أغلبهم من الهنود.. جواسيس "الطابور الخامس" لإسرائيل في حرب إيران

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

كان أخطر ما جرى كشفه في إيران خلال عملية البحث عن شبكات الجواسيس التي مكّنت إسرائيل من قتل عدد كبير من قادتها وعلمائها، هو تورط عدد كبير من الأجانب، خاصة الهنود الهندوس بجانب إيرانيين.

لم تكن الضربة الإسرائيلية الأولى في 13 يونيو/حزيران 2025 مجرد هجوم جوي، بل إشارة، كشفت الغرف السوداء التي حيكت فيها واحدة من أعقد شبكات الاستخبارات خلال ربع قرن وهي شبكة التجسس أو الطابور الخامس.

هذه الشبكة، تبيّن، وفق ما كشفه جهاز الموساد الإسرائيلي، أنها بُنيت بهدوء وصبر، واستخدمت الجاليات الهندية المنتشرة في الخليج كحصان طروادة للتوغل في صميم الأنظمة التقنية والعسكرية وحتى النووية في المنطقة.

هذا التوغل والتجسس خاصة الهندي في إيران، والذي يحركه الموساد، بفعل التعاون بين جهازي مخابرات البلدين، طرح مخاوف وتساؤلات حول انتشار شبكات تجسس هندية إسرائيلية أخرى في دول الخليج.

شبكة خفية

نشرت الحقوقية وعضوة حزب "المؤتمر" الهندي، الحاكم سابقا، وهي تيجاسوي براكاش، أنباء عن اعتقال 73 جاسوسا هنديا في إيران، واتهمت حكومة حزب بهارايتا الحاكم بالتواطؤ ضمنا مع إسرائيل.

وقالت: "ذكرت تقارير إخبارية أن إيران اعتقلت 73 مواطنا هنديا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وإذا كان هذا صحيحا، فهو تطور مثير للقلق ويثير تساؤلات خطيرة حول اتجاه سياستنا الخارجية وعملياتنا الاستخباراتية".

وأضافت: “لماذا يتورط المواطنون الهنود في صراعات بالوكالة بين إسرائيل ومنافسيها؟ وهل تخاطر حكومة مودي بحياة الهنود لخدمة المصالح الأجنبية؟”

من جانبه، أكد "المرصد الهندي لحقوق الإنسان" أن إيران طردت دبلوماسيين هنديين من أراضيها بعد اعتقال 19 مواطنا هنديا بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات الإسرائيلية

وأعلنت إيران قبض وإعدام جواسيس لإسرائيل بينهم هنود، كان آخرهم يوم 23 يونيو 2025 بتهمة التجسس لصالح وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، بحسب موقع ميزان الإلكتروني الذي تديره السلطة القضائية.

وقالت شبكة "سي إن إن"، 17 يونيو 2025: إن إيران اعتقلت عشرات الأشخاص للاشتباه في تجسسهم لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد.

وتحدثت عن اعتقال 28 شخصا في العاصمة واتهامهم بالتجسس لصالح إسرائيل، و60 شخصا في أصفهان.

وأكّدت أن موجة الاعتقالات جاءت بعد صدمة الكشف عن تهريب عملاء الموساد أسلحة إلى إيران قبل الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق واستخدامها لاستهداف البلاد من الداخل.

وطلبت وزارة الاستخبارات الإيرانية من الجمهور الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة وأصدرت إرشادات حول كيفية اكتشاف المتعاونين.

ونشرت وكالة نور نيوز التابعة للدولة، والقريبة من أجهزة الأمن الإيرانية، ملصقًا ينبه إلى مراقبة الأشخاص الذين يرتدون "أقنعة وقبعات ونظارات شمسية، خاصة في الليل" لإخفاء هويتهم.

وكان مقطع فيديو بثته وكالة التجسس الإسرائيلية الموساد أظهر عملاء إسرائيليين يعملون على تهريب أسلحة إلى إيران استعدادا لشن ضربات في الداخل الإيراني.

وقال مسؤولون إسرائيليون: إن "العملاء" أنشأوا قاعدة لإطلاق طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات داخل إيران، ثم استخدموا تلك الطائرات لاستهداف منصات إطلاق الصواريخ بالقرب من طهران.

وفي بيان مصور، حث قائد الشرطة الإيرانية أحمد رضا رادان "الخونة" على تسليم أنفسهم. مشيرا إلى أن أولئك الذين أدركوا أنهم "خدعوا من قبل العدو" قد يتلقون معاملة أكثر تساهلاً و"يكرمون" من قبل إيران.

