رغم معاداته إسرائيل.. لماذا دعم يهود أميركا "ممداني" المسلم في الانتخابات؟

"لقد نجحت حملته ربما أكثر من أي مرشح قبله، في الموازنة بين كل القضايا"
على الرغم من معاداته إسرائيل، نجح المرشح المسلم زهران ممداني بالفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للترشح لمنصب عمدة مدينة نيويورك بدعم من فئات عديدة، بينهم يهود.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: إن 20 بالمئة من الأصوات التي صوّتت لهذا المرشح الذي يرفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، كانت من اليهود.
وكشفت أن المرشح الذي يدعم "حركة مقاطعة إسرائيل BDS" والمظاهرات العالمية المتضامنة مع الفلسطينين، ينجح الآن في كسب تأييد الناخبين الإصلاحيين، بل ونال أيضا تأييد الحريدي (اليهود المتدينيين).
في هذا السياق، تحدثت الصحيفة عن الأسباب التي جعلت ممداني ينال ثقة اليهود المتشددين دينيا رغم معاداته لإسرائيل، وتعرضه لحملات تشويه صورته على أنه معادٍ للسامية، رغم نفيه ذلك.

غير مسبوق
وفي مشهد لافت، اعتلى زهران ممداني منصة النصر في حي لونغ آيلاند سيتى بنيويورك مبتسما ومتحمسا، وبجانبه زوجته السورية المناهضة كذلك لإسرائيل.
وينحدر ممداني، البالغ من العمر 33 عاما من أصول هندية وأوغندية، وقد حصل على الجنسية الأميركي عام 2018. وتعقب الصحيفة: "ترسم هذه المعطيات صورة شديدة الدهشة".
“فكيف للمدينة التي تحتضن مقر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، ووفود المؤسسات اليهودية من مختلف أنحاء العالم، وأكبر قنصلية إسرائيلية في العالم، وأكبر تجمع لليهود خارج إسرائيل؛ أن يقترب مرشح مثل ممداني من أن يصبح عمدتها؟”
وتابعت: "إذا فاز ممداني، في الانتخابات العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، فسيكون ليس فقط أول مسلم يشغل هذا المنصب".
بل وأيضا أول شخص يشغل هذا المنصب ويكون معاديا صراحة للصهيونية، وداعما علنيا لحركة BDS، ومعارضا للتقليد الطويل الذي يعمل فيه رؤساء بلدية نيويورك على زيارة إسرائيل.
وصرح ممداني مرتين بأنه سيأمر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا وطأت قدمه المدينة؛ إذ إن هناك أمر اعتقال صادر بحقه من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وأضافت الصحيفة أن "ممداني سيكون أول عمدة يدعم الدعوة إلى عولمة الانتفاضة الفلسطينية".
وهو شعار يستخدمه الناشطون المؤيدون للفلسطينيين، يدعون من خلاله إلى توسيع نطاق الانتفاضات الفلسطينية لتشمل حراكا عالميا ضد إسرائيل وداعميها.
ممداني الحقيقي
ونجح ممداني في جذب أصوات اليهود، كما حصل على دعم كبار المشرعين اليهود في الولاية، مثل تشاك شومر وجيري نادلر.
كما استفاد من أن المرشح اليهودي الذي نافسه في السباق، براد لاندر، أدار معه حملة مشتركة دعا فيها الجمهور إلى التصويت لأحدهما وليس للمنافس الرئيس لممداني، حاكم نيويورك السابق أندرو كومو.
"وذلك ليضمنا أن مرشحا من الجناح التقدمي في الحزب (ممداني أو لاندر) سيفوز بالترشيح الديمقراطي بدلا من كومو".
"وحثا أنصارهما على وضع كل منهما في المرتبتين الأولى والثانية في بطاقات التصويت الترتيبي، وطلبا من الناخبين عدم ترشيح كومو على الإطلاق"، وفق الصحيفة.
وأوضحت أن ممداني "بذل جهدا لمحاربة صورة المعادي للسامية التي رُسمت له في الحملات السلبية ضده"؛ إذ "طرح خطة عمل شاملة لمناهضة معاداة السامية، تضمنت زيادة في التمويل بنسبة 800 بالمئة لبرامج منع جرائم الكراهية، وإنشاء قسم جديد للأمن المجتمعي".
