"كمائن" خان يونس.. هكذا يخوض جيش الاحتلال حرب استنزاف أمام كتائب القسام

هذا الحادث يدل على أن القيادات العليا في الجيش "أخفقت إخفاقا فادحا"
وجهت صحيفة معاريف العبرية انتقادات لاذعة للحكومة والجيش الإسرائيليين بعد "كارثة" مقتل 7 جنود في خان يونس جنوب قطاع غزة على يد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وتحدَّث المحلل العسكري للصحيفة آفي أشكنازي عن أسباب "هذا الوضع الحرج للغاية" الذي يعانيه الجيش في غزة، كما سلط الضوء على العوامل العسكرية وأخطاء القيادة السياسية التي "جعلت الضباط والجنود يخوضون حرب استنزاف صعبة في القطاع".

إخفاق جسيم
وأكّد أشكنازي أن "الحدث الأليم في خان يونس، الذي قُتل فيه ضابط وستة جنود من وحدة الهندسة القتالية (في 24 يونيو/حزيران 2025)، يُعدّ إخفاقا جسيما يصل إلى أعلى المستويات القيادية في إسرائيل".
وذلك بدءا "من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مرورًا بوزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان الفريق إيال زامير، ونائبه اللواء تامير ياداي، وقائد المنطقة الجنوبية اللواء يانيف آسور، وغيرهم من الجنرالات".
ووصف مقطع الفيديو الذي يوثق الهجوم (نشرته كتائب القسام في اليوم التالي) بأنه “يثير القشعريرة”؛ إذ يظهر فيه المقاوم وهو يتسلق مدرعة بوما الإسرائيلية -وهي آلية كان من المفترض أن تُخرج من الخدمة منذ عقود- ثم يُلقي عبوة ناسفة داخلها عبر البرج.
ويرى أن هذا الحادث يدل على أن القيادات العليا في الجيش الإسرائيلي "أخفقت إخفاقا فادحا في بناء القدرات القتالية لبعض أقسام سلاح البر".
وتابع: "سُمح بإدخال معدات قديمة إلى ميدان القتال، تفتقر إلى أنظمة المراقبة والحماية التي تمكن الجنود من مواجهة واقع المعركة الحديثة".
وأردف: "لقد أهمل الجيش الإسرائيلي قدرات التزود بالمعدات للوحدات التي تتصدر الخطوط الأمامية في القتال حاليا".
خلل متراكم
علاوة على ذلك، يعتقد المحلل العسكري أن "ما حدث في خانيونس كان أيضا فشلا تكتيكيا".
ونوَّه إلى أن "هذا الفشل لا يقتصر على التطبيق الميداني، بل هو نتاج لتراكم خلل في إعداد القوة العسكرية، وحرمانها من وسائل أساسية، وسوء في إدارة العمليات".
"هذا بالإضافة إلى استنزاف غير معقول للجنود الإسرائيليين بغزة في حرب لا نهاية لها، ما يجعل من هذا الحدث مأساة لا بد أن تهز الرأي العام الإسرائيلي"، وفق قوله.
وأردف: "قد نشعر بنشوة النجاح فيما نراه انتصارا على إيران، لكننا في ورطة حقيقية في غزة". وأكد: "نحن في خضم فشل عسكري وسياسي مستمر".
وأقر المحلل العسكري أنه "بعد مرور 629 يوما، آن الأوان للاعتراف بأن وضع الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب صعب جدا".
وأبدى دهشته من هذا "الوضع الصعب"، رغم أن "الجيش الإسرائيلي ينفذ عملياته بقوة في غزة، وقد نفذ كل شيء ممكن تقريبا".
فقد "احتل مخيم جباليا عدة مرات، وسوى بيت حانون (شمال) بالأرض، واحتل رفح (جنوب) مرتين ودمر معظم مبانيها وأحيائها السكنية".
وأكمل: "وفي خان يونس، نفذ عمليات عدة في محاولة لحسم المعركة مع كتيبة المدينة، بل إن الجيش الإسرائيلي يعمل حاليا بأربع فرق عسكرية، تشمل معظم الألوية النظامية".
واستطرد: "تخوض الفرقتان 143 و162، معارك متواصلة في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
"كما تعمل قوات جفعاتي، واللواء 401، واللواء متعدد الأبعاد، بالإضافة إلى العديد من الوحدات، في غزة وحدها منذ ما يقرب من عامين".

