إغلاق "الأقصى" بسبب إيران .. لتسريع بناء الهيكل أم فرض السيادة اليهودية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع تدشين عدوانها على إيران، أغلقت إسرائيل أبواب المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، حيث منعت صلاة الجمعة في 13 يونيو/حزيران 2025، ثم ظلت تغلقه بالكامل.

منع كل أهالي القدس من دخوله مع كل أذان للصلاة تاركة باحاته فارغة، لا يصدح فيها إلا صوت المؤذن وبعض الحراس القلائل الذين سُمح لهم بالوجود فقط، بينما سمحت بوجود المستوطنين.

هذا الانتهاك الصارخ لحرمة المسجد، والعدوان المتواصل على حق المسلمين في العبادة، يرى كثيرون أنه يهدف إلى استغلال حجة الحرب لفرض السيادة الصهيونية على الأقصى واستكمال خطط التهويد والسيطرة.

وقبل هذا التعدي الصارخ على المسجد ومنع الصلاة والمصلين، كثف المستوطنون من جماعات الهيكل اقتحامهم له لفرض واقع جديد وتقسيمه مكانيا وزمانيا، كما كثفوا محاولات إدخال قرابين (ماعز).

ففي 2 يونيو/حزيران 2025 حاول ثلاثة من المقتحمين الصهاينة إدخال قطع لحم مذبوح يقطر منها الدم إلى مسجد قبة الصخرة مباشرة، ومنعهم المسلمون قبل وضعه على أرضه.

ويزعم الصهاينة أن المسجد الأقصى المبارك، ومنطقة قبة الصخرة تحديدا، هي ذاتها مكان "الهيكل"، الذي يعد "مقر سكن روح الرب".

ووفق الأسطورة التوراتية، فإن تقديم القربان فيه نوع الشكر والتقديس، حيث إنه ذروة العبادة في الهيكل المزعوم.

وتنظر الصهيونية الدينية إلى فرض الطقوس التوراتية في الأقصى بصفتها مقدمة لتأسيس الهيكل مكان المسجد.

كما ترى في فرض طقوسها "تأسيساً معنويا للهيكل" المزعوم يمهد لتأسيسه الفعلي.

ماذا جرى؟

وفور بدء الهجمات على إيران في 13 يونيو 2025، وإعلان إيران ردها، اقتحمت شرطة الاحتلال ساحة المسجد الأقصى ووقفت على أبوابه تمنع دخول المصلين بحجة الحرب والسلامة.

كما فرض الاحتلال إغلاقا شاملا على حركة المواصلات في القدس، ونصب حواجز عسكرية مكثفة في محيط البلدة القديمة.

وأغلق الطرق ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى، ما أدى إلى إغلاق جميع أبوابه أمام المصلين. 

كانت أهمية هذا اليوم أنه الجمعة، ومع هذا منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة منذ سنوات، من أداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، بحجة الرد الانتقامي الإيراني.

وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، ذكرت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أجبرت المصلين على مغادرة المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة بعد الفجر، ومنعتهم من البقاء داخله، قبل أن تغلق أبوابه، وتمنع صلاة الجمعة.

وقال مقدسيون إن عناصر من شرطة الاحتلال اقتحموا المسجد الأقصى عقب صلاة الفجر، وأجبروا المصلين على مغادرته، قبل أن يغلقوا أبوابه.

وهي المرة الأولى التي يقدم فيها الاحتلال على إفراغ المسجد من المصلين وإغلاق أبوابه، منذ جائحة كورونا عام 2020.

وفي ذلك اليوم، أقيمت الصلاة وألقيت الخطبة بحضور حراس المسجد فقط، وبدون مصلين.

ونقلت "دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس‏" شعائر خطبة وصلاة الجمعة، ليسمعها المسلمون على الهواء.

وعلق مقدسيون: "لمن خطبة الجمعة بدون مصلين؟! المحتل أغلق الأقصى بوجههم وجرى تفريغه صباحا ولم يبق فيه إلا الحراس".

وقالت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية: إن الاحتلال الإسرائيلي لم يغلق فقط المسجد الأقصى، بل أغلق أيضا الحرم الإبراهيمي في الخليل، ومنع دخول المصلين لهما، واستنكرت هذا التصرف ضمن الانتهاكات الإسرائيلية تجاه مقدسات المسلمين.

وجاء إغلاق المسجد الأقصى بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال فرض "إغلاق شامل" على الضفة الغربية، بعد ساعات من الهجوم الواسع على إيران.

