مصر حزينة على "شهيدات لقمة العيش".. من المسؤول عن فاجعة مصرع 19 فتاة؟

"نحن أمام حكومة فاشلة تستحق الخروج من المشهد"
في فاجعة أضافت صفحة جديدة إلى سجل حوادث الطرق في مصر التي يحمل المواطنون كامل مسؤوليتها للسلطة والنظام، لقيت 19 فتاة مصرعهن في حادث سير، على الطريق الإقليمي بنطاق مركز أشمون في محافظة المنوفية شمالي مصر قرب مدينة السادات.
وأفادت وسائل إعلام مصرية بأن الحادث وقع نتيجة تصادم مباشر وعنيف بين سيارة نقل ثقيل (تريلا) بحافلة صغيرة "ميكروباص" كانت تقل عددا من الفتيات العاملات بنظام اليومية جميعهن من قرية السنابسة التابعة لمركز منوف، وتتراوح أعمارهن ما بين 13 و16 عاما.
وخلف الحادث الذي وقع في 27 يونيو/حزيران 2025، مصابين، وفور وقوع الحادث فر سائق التريلا هاربا قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبطه وإحالته للجهات المختصة بالتحقيق معه في الحادث.
ووفقا للتحقيقات الأولية، فإن الحادث نجم عن غفوة سائق التريلا، ما أدى إلى انحرافه بالسيارة للاتجاه المعاكس واصطدامه بقوة مدمرة بالميكروباص، ما أسفر عن تحطم كامل للميكروباص ومصرع جميع من كانوا داخله.
وقررت جهات التحقيق حبس السائق المتهم بالتسبب في الحادث، وإجراء تحليل المخدرات لبيان تعاطيه للمواد المخدرة من عدمه.
ونعى شيخ الأزهر الشريف، أحمد الطيب، ضحايا الحادث الأليم، مؤكدا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤلم.
ويشهد الطريق الإقليمي حوادث متنوعة لم تحرك ساكنا لدى السلطات المصرية ولم تدفعها لاتخاذ إجراءات لتفادي مثل هذه الفواجع، ومنها انقلاب سيارة نقل "كونتينر" في 29 مايو/أيار 2025، دون وقوع إصابات أو خسائر بشرية، في نطاق مركز شرطة الباجور.
وفي 3 مارس/آذار 2025، وقع حادث تصادم مروع بين أتوبيس تابع لإحدى الشركات وسيارة نقل ثقيل قرب نزلة الصحراوي بعد كارثة الخطاطبة، ما أدى إلى انقلاب الأتوبيس وإصابة 25 شخصا بإصابات متفرقة.
ولقي سائق مصرعه في حادث انقلاب سيارة محملة بالمواد البترولية على الطريق الإقليمي الرابط بين مدينتي بنها والباجور في المنوفية، في 17 فبراير/شباط 2025، نتيجة تصادم سيارته مع سيارتين نقل ثقيل وأخرى ربع نقل، ما أدى إلى انقلاب السيارة ومصرع سائقها.
ودفع حادث الفتيات على الطريق الإقليمي ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على ارتفاع معدلات الفقر في مصر والتي دفعت فتيات غالبيتهن قصر للعمل في ظروف صعبة وغير آمنة وخطرة وأعمال شاقة بعيدة عن قراهم لسد حاجتهم وعوز أسرتهم.
وتساءلوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حادث_المنوفية، #حادث_الطريق_الإقليمي، #المنوفية، وغيرها عن معايير السلامة والأمان على الطرق السريعة فضلا عن السلامة المهنية للعاملين باليومية.
وأكد ناشطون أن الطريق الإقليمي به مشاكل هندسية وعيوب فنية في تصميمه وتنفيذه تستوجب تعديلها تجنبا للخسائر الفادحة في الأرواح، صابين جام غضبهم على رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الذي استدان أموالا طائلة وبدّدها على مشاريع فاشلة، ووزير النقل كامل الوزير.
ودعوا إلى إجراء تحقيقات شاملة وإصلاحات للطرق وتحسين بنيتها التحتية ومحاسبة المسؤولين عن تنفيذها، وفرض غرامات على السرعات الزائدة ومراجعة أحقية السائقين في الحصول على رخص قيادة وعمل تحاليل دورية للسائقين تكشف عدم تعاطيهم للمواد المخدرة.
