عمليات القبض ما زالت مستمرة.. مصير جواسيس الموساد في إيران

"المواجهة الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل مرشحة للتصاعد"
ما يزال النظام الإيراني يعاني من انتشار الجواسيس على أراضي البلاد الشاسعة، بحسب إعلانات رسمية، وسط مخاطر من تنفيذهم هجمات قريبا بأوامر من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".
إذ تشير الوقائع إلى أن معركة طهران مع الجواسيس طويلة، والذين شكلوا العمود الفقري لإسرائيل خلال عدوان الـ 12 يوما حينما شنت هجمات على إيران بدء من 13 يونيو/ حزيران 2025.
وقد تخلل ذلك العدوان الإسرائيلي سلسلة عمليات تم اختراق من خلالها البنية الأمنية والنووية الإيرانية، حيث قُتل فيها قادة عسكريون بارزون وعلماء في مجال الطاقة النووية.
ويبدو أنه رغم إدراك إيران "للعبة الجواسيس" ومدى تأثيرها على المشهد الإيراني والصراع مع إسرائيل، إلا أن هؤلاء الجواسيس ما يزالون نشطين.
في أحدث عملية ضد هؤلاء، أعلنت دائرة العلاقات العامة لقوات الحرس الثوري الإيراني "فيلق الإمام رضا"، في محافظة خراسان رضوي، اعتقال ثمانية أشخاص بتهمة “الارتباط بالموساد”.
وأصدر الحرس الثوري، في 30 أغسطس/ آب 2025، بيانا أكد فيه أن المعتقلين "تلقوا تدريبات متخصصة عبر الإنترنت من عناصر تابعة للموساد"، وأنهم أرسلوا إحداثيات مراكز حساسة ومعلومات تخص شخصيات عسكرية بارزة، خلال العدوان الأخير.

عملاء الموساد
وأوضح بيان الحرس أن المعتقلين كانوا يخططون لتنفيذ عمليات تستهدف مسؤولين مدنيين وعسكريين، وتدمير مراكز حيوية في مدينة مشهد، لكنهم أُلقي القبض عليهم قبل تنفيذ أي عمليات ميدانية.
وبحسب الحرس الثوري، فقد تم العثور بحوزتهم على "كميات من المواد الأولية لصناعة المتفجرات ومنصات إطلاق".
ومنذ انتهاء العدوان الإسرائيلي، أعلنت إيران أنها ستجري محاكمات سريعة للمشتبه بتعاونهم مع إسرائيل.
وأعلنت السلطات منذ ذلك الحين عن اعتقالات بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، بالإضافة إلى إعدام عدد من الأشخاص المدانين بالتعاون مع الموساد.
وقد أعدمت في أغسطس 2025 روزبه فادي المُدان بالتجسس لصالح إسرائيل بتهمة نقل معلومات عن عالمين نوويين هما أحمد ذو الفقار وعبد الحميد مينوشهر قُتلا في الهجوم الإسرائيلي الأخير.
وبحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية فإن روزبه فادي، كان يعمل في معهد أبحاث العلوم والتكنولوجيا النووية، التابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وتعاون في إعداد بحث أكاديمي شارك فيه العالمان المذكوران.
كذلك أعلن القضاء الإيراني في 9 أغسطس 2025 اعتقال 20 شخصا بعد الحرب، واصفا إياهم بأنهم "عناصر تجسس وداعمين للموساد"، مؤكدا أن قضاياهم قيد النظر من دون تقديم تفاصيل عن هوياتهم أو أماكن احتجازهم.
كما أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية في 28 يوليو/ تموز 2025 "اعتقال 20 جاسوسا وعميلا عملياتيا وداعما للموساد (جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي) وعناصر مرتبطة بضباط استخبارات" إسرائيلية في عدد من محافظات البلاد بما في ذلك العاصمة طهران.
وكان رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني إيجائي، قال عبر التلفزيون الرسمي في نهاية يونيو/ حزيران 2025 "سيتم التعامل بشكل أسرع مع القضايا المتعلقة بالأمن، وبخاصة تلك المتعلقة بدعم النظام الغاصب (إسرائيل) وبالعمل كطابور خامس للعدو".
