مصالح متنافرة.. لهذا يصعب إنشاء تحالف ثلاثي بين إيران وروسيا والصين

المثلث الكبير بين الصين وروسيا وإيران صحيح جزئيا فقط
طيلة 12 يوما من الصراع بين إسرائيل وإيران، كانت تتجه أنظار العديد من المراقبين تجاه روسيا والصين في انتظار أن تؤديا دورا أكبر في دعم طهران، لا سيما أنه تجمعهما علاقة وثيقة مع الجمهورية الإسلامية.
إلا أن المؤكد أن كلا الدولتين اكتفت بتقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي لإيران أمام إسرائيل المدعومة أميركيا، وامتنعا عن الانخراط العسكري المباشر في الحرب.
في هذا السياق، سلط موقع "المراقب" الصيني الضوء على ما تسمى بنظرية "المثلث الكبير" بين الصين وروسيا وإيران، متسائلا عن مدى واقعيتها.
وأوضح كيف تنظر الصين لإيران من منظور إستراتيجي، مستعرضا ثلاثة محددات تتعامل بها مع الصراع العسكري بين تل أبيب وطهران.
وأشار الموقع إلى أن نظرية ما يُعرف بالمثلث الكبير بين البلدان الثلاثة هي في الحقيقة مجرد افتراض إستراتيجي طرحه عالم الجغرافيا السياسية الأميركي زبيغنيو بريجنسكي في كتابه الشهير "رقعة الشطرنج الكبرى: التفوق الأميركي وتداعياته الجيوستراتيجية".
وأوضح أنه "وفقا لرؤية بريجنسكي، إذ تشكل بين روسيا والصين وإيران هيكل ثلاثي مستقر من الناحية الجيوسياسية، فإن هذا سيفضي إلى قيام كتلة جيوسياسية ذات نفوذ واسع تغطي كامل القارة الأوراسية".
وبحسب مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي، "سيشكل هذا الهيكل الثلاثي المتماسك تهديدا إستراتيجيا خطيرا على نفوذ واشنطن في القارة، بل قد يؤدي إلى تقليص أو حتى إخراج الولايات المتحدة من الساحة الأوراسية".
وهو ما "سيكون كارثيا بالنسبة لأميركا التي تعتمد بشكل كبير على الحفاظ على نفوذها الإستراتيجي في العالم القديم لضمان هيمنتها العالمية".
ولاحظ الموقع الصيني أنه "بعد أكثر من 20 عاما على طرح هذه النظرية، بدأ كثيرون في الداخل الصيني بإحيائها من بطون الكتب القديمة؛ لأنها تخدم سردية معادية لأميركا وأصبحت رائجة على الإنترنت".

صحيحة جزئية
ومع ذلك ينتقد هذه النظرية قائلا: "في الواقع، يمكن القول إن المثلث الثلاثي الكبير بين الصين وروسيا وإيران صحيح جزئيا فقط".
وتابع: يستند طرح بريجنسكي بالأساس إلى النموذج الجيوسياسي للمواجهة الثنائية البحرية-البرية لـ"هالفورد ماكندر" و"ألفريد ماهان" وهما اثنان من أبرز منظّري الجغرافيا السياسية في التاريخ.
وهو نموذج جيوسياسي يرى أن "الصراع العالمي هو بالأساس مواجهة بين القوى البحرية المسيطرة على البحار والمحيطات (مثل أميركا)، والقوى البرية القارية (مثل روسيا والصين) الساعية للهيمنة على قلب الأرض".
واستطرد: كما تستند فكرة التحالف الثلاثي إلى نظرية الأرض المُحيط لنيكولاس سبيكمان وجورج كينان، وكلاهما كان له دور محوري في رسم ملامح سياسة "الاحتواء" الأميركية خلال الحرب الباردة.
وترى هذه النظرية أن السيطرة على حزام السواحل ومناطق الحافة للقارة الأوراسية -أي أوروبا الغربية والشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق آسيا- هو مفتاح السيطرة على العالم.
