تكهنات بسحب مشروع قانون "الحشد الشعبي".. ما الذي أجبر العراق على التراجع؟

منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بعد أشهر من التجاذبات السياسية بين قوى الإطار التنسيقي وبعض الفصائل المسلحة الشيعية، تتزايد التسريبات العراقية عن التوصل إلى اتفاق يقضي بسحب مشروع قانون “الحشد الشعبي” من مجلس النواب وترحيله إلى دورة تشريعية لاحقة.

وجاءت هذه الخطوة بعد الحديث في أوقات سابقة عن إدراج هذا القانون في جدول أعمال البرلمان في إطار سعي العديد من السياسيين العراقيين إلى دمج المليشيات الموالية لإيران بشكل أوسع ضمن الهياكل الرسمية للحكومة، في محاولة للحدّ من نفوذها وتجنب ضربات أميركية إسرائيلية.

وأكّد موقع "دويتشه فيله" الألماني أن التوجه (السابق) نحو إقرار القانون يثير مخاوف داخلية ودولية؛ حيث يرى منتقدون محليون، إلى جانب الإدارة الأميركية أن هذه الخطوة قد تؤدّي إلى تعزيز نفوذ تلك الجماعات المسلحة بدلا من تقليصه.

تحديث القانون 

وتأسست قوات الحشد الشعبي عام 2014، عقب دعوة أطلقها عدد من القيادات الدينية لحشد الرجال القادرين على القتال، وغالبيتهم من الطائفة الشيعية، لمواجهة تنظيم الدولة الإرهابي، ومنذ ذلك الحين تحول هذا الفصيل إلى قوة مؤثرة داخل النظام العراقي.

وبحسب الموقع الألماني، تعمل بعض هذه الفصائل تحت إشراف الدولة، لكن عددا منها يتحرك بشكل مستقل، ويظهر ولاء مباشرا للقيادة الدينية والعسكرية في إيران التي توفر لهم التمويل والدعم اللوجستي والغطاء العقائدي.

يثير هذا الارتباط قلقا واسعا داخل الأوساط العراقية؛ حيث يرى كثيرون أن هذه الفصائل تقدم المصالح الإيرانية على حساب المصلحة الوطنية.

ومشروع القانون الجديد يسعى لتحديث قانون صدر عام 2016، كان يتضمن تعريفا محدودا للحشد الشعبي ووضعه القانوني.

وكان يفترض أن يمهد القانون القديم لدمج هذه المليشيات ضمن القوات المسلحة النظامية، إلا أن العديد من العقبات حالت دون التطبيق العملي لهذه العملية.

علاوة على ذلك، أوضح الموقع أنّ "الولايات المتحدة تشارك العراقيين هذا القلق، خاصة أن لديها أكثر من 2000 جندي متمركزين في البلاد في وقت تُتهم بعض فصائل الحشد بالضلوع في هجمات استهدفت قواعد أميركية داخل العراق والأردن".

لكن الولايات المتحدة بدأت منذ 18 أغسطس/آب 2025 سحب قواتها العاملة ضمن قوات التحالف الدولي باتجاه أربيل، وجزء منها للكويت، وآخر نحو قاعدة التنف في الأراضي السورية، ما أثار مخاوف بالعراق عن إمكانية توجيه ضربات إسرائيلية للفصائل.

وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2024 توصلت واشنطن وبغداد إلى تفاهم بشأن خطة لانسحاب قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق.

ونص التفاهم على خروج المئات من الجنود بحلول 25 سبتمبر/أيلول 2025 على أن تنسحب البقية بعدها بعام كامل من عموم البلاد. 

وأعاد الانسحاب التدريجي للأميركيين إلى الواجهة الجدل العراقي الداخلي حول نزع سلاح الفصائل، في ظل سعي المعسكر السياسي للأخيرة الذي يعمل بدعم إيراني، إلى سنّ قوانين تُضفي الشرعية على وجودها.

مخاوف الدمج

وعن مخاوف انخراط المليشيات بالدولة، كتب علي المولوي، مدير شركة "هورايزون" الاستشارية في لندن: "أصبحت الشكوك المتعلقة بالتسلسل القيادي والرقابة على الميزانية والدمج في إطار منظومة الأمن القومي، مصادر توتر مستمر بين الحشد الشعبي وبعض الأوساط السياسية والأمنية". 

وأضاف في تحليل لمركز "ستيمسون" بواشنطن: "يهدف مشروع القانون الجديد إلى سدّ هذه الثغرات من خلال وضع معايير أوضح لدور قوات الحشد الشعبي في الدولة العراقية".

وذكر الموقع الألماني أن "مشروع القانون يتضمن إنشاء أكاديمية عسكرية خاصة بالحشد الشعبي، وتوسيع صلاحيات رئيس هيئته بما يسمح له بقيادة عمليات ميدانية من دون الرجوع المسبق إلى السلطات الأخرى".

كما يمنح المشروع شرعية إضافية لشركة "المهندس العامة للمقاولات والإنشاءات الميكانيكية والزراعية والصناعية".

وهي شركة تأسست عام 2023، وتُتهم من قبل منتقديها بالاستيلاء على أراضٍ عامة والاستفادة من امتيازات خاصة في العقود الحكومية.

كما يرى منتقدو مشروع قانون الحشد الشعبي الجديد أن ثمة أوجه تشابه بين هذه المليشيا والحرس الثوري الإيراني. يقول الموقع.

