"الخيارات العسكرية وصلت حدها الأقصى".. معهد عبري يدعو لإنهاء حرب غزة

"إنهاء الحرب شرط لتوسيع اتفاقيات أبراهام وإقامة تحالف إقليمي مع دول عربية"
"على إسرائيل استغلال التحول الجذري الذي طرأ على المنطقة عقب جولة القتال مع إيران، وإظهار شجاعة سياسية -لا عسكرية فحسب- والذهاب إلى مسار مسؤول لإنهاء الحرب في غزة".
خلاصة ذهب إليها مقال نشره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، للعميد احتياط في جيش الاحتلال أودي ديكال، لإنهاء العدوان المستمر على غزة منذ 22 شهرا قائلا: إن الخيارات العسكرية "وصلت حدها الأقصى".
وقد شغل "ديكال" العديد من المناصب المهمة في جيش الاحتلال؛ حيث رأس قسم التخطيط الإستراتيجي في القيادة العامة فيه.
وقبل ذلك كان رئيسا لشعبة العلاقات الخارجية وقائدا لوحدة الاتصال بالأجانب في جناح العمليات، ورئيسا لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات بالقوات الجوية، كما ترأس فريق التفاوض مع الجانب الفلسطيني، حينما كان إيهود أولمرت رئيسا للوزراء، خلال "مؤتمر أنابوليس" 2007-2008.
وقال ديكال الذي أدار معهد دراسات الأمن القومي لمدة عشر سنوات: "في ضوء التحول الجذري في ميزان القوى في المنطقة عقب المواجهة بين إسرائيل وإيران، برزت فرصة سانحة لإغلاق دائرة الحرب في قطاع غزة، وبالأساس لاستعادة الرهائن".
وأوضح المسؤول الإسرائيلي السابق أن ما يقصده بـ "التحول الجذري" يتمثل فيما حدث من "استعادة الردع الإسرائيلي؛ والرغبة العلنية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في إنهاء الحرب".
وأيضا "في ظل تراجع محور المقاومة؛ وضعف حركة (المقاومة الإسلامية) حماس وعزلتها، واعتمادها على رحمات الدول الوسيطة؛ واستعداد الدول العربية للانخراط والمساعدة في استقرار غزة دون سيطرة الحركة"، وفق تقديره.
وأشار إلى أن "إنهاء الحرب شرط لتوسيع اتفاقيات أبراهام وإقامة تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة الدول العربية المعتدلة وإسرائيل".

استنفاد الحلول العسكرية
لذلك، أكد على أهمية إنهاء الحرب، ويرى أن إسرائيل استنفدت معظم الإنجازات العسكرية الممكنة ومن الآن فصاعدا، فإن استمرار القتال يعني "ركودا" وغرقا في مستنقع غزة، مما سيترتب عليه تكاليف بشرية باهظة دون فائدة أمنية ملموسة، وقد يؤدي حتى إلى احتلال كامل للقطاع.
وذكر ديكال أن القوة العسكرية لحماس فُككت في ساحة المعركة، فقد فقدت معظم قوتها، وقُضي على أغلب قياداتها، ودُمرت بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، وباتت قدراتها تقتصر على أعمال متفرقة وحرب عصابات. وفق زعمه.
أما بالنسبة للأسرى الإسرائيليين في غزة (نحو 57 بين أحياء وجثث)، فقال إنه "جرح غائر في قلب الشعب الإسرائيلي"، وفق وصفه، مضيفا: "لم يتغير شيء خلال الشهرين الماضيين منذ بدء عملية عربات جدعون".
و"عربات جدعون" هي خطة عملية إسرائيلية أقرها المجلس الوزاري الأمني في مايو/أيار 2025، تهدف إلى حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة عبر احتلاله وتهجير سكانه عبر تعميق المجاعة.
وعلى هذا، قال ديكال: "لذلك، من الأفضل لإسرائيل أن تستغل إنجازاتها العسكرية، سواء في القطاع أو ضد إيران تحديدا، كرافعة لتحرك سياسي يُفضي سريعا إلى إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب".
ويعتقد العميد الإسرائيلي أن "البنية التحتية لمثل هذه الخطوة السياسية موجودة بالفعل، في شكل الخطة المصرية المطروحة على جدول الأعمال، والتي نالت دعم الدول العربية والإسلامية".
ونوَّه على أن المقترح المصري يتضمن شروطا لإنهاء الحرب في غزة بشكل كامل وانسحاب إسرائيلي تدريجي منها، مقابل إعادة الأسرى الإسرائيليين وإنشاء ترتيبات حكم جديدة تضمن عدم سيطرة حماس على القطاع، بالإضافة إلى إعادة تأهيله اقتصاديا ومدنيا.
وتابع: "في الوقت نفسه، يجب على إسرائيل استغلال التغير الدراماتيكي في المشهد الإستراتيجي الإقليمي عقب جولة القتال مع إيران، فقد فقدت حماس راعيها الإيراني، وضعُف محور المقاومة بشكل ملحوظ".
وأكد أن حماس فقدت مكانتها كعضو رئيس في المحور الذي تقوده إيران، وأصبحت منظمة محاصرة تعتمد على رحمة الآخرين، كما جفت قنوات تحويل الأموال وتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وفق تقديره.
وأشار إلى ظهور تحالف أمني وسياسي قوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يصعُب على دولة قطر تقويضه.
ورغم خشية القاهرة والرياض وأبوظبي وعمان والدوحة من الهيمنة الإسرائيلية، فإنها مستعدة للمساهمة في إنهاء الحرب، واقتراح وتنفيذ آلية نزع السلاح في القطاع.
وفي الوقت نفسه، أصبح الجمهور في غزة متعبا من الحرب وأفعال حماس، ولم يعد يخشى الأجهزة الأمنية الداخلية للحركة، ووحدة "سهم "التابعة لها (تلاحق العملاء والمتخابرين مع إسرائيل)، بحسب ديكال.
ووفقا له، فإن حماس تواجه مفترق طرق بين الاستمرار في المقاومة والكفاح المسلح، الذي يعرض وجودها للخطر، أو التخلي عن السلطة وتسليم الأسلحة تدريجيا، ما يضمن بقاء الحركة ويسمح بإعادة إعمار القطاع.
في هذا السياق، صرح القيادي في حماس، سامي أبو زهري، بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، أن الحركة مستعدة لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين ضمن صفقة شاملة واحدة، شريطة تأمين ضمانات دولية حقيقية لوقف شامل لإطلاق النار.
وأوضح أن حماس لا تربط إطلاق الأسرى باتفاق سياسي طويل الأمد أو بتحقيق أهداف إستراتيجية، بل تعد هذه الخطوة بادرة إنسانية يمكن تنفيذها فور توقف الضربات الإسرائيلية فورا ورفع التهديد المستمر لأرواح المدنيين في القطاع.