ويعتقد الموقع الصيني أن "هذه النظريات المختلفة تحدد الإمكانات الجيوسياسية القوية للصين وإيران وروسيا".
إذ إن "هذه الدول الثلاث تمتلك قدرة على التأثير الإقليمي بالقدر الذي قد يمكنها من طرد النفوذ الأميركي أو تحجيمه في مناطقه الجيوسياسية".
وهو -بحسب بريجنسكي- "ما يهدد فعلا بخسارة واشنطن لنفوذها في أوراسيا واضطرارها إلى التراجع نحو القارة الأميركية والتحوّل إلى قوة إقليمية أميركية بدلا من كونها عالمية".
ورغم اعتراف الموقع الصيني بأن "هذه الرؤية التقليدية، القائمة على ثنائية البر والبحر في الصراع على الهيمنة بين القارات، لا تخلو من وجاهة".
إلا أنه انتقدها قائلا: "إذا تقدمت الحقيقة خطوة واحدة قد تنقلب إلى خطأ". فقد وقع بريجنسكي في فخ الحكم على الآخرين بمعاييره الخاصة.
"وهكذا، واستنادا إلى النظريات الجيوسياسية لسبيكمان وكينان، اعتمدت الولايات المتحدة إستراتيجية تحالف في المناطق الهامشية من القارة الأوراسية"، يقول الموقع.
وأكمل: "يقوم النموذج الأساسي على أن الولايات المتحدة تعمل كقوة موازنة خارج حدودها الإقليمية، وأن ما يُسمى بحلفائها في المناطق الهامشية يعملون كوكلاء إستراتيجيين لها لتشكيل رقابة وتوازن على الدول الكبرى في القارة الأوراسية".
وكان هذا هو الأساس الذي قام عليه حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتحالف سياتو في بداية الحرب الباردة، والآن تحالفات مثل كواد وأكوس في إطار الإستراتيجية الأميركية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع تعديلات مستمرة وفقا لتغير الإدارات الأميركية بين الديمقراطيين والجمهوريين.
في المقابل، "فإن الصين وروسيا وإيران، وعلى الرغم من تشكل علاقات ثلاثية واقعية بينها، فإنها لم تؤسس مثلثا كبيرا مستقرا كما وصفه بريجنسكي".
وأضاف: "بعبارة أوضح، فإن تحالف المثلث الثلاثي الذي تحدّث عنه بريجنسكي لا يوجد فعليا على أرض الواقع، والنظرية التي طرحها تصح فقط جزئيا".

تكاليف باهظة
ويفسر الموقع الصيني السبب حول عدم وجود تحالف ثلاثي حتى الآن، قائلا: "الصين، تاريخيا لم تعتمد على تحالفات لمواجهة الخصوم، لأن تكاليفها باهظة، لا سيما عندما تكون الإستراتيجيات الأساسية للدول الثلاث متناقضة".
فروسيا تركز على شرق أوروبا، وإيران على الشرق الأوسط، والصين على منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقدّر أنه “لو اتبعت استراتيجية التحالفات ضد الأعداء، فمن السهل أن تجد حليفين من الثلاثة منجرين إلى صراعات لا تهمهما بسبب الطرف الثالث”.
وهو ما يؤدي إلى "استنزاف قواهما في اتجاهات لا تخدم مصالحهما، بينما قد تجني أطراف ثالثة مكاسب سياسية".
علاوة على ذلك، يعتقد الموقع أن "المصالح الإستراتيجية بين الصين وروسيا وإيران ليست متطابقة، فهذه الدول الثلاث تُعد لاعبين في المشهد الجيوسياسي أو على الأقل ترى نفسها كذلك".
وبالتالي، تساءل قائلا: “لو حصل تحالف، فمن سيكون القائد؟ وهل سيرضى الطرفان الآخران باتباعه؟”
واستطرد: "هذا تحالف سيكون بطبيعته هشا وغير مستقر، لذا فإن نظرية المثلث الثلاثي التي طرحها بريجنسكي لا تجد لها ترجمة عملية في الواقع".
