من السلاح إلى الرمزية.. ماذا يعني خروج العمال الكردستاني من "زاب" شمال العراق؟

في 12 مايو/ أيار 2025، أعلن العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح بعد 40 سنة من الإرهاب
أعلن حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، عن سحب جميع عناصره من منطقة زاب شمال العراق؛ وذلك بعد قرارها بسحب قواتها من الأراضي التركية.
ويرى معهد التفكير الإستراتيجي التركي في مقال للكاتب "مدحت إيشيك"، هذه الخطوة تطورا مهما على الصعيد الأمني في شمال العراق.
وأرجع ذلك إلى الأهمية الإستراتيجية الكبيرة لوادي زاب بالنسبة للتنظيم؛ فقد كان منذ أوائل التسعينيات مركزا رئيسا لأنشطة حزب العمال الكردستاني العسكرية واللوجستية.
وفي 12 مايو/ أيار 2025، أعلن العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح بعد 40 سنة من الإرهاب، استجابة لدعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في تركيا.
وفي 11 يوليو/ تموز 2025، أقدمت مجموعة من التنظيم على تدمير أسلحتها في مدينة السليمانية العراقية، في صورة رمزية لحقبة جديدة بالمنطقة.

جغرافيا إستراتيجية
ويمتد وادي زاب من الشمال إلى الجنوب، وهو وادٍ واسع ومكسو بالخضرة، وتحيط به منحدرات شرقية وغربية صخرية وعرة مليئة بالأدغال.
وتوفر هذه التضاريس الطبيعية ملاجئ طبيعية للإرهابيين، من كهوف ومغاور صغيرة، فهي تستخدم للإقامة والتخزين وإخفاء المعدات والمتفجرات.
وفي أقصى جنوب الوادي يقع جبل لينك بارتفاع 2550 مترا، والذي يعد نقطة مراقبة حيوية.
فمن قمته يمكن مراقبة كامل شمال وادي زاب وتتبع تحركات القوات التركية، وهذا ما منح التنظيم القدرة على توجيه عناصره وتحريكها حسب الحاجة.
وكانت العمليات التركية في زاب تتسم بتعقيد كبير، بسبب طبيعة التضاريس والوجود المستمر للتنظيم في الوادي وجواره.
فعادةً ما يقوم التنظيم بسحب عناصره من الجنوب نحو جبل غارا، بينما يتجه قسم آخر نحو جبل متينا في الغرب.
ويزرع المتبقون الألغام على طرق العبور، ويقومون أحياناً بتكتيكات مضايقة ليلية لتعطيل عمليات القوات التركية.
تُعد منطقة زاب محوراً حيوياً للانتقال بين جبل متين وجبل غارا، كما تُستخدم كممر لوجستي مهم للانتقال من مناطق مثل حكورك وديانا ووادي بارزان ومرجسور وحجي عمران ورانية وصولاً إلى منطقة قنديل، والحدود الإيرانية، وجبل أسوس والمناطق الريفية للسليمانية.

