"مجلس تشخيص".. اختيار رئيس الوزراء في العراق على الطريقة الإيرانية

السوداني التأم مع الإطار التنسيقي بعد قطيعة دامت لأكثر من شهرين
مع توقيع القوى الشيعية في العراق على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، إثر اندماج ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني مع "الإطار التنسيقي"، أعلن عن تشكيل لجنة خاصة لمقابلة المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء الجديد.
وفي الانتخابات التي جرت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تصدر ائتلاف السوداني النتائج بفوزه بـ46 مقعدًا، فيما حققت قوى الإطار مجتمعةً، المتمثلة في 8 قوائم انتخابية، نحو 130 مقعدا. ورغم ذلك، لم يجتمع الطرفان مباشرة إلا بوساطة من رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي.
وقبل نحو شهرين من الانتخابات البرلمانية، قاطع السوداني اجتماعات الإطار التنسيقي، إذ عدته كتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي انشقاقا عنهم، وهو ما نفاه رئيس الوزراء العراقي. مؤكدًا أن ائتلافه هو "جزء أساسي من مكونات الإطار".

ملامح المرحلة
كانت أولى مخرجات الاندماج بين ائتلاف محمد شياع السوداني والإطار التنسيقي تشكيل لجنتين أساسيتين لتولي مهام حاسمة في المشهد السياسي العراقي. اللجنة الأولى مكلفة ببدء المحادثات مع الشركاء السياسيين في البلاد. لا سيما القوى السنية والكردية، فيما تتولى اللجنة الثانية مقابلة المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء الجديد.
وكشفت وسائل إعلام عراقية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني أن لجنة الإطار التنسيقي لاختيار رئيس الوزراء تضم شخصيات بارزة مثل عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، وهمام حمودي، رئيس المجلس الإسلامي العراقي، وعبد السادة الفريجي، أمين عام حزب الفضيلة الشيعي.
أما اللجنة التفاوضية للإطار مع بقية الأطراف السياسية فتتألف من قيادات رئيسة في المشهد الشيعي، على رأسها نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، والهادي العامري، رئيس منظمة بدر، وفالح الفياض، رئيس تحالف العقد الوطني، ومحسن المندلاوي، زعيم تحالف الأساس، وفق ما نقلته منصة "الجبال" العراقية.
وفي بيان رسمي صدر في 17 نوفمبر، أكد الإطار التنسيقي عقد اجتماعه الاعتيادي رقم 250 بحضور جميع قياداته في مكتب حيدر العبادي؛ حيث شدد على أن "التعاون الوطني الشامل هو الأساس لعبور المرحلة المقبلة وترسيخ الاستقرار السياسي".
وأشار البيان إلى أهمية حسم الاستحقاقات الانتخابية ضمن المدد الدستورية وبما يتوافق مع السياقات القانونية المعتمدة. مشددًا على أن "الالتزام بالتوقيتات الدستورية يمثل ضمانة لانتقال دستوري منظم يحترم إرادة الناخبين".
وأضاف الإطار التنسيقي في بيانه أنه يعد نفسه الكتلة النيابية الأكبر، التي تضم جميع كياناته وفق الإجراءات الدستورية، وأنه سيستمر في ترشيح رئيس الوزراء للمرحلة المقبلة.
في سياق التنظيم السياسي، أكد الإطار أنه شكل لجنتين قياديتين؛ الأولى معنية بمناقشة الاستحقاقات الوطنية ووضع رؤية موحدة لإدارة الدولة، والثانية تتولى مقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وفق معايير مهنية ووطنية.
شروط صارمة
في وقت لم يكشف فيه البيان الرسمي للإطار التنسيقي عن المعايير التي اعتمدها لاختيار رئيس الوزراء الجديد، أكد قصي محبوبة، عضو ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني، أن الإطار التنسيقي وضع مجموعة شروط صارمة لهذا المنصب.
وأوضح محبوبة في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني، أن من بين هذه الشروط عدم ممارسة العمل السياسي، أو تشكيل حزب سياسي، أو المشاركة في الانتخابات. مشيرًا إلى أن هذه المعايير تهدف، وفقًا لرؤيتهم، إلى الدفع نحو تعيين رئيس وزراء بلا صلاحيات سياسية فعلية.
وأضاف محبوبة أن "الإطار يريد رئيس حكومة بصفة دمية"، مؤكدًا أن ائتلاف "الإعمار والتنمية" يرفض هذا الطرح بشكل قاطع، ويرى فيه محاولة لتقويض صلاحيات رئيس الوزراء الحقيقي.
ورأى مراقبون وسياسيون أن لجنة مقابلة مرشحي رئاسة الوزراء التي شكّلها الإطار التنسيقي، والتي تضم بعض قياداته، لا تختلف في جوهرها عن مجلس "تشخيص مصلحة النظام" في إيران، المسؤول عن الموافقة أو الاستبعاد لكل من يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية في طهران.
وفي هذا السياق، وصف السياسي العراقي والنائب السابق مشعان الجبوري لجنة الإطار التنسيقي بأنها بمثابة "مجلس تشخيص مصلحة النظام" العراقية. مشيرًا إلى أن الهدف من تشكيل هذه اللجنة هو السيطرة وتقزيم منصب رئيس الوزراء، وتحويله إلى دور إداري تابع للإطار.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار الجبوري إلى أن اللجنة ستفرض على المرشحين تقديم التزامات واضحة، مع التركيز بشكل خاص على موقفهم من إيران الذي سيكون أحد الأسئلة المحورية التي تُطرح عليهم.
من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي خالد السراي أن تشكيل هاتين اللجنتين يعد مضيعة للوقت أكثر منه استجابة للمتطلبات السياسية الراهنة. وأضاف أن "مقابلة المرشحين وكأن المنصب تحول إلى تعيين لوظيفة عامة هو أمر غير معقول".
وتساءل السراي عن طبيعة عمل اللجنة المشكلة من ثلاثة أعضاء لمقابلة المرشحين. متسائلًا: "هل ستكون هذه اللجنة صاحبة القرار في تعيين رئيس الوزراء؟ وكيف ستتم هذه العملية، هل بالتصويت بين الأعضاء؟ وهذا مخالف للمنطق".
وأشار إلى أن "اختيار لجنة للتفاوض مع باقي القوى السياسية أمر يمكن تفهمه، لكن أن تكون لجنة أخرى معنية بمقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء فهذا أمر غير مفهوم".
في المقابل، قال القيادي في تيار "الحكمة"، حسن فدعم: إن "لجنة اختيار رئيس الوزراء داخل الإطار التنسيقي قد باشرت عملها، وتم وضع المعايير مع باقي الأطراف". مضيفًا أن "هناك أسماء مطروحة، منها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني إلى جانب أسماء بارزة أخرى".
ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني عن القيادي في تيار "الحكمة"، حسن فدعم، قوله: "لا نريد كشف كل الأسماء حاليًا، والإطار التنسيقي هو المعني بالإعلان عن تلك الأسماء خلال المرحلة المقبلة". مؤكدا أن "معظم الأسماء المتداولة صحيحة، وبعضها لم يُرشح رسميًا بعد".
وفيما يتعلق بخطوات العملية السياسية المقبلة، من المقرر أن يدعو رئيس الجمهورية، بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات ومصادقتها قضائيًا، البرلمان الجديد إلى الانعقاد خلال 15 يومًا. وفي الجلسة الأولى، سيتم انتخاب رئيس البرلمان ونائبين له، ثم ينتخب البرلمان رئيسًا جديدًا للبلاد، الذي بدوره سيكلف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة الجديدة خلال فترة لا تتجاوز 30 يومًا.