وأردفت: "كما التقى بجماعات حسيدية في ويليامزبرغ، وأجرى مقابلة مع صحيفة باللغة اليديشية تحدث فيها عن ذكرى الهولوكوست".
والجماعات الحسيدية هي فرقة دينية يهودية أرثوذكسية متشددة، نشأت في أوروبا الشرقية خلال القرن الثامن عشر، وتعد نيويورك المقر الرئيس لها الآن. أما اليديشية فهي لغة تاريخية يتحدثها يهود أوروبا الشرقية (الأشكناز).
وأوضحت الصحيفة أن ممداني "اختار الحديث عن الهولوكوست والتركيز بشكل عام على قضايا الإسكان والمواصلات العامة المجانية ودور الحضانة، أكثر من تركيزه على حدود عام 1967".
بدورها، عقبت صوفي إلمان غولان، المتحدثة باسم منظمة "يهود من أجل العدالة العرقية والاقتصادية" التي تدعم ممداني قائلة: "الكثير من أصحاب رؤوس الأموال حاولوا خلق صورة سيئة عنه كرجل مسلم يكره اليهود، لكنها لا تتطابق مع شخصه حقيقة".

القضايا الداخلية
وذكرت الصحيفة أن "نتائج الانتخابات التمهيدية تشير إلى أن حملة التشويه ضد ممداني -التي كلفت عشرات الملايين من الدولارات- لم تنجح".
ويمكن القول إنه على الرغم من المحاولة لتصوير الانتخابات كما لو أنها تدور حول إسرائيل واليهود، فإن الواقع لم يكن كذلك.
بل كانت الانتخابات -وفق الصحيفة- تدور حول "مدينة تكافح من أجل هويتها منذ جائحة كورونا"؛ إذ ركز ممداني على "إيجارات السكن وتهميش الطبقة المتوسطة والدنيا وعن اليأس من السياسة التقليدية، وقبل كل شيء، عن الرغبة في التغيير".
ووفق تقدير "يديعوت أحرونوت"، نجح ممداني، في نظر الشباب من مختلف أنحاء المدينة، في تجسيد هذا التوق إلى شيء مختلف، حتى لو كانوا يهودا.
يقول جيريمي، وهو يهودي إصلاحي صوت لممداني: "يجب ألا نتفق معه لكي نشعر بأنه يقول الحقيقة، مشكلتي مع النظام الحاكم أنه يلوح بمعاداة السامية فقط عندما تخدمه سياسيا".
واستطرد: "إذا كنت مؤيدا لإسرائيل فأنت جيد، أما إذا كنت مؤيدا لحقوق الإنسان فأنت خطر". وتابع: "ممداني لا يكرهني، إنه يكره النفاق". ويشير آخرون إلى أن "العداء تجاهه، تحديدا بسبب أصله ودينه، كان واضحا للغاية".
تقول يائيل، وهي طالبة دكتوراه إسرائيلية من بروكلين: "لم يكونوا خائفين منه لأنه محرض، بل لأنه مسلم ذو نفوذ، هذه هي القصة كاملة"، مضيفة: "في الواقع، سأشعر بأمان أكبر كيهودية نيويوركية في ظل إدارة ممداني".
وأردفت الصحيفة: "حتى الديمقراطي بيل دي بلازيو، الذي كان رئيس بلدية نيويورك، دافع عن ممداني".
وقال: "اطلعت جيدا على ما قاله، ولم أجد فيه أي دليل على معاداة السامية، لم أسمع منه أي تصريح ينمّ عن كراهية لليهود أو لأي مجموعة أخرى".
وأضاف دي بلازيو، الذي شغل المنصب لولايتين وحافظ على علاقات وثيقة مع الطائفة الأرثوذكسية: "ممداني يملك الشخصية والقيم المطلوبة لإجراء حوار حول القضايا الحقيقية".
وأوضح أن "المجتمع يركز على السكن الميسر وقسائم السكن العام ودعم رياض الأطفال والمدارس الجيدة والأمن الشخصي، هذه المجالات التي يمكن للعمدة أن يؤثر فيها فعليا".
واستطرد: "نحن لا نقرر هنا السياسة الخارجية لأميركا، مهمة العمدة هي الاهتمام بالحياة اليومية للسكان، وأعتقد أن ممداني يفهم ذلك جيدا".