ويبدو أن الموقف الروسي يعبر عن نهج ثابته في تعاطيه مع إيران، فقد رفضت موسكو إبان توقيع اتفاقية الشراكة الشاملة بين البلدين أخيرا، إدراج بند يلزم أحد الطرفين لتقديم دعم عسكري مباشر للطرف الآخر.
وفيما يخص رؤية الصين لإيران من المنظور الاستراتيجي، قال: "أولا، علينا التمسك بالخطوط الحمراء، مع تجنب أن نصبح أداة في يد الآخرين".
وتابع: "الدول الثلاث في أوراسيا (الصين وروسيا وإيران) لكل منها اتجاهها الإستراتيجي الرئيس، ولكل منها رغبة واضحة في معالجة قضاياها بنفسها وتجنب تدخل الآخرين في مصالحها الإستراتيجية".
لذلك، عند التعامل مع قضايا تخص الجانبين الآخرين، يجب علينا أولا أن نحقق توازنا دقيقا بين ما هو مقبول وما هو مرفوض، بحيث نضمن أمننا الجيوسياسي واستقرار المشهد الأوراسي،
وفي الوقت نفسه نتجنب أن ينعكس تدخلنا أو استثمارنا سلبا علينا، وهذه مسألة تتطلب معالجة دقيقة، بحسب الموقع.

المصلحة الإستراتيجية
ثانيا، يرى أنه "يجب على بكين أن تنطلق دائما من المصالح الوطنية وليس من المشاعر أو التفضيلات الشخصية"، مضيفا: "هناك داخل إيران من لا يزال يحمل أوهاما تجاه الغرب".
كما "أن الدعاية الإعلامية جعلت الصورة الذهنية لإيران في بعض الأوساط غير إيجابية، وهو ما يدفع البعض للقول إن علينا أن نكتفي بمراقبة ما يجرى من بعيد".
واستدرك: "لكن هذا في الحقيقة يُعد استبدالا للمصلحة الوطنية بالمزاج الشخصي".
فحين تتعامل مع دولة ما يجب أن تنطلق من مصلحة بلدك، لا من كونك تحبها أو تكرهها، فالبلد الذي يخدم مصالحك تساعده، والذي يضر بها تقف ضده.
ويستشهد الموقع الصيني برئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل المعروف بعدائه الشديد للشيوعية، ومع ذلك قال ذات مرة: "لو اجتاح (الزعيم النازي أدولف) هتلر جهنم، فسأقف في مجلس العموم لأتحدث بإيجابية عن الشيطان".
وأوضح الموقع مقصده قائلا: "لا أحد كان يكره الاتحاد السوفيتي أكثر من تشرشل، لكنه كان مستعدا للتعاون معه لمواجهة التهديد الأكبر المتمثل في ألمانيا النازية".
وأكد أن "موقف هذا السياسي المخضرم حيال السوفييت يبعث على التفكير".
أما المنطلق الصيني الثالث تجاه إيران، فيتمثل في "ضرورة الاعتراف باستقلالية جميع الدول الأخرى".
وأضاف: "ففي الصراع الجيوسياسي، لا يصح أن نحسب الأمور بحسابات اقتصادية بحتة ونهمل الأبعاد السياسية".
وحذر من أنه إذا تجاهلنا مصالح جيوسياسية ليست من صلب مصالحنا الإستراتيجية تحت ذريعة "عدم الجدوى الاقتصادية"، فسنضطر مستقبلا إلى دفع أضعاف مضاعفة لحماية مصالحنا الأساسية.
"كذلك، عند التفاعل مع دول أخرى، علينا احترام استقلالية الطرف الآخر وعدم التعامل معه كأنه مجرد أداة، بل نسعى لتحقيق توازن في المكاسب بيننا وبينهم".
وإلا فإن "السعي إلى لعبة صفرية (ربح طرف وخسارة طرف آخر بالكامل) سيجعل أي طموح جيوسياسي لنا غير قابل للتحقق"، وفق الموقع.