ويتابع: "فمنذ تأسيسها عام 1979 إبان الثورة الإسلامية، تعاظمت قوة الحرس الثوري حتى باتت تعمل عمليا خارج إطار الجيش الإيراني الرسمي".

من هذا المنطلق، يحذر الخبير في الشأن العراقي بمعهد واشنطن، مايكل نايتس، من أن إقرار القانون سيحول الحشد الشعبي -الذي نشأ أصلا كوحدة قتالية مؤقتة- إلى "قوة موازية تستطيع التحرك وفق إرادتها".

وأضاف أن الحشد قد يتحول إلى "مؤسسة شبه وزارية كاملة الصلاحيات، يصعب إصلاحها لاحقا أو حلها بالكامل".

وعلى الصعيد الدولي، ذكر أن الولايات المتحدة "تتخذ موقفا رافضا بشدة لمشروع القانون"، فقد أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن "جماعات إرهابية مسلحة تهدّد سيادة العراق قد تصبح جزءا من الجيش الرسمي للبلاد".

كما سبق أن صرحت مطلع أغسطس/ آب 2025 أنها تقف مع سيادة العراق الفعلية، لا مع قوانين تجعله تابعا لإيران.

ويرى الموقع أن "هذه التصريحات تفسر الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على السياسيين العراقيين لعدم تمرير القانون"؛ إذ تلوح واشنطن بفرض عقوبات مالية أو تعليق التعاون الأمني في حال إقراره، كما تطالب بنزع سلاح الحشد الشعبي بالكامل.

غير واقعية 

في المقابل، أشار الموقع إلى أن "عددا من السياسيين العراقيين، من بينهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يرون أن القانون يمثل خطوة نحو ضبط الحشد الشعبي وإخضاعه للمؤسسات الرسمية".

ويرى الباحث علي المولوي، في دراسته الصادرة عن "مركز ستيمسون"، أن "الدعوات لحل الحشد أو نزع سلاحه بالكامل غير واقعية"، محذرا من "أن مثل هذه الخطوات قد تؤجج التوترات الطائفية".

واستطرد: "الحشد الشعبي ليس كتلة واحدة تمثل المصالح الإيرانية كما تصوره الولايات المتحدة، بل مجموعات متنوعة متجذرة في المجتمع العراقي، ولا يعمل بشكل منفصل تماما عن التسلسل القيادي الحكومي".

ومع ذلك، يقر المولوي أن "التنظيم يعاني من تدهور داخلي ورفض متزايد من الرأي العام". وأضاف: "ما لم يتم ضبطه، فهناك خطر من أن يظل الحشد قوة منقسمة ومسيسة يسهل التلاعب بها من قِبل أطراف خارجية".

لذلك، يعتقد المولوي أن "الإصلاحات، وإن لم تكن ضرورية من الناحية القانونية، فإنها تظل ذات جدوى سياسية".

في هذا السياق، يقترح أن "تعمل قوات الحشد على تقليص طابعها السياسي، والابتعاد عن النفوذ الإيراني، وتعزيز الشفافية المالية، والتركيز على هدفها الأساسي، ألا وهو حماية العراق من الإرهاب".

ورغم أن السوداني يواجه اتهامات بالتقارب المفرط مع طهران، يرى بعض المحللين أن حظوظه بتقليص نفوذ إيران في العراق قد تكون أكبر من أسلافه.

وبحسب تقرير نشره "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في مايو/ أيار 2025، فإن ضعف بقية أطراف "محور المقاومة" (بعد عملية طوفان الأقصى) قد يزيد من فرص نجاح السوداني في هذا المسار؛ إذ تسعى قوات الحشد الشعبي لتجنب مصير حزب الله في لبنان “بأي ثمن”.

وأردف المجلس: "ورغم أنها أبدت قدرا أكبر من التعاون بفعل ما جرى لبقية أطراف المحور، فمن  غير المرجح أن تتخلى فصائل الحشد الشعبي عن صلاحياتها لصالح الدولة، حتى في حال إنشاء هياكل حكومية جديدة".

وشدد على أن "أي إصلاح يجب أن يبعث برسالة واضحة إلى الحلفاء المحليين لإيران، مفادها أنهم ليسوا مهددين وجوديا، وأن هناك مكانا لهم في النظام السياسي الجديد الذي قد يتشكل".

بدوره، يقدر ريناد منصور، مدير مشروع "مبادرة العراق" في مركز تشاثام هاوس البريطاني، أن "نجاح عملية الدمج قد يتيح للعراق فرصة للتحرر أخيرا من النفوذ الإيراني الذي امتد لعشرين عاما على سياساته".

وفي ظل هذا الجدل، أفاد الموقع الألماني بأن اتخاذ القرار بشأن القانون أُجل إلى أجل غير مسمى. فرغم تقديم الصيغة النهائية للمشروع إلى البرلمان العراقي، وضغط عدد من السياسيين المؤيدين له من أجل تمريره في أقرب وقت؛ فإن الأمور اتخذت منحى آخر.

وصرّح المتحدث باسم البرلمان العراقي محمود المشهداني، بأن القانون لن يشهد تقدما في الوقت القريب. وأكد أن "التهديدات الأميركية يجب أن تؤخذ على محمل الجد"، وأن "المشروع ليس عاجلا ويمكن إعادة النظر فيه لاحقا".