أبعاد أخرى.. هل تعمد "الحوثي" عزل أميركا للاستفراد بإسرائيل؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعة الحوثي اليمنية، واصلت الأخيرة شن هجماتها على إسرائيل، مستهدفة "تل أبيب" بصواريخ باليستية بعيدة المدى، وسط توعد من حكومة الاحتلال بـ"الرد بقوة". 

وفي تطور مفاجئ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 6 مايو/ أيار 2025، "استسلام" الحوثيين وإيقاف استهدافهم للسفن في البحر الأحمر مقابل توقف سلاح جو الولايات المتحدة عن استهداف الجماعة، وذلك بعد أقل من شهرين على إعطائه أوامر بمهاجمتها.

من جهته، قال رئيس "اللجنة الثورية العليا" للحوثيين، محمد علي الحوثي خلال منشور على "إكس" في 6 مايو، إن "عمليات اليمن كانت ولا تزال إسنادا لغزة لإيقاف العدوان"، مؤكدا أن وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة لا يشمل وقف هجمات الجماعة على إسرائيل.

هجمات مستمرة

وفي أول هجوم حوثي بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة الأميركية، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، على منصة "إكس" في 9 مايو "اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن وسبب في تفعيل إنذارات في عدة مناطق في الأراضي المحتلة.

من جانبها، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن، تنفيذ عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار بن غوريون، وهدفا في يافا، حسبما أوردت وكالة "سبأ" اليمنية للأنباء التي يديرها الحوثيون.

وقال الحوثيون في بيانهم إنهم أطلقوا صاروخا باليستيا فرط صوتي، استهدف مطار بن غوريون، مؤكدين أن "سلاح الجو المسير نفذ عملية استهدفت هدفا حيويا في يافا بطائرة مسيرة نوع يافا".

وأفادت الجماعة بأن "قرار حظر الملاحة الجوية إلى مطارات إسرائيل ومرور السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، إضافة إلى العمليات الإسنادية، مستمر حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها".

وبعد يومين، شن سلاح الجو الإسرائيل هجوما على موانئ الحوثيين في الحديدة غربي اليمن، بعدما أصدر تحذيرات لليمنيين بإخلاء 3 موانئ هي رأس عيسى والحديدة والصليف، حسبما ذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية في 11 مايو.

يأتي ذلك، بعدما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 9 مايو عن مسؤول أمني إسرائيلي (لم تسمه) أن إسرائيل تعتزم توسيع هجماتها باليمن، كما تدرس توجيه ضربات ضد أهداف إيرانية ردا على الصواريخ اليمنية.

وأكد المسؤول الأمني أن إسرائيل ستواصل ضرب الحوثيين دون أي قيود، مشيرا إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار مع الأميركيين غير ملزم بالنسبة لهم.

كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أن قرار الولايات المتحدة وقف هجماتها على الحوثيين سيدفع إسرائيل لتكثيف هجماتها ضدهم وضرب أهداف جديدة تابعة لهم.

وأضافت أن من بين الأهداف التي حددتها إسرائيل باليمن ضرب أكبر عدد ممكن من منصات إطلاق الصواريخ ومرافق البنية التحتية، وتدمير باقي الموانئ بالكامل.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد توعد في 7 مايو، بشن مزيد من الهجمات على اليمن وأماكن أخرى على مسافات بعيدة للغاية، حتى لو لم ينضم "الأصدقاء الأميركيون".

وقال نتنياهو في معرض تعليقه على هذا الاتفاق الأميركي الحوثي في كلمة متلفزة بثها بحسابه على منصة "إكس" إنه "إذا انضم لنا أصدقاؤنا الأميركيون فسيكون ذلك جيدا، وإن لم يفعلوا فكما قلت سندافع عن أنفسنا بقوتنا"، وفق تعبيره.

وترتكب إسرائيل، بدعم أميركي جرائم إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت أكثر من 172 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

وردا على الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، يشن الحوثيون هجمات على سفن تابعة لإسرائيل وأهداف داخل البلاد، وفق ما يطلقون عليه "إسناد جبهة غزة".