في المقابل، سمحت قوات الاحتلال للمستوطنين بإقامة طقوس دينية قرب المسجد الأقصى، وكثفت اقتحاماتها اليومية لبلدات وضواحي القدس، وسط انتشار عسكري على عشرات الحواجز والبوابات وجدار الفصل العنصري.

فرض السيادة 

لا تستهدف الهجمات التي تشنها المقاومة الفلسطينية أو حزب الله والحوثيون وإيران منطقة المسجد الأقصى، وغالبا ما تعبر الصواريخ فوق القدس لضرب أهداف إسرائيلية، ومع هذا تعمد الاحتلال غلقه ومنع المصلين.

فالهدف الحقيقي يكمن في محاولة إسرائيل استغلال الحروب والأعياد اليهودية لفرض واقع جديد بالأقصى.

ويقول الدكتور "عبد الله معروف"، أستاذ دراسات بيت المقدس، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة بالأقصى سابقا، إن هذا التصرف الإسرائيلي يعني أنه يعد المسجد جزءا من إسرائيل.

أوضح لـ "الاستقلال" أن الاحتلال لا يترك أي فرصة تفوته في ظل أوضاع الحرب الحالية، ليُثبت واقعا جديدا بأنه يمتلك السيادة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، ومن ذلك ما حدث مع بداية الهجوم على إيران بغلقه ومنع المصلين من دخوله.

وحذر من أن "الاحتلال يتعامل مع المسجد الأقصى كما يتعامل مع الأراضي التي يمتلك عليها السيادة الكاملة".

"لذا أعلن إغلاق المسجد بتقدير أنه ضمن سياساته لمنع التجمعات في أراضي الدولة التي يمتلك السيادة عليها".

وينبه "معروف" إلى أن ما فعلته إسرائيل مع المسجد الأقصى لم يفعله في المناطق التي تعد تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، مثل مدن الضفة الغربية ومناطق (أ) التي لا يمارس عليها سيادة كاملة.

وهو ما يعني أن "الاحتلال تعامل مع المسجد الأقصى كما يتعامل مع تل أبيب".

ويصف معروف ذلك بأنه "أمر في منتهى الخطورة؛ لأنه يعني أن الاحتلال لم يعد المسجد الأقصى أراضي ذات طبيعة خاصة من حيث السيادة أو الإدارة".

"وإنما بات يعده جزءا أصيلا من دولة الاحتلال الإسرائيلي ويتعامل معه على هذا الأساس، في رسالة جديدة للعالم الإسلامي".

"وهذا الأمر يعني أنه سيحاول في الفترات القادمة اتخاذ خطوات من شأنها تثبيت هذه السيادة الكاملة للاحتلال على المسجد الاقصى المبارك".

"والتعامل معه بصفته أرضا إسرائيلية ليس للمسلمين فيها أي شيء، وهنا منبع الخطورة"، وفق أستاذ دراسات بيت المقدس.

وقال الباحث في شؤون الأقصى "زياد ابحيص" على فيسبوك: إن الهدف من إغلاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسجد خلال العدوان على إيران هو "تنفيذ وعده لحاخامات الصهيونية الدينية". 

وأوضح أنه قبل أقل من أسبوعين من انطلاق العدوان على إيران، خطب نتنياهو في حاخامات وقادة الصهيونية الدينية في احتفالهم المركزي في مدرسة وجامعة الحاخام أبراهام كوك (مركز هاراف) بالقدس، وهي المؤسسة الدينية المركزية لتيار الصهيونية الدينية.

ووعدهم نتنياهو بأنهم جميعا سيدخلون المسجد الأقصى المبارك: "من منكم لم يكن هناك؟ ستصعدون" ليرد عليه المشاركون بالغناء "سيبنى الهيكل وستمتلئ صهيون".

وفي خطابه الذي حضره وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش؛ قال نتنياهو: إن "حرب القيامة" الحالية ستنتهي بالهيكل، في إشارة إلى الهيمنة على الأقصى.

وأكد "زياد" أن طرد شرطة الاحتلال المصلين من المسجد فجر جمعة العدوان على إيران ومنع الصلاة واستمرار غلقه يُعد تكريسا لعزلته وللسيادة الصهيونية عليه، بصفته خاضعا تماما لإرادة تل أبيب.

تهويد مستمر

وقبل إغلاق المسجد الأقصى، كثف الاحتلال والمستوطنون اقتحامهم المسجد والصلاة فيه، ومنعت شرطتهم كثيرا من المسلمين من دخوله في أوقات صلاة اليهود.