في غضون ذلك، أفاد أحد استطلاعات الرأي أن 49 بالمئة من الناخبين لا يكترثون ولا يهتمون بما إذا كان العمدة القادم سيدعم إسرائيل أم لا.
وفي إشارة إلى تغير المزاج العام في أميركا (بعد العدوان على غزة)، لفتت الصحيفة إلى أوقات سابقة كان لا يستطيع فيها السياسي، إذا كان معاديا لإسرائيل، بناء مسيرته في الساحة السياسية، لا سيما في نيويورك، مؤكدة أن ذلك "أصبح من الماضي".

منحدر خطير
من ناحية أخرى، ذكرت أن هناك آخرين في الحزب الديمقراطي وفي الجالية اليهودية -لا سيما الإسرائيلية- لا يزالون يشعرون بالقلق العميق؛ إذ يتساءلون: “ما الذي سيحدث حين يُطلب من ممداني إرسال دوريات لحماية فعالية دعائية لصالح إسرائيل، ماذا حين يطالب ناشطون مؤيدون للفلسطينيين بإلغاء الاتفاقيات مع مؤسسات إسرائيلية أو مع منظمات أميركية تدير برامج تبادل؟”
في هذا الصدد، تقول الصحيفة: "رغم أن ممداني صرح بأنه لن يتدخل في حرية التعبير لسكان المدينة، فإن دعمه مبادئ حركة BDS يشكل سابقة".
فهذه "المرة الأولى التي يعلن فيها مرشح لرئاسة أكبر مدينة في الولايات المتحدة صراحة عن نيته قطع العلاقات مع جهات إسرائيلية لأسباب أيديولوجية".
وتعتقد أن "دعمه حركة مقاطعة إسرائيل، يثير القلق لدى الطيف اليهودي التقليدي في المدينة، الذي يرى في ذلك منحدرا خطيرا".
وأشارت إلى أن "الأمر لا يتعلق فقط بتصريحات رمزية، بل قد يتجسد في إلغاء عقود بلدية، ووقف تمويل التعاون مع مؤسسات إسرائيلية أو يهودية، وفرض قيود على استخدام المرافق العامة، وإلغاء بعثات إلى إسرائيل".
مع ذلك، لفتت إلى أن "القانون في ولاية نيويورك، يحظر منذ عام 2016، التمويل العام أو إبرام العقود مع جهات تدعم المقاطعة ضد إسرائيل، ما يحد من قدرة العمدة على الدفع بمثل هذه المبادرات حتى لو أراد تنفيذها على المستوى المحلي".
وذكرت الصحيفة أن "معارضة ممداني العلنية لسفر وفود من الطلاب اليهود إلى إسرائيل بتمويل من الولاية، وعدّه ذلك إجراءا تمييزيا ضد الطلاب المسلمين والفلسطينيين، يعد من ضمن الانتقادات الموجهة إليه".
ولفتت إلى أنه "امتنع باستمرار عن استخدام كلمة إرهاب في سياق الهجمات ضد إسرائيل، حتى عندما سُئل عنها بشكل مباشر".
إضافة إلى ذلك، بينت الصحيفة أنه "رفض الانضمام إلى مبادرات تشريعية للاعتراف باستقلال إسرائيل، أو إحياء ذكرى المحرقة".
كما رفض "اعتماد تعريف معاداة السامية التابع للتحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة".
وهذا الأخير يصنف التعبيرات المناهضة للصهيونية (والسياسات الاحتلالية الاستيطانية) كنوع من معاداة السامية.
أداة ضغط
وترى الصحيفة أن تلك المواقف هي التي "جعلت مجلس العلاقات العامة اليهودي في نيويورك يعرب علنا عن معارضته لممداني. مشيرا إلى أن مواقفه تنكر شرعية الروابط اليهودية بإسرائيل".
وانتقد المجلس "مشروع القانون (ليس على حسابنا) الذي قدمه ممداني كعضو في مجلس الولاية والذي أُلغي لاحقا، لكن (المرشح لعمدة الولاية) صرح بأنه سيُعيد طرحه".
و"ليس على حسابنا" مبادرة تشريعية كانت تهدف إلى منع المنظمات الخيرية المسجلة في نيويورك من تحويل الأموال لدعم أنشطة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة أراضي الخط الأخضر (المحتلة عام 1948).