آثار الانسحاب
وذكر الكاتب التركي أن انسحاب العمال الكردستاني من منطقة زاب لا يُعد مجرد خطوة تكتيكية عابرة، بل يمثل نقطة تحول إستراتيجية تُحدث تغييراً نوعياً في ميزان القوى العسكرية والأمنية بشمال العراق.
فهذه المنطقة كانت لسنوات طويلة بمثابة شريان حيوي للتنظيم، فقد كانت تعتمد عليه قياداته في الحركة والمراقبة، وفي وصل قواعده المنتشرة بين جبال قنديل ومحيطها مع مناطق أخرى داخل العمق العراقي.
ومع تمكن القوات المسلحة التركية من فرض السيطرة على جبل لينك ووادي زاب، تصبح خطوط الحركة التي كان يستخدمها التنظيم عبر هذه المنطقة مقطوعة عملياً.
نتيجةً لذلك، تتقلص قدرته في الوصول إلى مواقع حساسة مثل جبل قنديل، والمناطق الريفية المحيطة بالسليمانية، وجبل أسوس، فضلاً عن نقاط العبور الممتدة حتى الحدود الإيرانية.
ويؤدي هذا إلى عزل مجموعاته المنتشرة في تلك الجغرافيا الوعرة، وتجريدها من أهم ممراتها التقليدية.
وأشار الكاتب التركي إلى أن هذا التحول الميداني يضع عناصر التنظيم أمام مشهد جديد لم يجدوه منذ عقود، ويجبرهم على مواجهة خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للقوات التركية بعد فقدان القدرة على المناورة، أو محاولة الهروب نحو سوريا عبر خط محفوف بالصعوبات يمر من مخيم مخمور باتجاه سنجار.
وهو مسار يتسم بخطورة أمنية وجغرافية عالية، ما يجعل محاولة تنفيذه محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج.
ولا تتوقف انعكاسات الانسحاب عند حدود المعارك فقط، بل تمتد لتطال الوضع الأمني لسكان المنطقة.
إذ إنّ خروج التنظيم من زاب وما حولها سيؤدّي إلى تعزيز الاستقرار على طرق وبلدات إستراتيجية مثل بارزان، وسوري، وشيلاديزا، وغوفيز، وأمدية، ودهوك، وزاخو.
وهذه المناطق تشكل شريان الحياة لنحو مليون مواطن كردي في شمال العراق، كانوا قد عانوا طويلاً من التوترات الأمنية والتهديدات المرتبطة بالوجود المسلح.
ومع تراجع خطر العمليات والتسلل في تلك المحاور، يُنتظر أن تتحسن الأوضاع المعيشية لسكانها، وأن يشعروا بقدر أكبر من الأمان والطمأنينة في حياتهم اليومية.

فرصة للعراق وتركيا
وشدد الكاتب التركي على أن خروج حزب العمال الكردستاني من منطقة زاب سيمنح القوات المسلحة التركية مساحة أوسع للمناورة العسكرية، إذ سيتاح لها إعادة توجيه جزء من قواتها المنتشرة في تلك الجبهة إلى مناطق أخرى تحتاج إلى تعزيز أو متابعة عمليات أمنية خاصة.
وبهذا، تصبح قدرة الجيش التركي على إدارة عملياته في شمال العراق أكثر كفاءة ومرونة، مع تقليل الضغط على الوحدات الميدانية التي كانت مضطرة للبقاء لفترات طويلة في خطوط التماس مع التنظيم.
أما على الجانب العراقي، فإن تطهير المنطقة من وجود عناصر التنظيم سيخلق بيئة أكثر ملاءمة لعودة الجيش العراقي إلى مواقع المراقبة الحدودية مع تركيا، بعد سنوات من العجز عن الانتشار في هذه المناطق الوعرة بسبب سيطرة الجماعات المسلحة عليها.
وسيساعد ذلك تدريجياً في إعادة بناء منظومة الأمن الحدودي، بما يعزز قدرة الدولة العراقية على فرض سيادتها ومراقبة حدودها الشمالية بشكل فعّال.
ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية أن تكون الحكومة العراقية قد شرعت منذ الآن في اتخاذ التدابير اللازمة - سواءً كانت لوجستية أو هيكلية أو تدريبية - لضمان مؤسساتها الأمنية والعسكرية لتولي مسؤولية حماية الحدود بشكل كامل، بما يمنع عودة أي تهديدات محتملة في المستقبل.
وختم الكاتب مقاله قائلاً: تُعد خطوة انسحاب حزب العمال الكردستاني من منطقة زاب أحد التحولات المهمة في الصراع الإقليمي.
فهي تقلص نطاق العمليات اللوجستية للتنظيم، وتفتح المجال أمام تعزيز الأمن الإقليمي وتحسين حياة المدنيين في شمال العراق.
كما أنها تعكس تأثير التعاون العسكري التركي على ضبط حركة التنظيمات الإرهابية، وتؤكد على أهمية الجغرافيا كعامل حاسم في الإستراتيجيات العسكرية.












