من أوكرانيا إلى إسرائيل.. كيف تغير الحروب الهجينة قواعد اللعبة؟

"نفذ الموساد سلسلة منسقة من عمليات التخريب السرية داخل الأراضي الإيرانية"
في إطار تحليله للقصف الإسرائيلي على إيران، لا سيما الضربة الافتتاحية، تحدث موقع "تيليوبوليس" الألماني عن أن "الضربة الحقيقية جاءت من الداخل"، عبر "أكثر من 1300 عميل إيراني كانوا يعملون لصالح الموساد (جهاز الاستخبارات الخارجي) الإسرائيلي".
وحلل الموقع الضربات الإسرائيلية التي بدأت صباح 13 يونيو/ حزيران 2025، والمستمرة حتى الآن، سواء بالهجوم بالمقاتلات الجوية أو عمليات الموساد داخل إيران؛ لاستهداف منشآت دفاع جوي إيرانية وغيرها من الأهداف.
ويقول: إن "هذه التكتيكات الهجينة تظهر تشابها ملحوظا مع عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية، التي هاجمت كييف من خلالها القاذفات الإستراتيجية الروسية باستخدام طائرات مسيرة منخفضة التكلفة، أُخفيت داخل شاحنات مدنية ونُقلت لمسافات آلاف الكيلومترات".
وأضاف أن العمليتين -الإسرائيلية والأوكرانية- تشيران إلى نقطة تحول مهمة في الحروب الحديثة، وهي أن "أجهزة الاستخبارات لم تعد فاعلا سريا فحسب، بل أصبحت أدوات صريحة في الحروب، وتعرض قدراتها بشكل شفاف".
وتابع: "هذا يشير إلى عصر جديد تصبح فيه الحرب غير المتماثلة جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية العسكرية الشاملة".

اختراق ممنهج
ويقول الموقع الألماني: "بالتزامن مع الضربات الجوية، نفذ الموساد سلسلة منسقة من عمليات التخريب السرية داخل الأراضي الإيرانية".
وبحسب ما نقله موقع "تايمز أوف إسرائيل"، فإن هذه العمليات التخريبية تمت في عمق الأراضي الإيرانية، واستهدفت بشكل محدد إضعاف قدرة إيران على الرد. وبين الموقع الألماني أنها "تظهر استعدادا ممنهجا استمر لسنوات".
وكما أوضح خبير أمني إسرائيلي للمراسل العسكري إيتاي بلومنثال: "بنى الموساد قدرات سرية داخل إيران تهدف إلى ضرب نظام الصواريخ الإستراتيجية الإيراني وقدراته الدفاعية الجوية".
ووفقا لما ورد من تقارير، يزعم الموقع أن "أكثر من 50 فريقا من الموساد عملوا داخل إيران، تألفت من عملاء إسرائيليين وإيرانيين".
وأردف: "شارك أكثر من 1300 إيراني في عملية الأسد الصاعد (الإسرائيلية)؛ وهو رقم يشير إلى شبكة تعاون ضخمة".
وتابع: "هُربت صواريخ دقيقة التوجيه في عملية سرية للموساد إلى داخل إيران، ثم استخدمت بشكل منسق ضد أنظمة الدفاع الجوي الإيراني".
واستهدفت هذه العمليات على وجه الخصوص، مكونات كانت حاسمة لتمكين إيران من الرد بفعالية على الهجمات الإسرائيلية.
وكما ذكر مسؤول إسرائيلي رفيع: "بدأ الموساد قبل عدة أشهر من الهجوم بتهريب الصواريخ إلى إيران وزرع أسراب من الطائرات المسيّرة الناسفة في عمق البلاد، والتي فُعلت مع بداية الغارات الجوية واستهدفت قاذفات صواريخ قرب طهران".
وبحسب نفس المصدر: "كانت وحدات الكوماندوز التابعة للموساد قد نصبت أسلحة موجهة بدقة قرب أنظمة الدفاع الجوي الإيراني، وفُعلت صباح العملية وعطلت بشكل كامل الدفاعات الإيرانية".
ويعقب الموقع الألماني: "تشكل هذه العملية تصعيدا هائلا في عمليات الاستخبارات الإسرائيلية".
وأضاف: "فبعد عملية بايجر غير المسبوقة ضد حزب الله في سبتمبر/أيلول 2024، والتي انفجر خلالها أكثر من 3000 جهاز اتصال مفخخ بشكل متزامن، ما أدى إلى تصفية جزء كبير من قيادته، تُظهر العملية الإيرانية مرحلة جديدة من حملات التخريب المنهجية".

