الاحتلال يغتال مهندس العقيدة القتالية للقسام.. من هو "أبو عمر السوري"؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد رحلة طويلة من المقاومة، رحل حكم العيسى المعروف بـ “أبو عمر السوري”، أحد العقول المؤسسة للعقيدة القتالية الحديثة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

ورحل مهندس المنظومة العسكرية لكتائب القسام في عملية اغتيال نفذها جيش الاحتلال في 28 يونيو/حزيران 2025 بالتنسيق مع جهاز الأمن العام “الشاباك"، في قصف على حي الصبرة شرق مدينة غزة أودى أيضا بحياة زوجته وحفيده.

ووصف جيش الاحتلال العيسى بأنه أحد مؤسسي حركة حماس وآخر القيادات العليا في الجناح العسكري لها داخل قطاع غزة، كما قال إنه كان  رئيسا لهيئة الدعم القتالي والإداري في القسام.

وأوضح الجيش أن العيسى كان عضوا في المجلس العسكري العام للحركة وكان يشرف على مركز التدريب العسكري التابع لها، وشارك في التخطيط والتنفيذ لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ومنذ بدء العدوان، اغتال الاحتلال  عددا من كبار القيادات السياسية والعسكرية أبرزهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية وخلفه يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف ونائبه مروان عيسى، وغيرهم.

وحكم العيسى فلسطيني من شمال الضفة الغربية، وهو واضع اللبنات الأولى من الخطة الدفاعية عن قطاع غزة، ومهندس مشارك في العمليات الهجومية الكبرى.

أقام سابقا في الكويت وتنقل بين سوريا ولبنان، وشارك في القتال بأفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، وتدرب وأشرف على دورات قتالية في خوزستان بإيران، واستقر في غزة، وكان من أوائل من نقلوا خبرات التدريب المتقدمة إلى كتائب القسام.

وقد أشرف العيسى على تأسيس المواقع القتالية وقوات النخبة، وشارك في بناء المعاهد والكليات العسكرية والاستخباراتية، وكان متعهدا بألا يخرج من غزة إلا إلى الضفة الغربية محررة أو إلى جنات النعيم.

تصعيد بالضفة

وبالتوازي مع تنفيذ الاحتلال اغتيالات بغزة، يواصل اعتداءاته على مناطق عدة بالضفة الغربية، فقد فجر منزلا للاجئين الفلسطينيين في مخيم جنين، وواصلت جرافاته هدم المنازل بالمخيم، ضمن خطته المعلنة في 9 يونيو/ حزيران 2025 التي تقضي بهدم نحو 95 منزلا.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” عن بلدية جنين تأكيدها "هدم أكثر من 600 منزل بشكل كامل داخل المخيم، والتسبب بتدمير جزئي لعشرات المنازل والممتلكات (منذ يناير/ كانون الثاني 2025)، مما جعلها غير صالحة للسكن دون إعادة إعمارها".

وهاجم مستوطنون منزلا جنوبي نابلس ما أسفر عن اندلاع مواجهات مع مواطنيين فلسطينيين عند أطراف قريتي تل وبورين.

ويواصل الاحتلال كذلك تنفيذ مخطط يقضي بهدم 106 مبانٍ في مخيمي طولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية.

ونقلت تقارير صحفية عن مختصيين تأكيدهم أن هناك تحولا في السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الوضع بالضفة الغربية بشكل عام.

وأشاروا إلى أن الاقتحامات السابقة كانت تقوم على مبدأ "الدخول السريع والخروج السريع" بهدف تنفيذ اعتقالات محددة ثم الانسحاب، باتت الضفة اليوم تشهد نمطا مختلفا يتسم بالتمركز الطويل، وتحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية، وإطلاق عمليات مفتوحة تمتد لأيام.

وبحسب إذاعة الاحتلال الإسرائيلي، فإن الاعتداءات التي ارتكبها مستوطنون إسرائيليون ضد فلسطينيين بالضفة الغربية سجلت زيادة بـ30 بالمئة منذ مطلع العام.

