إثيوبيا والإمارات وإسرائيل.. "تحالف الظل" يهدد أمن البحر الأحمر واليمن

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تصريحات مفاجئة، ربط الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بين استمرار الأزمة في اليمن وبين عسكرة الجزر اليمنية، مقترحًا في الوقت ذاته أن تتولى الدول الساحلية مسؤولية تأمين ممر البحر الأحمر، بوصفها المعنية بذلك، بدلًا من "القواعد العسكرية الأجنبية" — دون أن يسمّيها.

ويشهد اليمن منذ عام 2014 أزمة عميقة، بدأت مع انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية وسيطرتهم على مدن واسعة، بينها العاصمة صنعاء. وبعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعّدت الجماعة من عملياتها عبر شن هجمات على سفن في البحر الأحمر دعمًا — بحسب روايتها — للفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وردّت الولايات المتحدة والدول الغربية على هذه الهجمات بشن ضربات جوية استهدفت الحوثيين، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 6 مايو/أيار 2025، التوصل إلى اتفاق مع الجماعة يقضي بوقف الهجمات، وذلك بعد أقل من شهرين على إصداره أوامر عسكرية بمهاجمتها.

تحذيرات نادرة

في تصريحات تُعدّ من أندر ما يصدر عن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، أطلق الأخير تحذيرات واضحة من التحولات المتسارعة في البحر الأحمر، واضعًا اليمن وجزره في قلب المشهد الجيوسياسي للمنطقة.

وقال أفورقي، في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 15 نوفمبر: إن هذا الممر البحري الحيوي يُعدّ “مصلحة عالمية”. مؤكدًا أن مسؤولية تأمينه تقع أولًا على الدول الساحلية لا على "القواعد العسكرية الأجنبية"، التي وصفها بأنها "غير مطلوبة" وتشكل تهديدًا مباشرًا لشعوب المنطقة.

وربط الرئيس الإريتري بين استمرار الأزمة اليمنية وبين مشروع عسكرة البحر الأحمر، مشددًا على أن الجزر اليمنية — سقطرى وميون وزقر — باتت نقطة ارتكاز لفهم ما يجري في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.

وأشار إلى أن عدم الاستقرار في اليمن لم يعد شأنًا داخليًا بحتًا، بل هو نتيجة سعي قوى دولية لفرض وجود عسكري دائم في مواقع تتحكم بالملاحة العالمية، مؤكدًا أن عسكرة الجزر اليمنية تمثل تهديدًا مباشرًا لإريتريا ومصر والصومال وللأمن البحري الإقليمي عمومًا.

وأكد أفورقي أن حماية البحر الأحمر يجب أن تكون صناعة دوله الساحلية، داعيًا إلى بناء قدرات ذاتية لكل دولة، وإلى تنسيق مشترك بين مصر وإريتريا واليمن والصومال ضمن إطار قانوني موحد يمنع القوى الخارجية من استغلال الفراغ الأمني.

وأوضح أن التعاون الدولي مرحّب به فقط إذا جاء عبر اتفاقية جماعية تُرفع إلى الأمم المتحدة، لا من خلال تفاهمات منفردة تُضفي شرعية على قواعد أجنبية أو مشاريع نفوذ خارجية.

وشدد الرئيس الإريتري على الترابط الجغرافي والإستراتيجي بين البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وصولًا إلى الصومال واليمن، مؤكدًا أن "المنطق ذاته ينطبق على أمن خليج عدن الممتد بين الصومال واليمن وعُمان"، وما يثير القلق — بحسب قوله — هو سعي قوى خارجية لفرض هيمنتها في هذه المنطقة الحساسة.

وحتى 18 نوفمبر، لم يصدر أي رد رسمي من الدول التي أشار إليها أفورقي، ولا سيما اليمن، التي تُعدّ الطرف الأكثر صلة بتحذيراته من تفاقم التوتر في البحر الأحمر.

