تكتل هش.. لماذا انسحبت رواندا من مجموعة دول وسط إفريقيا الاقتصادية "إيكاس"؟

“انسحاب رواندا يهدد مستقبل العمل الجماعي في القارة”
في خطوة تكشف هشاشة التكتلات الإقليمية في إفريقيا، أعلنت رواندا انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (إيكاس)، وذلك عقب القمة الـ26 للمنظمة التي انعقدت في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.
والمجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا منظمة تعاون إقليمية تأسست عام 1983، وتضمّ 11 دولة من وسط إفريقيا، تشمل أنغولا، بوروندي، الكاميرون، غينيا الاستوائية، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو، الغابون، والكونغو الديمقراطية، رواندا، ساو تومي وبرينسيبي.
خلافات متصاعدة
وفي 7 يونيو/حزيران 2025، أرجعت رواندا انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (إيكاس)، إلى ما وصفتها بـ"الانتهاكات المتكررة لحقوقها كعضو وعدم التزام المنظمة بمبادئها التأسيسية".
وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الرواندية، في بيان: إن الحكومة "لا ترى جدوى من الاستمرار في عضوية منظمة لم تعد تتقيد بمبادئها ولم تعد تؤدي الدور المنوط بها".
وأشارت إلى أن القمة العادية الـ26 للمنظمة، كانت محطة حاسمة في هذا القرار، بعد "تجاهل حق رواندا في تولي الرئاسة الدورية للمجموعة، وفقا لمقتضيات الفصل السادس من معاهدة تأسيس (إيكاس)".
ويأتي هذا الانسحاب، في وقت تشهد فيه المنظمة خلافات متصاعدة بين حكومتي الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا، بشأن موقف المجموعة من الصراع الدائر في شرق الكونغو بين المتمردين والقوات الحكومية.
ومنذ أواخر 2024 تشهد العلاقات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية تصعيدا خطيرا، على خلفية تجدد النزاع في إقليم شمال كيفو شرقي الكونغو الديمقراطية.
وتتّهم الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل، الذهب وغيره، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعدهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.
وشهدت رواندا في 1994 إبادة جماعية نفذها متطرفون من عرقية الهوتو ضد أقلية التوتسي على مدى 100 يوم دامية، قُتل خلالها أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي.
وتُبرر كيغالي انسحابها من "إيكاس" بعدم تمكينها من تولي الرئاسة الدورية للمنظمة، معربة عن أسفها لما وصفته بـ"تسييس المجموعة واستغلالها من قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية، بدعم من بعض الدول الأعضاء".
ولم تستجب الدول الأعضاء لطلب رواندا بنقل رئاسة المجموعة إليها؛ إذ جاء في البيان الختامي للقمة "قررنا تأجيل انتقال الرئاسة الدورية للمجموعة إلى رواندا حتى موعد لاحق، وتمّ الإبقاء على فخامة الرئيس تيودورو أوبيانغ نغيما مباسوغو رئيسا دوريا للمجموعة لعام إضافي".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد المفوضين أن ممثلين عن الكونغو الديمقراطية أكّدوا أنهم لن يتمكنوا من المشاركة في أنشطة المجموعة إذا استضافتها رواندا، في ظل التوترات القائمة بين البلدين.
وأعربت رواندا عن رفضها لهذا القرار الذي قالت: إنه ينتهك حقوقها المنصوص عليها في المواثيق المؤسسة لـ"إيكاس". مشيرة إلى أن المنظمة فشلت في احترام قواعدها الخاصة.
أزمة ثقة
وفي تعليقه على أسباب انسحاب رواندا من"إيكاس"، قال الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با: إن “السبب المباشر هو منع كيغالي من الرئاسة الدولية لهذه المجموعة الإقليمية الفرعية على خلفية الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا”.
وأضاف با، لـ"الاستقلال"، أن كينشاسا تتهم كيغالي بدعم القوات المتمردة المعروفة باسم (إم 23) أي أن الانسحاب ناتج عن تجاهل حق رواندا في الرئاسة الدورية للمجموعة".
وأوضح أن رواندا رأت أن الدول الأعضاء لم تفِ بمبادئ المنظمة التأسيسية، وعليه ترى أنه "لم تعد هناك أي جدوى في البقاء في هيئة لا تحترم تعهداتها ويتم تسييسها من بعض قوى المنظمة"، والمقصود بها هنا الكونغو الديمقراطية.
من جهتها، قالت باحثة مشاركة في مركز "رع للدراسات الإستراتيجية"، فوزية صبري: إن انسحاب رواندا من "إيكاس" له دلالات جيوسياسية بارزة، في مقدمتها تراجع ثقتها في فعالية المنظمة وقدرتها على التعامل مع أزماتها الداخلية.
