطاع غزة عقب تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994. ومن ثم انتقل إلى رام الله حيث عاش بعيدًا عن الأضواء لسنوات عديدة، وتقاعد من العمل برتبة عميد في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

في نهاية المطاف، انتهى به المقام في سجون سلطة محمود عباس، استجابةً لطلب فرنسا بتسليمه.

عربون شكر

وفي تصريحات للصحيفة الفرنسية، أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول 2025 "هيأ إطاراً مناسباً للتعاون القضائي بين الطرفين".

وأشار عباس إلى حرص السلطة الفلسطينية على احترام الاتفاقيات الثنائية والعمل ضمن الأطر القانونية الفلسطينية والدولية في معالجة ملف تسليم هشام حرب.

وجاءت تصريحات عباس على هامش لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس، حيث ناقشا عدداً من الملفات السياسية والقضائية، من بينها قضية هشام حرب.

وصل عباس البالغ من العمر 90 عامًا، بخطوات بطيئة إلى قصر الإليزيه، ممسكًا بيد ماكرون، في مشهد يعكس الدعم والتناغم بين الطرفين بعد الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية.

وأكد قصر الإليزيه أنه "لا توجد مشكلة قانونية في تسليم هشام حرب، بل الأمر يتعلق فقط بالقابلية للتنفيذ"، في إشارة إلى التنسيق الجاري مع الجانب الفلسطيني لضمان سير الإجراءات القانونية بشكل سليم.

وكان لافتًا إعلان النيابة العامة الفرنسية المكلفة بقضايا الإرهاب، في 19 سبتمبر 2025، قبل ثلاثة أيام من إعلان فرنسا اعترافها بدولة فلسطين، أن السلطات الفلسطينية قد أوقفت هشام حرب.

وجاء ذلك بعد تلقي فرنسا إخطارًا رسميًا من الشرطة الدولية (الإنتربول) بإجراء التوقيف، حيث رحبت باريس بهذه "الخطوة الإجرائية الكبرى"، معربة عن شكرها للسلطة الفلسطينية على تعاونها في هذه القضية التي تم إحالتها إلى محكمة الجنايات الخاصة بباريس.

وأشاد ماكرون في سبتمبر 2025 بـ"التعاون الممتاز مع السلطة الفلسطينية"، مؤكداً: "نعمل معًا من أجل التسليم السريع. وبينما سيُحال بعض المشتبه بهم إلى محكمة الجنايات، فإن هذه الخطوة تمثل تقدماً نحو تطبيق القانون وكشف الحقيقة".

وبذلك، تمثل معالجة ملف هشام حرب اختبارًا مبكرًا للعلاقات الفلسطينية-الفرنسية بعد الاعتراف بدولة فلسطين، وتعزيزًا لدور سلطة عباس ككيان قانوني وسياسي فاعل على الساحة الدولية.

مخالفة للقانون

وبحسب عائلة محمود العدرة، فإن اعتقاله في مركز البالوع بمدينة رام الله جاء في ظروف غامضة، دون توجيه اتهام رسمي واضح حتى الآن.

وقد انتهت في 13 نوفمبر مهلة الـ60 يومًا التي يحددها القانون الفلسطيني لتمديد توقيف العدرة، وهو معتقل على ذمة محكمة الصلح التي من المفترض أن تفصل في أمر تسليمه للسلطات الفرنسية من عدمه. ورغم ذلك، لا تزال الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحتجزه بناءً على قرار سياسي.

وقالت العائلة في بيان: إن "العميد المتقاعد يعاني من أمراض خطيرة، أبرزها سرطان المثانة ومشكلات في القلب، وكان قد أنهى قبل ثلاثة أشهر فقط علاجه الكيميائي، وكان من المقرر أن يبدأ علاجًا إشعاعيًا جديدًا خلال أسبوعين وفق البروتوكول الطبي".

وأضاف البيان أن العدرة "يعاني من انخفاض حاد في المناعة، ويحتاج إلى رعاية طبية مكثفة لا يمكن توفيرها في مكان احتجازه الحالي".

وأكدت العائلة أن الجهات الحقوقية والقانونية، إلى جانب محاميها، أوضحوا أن محمود العدرة "لا يستوفي الشروط القانونية لتسليمه إلى فرنسا".

من جانبها، رأت 13 منظمة حقوقية وأهلية، على رأسها "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" والمؤسسات المنضوية تحت مظلة "مجلس منظمات حقوق الإنسان"، في بيان مشترك أن "أي إجراء يؤدي إلى تسليم مواطن فلسطيني إلى جهة أجنبية يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الأساسي الفلسطيني".

وجاء في نص القانون الأساسي الفلسطيني بوضوح: "لا يجوز إبعاد أي فلسطيني عن أرض الوطن، أو حرمانه من العودة إليه، أو منعه من المغادرة، أو تجريده من الجنسية، أو تسليمه إلى أي جهة أجنبية".

وأضافت المنظمات: "حق المواطن في محاكمة عادلة أمام قضاء وطني مستقل، يشكل ركيزة أساسية في المنظومة الحقوقية الفلسطينية، ولا يجوز تجاوز هذا الحق أو التنازل عنه تحت أي ظرف".

وتابعت: "أي مساس بهذا المبدأ يعد تعديًا خطيرًا على السيادة الوطنية وحقوق المواطنين الدستورية، ويشكل سابقة تمس مكانة النظام القانوني الفلسطيني والتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان".

وشددت المنظمات على أن هذا الإجراء "يفتح الباب أمام دول أخرى للمطالبة بتسليم فلسطينيين نفذوا عمليات فدائية في الماضي".

وأكد محمد الهريني، المحامي الخاص بهشام حرب، في تصريحات صحفية، أن تسليمه إلى فرنسا "أمر غير ممكن قانونيًا"، وأن "الشق السياسي في القضية لا يمكن أن يجد له مكانًا في القضاء الفلسطيني".

ويجادل مختصون قانونيون بأن الاتهامات الموجهة إلى حرب قد سقطت بالتقادم منذ عدة سنوات، كما أن عدم وجود اتفاقية تسمح للسلطة الفلسطينية بتسليم مواطنين إلى دول أجنبية لمحاكمتهم على أعمال نضالية نفذت في إطار منظمة التحرير، يُضعف من إمكانية تنفيذ التسليم قانونيًا.