ظلم اجتماعي
وتسليطا للضوء على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي اضطرت الفتيات للأعمال الشاقة، أعرب الكاتب سليم عزوز، عن ألمه لمصرع 19 فتاة دفعة واحدة، شهيدات لقمة العيش بالمنوفية، اللاتي أجبرتهن قسوة الحياة على العمل باليومية، فكانت نهايتهن في حادث سير أليم.
وقال إن “المشروع القومي للكباري لم يصل للفقراء، ولم يعالج مشكلات الطرق داخل المدن والقرى، فلا تزال هذه الطرق على حالها، ولا تزال المعديات في بعض القرى، وسيلة مواصلات معتمدة”.
وتساءل عزوز: "ما الذي يدفع طالبة كلية الهندسة، المتفوقة دراسيا، للعمل، لولا قسوة الحياة، التي لن يتجاوزها المواطن لمجرد أن رأى في التلفزيون الكباري التي قد يعيش ويموت دون أن يستفيد منها، أو يستخدمها، أو يراها رأي العين!".
وأضاف: "لن أطلب الدعاء لهن بالرحمة، فيقيني أن رحمة الله تشمل من بات كالا من عمل يده، وقد ذهبن لعادل لا يظلم، ولكن أدعو الله أن يرحم هذا الوطن".
وأشار أبانوب محروس إلى أن تفاصيل حادث الطريق الإقليمي في المنوفية اليوم، هي تقريبا نفس تفاصيل غرق معدية أبو غالب في المنوفية السنة الماضية التي توفي فيها 16 فتاة إثر سقوط ميكروباص في المعدية.
وأكد أنها "نفس المأساة شوية بنات قاصرات طالعين يجروا على أكل عيشهم، لا البلد عرفت توفر لهم أو لأهاليهم حياة كريمة ولا حتى عرفت تحافظ على حياتهم البائسة بسبب الإهمال".
واستنكر الصحفي يوسف محمد، أن الفتيات استشهدن وهنّ عائدات لا من مدارس أو ملاعب، بل من أعمال شاقة اضطررن إليها لتأمين لقمة العيش التي عجزت الدولة عن توفيرها لهن.
وندد الروائي عمار علي حسن، بأن العوز هو ما دفع الفتيات والفتية إلى العمل باليومية بعيدا عن قريتهم، لافتا إلى أن من بين هؤلاء الغلابة من يموت غرقا في رحلة مماثلة عبر النيل، أو ينزف على الأسفلت حتى يفارق الحياة، في بلد يزيد فيه معدل الفقر كل يوم.
وأرجع ارتفاع معدلات الفقر إلى السياسات الخاطئة المتحيزة في الغالب الأعم ضد الفقراء، وإن رأتهم ضمن برامج "الحماية الاجتماعية" فهي تتعامل معهم على أنهم متلقو صدقات، وليسوا أصحاب حقوق، أولها الحق في العمل.
وكتب أحد المغردين: "فى وقت الوزراء والقضاة بيصيّفوا فى العلمين وبيعوموا هما وأولادهم وبيأكلوا سمك وجمبرى على حساب الناس اللى مش لاقية رغيف عيش تأكله، كان الحادث ده اللى كشف مدى الظلم الاجتماعى وحدوث استقطاب للطبقات فى مجتمع فاسد من رأسه لقدميه".
فشل وفساد
وهجوما على النظام المصري وتحميله كامل المسؤولية عن الحادث الأليم واستنكارا لفشل البنية التحتية للطرق وفساد المسؤولين، أكد الإعلامي أسامة جاويش، أن "حوادث الطريق الإقليمي أو طريق الموت في المنوفية كفيلة تشيل رئيس جمهورية ورئيس حكومة وليس فقط وزير النقل".
وأشار إلى أن "تفاصيل وأرقام مفزعة عن الطريق المميت والشركة المسؤولة عن صيانته".
وقال حسن حافظ: "كثيرة هي الطرق الجديدة العريضة، ولكن عامل الأمان مفقود، والعشوائية حاضرة، والرقابة الحازمة على الحركة في الطرق غائبة"، مضيفا أن "العشوائية قاسية في طرق مصر، لكنها عادلة بشكل صارم فالجميع مهدد بفقد حبيب على طرق الموت".
