"تعاون خطير".. إلى أي مدى شاركت أذربيجان بالعدوان الإسرائيلي ضد إيران؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران، تصاعدت الشكوك حول احتمال اختراق الكيان لأراضي أذربيجان أو أجوائها في تنفيذ اعتداءاته. 

وتزامن ذلك مع رصد تحركات جوية غير مألوفة من جهة الشمال الغربي لإيران، ما أثار تكهنات بوجود دور أذربيجاني غير معلن.

وفي السياق، يعرض  موقع "هم ميهن" الإيراني، أبعاد العلاقة المتشابكة بين باكو وتل أبيب، والتي تشمل تعاونا عسكريا وتجاريا وثيقا منذ التسعينيات، فضلا عن شراكات في مجالات متعددة. 

كما يتناول موقف طهران المتوجس، والذي تعززه تقارير سابقة عن تنسيق محتمل بين الجانبين، رغم نفي أذربيجان الرسمي. 

تكهنات واسعة

يقول الموقع الإيراني، في بداية تقريره، إنه "منذ اندلاع الحرب، بدأت الشائعات والتكهنات تتصاعد حول احتمال دعم أذربيجان لإسرائيل في هجومها على إيران".

موضحا أن بعض هذه التكهنات اتخذ شكل تساؤلات، وبعضها جاء كاتهامات مباشرة.

ويشير الموقع إلى أن "مصادر غير رسمية تحدثت عن تأكيدات بهذا الشأن، بينما أفاد مواطنون من المناطق الشمالية أو القريبة من حدود أذربيجان بسماعهم صوت طائرات حربية يُعتقد أنها دخلت من الشمال الغربي نحو إيران". 

علاوة على ذلك، أُثيرت مزاعم بأن "إسرائيل لا يمكنها تنفيذ هجمات على شرق إيران من أراضيها، ما يعزز فرضية انطلاق الطائرات من أذربيجان". 

ويضيف الموقع أن روايات أخرى تحدثت عن "استخدام المجال الجوي الأذربيجاني، بل وذهب بعضها للربط بين باكو وحادثة تحطم مروحية الرئيس الإيراني السابق". 

ورغم عدم تأكيد أي من هذه المزاعم رسميا، إلا أن تكرارها وانتشارها الواسع يكشف -من وجهة نظر الموقع- عن شكوك عميقة لدى شرائح من النخب والرأي العام الإيراني تجاه العلاقات بين باكو وتل أبيب.

وهو ما يستدعي التوقف عند خلفيات هذه الريبة قبل عرض مواقف الطرفين، بحسب ما يراه الموقع.

وفي هذا السياق، تلفت "هم ميهن" إلى أن "العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل ليست وليدة اللحظة أو مبنية على تكهنات، إذ تُعد علاقتهما من أعمق علاقات إسرائيل مع الدول الإسلامية".

وهنا، ينقل الموقع عن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، وصفه العلاقة بين باكو وتل أبيب في عام 2009 بأنها "جبل جليد، تسعة أعشاره تحت الماء"، في إشارة إلى عمق العلاقات غير المعلنة. 

ومع مرور الوقت، يبرز الموقع الإيراني أن أوجها متعددة لهذا التعاون تكشفت، وهو ما وصفه البعض بأنه "التعاون الأفضل بين إسرائيل ودولة مسلمة".

وفي هذا الإطار، يتحدث الموقع عن الزيارات رفيعة المستوى التي شهدتها العلاقات الثنائية بين البلدين.

موضحا أن أبرزها زيارة نتنياهو في 2016 وهرتزوغ في 2023، ومنوها إلى أن ذلك تزامن مع افتتاح السفارة الأذربيجانية في تل أبيب. 

ويذكر الموقع أن الشراكة بين إسرائيل وأذربيجان تشمل مجالات واسعة، أبرزها التسليح والطاقة.

حيث استوردت أذربيجان 69 بالمئة من أسلحتها من إسرائيل (2016-2020)، كما أنها شكلت 17 بالمئة من صادرات الأسلحة الإسرائيلية. 

وخلال حرب قره باغ، يشير الموقع إلى أن إسرائيل لعبت دورا فاعلا في دعم أذربيجان، من خلال شركات مثل "أروناتيكس" و"آزاد سيستم".