"مدير عام"
قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري: إن هدف الإطار التنسيقي منذ تشكيل حكومة 2022 يتمثل في تقليص دور رئيس الوزراء ليصبح "مديرا عاما" تحت سيطرتهم، وهو ما أكده زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، في تصريحاته خلال مقابلة تلفزيونية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وأوضح الخزعلي أن الاتفاق بين الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء يقوم على الفصل بين قرارات الدولة وإدارة الحكومة؛ حيث يجب ألا يحتكر رئيس الوزراء قرارات الدولة، بل عليه الرجوع إلى الإطار التنسيقي لاتخاذ القرارات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والأمنية، فيما يقتصر دور رئيس الوزراء على تنظيم الحكومة والإدارة التنفيذية، مما يحوله إلى "مدير عام".
وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أشار المساري إلى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تفوق على الإطار التنسيقي في الانتخابات الأخيرة، بعد أن رفع عدد مقاعد ائتلافه من مقعدين في 2021 إلى 46 مقعدًا في 2025، مما يجعل من الصعوبة بمكان تجديد ولايته الثانية بسهولة.
ورجّح المساري أن اليد المتنفذة في اختيار رئيس الوزراء القادم هي لزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، مستدركًا أن السيناريو قد يتغير إذا تدخل المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، بشكل مباشر في القبول أو الرفض لشخص يتولى المنصب.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن سافايا عن نيته زيارة العراق قريبًا والاجتماع بكبار قادته، مما يعزز من احتمالية التأثير الأميركي في تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، عبر منشور على منصة "إكس": إن العراق أحرز "تقدمًا ملحوظًا خلال السنوات الثلاث الماضية". معربًا عن أمله في استمرار هذا التقدم خلال الأشهر المقبلة. وأضاف سافايا أنه "يتابع عن كثب عملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق".
وشدد مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن الولايات المتحدة "لن تقبل ولن تسمح بالتدخلات الخارجية في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة".
وكان الرئيس الأميركي قد عيّن في 19 أكتوبر رجل الأعمال الأميركي من أصل عراقي، مارك سافايا، مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى العراق، مؤكدًا أن "فهم سافايا للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة وصلاته في المنطقة سيساعدان في تعزيز المصالح الأميركية".
المصادر
- بعد الانتخابات.. العراق يسير إلى حكومة جديدة بسيطرة "الإطار التنسيقي"
- الحكمة والقانون يحددان آلية وموعد حسم منصب رئيس مجلس الوزراء من قبل الإطار
- «الإطار التنسيقي الشيعي» يشكل لجنة لتحديد مواصفات رئيس وزراء العراق المقبل
- مصدر يكشف لـ"الجبال" أسماء لجنتي الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة المقبلة
- السوداني يعود إلى حضن "الإطار" .. بحثا عن ولاية ثانية؟
- مجلس تشخيص مصلحة النظام
- "السوداني هو مدير عام": هكذا تنظر المقاومة إلى رئيس الوزراء العراقي الجديد