وتأتي تصريحات الرئيس الإريتري عقب زيارته إلى مصر في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهي زيارة حملت رسائل سياسية تتجاوز الطابع الثنائي للعلاقات، ووضعت على طاولة النقاش أربعة ملفات إستراتيجية تتعلق بالقرن الإفريقي، وتطورات الأزمة السودانية، والأوضاع في الصومال، وأمن البحر الأحمر.

وكان أفورقي قد أكد من القاهرة، خلال لقائه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، أهمية ضمان أمن البحر الأحمر وتعزيز التعاون بين الدول المشاطئة وعدم التأثير في الملاحة داخل هذا المجرى الحيوي.

وفي الاتجاه ذاته، شدد السيسي على ضرورة تكثيف التنسيق بين مصر وإريتريا، وكذلك مع الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر، بما يعزز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة بالغة الأهمية.

إنذار متأخر

وبخصوص دلالات ما أدلى به أفورقي، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني أحمد الشلفي: إن "تصريحاته لافتة ولا يمكن تجاوزها، فهو لم يطرح مواقف اعتيادية، بل قدّم واحدة من أوضح الرسائل السياسية الصادرة عن رئيس دولة من دول البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة".

ورأى الشلفي، في تدوينة على منصة "إكس" بتاريخ 16 نوفمبر، أن "هذه هي المرة الأولى التي يربط فيها رئيس دولة مطلة على البحر الأحمر بين الأزمة اليمنية ومشروع عسكرة الممر البحري، في إشارة واضحة إلى خطورة ما يحدث على ضفتي هذا المضيق الإستراتيجي"، متسائلًا عمّا إذا كانت تلك التصريحات تمثل "إنذارًا متأخرًا" لدول البحر الأحمر.

وأضاف أن أفورقي "أدخل الصومال ضمن المشهد ذاته، ويرى أن هشاشة الدولة الصومالية تُستغل بالطريقة نفسها التي يُستغل بها الوضع اليمني، وأن ما يحدث في سقطرى وميون وزقر يتوازى مع محاولات بلقنة الصومال، ما يعني أن المشروع واحد وأن الخريطة الإقليمية تُعاد صياغتها ضمن رؤية تهدد وحدة الدول وسلامة الممرات البحرية".

ولفت الشلفي إلى أن أفورقي "وضع اليمن في قلب الصورة، وقدم عبره قراءة لما يجري في البحر الأحمر: جغرافيا يُراد لها أن تُستباح عبر عسكرتها، ودول ساحلية تُدفع بعيدًا عن دورها الطبيعي في حماية واحد من أهم الممرات المائية في العالم".

ووصف حديث أفورقي بأنه "إنذار أو تحذير يتعلق بأمن البحر الأحمر، يبدأ من اليمن، وأن ترك الجزر اليمنية في يد القوى الأجنبية يعني سقوط الأمن البحري للمنطقة برمتها"، متسائلًا: “هل نحن أمام تحذير من دولة واحدة، أم أمام صوت يتحدث باسم الدول المطلة على البحر الأحمر جميعها؟”

من جانبه، قال المحلل السياسي اليمني عبد القادر محمد علي: إن التقاء المصالح في المنطقة خلال المرحلة الحالية يصبّ في مصلحة جميع اليمنيين، ومن واجبهم تحويل هذا التحدي إلى فرصة. وأضاف أن ما أعلنه أفورقي يعكس وجود تعارض بين ما يحدث في الجزر اليمنية ومصلحة بلاده.

وأوضح محمد علي، في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 14 نوفمبر، أن جزر سقطرى اليمنية، لوقوعها قرب المحيط الهندي، تحولت إلى قاعدة عسكرية متكاملة تضم طائرات استطلاع ورادارات وصواريخ، ما يعني قدرتها على عزل إريتريا التي تسعى إلى توسيع نفوذها العسكري في البحر الأحمر.

