اليورانيوم في سباق والزمن يضيق.. هل أصبحت إيران على بعد خطوة من السلاح النووي؟

داود علي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عند الساعة الثالثة فجرا من 19 يونيو/ حزيران 2025، دوت صافرات الإنذار في أصفهان، وبعد ثوان فقط، اخترقت ومضات بيضاء سماء المدينة، قبل أن تنفجر فوق المجمع النووي حيث تدور آلاف أجهزة الطرد المركزي من طراز "IR-6". 

وحين انجلى غبار الفجر، كشفت صور الأقمار الصناعية عن فجوات سوداء في سقف مبنى التخصيب، وعن خطوط كهرباء مبتورة تعقّد قدرة المهندسين على استئناف العمل سريعا. 

كانت تلك ضربة جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحدث في حملة لم تهدأ منذ 13 يونيو، حين نقلت تل أبيب صراعها مع إيران إلى قلب منشآت نطنز وفوردو وأصفهان وأراك، لتعيد طرح سؤال قديم بصيغة أكثر إلحاحا، هل باتت إيران على بعد أيام من امتلاك قنبلة نووية؟.

زمن الاختراق

على الورق، ما تزال طهران تؤكد أن برنامجها مدني بحت، لكن الأرقام الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تروي حكاية أخرى. 

فقد سجل تقرير الوكالة في 17 مايو/ أيار 2025، امتلاك إيران ما مجموعه 9247 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجات مختلفة، بينها 408.6 كيلوغرامات بنسبة 60 بالمئة. 

وهي درجة لا يحتاجها أي مفاعل مدني معروف، ولكنها تمثل بوابة العبور التقنية إلى مستوى 90 بالمئة اللازم لصنع سلاح. 

وأن حجم المخزون وحده يعني، بحسب الوكالة، مادة انشطارية تكفي نظريا لعشر قنابل نووية على الأقل إذا رفع التخصيب إلى الحد العسكري. 

ذلك الحد ليس بعيدا، فبعد يومين فقط من صدور تقرير الوكالة نشر "معهد العلوم والأمن الدولي" تحليلا تفصيليا يقدر "زمن الاختراق" أي "الفترة المطلوبة لتحويل اليورانيوم الحالي إلى وقود سلاح"، بيومين إلى ثلاثة أيام في منشأة فوردو وحدها. 

وإذا شغلت فوردو ونطنز معا يمكن تجهيز مواد تكفي لأحد عشر رأسا نوويا في غضون شهر. 

صحيح أن تحويل الكتلة الانشطارية إلى رأس قابل للتركيب على صاروخ قد يستغرق أشهرا، لكن تلك الأشهر قصيرة جدا بمنطق الإستراتيجية النووية.

وفي تطور لافت أثار ردود فعل واسعة، أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 19 يونيو 2025 عن قلقها إزاء تصريحات أطلقها مسؤولون إيرانيون سابقون حول القدرات النووية المحتملة لطهران. 

وركزت الوكالة في بيانها على مقابلة تلفزيونية لرئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني الأسبق، علي أكبر صالحي، قال فيها: إن "صناعة سلاح نووي تشبه إلى حد كبير صناعة سيارة". 

وذكر أن إيران "تعرف كيف تصنع كل الأجزاء، لكنها لم تركبها بعد".

ورغم أن التصريحات جاءت بصيغة غير مباشرة، إلا أنها فتحت باب التأويل حول ما إذا كانت طهران قد بلغت مرحلة "العتبة النووية" فعليا، أي امتلاك القدرة التقنية الكاملة على التصنيع دون اتخاذ القرار السياسي بعد.

الوكالة الذرية أشارت أيضا إلى أن فقدان أدوات المراقبة الكاملة منذ تعليق إيران تنفيذ بنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015، حرم المفتشين الدوليين من الوصول إلى البيانات الدقيقة بشأن عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة. 

كذلك مواقع التخزين، ومستويات التخصيب في جميع المواقع، فضلا عن تعطل آلية التفتيش المفاجئ. 

وهو ما أفسح المجال أمام تكهنات متزايدة عن احتمال وجود منشآت تخصيب سرية غير معلنة، وإن كانت الوكالة تؤكد حتى الآن عدم وجود مؤشرات ميدانية قاطعة على ذلك.

وفي اليوم السابق، وتحديدا في 18 يونيو، أضافت مقابلة أجرتها المذيعة كريستيان أمانبور على شبكة "سي إن إن" الأميركية، مزيدا من الجدل، حين سألت نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي عما إذا كانت بلاده ستسعى إلى امتلاك سلاح نووي في حال تعرضها لهجوم. 

لم يقدم روانجي نفيا صريحا، بل قال إن "من يملك الأسلحة النووية في الشرق الأوسط هو النظام الإسرائيلي"، لافتا إلى أن "الأسلحة النووية الأكثر تطورا يمتلكها الأميركيون".

الطموح الإيراني 

ويعود أصل البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي، حين كانت طهران حليفة قريبة للولايات المتحدة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

آنذاك، دعمت واشنطن طموح إيران النووي في إطار مشروع "الذرة من أجل السلام"، فبدأت إيران تطوير مفاعل أبحاث مدني بمساعدة تقنية غربية، دون أن يثير ذلك الكثير من الشكوك الدولية.