وأضافت صبري، في مقال تحت عنوان "دلالات انسحاب رواندا من مجموعة "إيكاس"، أن ذلك يأتي أيضا اعتراضا على ما تراه كيغالي "غيابا للحياد" في آليات اتخاذ القرار بالمنظمة.
رأت أن "هذه الخطوة تشكل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن رواندا ستنسحب من أي تكتل يعيق تحقيق مصالحها الوطنية ولا يلتزم الحياد".
تفكك "إيكاس"
ولا يعد انسحاب رواندا من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا مجرد خلاف دبلوماسي، بل يعكس أزمة ثقة أعمق تهدّد مستقبل العمل الجماعي في القارة وقد يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية فيها.
المحلل السياسي المتابع للشأن الإفريقي أحمد محمد فال، قال: إن "تزايد الانسحابات من هذه التكتلات خلال الفترة الأخيرة، ينذر بخطر كبير يهدد هذه الهيئات الرائدة في مجال التكامل الإقليمي بإفريقيا".
ونبّه فال، لموقع "عربي21": أن "المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا قد تواجه مصير مجموعة دول الساحل الإفريقي، التي تفككت رسميا بعد انسحاب ثلاث من أعضائها".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، انسحبت بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة الساحل الإفريقي لتلتحقا بمالي التي انسحبت في مايو/أيار 2022.
وشكلت هذه الانسحابات المتتالية نهاية لهذه المنظمة الإقليمية، التي تأسست عام 2014 بنواكشوط، بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية بمنطقة الساحل الإفريقي، وكانت تضم موريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر ومالي.
بدوره، قال الباحث في العلوم السياسية، هشام قدري أحمد: إن قرار رواندا بالخروج من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا "ستكون له تداعيات وعواقب على مُستقبل التكتل والأمن الإقليمي بالمنطقة".
وأضاف في مقال تحت عنوان "دوافع انسحاب رواندا من إيكاس وتداعياته المُحتملة"، أن "هذا الخروج يعكس حجم الانقسامات والتوترات السياسية المزمنة بين دول وسط إفريقيا".
ومن ناحية أخرى، يعكس هذا الانسحاب، حسب الباحث ذاته، "هشاشة التنظيمات الإقليمية في استيعاب تناقضات المصالح بين دولها وفشل الدبلوماسية مُتعددة الأطراف في مُعالجة الأزمات السياسية بالوسائل السلمية".
ورأى قدري أحمد، أن انسحاب رواندا يثير تساؤلات حول فعالية وحياد تكتل "إيكاس"، لا سيما في سياق تُهدد فيه الانقسامات الداخلية والتلاعب الخارجي أطر السلام الإقليمي.
وسجل أن عدم الالتزام بالمعايير المؤسسية قد يُعمق انعدام الثقة بين الدول الأطراف، ويُعيق قدرة "إيكاس" على البقاء أداة موثوقة لتعزيز التعاون الإقليمي.
ويرى قدري أحمد، أن “قرار رواندا قد يؤدي إلى إضعاف التنسيق الأمني والعسكري بين دول المنطقة في مواجهة التهديدات الأمنية المُشتركة، ويُعقد عمليات تبادل ونقل المعلومات، ما قد يُتيح للكيانات والحركات المُسلحة هامشا أكبر للتحرك دون رقابة فعالة من الدول المُتأثرة بالصراع”.
وخلص إلى أن قرار انسحاب كيغالي "سيكون له عواقب وتأثيرات مباشرة على مسارات التعاون الإقليمي وسط إفريقيا في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية".
ومقابل تأكيد الباحثان فال وقدري أحمد على التأثير السلبي لانسحاب رواندا، قلّل الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، من تأثير ذلك على وحدة المجموعة الاقتصادية.
ويرى با، أن "انسحاب عضو واحد إذا جاز أن نقول (مغضوب عليه) لن يكون له تأثير على المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا".
من جهة أخرى، يضيف با، فإنّ “رواندا لديها بدائل أخرى تتمثل في الانضمام إلى مجموعة شرق إفريقيا أو مجموعة جنوب إفريقيا”.
وأشار با، إلى أنه عند العودة إلى تاريخ هذه المنظمة منذ تأسيسها عام 1983، نجد أنها شهدت توترات وحروبا وصراعات بين دول "إيكاس" مما أدى إلى صعوبة احتوائها عن طريق العمل الجماعي ناهيك عن بقاء التحديات الأمنية قائمة على مدار عقود.
وبين عامي 1992و1998 شهدت المنظمة حالة ركود بسبب الصراعات المحلية التي كانت تدور بين بعض الدول في المجموعة، مثل الحرب في الكونغو الديمقراطية.
وفي فبراير/شباط 1999، عقد رؤساء الدول والحكومات مؤتمرا في العاصمة الكاميرونية ياوندي، لاستئناف عمل المجموعة وتفعيلها، وقدّموا فكرة إنشاء مجلس السلام والأمن في إفريقيا الوسطى.