في حين أن أولئك الذين يتم القبض عليهم سوف "يتعلمون درسا يقدمه العدو الصهيوني الآن".

ودعا رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجئي إلى معاقبة "سريعة" للمتهمين بالتعاون مع إسرائيل.

وكشف هجوم إسرائيل على إيران عن شبكة خفية، هي حصيلة 25 عامًا، من التعاون بين وكالة الاستخبارات الهندية (RAW) والموساد الإسرائيلي.

عماد هذه الشبكة هو عمال التكنولوجيا، وغالبيتهم الهنود المنتشرين بالآلاف في إيران وجميع أنحاء الخليج، وتتيح لهم وظائفهم الدخول إلى بُنى تحتية حساسة والتجسس عليها خاصة لو كانوا عمال بناء أو يعملون في المجالات التقنية.

حساب على منصة إكس مهتم بالشأن الإيراني اسمه توماس كيث Thomas Keith، نسبة لجندي بريطاني، كتب منشورا طويلا يؤكد فيه أن الاختراق في إيران تقف خلفه المخابرات الهندية.

وكشف الجندي البريطاني أن هذه الشبكة التجسسية الهندية الإسرائيلية، تمتد عبر ملايين المغتربين الهنود في إيران والإمارات والسعودية وقطر، حيث يعمل العديد منهم في قطاعات الاتصالات والبنوك والمطارات والموانئ. 

وتساعد شركات كبرى مثل TCS وWipro وL&T في الحفاظ على استمرارية هذا النظام خلف الكواليس وإبقاء هذه الشبكة فعالة تحت غطاء الخدمات التقنية.

وقال الجندي: إن الهدف من الشبكة هو جمع المعلومات الاستخباراتية والتحكم في نقاط حساسة ضمن البنية التحتية للدول الخليجية، دون إثارة الانتباه أو الشك.

وأكد أن الضربة الجوية الإسرائيلية كشفت البنية التحتية الخفية التي بنتها الاستخبارات الهندية (RAW) بالتنسيق مع الموساد الإسرائيلي في إيران.

وكان لافتا، عقب بدء الحرب واعتقال إيران بعض هؤلاء الجواسيس، إجلاء نيودلهي 10.700 هندي من طهران، ما أظهر ضمنا حجم تورط الطابور الخامس من هذا البلد الحليف لإسرائيل، رغم محاولات منصات إعلامية واستخبارية هندية نفي صفة التجسس عنهم، وفق الصحف الهندية.

تحالف هندي إسرائيلي

ومنذ حرب كارجيل (في كشمير) بين الهند وباكستان عام 1999، ترسخ تحالف نيودلهي وتل أبيب، عبر دعم إسرائيلي عاجل لسلاح الجو الهندي (طائرات تجسس ELTA وصواريخ Python خلال 48 ساعة).

وبحسب ما يقوله حساب توماس كيث، في التغريدات التي فضحت الدور الهندي في الحرب على إيران، تحول الأمر إلى عقيدة إستراتيجية بعد هجمات مومباي 2008؛ حيث أصبح الموساد يكتب السيناريوهات.

ثم تتولى المخابرات الهندية، توفير الوصول البشري من داخل الجالية الهندية الهائلة في الخليج للأهداف المرسومة والتجسس عليها ونقل البيانات.

ولم يكتف المغرد الذي يرجح ناشطون أنه جندي بريطاني سابق عمل في مجالات تجسسية، أو حساب للاستخبارات الباكستانية باسم مستعار، بذكر معلومة الطابور الخامس الهندي، وتورطه في ضرب إيران، وخطورة دوره مستقبلا في الخليج.

بل كشف الغطاء التجاري وشركات تكنولوجيا هندية عملاقة تغذي شبكة التجسس الهندية ممثلة في: TCS الهندية داخل البنية التحتية لشركة الاتصالات الإماراتية (دو)، وويپرو Wipro التي تدير أنظمة البنك الإماراتي Emirates NBD.

وأيضا شركة لارسن آند توبرو Larsen & Toubro التي تعمل في تركيب رادارات إسرائيلية من طراز EL/M-2084 في أبراج الخليج، وشركة تيك ماهيندرا Tech Mahindra التي قال: إنها تزرع أدوات مراقبة قانونية في البحرين، بخلاف خوادم برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس".