وعدد أحمد السيد الصاوي، أسباب حوادث الطرق وطرق منعها، مشير إلى أن مصر ربما لا تتصدر قائمة الدول الأكثر عددا في حوادث الطرق، ولكنها ومنذ عدة عقود تتصدر قائمة الدول من حيث أعداد ضحايا الطرق.
وقال: "بالطبع كنا نتوقع مع الطفرة الهائلة في إنشاء الطرق وتوسيعها وعمل المحاور الإقليمية والطرق السريعة أن يؤدي ذلك ليس فقط لتقليل أعداد حوادث الطرق بل وإلى تخفيض أعداد ضحاياها إذا وقعت ولكن شيئا لم يتغير".
وأكد الصاوي، أن البحث عن أسباب تلك الحوادث وحتى العلاج لها ليس بحاجة لخبراء متخصصين إذا ما تحدثنا عن الاقتراحات، ولكنه حتما سيحتاج جهد خبراء تخطيط المدن والمرور إذا ما شرعنا في تطبيق الحلول.
وتساءل: "من منا يجهل حقيقة أن مصر من أكثر الدول (تسامحا) في منح رخص القيادة حتى إذا استبعدنا الوسايط والرشا فكثر هم الذين يقودون سيارات دون دراية كبيرة بمهارات القيادة ناهيك عن احترام قواعد السير على الطرق بل وفي شوارع المدن".
وأكد أن المسؤولية مزدوجة وموزعة بين طرفين رئيسيين، أولهما أهل تخصص التخطيط العمراني للمدن والطرق أخذا في الحسبان أنه يتم تجاهلهم كليا في حالات كثيرة، وثانيهما إدارات ورجال المرور.
ورأى هشام علي، أن "كارثة طريق المنوفية الإقليمي درس قاس يستدعي التغيير"، موضحا أن الحادث وقع نتيجة خلل كارثي في منظومة الطرق من النواحي كافة: التصميم، التنفيذ، الصيانة، نظم السلامة، ومراقبة الطريق.
وقال: إن هذا الحادث المؤلم يعيد فتح ملف إهمال صيانة الطرق، ويسلّط الضوء على أهمية صيانة المجتمع ككل، مؤكدا أن كارثة طريق المنوفية الإقليمي ليست مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار يدعو إلى إعادة النظر في منظومة الطرق والمجتمع.
وتساءل الكاتب محمد علي خير: “ من الشركة المنفذة لهذا الطريق.. وكيف تمت عملية تسلم الطريق منها؟ أين محافظ المنوفية وقيادات المحافظة من متابعة هذا الطريق؟ أين نواب البرلمان عن محافظة المنوفية؟”
وتابع تساؤلاته: “يعني ايه مصنع أو مزرعة يستغل فقر طفلة ويشغلها بـ120 جنيها (نحو 2.4 دولار) في اليوم..إذا لم تكن هذه هي النخاسة والعبودية في أحط صورها.. فماذا تكون؟ هل تعلم الحكومة أن الحد الأدني للأجور لا يتم تطبيقه على الأرض وأنه فنكوش كبير؟”
وواصل خير تساؤلاته: “لو جرت هذه الحادثة في طريق الساحل الشمالي.. لا قدر الله.. كيف سيكون رد فعل كل أجهزة الدولة؟ لماذا لم يحضر كبار رجال الحكومة مراسم تشييع جنازات هؤلاء الأطفال للتخفيف عن أهاليهم؟”
وأكد أن طفلة تعمل في غير سن العمل معناه أنها تنفق على أسرتها الفقيرة، متسائلا: “ماذا فعلت وستفعل الدولة مع مساحات الفقر المتسعة في بلدنا؟”
وأوضح خير أن القضية ليست إهمال وفساد فقط أو غياب ضمير، بل أكبر من ذلك، قائلا: "كنت أنتظر انتقال كامل لأعضاء الحكومة لمقر الحادث ومواساة أسر الضحايا".
ووصف الجريمة المروعة التي جرت بأنها "صرخة استغاثة من فقراء ومهمشي هذا الوطن"، قائلا: "لابد من انتباه.. ودراسة ما جرى.. وإلا فالقادم أصعب".
إقالة الوزير
وتحت عنوان "حاكموا كامل الوزير"، ندد الإعلامي سامي كمال الدين، بأن “التحقيقات المبدئية أرجعت الحادث إلى السرعة الزائدة وتصادم مباشر”.
