غموض عميق.. هل تنجح واشنطن في فرض "التطبيع" بين سوريا وإسرائيل؟

"يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة"
بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل، تجد دمشق نفسها أمام معادلة معقدة، "تطبيع مع إسرائيل تُصرّ عليه واشنطن، مقابل وعود بالدعم السياسي والاقتصادي".
هكذا رسم موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي صورة المشهد السوري الجديد، في تقرير تناول فيه المساعي الأميركية لدفع حكومة دمشق نحو اتفاق عدم اعتداء مع إسرائيل، وسط تحذيرات من "تطبيع قسري" يتجاهل السيادة والشرعية الوطنية.
تمهيد للترسيم
وقال الموقع: إن "سقوط نظام بشار الأسد أدى إلى تغيّرات جذرية في أنحاء البلاد، ما دفع القائمة بأعمال السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، إلى مناشدة الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بأن تضع في صدارة أولوياتها التفاوض مع إسرائيل بشأن اتفاق عدم اعتداء".
ووصفت شيا هذه الخطوة بأنها "أساسية" من أجل التوصل لاحقا إلى ترسيم الحدود.
وأشار الموقع إلى أن "تصريحات شيا، التي أدلت بها من على منصة مجلس الأمن الدولي، تعكس مبادرة أميركية أوسع لإعادة تشكيل الترتيبات الأمنية والسياسية في المنطقة".
لكن مراقبين حذّروا من أن ما يجري قد يكون جزءا من "سلام قسري" يتجاهل قضايا السيادة والشرعية التاريخية.
ورغم إشادة واشنطن بحكومة الشرع الجديدة لإطلاقها حزمة من الإصلاحات، شملت ملفات المفقودين والتخلص من بقايا الأسلحة الكيميائية، إلا أن تركيزها المتكرر على العلاقة مع إسرائيل ومطالبتها بطرد الفصائل الفلسطينية من سوريا أثار جدلا واسعا في الأوساط السورية والعربية.
وجاءت تصريحات شيا خلال جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، حيث دعت فيها الحكومة الجديدة إلى اتخاذ "خطوات جدية" نحو اتفاق عدم اعتداء مع إسرائيل، بوصفه أساسا لترسيم الحدود لاحقا.
وأشارت شيا إلى أن تخفيف العقوبات من قِبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أفضى إلى "نتائج ملموسة"، من بينها صفقة استثمارية في قطاع الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار، تشارك فيها شركات أميركية وقطرية وتركية.
غير أن محللين كثيرين يرون أن التركيز الدولي انحرف مبكرا نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قبل أن تستكمل سوريا مرحلتها الانتقالية الداخلية.
وتُعدّ هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ثم أعلنت ضمّها رسميا في 1981، القضية الجوهرية "في أي اتفاق سلام مستقبلي".
وقد زادت تعقيدات هذا الملف بعد أن اعترفت إدارة ترامب بالضم الإسرائيلي، وسط تصريحات متكررة من دولة الاحتلال تعد الجولان "غير قابلة للتفاوض"، ما يُعرقل أي مسار دبلوماسي جدي.
وفي تعليقه على الطرح الأميركي، قال أستاذ العلاقات الدولية السابق في جامعة دمشق، سمير العلي، لموقع "ذا ميديا لاين"، إن المقترحات الأميركية الحالية "لا تعبّر عن عملية سلام حقيقية، بل محاولة لتطبيع واقع الاحتلال".
وشدد على أن "القانون الدولي واضح: الجولان أرض محتلة، والدفع نحو اتفاق عدم اعتداء في ظل وجود قوات إسرائيلية داخل الأراضي السورية ليس سوى تطبيع بالإكراه".
موقف الحكومة
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السورية، طلب عدم الكشف عن اسمه، للموقع الأميركي، إن "الحكومة منفتحة على جميع المبادرات الدبلوماسية، بما في ذلك محادثات وقف إطلاق النار ومناقشة الحدود، لكن ذلك يجب أن يتم فقط ضمن إطار السيادة السورية والقانون الدولي، وخصوصا قراري مجلس الأمن 242 و338".
وأكد المسؤول أن الحكومة ليست في وارد اتخاذ خطوات لا يمكن التراجع عنها، مشددا على أن الأولوية الحالية تتمثل في تحقيق الاستقرار الداخلي والتحضير للانتخابات الوطنية المقررة منتصف عام 2026.
ومنذ انهيار نظام الأسد نهاية عام 2024، عززت إسرائيل وجودها العسكري داخل الأراضي السورية، لا سيما في الجنوب.
وبذريعة احتواء المليشيات المدعومة من إيران، ومراقبة تحركات حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، أقامت القوات الإسرائيلية نقاط مراقبة وتتمركز بشكل شبه دائم في تلك المناطق.
وكانت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية قد أكدت في وقت سابق أن القوات الإسرائيلية تقدمت عدة أميال داخل الأراضي السورية، وسط صمت دولي وتنسيق ضمني مع بعض الفصائل المسلحة.
وقال المحلل السوري عبد الرزاق إدريس: "ما نشهده الآن هو احتلال فعلي بحكم الأمر الواقع".
وأضاف: "لم يعد الأمر مجرد غارات جوية أو عمليات استخباراتية، فالقوات الإسرائيلية باتت تتمركز فعليا داخل سوريا، وهذا تطور غير مسبوق يجب أن يُقابل بالإدانة لا بالتفاوض".
وفي غزة، ندّدت حركة "حماس" بتصريحات السفيرة شيا، ووصفتها بأنها محاولة لإعادة تسويق الاحتلال الصهيوني من بوابة دمشق، بينما رأت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أن أي حكومة سورية توافق على طرد فصائل المقاومة أو تصنّفها إرهابية "تكون قد تخلّت عن مبادئ الأمة، وسنتعامل معها كعدو".
ووفق التقرير، يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة، لا يحددها فقط واقع ما بعد الأسد، بل ما بات يُعرف أيضا بمرحلة "ما بعد الدولة الوطنية"، حيث تسعى قوى دولية كبرى لإعادة تعريف دور سوريا الإقليمي بصفتها ساحة صراع بالوكالة، لا كدولة ذات سيادة.
وختم الموقع بأنه "في ظل سعي حكومة الشرع لتقديم نفسها كطرف براغماتي، وضغوط واشنطن لإعادة تشكيل المشهد ما بعد الحرب، تبقى طريق السلام الحقيقي محفوفة بالعقبات، أبرزها أزمة الشرعية، والانقسام الداخلي، والغموض العميق حول مصير الجولان".