وبحسب تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية نشر في 31 أغسطس 2025 فإن هناك مخاوف من احتمال إعدام نحو 100 شخص في إيران بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.

صراع استخباراتي
وأمام ذلك، بدأت تطرح كثير من التساؤلات تتعلق بمدى اتخاذ إيران إجراءات جديدة وعملية لمنع الاختراقات من قبل الموساد عبر الجواسيس الذين باتوا متغلغلين في البلاد.
وضمن هذا السياق، قال الخبير في الشأن الإيراني الدكتور علاء السعيد، لـ"الاستقلال"، إن “التطورات الأخيرة تشير إلى أن نشاط خلايا الموساد داخل إيران ما زال مستمرا رغم إعلان الحرس الثوري القبض على عدد من عملائه”.
وأضاف أن "هذا يعكس حجم التحدي الأمني الكبير الذي تواجهه طهران فالأمر لم يعد يتعلق بحالات فردية بل أصبح مؤشرا على صراع استخباراتي مفتوح تديره إسرائيل داخل العمق الإيراني بعيدا عن الحروب التقليدية باستخدام أدوات متطورة تشمل التقنيات الرقمية والأقمار الصناعية والخلايا السرية".
وتابع: "تعمل إسرائيل على استغلال الثغرات الموجودة في المنظومة الأمنية الإيرانية بالإضافة إلى توظيف التوترات العرقية والأزمات الاقتصادية لصالحها كما أن ضعف التنسيق بين الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات منحها مساحة أكبر للتحرك حيث تعتمد على شبكات معقدة تتحرك بسرية تامة وتنفذ مهامها عبر وسائل اتصال مشفرة مما يجعل رصدها أو إحباط عملياتها أكثر صعوبة".
وأشار السعيد إلى أن "استمرار نشاط الموساد في إيران عقب الحرب الأخيرة يعني أن إسرائيل نجحت في اختراق العمق الإيراني وحولت أراضيه إلى مساحة مفتوحة لعملياتها بفضل الثغرات الأمنية وتعقيد منظومة اتخاذ القرار هناك".
ثانيا وفق السعيد "يظهر أن السلطات الإيرانية تركز بشكل كبير على مواجهة المعارضة الداخلية والسيطرة على الاحتجاجات الشعبية أكثر من اهتمامها بمواجهة التهديدات الخارجية وهو ما يستهلك جزءا كبيرا من مواردها وقدراتها الأمنية".
وراح يقول الأكاديمي الإيراني "في المقابل يستفيد الموساد من هذه الظروف إلى أقصى حد حيث يركز على تجنيد أفراد من الأقليات العرقية المهمشة ويستغل حالة انعدام الثقة بين الأجهزة الأمنية الإيرانية ليحقق أفضلية تكتيكية تمكنه من تنفيذ عمليات دقيقة تتراوح بين جمع معلومات حساسة وزرع الشكوك داخل مراكز صنع القرار".
وذهب السعيد للقول "مع استمرار هذا المشهد المعقد تبدو المواجهة الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل مرشحة للتصاعد ليس فقط على مستوى حجم العمليات بل أيضا في عمق تأثيرها على القرار السياسي والأمني في المنطقة ككل".

"فشل أمني"
وسبق أن أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي الليفتنانت-جنرال إيال زامير، في يونيو 2025 أن "وحدات كوماندوس برية" عملت في إيران خلال الحرب. وأضاف زامير أن "قواتنا عملت سرا في عمق أراضي العدو".
وهذا يتقاطع مع ما ذكرت صحيفة" نيويورك تايمز" الأميركية لاحقا في تقرير لها نشر في نهاية أغسطس 2025 من أن إسرائيل تمكنت من تحديد أماكن مسؤولين كبار في النظام الإيراني، عبر اختراق وتعقب هواتف الحراس الشخصيين والسائقين المرافقين لهم، ما أتاح استهدافهم خلال الحرب التي استمرت 12 يوما بين البلدين.