استنزاف هائل
"ورغم كل هذه التعبئة، فإن الجيش الإسرائيلي يعاني بشدة في القطاع"، حسب تعبيره. وعزا ذلك الإخفاق إلى "الاستنزاف الهائل الذي يعاني منه الجنود والضباط في غزة".
وهو ما يؤدي إلى العديد من الأمور السلبية؛ من حوادث تشغيلية، إلى لا مبالاة ميدانية، وتراجع في الحدة والانتباه، وإرهاق متواصل للجنود، ومحدودية في الاحترافية العسكرية، وغيرها.
"ولا يتوقف الأمر عند استنزاف الجنود فحسب، بل يمتد إلى معدات القتال؛ من دبابات وناقلات جند مدرعة وطائرات، وغيرها من الوسائل القتالية".
وفي سياق متصل، يرى أشكنازي أن "المشكلة الكبرى التي يواجهها الجيش هي أن المستوى السياسي لا يعرف إلى أين يريد الوصول في غزة".
وقدر أن عملية عربات جدعون (لحصر السكان في جنوب القطاع تمهيدا لاحتلاله وتهجير سكانه) ما زالت بعيدة جدا عن تحقيق الأهداف التي كان المستوى السياسي والأمني يعتقد إمكانية الوصول إليها.
ورسم صورة قاتمة للوضع قائلا: "الجيش الإسرائيلي منهك بعد ما يقارب عامين من الحرب على سبع جبهات، وجنود الاحتياط وعائلاتهم باتوا على حافة الانهيار".
"كما أن أفراد الخدمة الدائمة يسعون للتقاعد ويبحثون عن وظائف خارج الجيش، أما الجنود النظاميون المقاتلون فلم يعودوا يتذكرون حتى الطريق إلى منازلهم"، وفق قوله.

بلا هدف
وتابع المحلل العسكري: "ومع ذلك، يبدو أن نتنياهو وكاتس منفصلان تماما عن الواقع، ويتجاهلان الوضع القائم، ويبدو أنهما الآن يخوضان حملة انتخابية مكثفة".
وأردف: "لهذا من الضروري أن يُقال بصوت عالٍ: إنهما لا يتصرفان بمسؤولية وطنية، ولا يرون حال الجيش، ولا يدركون حجم الاستنزاف، أو انعدام الهدف من استمرار هذه الحرب".
وأضاف: "في أواخر التسعينيات، خلال عصر فقاعة التكنولوجيا الفائقة عندما كان جميع الإسرائيليين يرغبون في قضاء عطلاتهم في الخارج والمرور بالإعفاء من الرسوم الجمركية في مطار بن غوريون، اخترع شخص ذكي في شركة العال للطيران، وجهة مناسبة فقط للإسرائيليين: رحلة إلى اللا مكان".
وأكمل: "واليوم، وبينما يُفتح المطار ويُغلق مرات عدة، لم يعد لدينا رحلة إلى اللا مكان، بل حرب بلا هدف".
واستطرد: "في حرب اللا مكان، يتم إرسال الجنود إلى نفس المناطق للقتال مرة تلو الأخرى، فقط للحفاظ على استقرار الائتلاف الحكومي".
وبين أن الحرب مستمرة إرضاء لكل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين يعارضان دفع أي ثمن من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وقد تباهى بن غفير الوزير الأكثر تطرفا بأنه "أفشل صفقات" للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.
ووجَّه المحلل العسكري حديثه لرئيس الأركان قائلا: "الآن، على الفريق إيال زامير أن يعرض الوضع الراهن للقتال إلى اللا مكان، وحالة الجيش، وعواقب الاستمرار في التخبط في وحل غزة، والثمن المتوقع الذي قد ندفعه جراء ذلك".
واختتم قائلا: "النصر على إيران قد يكون له تأثير مخدر أو مبهج، لكنه بعيد كل البعد عن عكس الواقع الصعب الذي نعيشه اليوم".