ويتخوف المجلس -بحسب الصحيفة- من "قدرة ممداني على إعادة طرح المشروع بصفته العمدة؛ حيث سيكون بمقدوره دفع خطوات مشابهة على المستوى المحلي، مثل سحب التمويل من الجهات التي تنقل الأموال لأنشطة خلف الخط الأخضر".
في هذا السياق، توضح الصحيفة أن "مبلغا يتراوح بين 200 مليون إلى نصف مليار دولار يحول سنويا من نيويورك إلى إسرائيل على شكل تبرعات خيرية".
وهذا الرقم يوضح إلى أي مدى يمكن لمبادرة تشريعية كهذه، أن تتحول من مجرد لفتة رمزية إلى أداة ضغط فعلية.
من جهته، أوضح ممداني أن "القانون يهدف إلى فرض احترام حقوق الإنسان وليس إلى مهاجمة اليهود".
وتابعت الصحيفة: "لقد صرح مرارا وتكرارا خلال الحملة الانتخابية بأنه يدين معاداة السامية، ويحترم حق إسرائيل في الوجود شريطة أن تكون دولة تضمن حقوقا متساوية لجميع مواطنيها".
في غضون ذلك، أصدرت اللجنة اليهودية الأميركية بيانا رسميا جاء فيه: "الكثير من يهود نيويورك يشعرون بحق بالقلق من الارتفاع الحاد في معاداة السامية في مدينتهم، ومن التهديدات الحقيقية التي تنال أمنهم اليومي".
وتابع البيان: "على عمدة نيويورك القادم أن يأخذ هذه المخاوف على محمل الجد، ولا ينبغي أن يسهم في بيئة تتسامح مع معاداة السامية أو تشجعها".

حدود ضبابية
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن "من يظن أن ممداني منفصل تماما عن الجمهور اليهودي، يتجاهل التعقيدات والحقائق على الأرض".
وأوضحت أن "رسائله، التي تدور حول العدالة الاجتماعية والمساواة نجحت في أن تصل أيضا إلى آذان يهودية".
وذكرت أنه "من الناحية العددية، فإن فوزه بفارق كبير ما كان ليتحقق لولا مئات الآلاف من الناخبين البيض والعلمانيين من الطبقات المتعلمة والميسورة في مانهاتن وبروكلين".
علاوة على ذلك، "عمل ممداني على بناء علاقات مستمرة مع الطوائف الحريدية في المدينة، ووعد بحماية مؤسساتها التعليمية من اللوائح التنظيمية التي تتهم المدارس الدينية منذ سنوات بتجاهل المواد الأساسية".
وقال للحاخامات من طائفة ساتمار في الحركة الحسيدية: "سأعمل على حمايتكم من أي جهة تحاول التدخل في أسلوب حياتكم".
وسلطت الصحيفة الضوء على تغير المزاج اليهودي في الولايات المتحدة؛ حيث تظهر استطلاعات الرأي أن جيل الألفية بمن فيهم اليهود، لا يرون في إسرائيل دولة مضطهدة، بل قوة إقليمية، وفي بعض الأحيان قمعية ومحتلة.
وأكملت: "إن الحدود الفاصلة بين مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية أصبحت ضبابية، والخوف من التضامن مع الفلسطينيين يستبدل بالخوف من أن يُنظر إليك كعنصري".
وأشادت بحملة ممداني قائلة: "لقد نجحت حملته، ربما أكثر من أي مرشح قبله، في الموازنة بين كل القضايا".
وتابعت: "فقد وازنت في الحديث ضد إسرائيل دون مهاجمة اليهود، وفي الوعد بالأمن الشخصي دون تبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وفي إقناع الناخبين بأنه، حتى وإن لم يكن معتدلا، فهو على الأقل ليس منافقا".
وأشارت إلى أن ممداني تلقى اتصالات من رؤساء سابقين، مثل بيل كلينتون، الذي أرسل له تحية حارة، رغم تأييده لمرشحه المنافس، وقال: "من المثير أن نرى الجيل القادم من نيويورك يُحدد مسار الأمور".
واختتمت الصحيفة تقريرها قائلة: "إذا انتُخب ممداني، فإن العالم بأسره سيرى ما الذي سيحدث بينه وبين مناصري إسرائيل في نيويورك".