ومن بين ذلك، الهجوم الذي وقع في 16 يونيو 2025، على مكان انعقاد اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران، والذي أدى إلى مقتل عدد من هؤلاء الحراس.
وذكرت الصحيفة الأميركية، نقلا عن خمسة مسؤولين إيرانيين كبار، بينهم عنصران في الحرس الثوري، إضافة إلى تسعة مسؤولين عسكريين وأمنيين إسرائيليين "إن الاستخدام المتهوّر للهواتف المحمولة من قِبل الحراس، بما في ذلك نشرهم على شبكات التواصل الاجتماعي، لعب دورًا محوريًا في تعقب قادة البرنامج النووي الإيراني والقيادات العسكرية في الأسبوع الأول من الحرب".
ومواجهة إيران الأخيرة مع إسرائيل أحدثت تأثيرات كبيرة على هيكلة المؤسسات العليا الأمنية لطهران، الأمر الذي استدعى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحماية بنية النظام الحاكم الذي تآكلت قيادته.
وفي خطوة نحو ذلك، أعلنت وكالة أنباء "فارس"، التابعة للحرس الثوري، استكمال التغييرات البنيوية في "المجلس الأعلى للأمن القومي" وتشكيل هيئة جديدة تُدعى "مجلس الدفاع الوطني".
وذكرت الوكالة، مطلع أغسطس/ آب 2025 نقلا عن مصادر مطلعة، قولها: إن المجلس الجديد جرى تأسيسه "بمهمات إستراتيجية في مجال السياسات الدفاعية للبلاد"، وأن هيكليته “ستُستكمل قريبا”.
وأشارت إلى أنه يُعد جزءا من "الترتيب الجديد في الحوكمة بمجالي الدفاع والأمن".
كذلك كثفت الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية في إيران تصريحاتها بشأن الاعتقالات، وتشكيل الملفات، وإصدار لوائح الاتهام، وتنفيذ أحكام بحق بعض المعتقلين، مؤكدة "البت السريع في قضاياهم".
وقد أعلن مدعي عام طهران، علي صالحي، 27 أغسطس 2025، أن 110 قضايا من أصل 120 قضية مرتبطة بالحرب الأخيرة.
كما أفاد رئيس السلطة القضائية في أصفهان، أسد الله جعفري، في 25 أغسطس 2025 ، بأن أكثر من 75 في المئة من قضايا "التجسس لصالح إسرائيل" خلال الحرب التي استمرت 12 يوما وصلت إلى مرحلة لوائح الاتهام، وبعضها أسفر عن أحكام سيتم تنفيذها "بسرعة وخارج الدور".
وبحسب قناة "إيران إنترناشونال" المعارضة، فإن هذا التسارع في إصدار وتنفيذ الأحكام ضد المعتقلين يظهر "سعي النظام لاستخدام عقوبات صارمة، بما في ذلك الإعدام، لقمع المعارضين، في ظل غياب أي ضمانات لمحاكمات عادلة، خاصة في القضايا التي تتضمن تعذيبا".
وتضيف القناة أنه عقب الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، أعلنت السلطات الإيرانية اعتقالات واسعة النطاق، شملت تصنيف 20 شخصا كـ "عناصر تابعة للموساد"، واعتقال 21 ألف شخص "بناءً على تقارير شعبية"، وما لا يقل عن ألفي شخص آخرين في مدن مختلفة.
وهذا ما يشير إليه طاهر أبو نضال الأحوازي عضو المكتب السياسي "للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية" المناهضة للنظام الإيراني بقوله لـ "الاستقلال": إن "ما يحدث في عموم جغرافيا إيران السياسية يشير إلى فشل النظام الإيراني في كل المجالات، خاصة الأمنية منها".
ولفت الأحوازي إلى أن "ما يدعيه النظام الإيراني بشأن الاعتقالات في عموم إيران هو دليل على عدم رضا الشعوب الإيرانية الفارسي منها وغير الفارسي ولهذا يرمي النظام فشله على عاتق الآخرين في محاولة لاستغلال هذا الفشل الأمني في محاولة تصفية المعارضة وزيادة القمع والترهيب ضد المعارضين له ولسياساته".