لكن المشهد تغير جذريا بعد الثورة الإيرانية عام 1979، حين تسلمت السلطة قيادة أيديولوجية مناهضة للغرب، ما أطلق مخاوف متصاعدة من إمكانية تحويل البرنامج النووي لأغراض عسكرية، خاصة مع السياسات السرية التي تبنتها طهران في إدارة الملف.

بلغت الشكوك ذروتها عام 2002، عندما كشفت تقارير استخبارية عن وجود منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم في نطنز، ما أثار عاصفة دبلوماسية دفعت مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات دولية متلاحقة على إيران. 

ومع تصاعد الضغوط، دخلت طهران في مفاوضات مطولة مع القوى الغربية، أفضت عام 2015 إلى التوقيع على “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA).

وهي اتفاقية نووية قيدت تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67 بالمئة، وأخضعت المنشآت الإيرانية لرقابة مكثفة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات الاقتصادية.

إلا أن الاتفاق لم يصمد طويلا، ففي عام 2018، انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب (خلال ولايته الأولى من 2017 إلى 2021)، من الاتفاق، واصفا إياه بـ"المؤقت" وغير الكافي، كونه لم يتطرق إلى برنامج إيران الصاروخي أو تدخلاتها الإقليمية. 

وأعادت واشنطن فرض عقوبات قاسية على إيران، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى التراجع تدريجيا عن التزاماتها، والعودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق السقف المسموح به في الاتفاق.

ورغم محاولات لاحقة لإحياء الاتفاق، خصوصا منذ تولي إدارة الرئيس الأميركي السابق بايدن، إلا أن التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير وإلغاء جولة المحادثات التي كانت مقررة في سلطنة عمان أعاد المشهد إلى نقطة اللاعودة.

خريطة البرنامج

ويتوزع البرنامج النووي الإيراني على عدد من المنشآت التي تؤدي أدوارا مختلفة ضمن دورة الوقود النووي

بدءا من استخراج اليورانيوم الخام، وصولا إلى التخصيب وإنتاج الوقود، وبعضها مخصص للأغراض البحثية أو لإنتاج الطاقة الكهربائية.

وتعد منشأة "نطنز" الواقعة جنوب طهران من أبرز المواقع الإيرانية، وهي مخصصة لتخصيب اليورانيوم وتعمل منذ عام 2007. 

وتتكون من منشأتين رئيستين، إحداهما تحت الأرض، وقد تم تصميمها لتحمل الضغوط التقنية والبيئية. 

وتحتوي نطنز على آلاف أجهزة الطرد المركزي، ويستخدم اليورانيوم المخصب فيها بشكل أساسي لأغراض مدنية، مثل تشغيل مفاعلات الطاقة. 

ومع ذلك، خضعت المنشأة لمراقبة دقيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشهدت على مدى السنوات الماضية عددا من الحوادث التقنية وعمليات تخريب موصوفة.

وفي عمق منطقة جبلية جنوب طهران، تقع منشأة "فوردو"، التي أعلن عنها رسميا عام 2009، وتتميز ببنائها تحت الأرض. 

وبموجب اتفاق 2015، حددت طبيعة نشاطها في مجال البحث العلمي، لكن إيران استأنفت فيها عمليات التخصيب بنسب مرتفعة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

أما مجمع "أصفهان"، فيمثل محطة أساسية في سلسلة إنتاج الوقود النووي، حيث يتم فيه تحويل اليورانيوم الخام إلى أشكاله الكيميائية المختلفة، سواء للاستخدام في المفاعلات أو للتحضير لمرحلة التخصيب، كما يستخدم اليورانيوم المنتج في مواقع مثل نطنز وفوردو.

المنظومة النووية

وتحظى محطة "بوشهر" بأهمية خاصة؛ إذ إنها أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في إيران، وقد شيدت بمساعدة روسية وبدأت العمل بشكل كامل منذ عام 2013. 

وتقع المحطة على سواحل الخليج العربي وتنتج 700 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.

وضمن المنظومة النووية أيضا، يعد مفاعل "خونداب" المعروف سابقا باسم مفاعل "أراك" مرفقا لإنتاج الماء الثقيل. 

وقد جرى تعديله بموجب الاتفاق النووي لإنتاج كميات أقل من البلوتونيوم، ومن المتوقع أن يعاد تشغيله بنسخته الجديدة بحلول عام 2026.

وتتضمن البنية التحتية النووية الإيرانية كذلك مواقع استخراج وإنتاج المواد الخام، مثل منجم "غاشين وساغند"، حيث يتم إنتاج "الكعكة الصفراء" كمادة وسيطة، إلى جانب منشآت المعالجة الكيميائية ومرافق البحث.

وفي حين تشير بعض التقارير إلى وجود مواقع ذات طابع عسكري مثل "بارشين"، فقد اقتصرت زيارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أجزاء منه، دون أن تصدر نتائج حاسمة، وسط استمرار التواصل بين الجانبين بشأن نطاق التفتيش والمراقبة.

وتعكس هذه المنشآت مجتمعة تطورا تقنيا كبيرا في دورة الوقود النووي الإيرانية. 

وبينما تقول طهران: إن برنامجها يهدف إلى تحقيق استقلال في إنتاج الطاقة والبحث العلمي، تستمر المراقبة الدولية لضمان التزامها بالضوابط المتفق عليها ضمن معاهدة عدم الانتشار النووي، وسط تضارب في الآراء حول السلاح النووي.