بجانب منصة إدارة الأجهزة المحمولة (MDM) في فندق بدبي التي تديرها طواقم هندية، وكانت آخر من يضع إصبعه على الزناد، وفق قوله.

وذكر أن واجهة هذه الشبكة بدأت تنهار الآن، فقد اعتقلت وزارة الاستخبارات الإيرانية (MOIS) أشخاصا من جنوب آسيا، بينهم هنود.

وقد استغل جهازي المخابرات الإسرائيلي والهندي هذه الشبكة الاستخباراتية الدولية التي تعمل منذ 25 عامًا في الظل، والتي تضم تعاونًا غير مسبوق بين جهاز المخابرات الهندي "RAW" ونظيره الإسرائيلي "الموساد".

الشبكة الاستخباراتية الدولية استغلت ملايين العمال الهنود المنتشرين في دول الخليج لاختراق قطاعات إستراتيجية، بحيث تحولوا إلى أذرع استخباراتية مبطنة تعمل دون لفت الأنظار.

وينتشر هؤلاء الأفراد بكثافة في البنوك، والمطارات، وشركات الاتصالات، والموانئ، ويلعبون أدوارا في تمرير المعلومات الحساسة بشكل تدريجي.

وهو ما يعني أن الموساد وRAW وضعا اليد على أدوات تحكم يمكن استخدامها وقت الحاجة لتعطيل شبكات اتصالات، ومطارات، أو حتى التأثير على أنظمة مالية دون أن تُطلق رصاصة واحدة، وهو ما ظهرت آثاره في الهجمة الإسرائيلية على إيران أول أيام الحرب.

لذا سلط الهجوم الإسرائيلي على إيران الضوء على حرب استخبارية أخرى تُدار خفية عبر موظفين هنود وغير هنود، نفذوا عملية اختراق غير عادية لحساب الموساد والمخابرات الهندية.

ومع تزايد نشر قصص التواطؤ الهندي مع إسرائيل عبر مواقع التواصل الإيرانية والباكستانية، لضرب إيران، والقبض على جواسيس، سعت مواقع هندية لنفي ذلك، وتصدى لهذه المهمة موقع مركز الأدلة الرقمية والبحث والتحليلات (D-FRAC).

الموقع زعم في 18 يونيو/حزيران 2025، أن "الادعاءات المنتشرة حول اعتقال هنود في إيران بتهمة التجسس لصالح الموساد لا أساس لها من الصحة"، مستندا لعدم رغبة طهران في إثارة مسألة جنسية هؤلاء الجواسيس الأجانب خصوصا. 

وأكد الموقع أن الحديث عن اعتقال العديد من الهنود في إيران بتهمة التجسس لصالح الموساد، واعتقال 73 هنديا والتي نشرتها مواقع هندية غير صحيحة، رغم تأكيد طهران ذلك.

وأكّدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 25 يونيو/حزيران 2025، أن إيران اعتقلت خلال أيام الحرب الـ12 أكثر من 700 جاسوس بتهمة الارتباط بإسرائيل، في أعقاب وقف إطلاق النار وإنهاء ما يقرب من أسبوعين من الحرب.

ونقلت عن وكالة أنباء فارس في تقريرها عن الاعتقالات: "منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران، كانت شبكة التجسس التابعة للنظام الصهيوني نشطة للغاية في البلاد".

وأكدت أن إيران أعدمت "رجالا قالت إنهم هربوا معدات إلى البلاد استخدمت في عملية اغتيال".

وذكرت وكالة فارس أنه تم إعدام 6 يوم 25 يونيو منهم: إدريس علي وآزاد شجاعي ورسول أحمد رسول، وقالت: إنهم قاموا بتهريب المعدات المستخدمة في اغتيال شخص لم تسمه.

وأكدت وكالة ميزان للأنباء، التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، نبأ إعدام ستة أشخاص، بعد إدانتهم بالتخابر لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" وتهريب مُعدات تُستخدم في الاغتيالات، دون ذكر جنسياتهم.

وأعدمت إيران أيضا عددا من الأفراد المُدانين بالتخابر لصالح الموساد وتسهيل عملياته في البلاد وتنوعت الاتهامات الموجّهة إليهم بين اغتيال علماء نوويين، إلى التورط في أعمال تخريبية بهدف تقويض البرنامج النووي الإيراني.