"مهمة قذرة"

وبخصوص مدى تعمد الحوثيين عزل أميركا عن إسرائيل لمواصلة مهاجمة الأخيرة، قال عبد السلام محمد رئيس مركز "أبعاد" للدراسات والأبحاث اليمنية في حديث لـ"الاستقلال"، إن "توقيف الولايات المتحدة الضربات ضد الحوثي وراءه العديد من الأسباب".

ورأى محمد أن "السبب الأساس وراء وقف العمليات الأميركية ضد الحوثيين هو إتمام الولايات المتحدة ضرب الأهداف الإستراتيجية العسكرية المعنية بإضعافهم، بالتالي أصبحوا أشبه بجماعة بدون أظافر".

وأوضح أن "الحوثي يعلم أن الولايات المتحدة عندما أوقفت الضربات فإنها لم توقف أمرا آخر وهو ما تبقى من مصادر دخل لهم، وبالتالي وكأن الولايات المتحدة أعطت الدور للإسرائيليين ليقوموا بهذه المهمة، خصوصا التي تتعلق بالموانئ والمطارات".

وأضاف محمد أن “هذه الأشياء (مطارات موانئ) التي كسبها الحوثيون في الحرب الشرعية اليمنية وأثناء الاتفاقيات السابقة معها، فإن مهمة تدميرها تقوم بها إسرائيل، وهي مهمة تعدها الولايات المتحدة ”قذرة".

وحسب الباحث فإن "الحوثي بهجماته الصاروخية على إسرائيل يعطي مبررا للأخيرة لإكمال مهمتها في تدمير المطلوب منها، خصوصا وأن الصواريخ التي يطلقونها إما تسقط في البحر الأحمر أو لا تصل، والنادر منها فقط ما يخترق الدفاعيات الإسرائيلية". 

ولفت إلى أن "الجانب الإسرائيلي يتخذ مثل هذه الضربات الحوثية مبررا من أجل استمرار الهجمات التي يشنها على اليمن، خصوصا أن إسرائيل لديها مطامع في البحر الأحمر والسواحل والجزر اليمنية".

وأشار الباحث إلى أن "إسرائيل لا تحتاج إلى معلومات، لأن أهدافها تستطيع الحصول عليها من خرائط جوجل، كون ما تستهدفه هو منشآت نفطية وبنى تحتية اقتصادية مثل المطارات والموانئ، وهذا على عكس ما استهدفته الولايات المتحدة من مقدرات عسكرية للحوثيين".

ووفقا للباحث، فإن "الحوثي لا يعمل من أجل الوطن أو حتى الفلسطينيين، وإنما يخاف أن يظهر بمظهر المهزوم أمام الداخل اليمني، لذلك يقوم بعمليات خارجية كلفتها كبيرة على اليمن واقتصاده وشعبه، ولكن هذا لا يهمه، وإن أهم شيء لديه إيصال رسالته بأنه قاتل أميركا وإسرائيل وانتصر".

وبخصوص مستقبل الصراع، رأى عبد السلام أن "الحوثي سينهار قريبا، خصوصا أنه جرى ضرب كل الأسس الاقتصادية والمالية التي تموله وتدعمه للبقاء، بالتالي انهياره حتمي".

لكن الباحث توقع أن انهيار الحوثي من خلال الإطاحة به عسكريا أو عبر ثورة شعبية من الداخل، أو حتى بسبب مجاعة تؤدي إلى عدم قدرته على إدارة الأمور في مناطق سيطرته، مؤكدا أن "مصير الحوثي ذاهب إلى التفكك مثل حزب الله اللبناني".

رؤية عبرية

وفي المقابل، تساءل وزير العدل الإسرائيلي السابق، يوسي بيلين خلال مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" في 9 مايو، قائلا: "ماذا سيحصل إذا خرجنا من معظم الأرض وأقيمت دولة فلسطينية سيادية، وأراد أحد ما إطلاق آر.بي.جي نحو المطار ويعرض الطيران الإسرائيلي للخطر".