ومن ناحية أخرى، وبالتأكيد على أن التعاون لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، يبرز الموقع أن "الشراكات امتدت كذلك إلى الاقتصاد".

إذ اشترت باكو حصة تُقدر بمليار و250 مليون دولار في حقل غاز "تمار" الإسرائيلي. 

وأضاف التقرير: "كما تنشط أكثر من 100 شركة إسرائيلية في أذربيجان بمجالات الزراعة والتعليم والصحة، إلى جانب مشاريع في تحلية المياه والاتصالات". 

وبشكل عام، يشدد الموقع الإيراني على أن "إسرائيل تُعد من أكبر شركاء أذربيجان التجاريين".

من أين بدأت التكهنات؟

"ورغم أن العلاقات الوثيقة بين باكو وتل أبيب وتاريخها الطويل كانت كافية لإثارة القلق بشأن احتمال تورط أذربيجان في الحرب، إلا أن مجريات الحرب نفسها عززت هذه الشكوك"، وفق ما كشفه الموقع.

وينقل موقع "هم ميهن" عن تقارير إعلامية وأمنية، منها تقرير لقناة "الجزيرة"، إفادتها بأن "طائرات مسيرة ومقاتلات إسرائيلية دخلت الأجواء الإيرانية من جهة الشمال، ما جعل أذربيجان المشتبه الوحيد، نظرا للعلاقات الإستراتيجية التي تربط إيران بجيرانها الآخرين كروسيا وأرمينيا وتركمانستان".

إضافة إلى ذلك، أفاد الموقع بأن شهادات محلية أكدت رصد طائرات إسرائيلية قادمة من حدود أذربيجان.

كما تحدثت تقارير عن هجمات متكررة استهدفت تبريز، يُعتقد أنها تهدف لفتح ممر جوي للطائرات الإسرائيلية عبر شمال العراق وأذربيجان وبحر قزوين باتجاه طهران. 

ومن ناحية أخرى، يشير الموقع إلى وجود أنشطة عدائية نفذتها شركات إسرائيلية في منطقة "قرمزي قصبه" الأذربيجانية.

وفي هذا الصدد، يوضح الموقع أن الشكوك حول هذا التعاون ليست جديدة.

ففي عام 2012، نشرت وكالة "رويترز" تقريرا يفيد بأن "باكو ناقشت مع إسرائيل إمكانية استخدام قواعدها الجوية وطائراتها المسيرة في هجوم محتمل على إيران". 

جدير بالإشارة هنا إلى أن أذربيجان نفت حينها هذه المزاعم، مؤكدة أنها لن تسمح باستخدام أراضيها لهذا الغرض.

وهو موقف -بحسب الموقع- لا تزال تكرره حتى الآن، مشيرة إلى التزامها بعدم التدخل ودعمها لفلسطين.

وبالفعل، في 17 يونيو/ حزيران 2025، جدد وزير الخارجية الأذربيجاني تأكيد بلاده على رفض استخدام أراضيها أو أجوائها لأي هجوم ضد إيران.

وبخلاف ما سبق ذكره، يقول الموقع إنه من المؤشرات المثيرة "زيارة مسؤول إسرائيلي إلى باكو قبل بدء الهجوم بساعات، ثم مغادرته تحت حماية مشددة". 

وفي هذا السياق، يسلط "هم ميهن" الضوء على أن التصريحات الرسمية الإيرانية الأكثر وضوحا بشأن القضية بدأت بعد أقل من أسبوع على توقف القتال.

فقد صرح سفير إيران في أرمينيا، مهدي سبحاني، بأن "طهران تجري تحقيقات لمعرفة ما إذا كانت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية استخدمت الأراضي الأذربيجانية في هجومها على إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوما". 

وأوضح السفير أن "إيران لم تؤكد بعض التقارير المتداولة، وستقرر موقفها بعد اكتمال التحقيقات".

علاوة على ذلك، أكد سبحاني أن استخدام أجواء أو أراضي أذربيجان سيكون خرقا خطيرا، موضحا أنه "في حال حدوث ذلك، سيتوجب على أذربيجان تقديم توضيحات قانونية". 