وأشار إلى أن إريتريا كانت تستفيد اقتصاديًا من ميناءي عصب ومصوع بعد تأجريهما إلى الإمارات، موضحًا أن وجود قوة عسكرية يمنية متقدمة في الجزر اليمنية القريبة من المحيط الهندي قد يُشكل تهديدًا لهذه المكاسب، حيث يمكن أن تصبح هذه القوة مسؤولة عن تنظيم وإشراف ومراقبة الملاحة البحرية، بالإضافة إلى توفير موانئ بديلة تؤثر على مصالح إريتريا الاقتصادية.

تهديد إثيوبي

من جانبه، رأى الباحث والكاتب المتخصص في الشأن الأفريقي، محمد صالح، أن تصريحات الرئيس الإريتري أفورقي بشأن مخاطر إنشاء القواعد العسكرية تنطلق من هاجس رئيس؛ إذ تشهد الفترة الحالية حرب تصريحات متصاعدة بينه وبين الحكومة الإثيوبية حول ميناء عصب في إريتريا.

وأوضح صالح في تصريح نشره موقع "بلقيس نت" اليمني بتاريخ 18 نوفمبر، أن إثيوبيا تسعى للحصول على منفذ على البحر الأحمر، وترى أنها الأحق في السيطرة على ميناء عصب، معتمدة على مبررات وسياقات كثيرة تدعي من خلالها حقًا تاريخيًا في الميناء، مضيفًا أن إثيوبيا قد تلجأ إلى خيارات أخرى إذا لم تحصله بالقانون، وهو ما يمثل الدافع الرئيس وراء تصريحات أفورقي.

وأشار صالح إلى أن إنشاء قواعد عسكرية ووجود قوات لا تنتمي للدول المشاطئة للبحر الأحمر أو التي لها صلة مباشرة بملكية هذه الجزر، يمثل خطرًا أمنيًا على تلك الدول وعلى السفن العابرة عبر الممر البحري.

كما أضاف أن "الهاجس الرئيس الآخر لأفورقي يتعلق بمعلومات تفيد بوجود عمل على إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة زقر اليمنية، دون تسمية الدولة القائمة بذلك، لكن الجهة المعنية معروفة، ولذلك يخشى أن تشكل هذه القاعدة، إذا أُنشئت، خطرًا على إريتريا وربما تكون جزءًا من أي تحرك إثيوبي مستقبلي".

وأوضح الخبير أن دولة الإمارات متحالفة مع إسرائيل، وأن إثيوبيا تحظى بدعم قوي من الطرفين، وتعوّل عليهما في تعزيز وجودها في البحر الأحمر وتهديد إريتريا، حيث يُعد ظهرها مسنودًا بهذين الطرفين.

واختتم صالح قائلاً: إن "وجود إسرائيل عبر الإمارات في الجزر اليمنية يشكل تهديدًا كبيرًا لسيادة الدول والمصالح الدولية والإقليمية التي تمر عبر هذا البحر الحيوي، وهذا أمر لا شك فيه".

وفي مطلع أكتوبر 2025، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرًا عن شبكة قواعد عسكرية تبنيها الإمارات بالتنسيق مع إسرائيل من سقطرى اليمنية إلى بربرة الصومالية، في إطار مخطط يهدف إلى إحكام السيطرة على خليج عدن، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم.

وأكد التقرير أن "هذه التحركات تشكل تحالف ظل خطيرًا يهدد اليمن وسيادته، ويحوله إلى ساحة نفوذ عسكري مشترك لإسرائيل وأبوظبي".

كما تطرق التقرير إلى القواعد العسكرية التي أنشأتها أو وسعتها الإمارات في جزيرتي عبد الكوري وسمحة، وهما جزء من أرخبيل سقطرى الذي تديره المجلس الانتقالي الجنوبي، إضافة إلى مطاري بوساسو وبربرة في بونتلاند وأرض الصومال؛ وكذلك المخا وميون في اليمن؛ حيث تُشحن من ميون نحو 30 بالمئة من نفط العالم عبر مضيق باب المندب.