وأكد أن “ما لا يقال إن الطريق الإقليمي يخلو من أنظمة السلامة (ابتداء من مخالفات التصميم وسوء الصيانة) مما يجعل هذه الحوادث تتكرر في هذا الطريق”.
وقال كمال الدين، إن "التفكك الواضح في الطرق والبنية التحتية تعكس مشكلات أعمق تتعلق بإدارة السلامة على الطرق، عدم الرقابة الكافية غالبا، والتقصير في التصميم والصيانة، لافتا إلى وقوع حادث آخر بعد 6 ساعات من هذا الحادث في نفس الطريق وانقلبت تريلا.
وأضاف "أصلحوا طريق الموت يا دولة الموت.. قدم استقالتك يا كامل الوزير يا فاشل فورا".
وحمل الصحفي علاء طه، كامل الوزير، المسؤولية المباشرة عن إزهاق أرواح 19 طفلة وصبية افترسهن الإهمال والفقر وقلة الحيلة ووضعن في صندوق حديدي "ميكروباص أنفار" لتقضي عليهن "تيرلا طائشة" على الطريق الإقليمي.
وأكد وجوب إقالة وزير النقل ومحاكمته ومعه كل مسؤول عن هذا الطريق، قائلا: "19 فتاة غدرت بهن الدنيا بسبب الأداء الحكومي السيئ الذي ضرب الغلابة في مقتل، وهنا نحن أمام حكومة فاشلة تستحق الخروج من المشهد".
وقال طه، إن الدولة بالكامل مطالبة بالانتفاض أمام جريمة عمالة الأطفال لا بالمسكنات ولا بالبيانات والندوات وإنما بتجفيف منابع الفقر المدقع الذي يدفع الأسر لإلقاء فلذات أكبادهم في أتون العمل المبكر وسط ظروف صعبة وقاسية ومدمرة للطفولة.
وأضاف أن الدولة مطالبة بوضع برامج تكافل وتضامن حقيقية وقوية بعيدًا عن الحزم الدعائية الموجودة التي لا تستر جسدًا ولا تسد رمقًا.
وأشار الصحفي عزت القمحاوي، إلى أن "حوادث المرور المروعة على المحاور الجديدة صارت حدثا يوميا في المحافظات الزراعية، والضحايا بأعداد لا يفوقها في المنطقة سوى أعداد الغزاويين".
وقال: "لن يُحاسب أحد على تحديث العنوة الذي فرض على الريف دون نظر إلى تفاصيل حياته المؤلمة، والطرق التي اغتالت مساحات واسعة من الأرض قبل أن تفتح قنوات الدم على هذه الطرق التي لم يكن الريف يحتاجها أبدا".
وأضاف القمحاوي: "لن يحاسب أحد على سرعة تلف هذه الطرق وبدء عمليات تجديد ضخمة عليها"، مؤكدا أن "محور بنها أيضا صار مصيدة موت يومية، بين يوم وآخر تستقبل قرانا جثامين".
وتابع: "كل المليارات التي انفقت وكل هذه المخاطر وخسارة الأرض كان من الممكن تلافيها لو أنفق ربعها على النقل بالسكك الحديدية، لكن ليس هناك من يستشير أو يستمع للمتطوعين بإبداء آرائهم".
واستنكر الكاتب والأكاديمي محمد فتحي، وقوع الحادث على طريق مفترض أن انتهى منذ سنوات، معربا عن غضبه من "فشخرة" وزير النقل المعتادة بمنظومته في لقاءاته، وصوته العالي الجهوري، وتحليلاته اللوذعية، وتصريحاته الغريبة في بعض الأحيان.
وتعجب من “عدم وجود توك شو قوي على قنوات المتحدة، ومذيع حقيقي يتكلم بلسان الناس ويحكي وجعهم، وكأن يوم الجمعة إجازة من الأحداث”.
كما تعجب فتحي، من “غياب فكرة نقد الحكومة عن الإعلام مع خوف شديد من نقد كامل الوزير وكأنه محصن مثلا أو ملاك بجناحات لا يخطئ ولا يراجعه أحد، بل ويطرحه البعض كرئيس وزراء قادم”.
نعي ورثاء
وقدم ناشطون نعيا ورثاء للضحايا وذويهم ودعوا لهم بأن يصبرهم الله ويربط على قلوبهم، معربين عن حزنهم وقهرهم على وفاة فتيات كن يسعن وراء الرزق بحثا عن "لقمة العيش".