ونعى ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي العيسى، وعدوا اغتياله خسارة كبيرة للمقاومة الفلسطينية، وأثنوا على دوره القيادي وتضحياته، ورثوا ذكراه الطيبة، وتحدثوا عن شجاعته في مواجهة الاحتلال، ونعتوه بـ"الشهيد المقبل، القائد الشجاع"، وغيرها من الأوصاف الأخرى.

وأكدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حكم_العيسى، #الضفة_الغربية، #جنين وغيرها، أن اغتيال الاحتلال العيسى ومواصلته الإبادة الجماعية في غزة وتصعيده على الضفة الغربية لن يثني الفلسطينيين والمقاومة عن مواصلة النضال والتصدي له.

تعريف بالعيسى

وعن العيسى، أوضح الكاتب حامد العلي، أنه عضو المجلس العسكري لكتائب القسّام، وسبق أن جاهد في أفغانستان والشيشان، وقضى 35 عاما في ساحات الجهاد.

وأشار إلى أن العيسى أشرف على تدريب نخبة القسام، وشارك في كبرى العمليات، ويوصُف كأنّه من عصر الصحابة، عارضا أبياتا شعرية كتبها في رثائه.

وقال عمر محمد العطل، إن العيسى "كان صحابيًّا في زمن الغربة، فعرف بتواضعه، وطيبته، وأخلاقه العالية، من مواليد سوريا، ومن جذور فلسطينية (الضفة الغربية)".

وأكد أن العيسى كان بحرا في العلوم الإستراتيجية والعسكرية، وله صولات وجولات في أفغانستان والشيشان والعراق، حتى انضم للقسام عام 2005، فوضع تجربته العميقة لتطوير العمل العسكري، ليرتقي فيه ويصل إلى مكانة رفيعة، ختمها بالشهادة.

ولفت الكاتب إياد إبراهيم القرا، إلى أن أبو عمر السوري هو آخر ما عرف من ألقاب حكم العيسى، موضحا أنه رجلٌ ترك رغد العيش ونعيم الدنيا، وجاء إلى غزة ليحمل سلاح الكرامة، ويقود أحد أهم أركان المقاومة: "ملف التدريب والإعداد".

وأكد أن بصمات العيسى واضحة، ويشهد له العدو قبل الصديق، مذكرا بأن الاحتلال اعترف بلسانه "أن لأبي عمر لمساتٍ فاعلة أسهمت في تغيير حقيقي ونوعي في قدرات المقاومة، وتطوير أداء المقاتلين في الميدان".

وترحم القرا على العيسى، داعيا الله أن يجزيه عن فلسطين وأهلها خير الجزاء، قائلا: "سلامٌ عليه يوم التحق، ويوم ارتقى، ويوم يُبعث حيًّا".

دور عسكري

وعن الدور العسكري للعيسى، قال الكاتب محمد النجار، إنه أول من نقل خبرة التدريب إلى القطاع، وهو رائد التدريب القسامي ابتداء من المواقع وقوات النخبة، وصولا لمعاهد وكليات القسام العسكرية والاستخباراتية.

وبين أن العيسى أشرف على بناء الخطة الدفاعية، وأسهم في تخطيط كبرى العمليات الهجومية.

وقال: “لن أتكلم عن صفاته فهو أزهد الناس وأتقاهم، وأصبر الناس وأخشاهم، ورجلٌ من زمن الصحابة، لكنني سأتوقف عند رحلة رجل ترك الدنيا وما فيها، وترك سكنه في الكويت بالخليج، وتنقل منذ خمسة وثلاثين عاما بين ساحات الجهاد”.

وذكر أن العيسى قال في آخر محطاته: "لن أخرج من غزة إلا إلى الضفة الغربية محررة، أو إلى جنات النعيم".

وأضاف النجار: "رحل أبو عمر السوري كما يعرفه مجاهدو غزة، مع زوجته وحفيده، في قصف غادر أمس، لينهي رحلة فريدة لرجل أرّق ليل إسرائيل، وأسهم في بناء كل جندي ومقاتل في غزة، رحل مطمئنا لما قدم، فقد طارد الموت سنين يبحث عن شهادته، حتى أتاه اليقين".