واعترف الموقع الهندي أن إيران اعتقلت بالفعل جواسيس ولكنها لم تعلن أنهم هنود، ولم يتم التعرف على أي جاسوس على أنه هندي، حيث لم يُكشف عن هوية أي من هؤلاء الجواسيس.

أيضا أعلنت النيابة العامة في محافظة خوزستان الإيرانية، يوم 20 يونيو، اعتقال 54 شخصا بتهمة التجسس والأنشطة التخريبية المرتبطة بوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد.

وذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية نقلا عن مكتب المدعي العام أن الأفراد "تورطوا في دعم وجمع معلومات للعدو والدعاية ضد النظام، فضلا عن نشر الأكاذيب والشائعات بهدف الإضرار بالأمن الداخلي للبلاد وتعطيل الأمن النفسي للمجتمع".

وكشفت أن "التحقيقات الإيرانية كشفت عن أن اللاجئين الهنود والأفغان نجح الموساد في تجنيد أعداد كبيرة منهم للعمل في خدمة إسرائيل".

وقالت إنه "وفقا للخبير الروسي في الشؤون الأفغانية، أندريه سيرينكو، أن معظم البنية التحتية لعملاء الموساد في جميع أنحاء إيران تعتمد على مواطنين هنود وأفغان، وقد تبدأ إيران، مع نهاية الحرب، بترحيل جماعي للاجئين الأفغان والهنود".

حرب سرية

ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرًا، 18 يونيو/حزيران 2025، حول "الحرب السرية التي قامت بها إسرائيل داخل إيران"، أشارت فيه ضمنا لدور هؤلاء الجواسيس دون ذكر جنسيتهم.

ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله: "عندما تعمل لسنوات طويلة، وتستثمر كل ما لديك، الاستخبارات البشرية، واستخبارات المصادر المفتوحة، والمال، ستحصل في النهاية على نتيجة كهذه".

التقرير ذكر كمثال أن مديرا تنفيذيا لشركة اتصالات إسرائيلية يعمل في أوروبا تلقى اتصالًا، عام 2024، من صديق في تل أبيب، سأله: هل يمكنك المساعدة في تصميم هاتف يشبه أندرويد رخيص الثمن، لكنه قادر على نقل بيانات مشفرة تحاكي حركة نقل وسائل التواصل الاجتماعي؟"

وفي الوقت نفسه تلقى جندي احتياط يعمل في شركة ناشئة بمجال الصحة الإسرائيلية اتصالًا من الوحدة 9900، وهي وحدة صغيرة في الجيش الإسرائيلي تبحث عن معلومات عبر مجموعات بيانات ضخمة، تطلب منه تعديل خوارزمية عمل عليها أثناء خدمته العسكرية.

ويتمكن خادم مخصص من فحص صور الأقمار الصناعية لشاحنات الوقود، وفصل التي تحمل البنزين عن تلك التي تحمل وقود الصواريخ، وكان يقصد بذلك إيران.

ولكن لم يُكشف عن الطريقة التي نظمت بها إسرائيل العمليات العسكرية بالتعاون مع الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، وفق "فايننشال تايمز".

"إلا أن المعلومات تَرشح شيئًا فشيئًا، وبعضها مقصود من أجل إحراج إيران، والآخر من أشخاص على معرفة بالتحضيرات، وطلبوا من الصحيفة عدم الكشف عن هويتهم".

وقالوا للصحيفة: إن "عملية متعددة الأبعاد تم الإعداد لها على مدى سنوات، واعتمدت على أي شيء تستطيع المخابرات الإسرائيلية الاستفادة منه"، مثل "أقمار صناعية تجارية، وهواتف مخترقة، وعملاء سريين جُندوا محليًا، ومستودعات سرية لتجميع الطائرات المسيرة، وحتى أنظمة أسلحة صغيرة أُلصقت في العربات العامة".

وقال هؤلاء إن الهدف كان إنشاء بنك أهداف كثيف من الأفراد (قادة وعلماء إيرانيين) للقضاء عليهم في الساعات الأولى من العملية العسكرية. 

وفي الفترة التي سبقت الهجوم، حدد جهاز "أمان" الإسرائيلي ما يسمى مراكز الثقل للتركيز عليها، مثل مراكز القوة النارية والبرنامج النووي.

وبحلول مارس/آذار 2025 بدأ "أمان" بملء بنك المعلومات المستهدف، وتم استشارة فريق فني حول كيفية تتبع الأهداف.

الكلمات المفتاحية