تنسيق متكامل
هذا الإضعاف المنسق لقدرات الدفاع الإيراني من الداخل أدى إلى جعل الغارات الجوية المتزامنة أكثر فعالية.
لكنه مع ذلك يظهر بُعدا جديدا من أبعاد الإستراتيجية الحربية؛ إذ تتفاعل الأسلحة بعيدة المدى مع عمليات التخريب الداخلية بشكل متكامل.
وتابع: "ويبدو أن المقاتلات الإسرائيلية لم تدخل الأجواء الإيرانية، بل أطلقت صواريخها من مسافات بعيدة".
ودلل على ذلك ببعض بقايا الصواريخ الإسرائيلية التي وُجِدت في عدة محافظات عراقية.
وأضاف: "بينما استهدفت الغارات الجوية من الخارج المنشآت النووية والعسكرية، عطلت عمليات الموساد من الداخل مكونات حاسمة من الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى الإيرانية".
وأشار إلى أن "هذا التهديد المزدوج من الداخل والخارج أربك قدرات الدفاع الإيرانية وحقق أقصى تأثير لكلا نوعي الهجمات".
النموذج الأوكراني
وحسب الموقع الألماني، تظهر التكتيكات الإسرائيلية تشابها ملحوظا مع "عملية شبكة العنكبوت" الأوكرانية، التي هاجمت فيها كييف القاذفات الإستراتيجية الروسية باستخدام مزيج من الوسائل غير المتماثلة؛ إذ وجهت أوكرانيا غير النووية ضربة تاريخية غير مسبوقة لأسطول القاذفات الإستراتيجية لدولة نووية (روسيا).
واستخدمت أوكرانيا طائرات مسيرة منخفضة التكلفة، أخفيت داخل شاحنات مدنية، ونقلت لمسافات آلاف الكيلومترات.
ويعقب الموقع: "وكما هو الحال في العملية الإسرائيلية، استخدمت أوكرانيا أيضا أساليب تمويه ذات إشكال قانوني واضح"؛ إذ استخدمت الشاحنات المدنية لإخفاء الطائرات المسيّرة العسكرية، ما قد يعد، وفقا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، عملا حربيا غادرا؛ لأنه يمثل تمويها لهوية مدنية غير مقاتلة.
وأكد أن "عمليات إسرائيل وأوكرانيا تنتهك التمييز التقليدي بالقانون الدولي بين المقاتلين والمدنيين، وتتجاوز القواعد المعترف بها للحرب النظامية".
وتعد اتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف واضحة في هذه النقطة؛ فهذه العمليات لا تندرج ضمن المعايير القانونية للحرب المشروعة. وأوضح أن "الفاعلين يختارون عمدا أساليب تتجاوز هذه القواعد المعترف بها".
وأشار إلى أن "هذا المزيج غير المشروع من أنظمة الأسلحة البعيدة والتخريب السري يمثل أسلوبا جديدا في الحرب، أشبه بحرب شاملة تستخدم فيها جميع الوسائل المتاحة -حتى تلك المخالفة للقانون الدولي- بشكل منهجي".
وبالرغم من تأكيد الموقع على أن كلا من روسيا وإيران تمتلكان قدرات استخباراتية واسعة، فإنهما لم تستخدما ذات الإستراتيجية (الهجينة الشفافة).
ورغم أن كلا منهما ينفذ عمليات سرية، فإنهما لا تعلنانها كجزء من إستراتيجيتهما الحربية، وفق الموقع.
وأضاف: "هذا يشير إلى أن إعلان العمليات الهجينة بشكل مقصود هو قرار إستراتيجي خاص بإسرائيل وأوكرانيا؛ ربما بسبب موقعهما الجيوسياسي كقوى صغيرة تواجه خصوما أكبر بكثير، وتسعى لتحقيق تأثير نفسي كبير"، وفق تعبيره.

نظرة مستقبلية
من جانب آخر، يؤكد الموقع أن "هذه العمليات الموثقة تصل إلى بُعد جديد غير مسبوق في الحرب غير المتماثلة"؛ إذ رجح أن "يكون اختراق إسرائيل المنهجي، بمشاركة أكثر من 1300 متعاون إيراني، أكبر إنجاز استخباراتي في التاريخ الحديث".
وتابع: "أما هجمات أوكرانيا بالطائرات المسيرة من مسافة تزيد على 4000 كيلومتر، فتُظهر مدى يتجاوز بكثير مفاهيم الصراع الإقليمي التقليدي".
وأردف: “حجم هذه العمليات غير مسبوق؛ فلم يسبق لأي جهاز استخبارات أن أنشأ شبكة تعاون بهذه الضخامة داخل دولة عدوة”.
كما لم تصل أسلحة غير متماثلة منخفضة التكلفة من قبل إلى أهداف إستراتيجية على هذا النطاق.
وفي الختام، أكّد أنه "في حال تبنت دول أخرى هذه الأساليب، فإن البنية الأمنية الدولية ستواجه تحديا جذريا".
وتساءل: “كيف يمكن أن تعمل سياسة الردع إذا أصبحت كل البنى التحتية الحرجة عرضة لهجمات منخفضة التكلفة ومخالفة للقانون الدولي؟”