 

وأشار باسر الحمد، إلى أن العيسى، ‏لم يكن هناك مجال إلا وأسهم به فأسس منظومة التدريب والتطوير وأكاديمية كتائب القسام وتخرّج بفضل خبراته آلاف المقاتلين، وأدخل صنوفا مختلفة من الخبرات العلمية والفنّية في عدد تخصصات عسكرية.

ولفت إلى أن العيسى  له فضل في التطوير الفني والهيكلي لكتائب القسام، وهو من قلة معدودة على الأصابع ممن كان لهم "فضل حقيقي" على المقاومة في غزة.

ووصف علاء النزلي، العيسى بأنه "الزاهد العابد الذي تشهد له ربوع المعمورة بالجهاد والعطاء"، مؤكدا أن بصماته كانت ومازالت مدرسة تُدرس مناهجه في الكليات العسكرية في الجيوش النظامية.

نعي ورثاء

وفي نعي ورثاء الحكم، قال الصحفي محمد عبدالعزيز: "على مثل أبو عمر فلتبكي البواكي.. رجل من عهد الصحابة الكرام"، مشيرا إلى أن قافلة الشهداء ما زالت تسير إلى الله تعالى، داعيا الله أن يرضى عن قادة المقاومة.

وتساءل الناشط خالد صافي: "من قال إن الصحابة لا يولدون في زماننا؟"، قائلا: "ها نحن نودّع اليوم أحد الذين ناداهم المجاهدون بلقب الصحابي لا عن مديح، بل عن يقين أن صنيعه كان صنيع الأوّلين".

وأشار إلى أن العيسى ارتقى شهيدًا، هو وزوجته الطاهرة "ناريمان رشدي شديد"، وحفيدهما، كأنما شاءت الأقدار أن تجمعهم في رحيل، كما جمعهم حبّ الأرض والرباط.

وأضاف صافي مخاطبا العيسى: "نم قرير العين يا أبا عمر غزة تحفظ وصيتك، والمقاومة تمضي على هديك، والأمة تفتخر بك ما بقي في قلبها نبض عزّ وكرامة".

وضع الضفة

وتنديدا بتكثيف الاحتلال عدوانه على الضفة الغربية وفرض سياسة الاستعمار والضم وإطلاق يد المستوطنين وارتفاع حدة عنفهم، أكد رشاد العربي، أن وضعها لا يقل سوءًا عن غزة. 

وأشار إلى أن المستوطنين وضعوا أيديهم بالقوة على معظم عيون وبرك الماء في الضفة الغربية، من الأغوار الشمالية وصولًا للجنوب الفلسطيني، حتى سيجوها وأغلقوها في وجه أصحابها وأقاموا عليها متنزهات وجلسات ووشموها بالشعارات والنجمات.

ولفت العربي، إلى أن المستوطنين يحرسون عيون وبرك المياه ليل نهار ويمنعون الفلسطينيين من الوصول إليها والاقتراب منها، مؤكدا أن الفلسطينيين يعيشون أزمة مياه حقيقية، في الشرب والزراعة وغيرها.

واستنكر أن الإسرائيلي يأخذ ما يفوق حصة الفلسطيني بما يزيد عن 60 ضعفا، متسائلا: "هل تستطيع سلطتنا وحكومتنا إرجاع هذه العيون لأصحابها من خلال المحاكم الدولية والقانون أو توفير مياه الشرب على الأقل لهم".

واستنكر محمد علي، مطالبة الخارجية الفلسطينية بإجراءات دولية رادعة لوقف جرائم المستوطنين، متسائلا عن مكان ودور قوات سلطة محمود عباس.

وأشار المحلل السياسي ياسين عز الدين، إلى أن عصابات المستوطنين المعروفة بـ "فتيان التلال" و"تدفيع الثمن" يعملون على تخريب خطوط المياه الرئيسة في عين سامية والتي تزود مناطق واسعة في محافظة رام الله.

وأكد أن ما يفعله المستوطنون في الضفة هو نفس ما طبقوه في غزة لأنهم لم يدفعوا الثمن.

وقال عز الدين: "التعطيش والتهجير والقتل والحصار والتجويع وقطع الكهرباء والمحروقات، صحيح حاليًا الأضرار لا تذكر مقارنة بغزة لكنها تتزايد ولن تتوقف ما دام لا توجد أثمان يدفعونها".