ووفق ما ذكره الموقع الإيراني، طالب سبحاني كذلك بإجراء تحقيق شامل من باكو حول احتمال استخدام الطائرات المسيرة الإسرائيلية المجال الجوي الإيراني عبر أراضيها.

وخلال حديثه، حذر السفير الإيراني من تصرفات إسرائيل غير المتوقعة التي قد تستغل الوضع، مؤكدا على "الحاجة إلى معلومات دقيقة قبل إصدار حكم".

ومن جهة أخرى، يذكر الموقع أنه في اتصال قبل يومين، طلب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، من نظيره الأذربيجاني، إلهام علييف، التحقق من اختراق الطائرات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية عبر أذربيجان.

ومن جهته، نفى علييف دور بلاده في الحرب، مؤكدا "السيطرة الكاملة على الأجواء ورفض استخدام المجال الجوي ضد إيران".

وعلى الرغم من هذه التكهنات والاتهامات واسعة الانتشار، يبرز الموقع أن علييف دعا نظيره الإيراني لحضور قمة منظمة التعاون الاقتصادي في باكو.

ما هو قرار إيران؟

وفي هذا الإطار، ينوه "هم ميهن" إلى أن أبرز المواقف الإيرانية حتى الآن جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي.

وبحسب الموقع، أكد بقائي في مؤتمره الصحفي على أن "إيران تبادلت مع الدول المعنية معلومات وتكهنات بشأن استخدام الأراضي أو الأجواء من قبل النظام الصهيوني لأعمال عدائية ضد إيران".

وأوضح المتحدث كذلك أن "القانون الدولي يمنع أي دولة من السماح باستخدام أراضيها لمثل هذه الأغراض، وأن جميع الدول المجاورة أكدت لإيران أنها لن تسمح بذلك".

وخلال حديثه، قال بقائي: إن "جميع الادعاءات التي طرحتها إيران نُفذت بشكل صريح وقاطع من قبل الدول المعنية، مع تأكيدها عدم السماح بذلك مستقبلا".

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن "الموضوع لا يزال قيد المتابعة والمراقبة الدقيقة من قبل القوات المسلحة والجهات الأمنية الإيرانية، وأن وزارة الخارجية تتابع الأمر بجدية".

وفي النهاية، يلخص الموقع الإيراني الموقف في نقطتين.

حيث تتمثل الأولى في أن "إيران لا تصدق نفي باكو بشكل كامل"، لأنها أشارت إلى أن القضية ما تزال تحت المتابعة. 

أما النقطة الثانية، فهي تتمثل في أن "إيران لم تكذب نفي باكو أيضا"، بل اكتفت بنقل الموقف الرسمي مع استمرار المتابعة.

ومن هذا المشهد، يستنتج الموقع أن "إيران لا ترغب حاليا في إعلان باكو شريكا لتل أبيب في هذا الملف".

وأضاف: "كما أنها لا ترغب في اتخاذ خطوات رد فعل علنية، رغم احتمال توصلها لاستنتاجات نهائية في تحقيقاتها". 

وبالإشارة إلى كونه جانبا سلبيا من المشهد، يلفت الموقع النظر إلى أن "تركيز إيران منصب حاليا على ملفات أخرى، وهو ما يجعلها ترى أن الوقت غير مناسب لفتح جبهات جديدة".

ومن جهة أخرى، ينوه الموقع إلى أن "إصرار باكو على الحفاظ على موقف الحياد ونفيها الاتهامات المنتشرة يحد من بعض الإجراءات والتحركات".

وأما الجانب الإيجابي من المشهد، فيتمثل -بحسب الموقع- في أن "إيران قد تضطر مستقبلا للتحرك ضد باكو، وهو ما يجعل القضية غير منتهية".

وفي الختام، يقول الموقع إنه "رغم توقف الاشتباكات، فإن عداء إسرائيل لإيران مستمر، وهو ما يزيد من احتمال تحرك باكو لصالح إسرائيل".

وجزء من التحضير لمثل هذا الاحتمال هو إبقاء الملف مفتوحا، وهو ما يراه الموقع "تحذيرا ضمنيا من إيران إلى أذربيجان بأنها تحت المراقبة".