وصلاة اليهود في المسجد كانت ممنوعة منذ 1967، لكنها أصبحت طقسا تحميه شرطة الاحتلال منذ بضع سنوات.

وصعّدت منظمات يهودية متطرفة مثل "عائدون إلى جبل الهيكل" و"كهنة المعبد" من دعواتها العلنية لتقديم القرابين داخل المسجد الأقصى، غير آبهة بمكانته الدينية عند المسلمين. 

ونشرت جماعات "كهنة الهيكل" المتطرفة صورا ومجسمات متخيلة لذبح القربان داخل المسجد الأقصى، وتحديدًا في موقع قبة السلسلة شرق قبة الصخرة، وذلك في إطار استعداداتها السنوية لتقديم ما تسميه "قربان الفصح". 

وتُظهر إحدى الصور المتداولة مذبحًا توراتيًا محاطًا بطقوس إشعال النار وخروف صغير معدّ للذبح، في محاكاة مباشرة لما يسمى بسردية "الهيكل".

وقد نشر اتحاد منظمات الهيكل صورة قربان ضمن دعوته الإلكترونية، في تحريض مباشر لتنفيذ طقوس ذبح الفصح داخل الأقصى.

وتسعى الجماعات المتطرفة إلى فرض واقع جديد داخل المسجد الأقصى، من خلال محاولات متكررة لتنفيذ طقوس "ذبح القربان الحيواني"، ضمن محاولاتها لتغيير الهوية الإسلامية للمكان، وفرض الطقوس التوراتية بداخله.

وتولت شرطة الاحتلال إلى التضييق على حراس المسجد ومنعهم من الاقتراب من المقتحمين، والتضييق على المصلين واعتقال وإبعاد المئات منهم عن الأقصى، من بينهم أئمته وخطباؤه.

والجديد هذا العام هو كشف الباحث في شؤون الأقصى "زياد ابحيص" أن عمليات "التهويد بالخطى البطيئة" ما بين أعوام 2008 و2025 نجحت في مضاعفة المدة التي يقتحم فيها المستوطنون للمسجد.

وذلك ضمن محاولتهم تقسيم الأقصى مع اليهود "زمانيا"، أي وقت لهم ووقت للمسلمين.

وأوضح أنه في عام 2008 بدأت شرطة الاحتلال بمحاولة فرض فترات للاقتحامات الصهيونية بتحديد الساعات ما بين 7-10 صباحاً للمتطرفين الصهاينة، ومحاولة تقييد دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى وقتها.

لكن الآن وبعد مرور 17 عاما بات المقتحمون يستحوذون على فترتين للاقتحام: الأولى صباحية ما بين 7-11:30 والثانية مسائية ما بين 1:30-3:00، أي جرى تمديد الاقتحامات بواقع نصف ساعة في كل قفزة، حتى باتت اليوم تشكل ضعف الوقت.

وأكد أن منظمات الهيكل لا تكتفي بذلك، بل تطالب علناً بالوصول إلى أحد سقفين: إما أن يُفتح الأقصى مناصفة بين المسلمين واليهود بحيث تتساوى ساعات الدخول والمنع بينهم.

وإما أن يسمح بالاقتحامات في كل الأوقات والأيام، ما يعني أن الهدف هو تقسيم الصلاة داخل المسجد أيضا "مكانيا" بتحديد الساحة الشرقية للمسجد من أجل تحويلها إلى معبد خلال اقتحاماتهم المنتظمة.

وخلال عيد الفصح اليهودي، أبريل/نيسان 2025، شهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات واسعة من مجموعات كبيرة من المستوطنين، الذين دخلوا باحاته من جهة باب المغاربة، تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.

وأدى عدد منهم طقوسًا تلمودية وتوراتية، خاصة في الجهة الشرقية من المسجد، قرب مسجد قبة الصخرة، الذي يخططون لبناء هيكلهم مكانه، قبل أن يغادروا من جهة باب السلسلة.

ونفذ المستوطنون داخل المسجد جولات استفزازية في باحاته، مرددين الأهازيج والصلوات التلمودية، وسط الغناء والتصفيق.

وتزامن ذلك مع تضييقات مشددة فرضتها قوات الاحتلال على مداخل البلدة القديمة والمسجد الأقصى.

إذ نصبت عشرات الحواجز الحديدية في الشوارع والطرقات المؤدية إلى الموقع، وأوقفت المارة الفلسطينيين لفحص هوياتهم وأغراضهم، في محاولة لمنعهم من الوصول إلى المسجد.