وأضاف بيلين أنه "من كان بحاجة إلى برهان على ضعف هذه الحجة، تلقاها في بداية الأسبوع (8 مايو) عندما وصل صاروخ بالستي حوثي إلى مجال المطار وكاد يضرب البوابة 3".

وتابع: "نعم، لإسرائيل أجوبة على هجمات ليست لدى أي دولة أخرى في العالم، لكن في عالم الصواريخ بعيدة المدى يمكن لدولة معادية وبائسة أن تضر إحدى الدول الأغنى والأقوى في العالم". 

وليس هذا لأن حجم الأرض غير مهم، بحسب الوزير الإسرائيلي السابق، "لكن التنازل عن أرض أكبر بثلاثة أضعاف من أرض إسرائيل بخطوط الهدنة يمنحها هدوءا شبه تام مع مصر، والسلام مع الأردن يمنحنا عمقا إستراتيجيا من 95 ألف كيلومتر مربع". 

ورأى أن "اتفاقات السلام التي عقدتها إسرائيل جلبت لها أمناً أكبر من أي أرض احتلتها وسلاح اقتنته. وإذا لم نكمل دائرة التسويات السياسية كجزء من اتفاقات إبراهام أو بلا صلة بها، ستكون بوابة الدخول إلى إسرائيل في خطر".

وخلص بيلين إلى أن "الانسحاب من الضفة الغربية بغير صيغة أرئيل شارون التي أصر على خطوها من طرف واحد (فك الارتباط معها كما حصل مع غزة)، ودون إخلاء مستوطنات أو هدمها مثلما فعل، سيضمن أمن إسرائيل أكثر بكثير من استمرار سيطرة على الأرض لا تمنع خطر الصواريخ".

وعلى الصعيد ذاته، رأى المؤرخ والكاتب الإسرائيلي، آفي شيلون خلال مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 8 مايو، أن "قرار الحوثيين وقف الهجمات على السفن بعد العملية العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة ضدهم يعد دليلاً على أن القوة وحدها هي التي تنتصر".

وأردف: "ظاهرا، هذه هي الحقيقة: الولايات المتحدة ضربتهم بلا رحمة إلى أن فضلوا التوقف. عملياً، هذه زاوية نظر ضيقة، لأن الاتفاق غير الموقع يثبت أن هناك حاجة للأخذ بالقوة، لكن بحكمة، وإلى جانب الدبلوماسية، وليس هذا لأن الحوثيين استسلموا، بل لأن الولايات المتحدة فضلت وقف الهجوم وتنازلت حتى عن مطلب ضمان وقف النار على إسرائيل أيضا. 

وأضاف شيلون أن "الأمور ستنكشف قريبا، بأن التسوية مع الحوثيين ترتبط بالاتفاق الذي ينسج مع إيران (الملف النووي). بمعنى أنه هناك خطوات دبلوماسية وتنازلات متبادلة، وإن جاءت بعد استخدام القوة. لكنها قوة لا تكفي وحدها".

وتوصل إلى أن "الدرس مما حصل بين الولايات المتحدة والحوثيين، هو بالضبط ما لا تفعله إسرائيل في غزة. فبدلاً من إعلان هزيمة حماس من ناحية عسكرية واستغلال الضربة في صالح تسوية سياسية في غزة تعيد المخطوفين، ها هي إسرائيل تعاند للحسم بقوة إضافية حتى النهاية".

وخلص شيلون إلى أن “إسرائيل بذلك تستدعي مشاكل ستنشأ: مثل النار التي تلقيناها من اليمن وستشتد، وإيقاع الأذى بالمخطوفين وبمزيد من الجنود الذين سيقتلون. إذ ما الذي يمكن عمله أكثر في غزة ولم نعمله في السنة والنصف الأخيرتين؟ وإذا كان ثمة شيء ما، فلماذا لم يتم عمله حتى الآن؟”