آليات إنهاء الحرب
وفي خطة وتفاصيل رفضت حماس مثيلاتها سابقا، طرح المسؤول الإسرائيلي السابق مقترحا لمراحل إنهاء حرب غزة، كالتالي:
- التزام إسرائيل بإنهاء الحرب بضمانة أميركية مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء دفعة واحدة.
- السماح لقيادة حماس -العسكرية والمدنية- بالمغادرة إلى دولة ثالثة مع وعد بعدم الإضرار بها.
- إنشاء إدارة تكنوقراطية لحكم القطاع بدلا من حماس، وذلك بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبمساعدة ودعم من الدول العربية المعتدلة.
- عدم سحب إسرائيل قواتها من القطاع إلا بعد إبعاد حماس عن السلطة وإقامة حاجز مادي فعال لمنع التهريب من سيناء إلى غزة.
- بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، تُنشر قوة شرطة محلية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية في القطاع، إلى جانب قوة مهام عربية متعددة الجنسيات للمساعدة في استقرار المنطقة، واستعادة النظام العام، وتأمين وتوزيع المساعدات الإنسانية على السكان.
- ربط تنفيذ خطة إعادة إعمار القطاع المصرية بإنشاء آلية نزع تسليح فعالة، عبر قوة عربية متعددة الجنسيات تشرف على مراقبة وتطبيق نزع السلاح.
وشدد ديكال على أن "نجاح إنهاء الحرب وتنظيم الوضع في قطاع غزة، سيتوقف على استيفاء عدة شروط متراكمة: مشاركة أميركية ومصرية فاعلة، واستبعاد التدخل القطري في قنوات الوساطة".
"هذا فضلا عن الحفاظ على حرية العمل العسكري لإسرائيل وحقها في تطبيق إجراءات لإحباط التهديدات ومنع تجدد البنية التحتية لحماس"، وفق قوله.
وأيضا "نشر قوة مهام عربية متعددة الجنسيات قوية وفعّالة لتفكيك ترسانة حماس ومنع إعادة تسليحها؛ والإشراف على المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار لمنع وصول مواد مخصصة للبنية التحتية المدنية إلى أيدي الحركة".
وفي ضوء هذه المعطيات، يؤكد ديكال على أن الوقت حان لطرح معادلة جديدة لبقاء حماس، تعتمد على تحويلها من ذراع عسكري ضمن محور المقاومة إلى حركة دينية ذات جذور شعبية، تركز على هويتها الاجتماعية والسياسية بدلا من الصراع المسلح.
وقال: "بعبارة أخرى، يجب إقناع قادة حماس، خاصةً أولئك الموجودين في قطر، بأن سبيل الحفاظ على المنظمة وضمان بقائها لا يكمن في استمرار الحرب، بل في تسليم الأسرى والسلطة والسلاح".
وأضاف: "لتحقيق هذا الهدف، يمكن للدول العربية السنية أن تقدم لحماس حوافز، تشمل ضماناتٍ لنفي قادتها وعناصرها من القطاع بأمان؛ وتوفير حلول توظيفية في غزة لأعضائها من الرتب المتوسطة والدنيا الذين يُسلمون أسلحتهم".
وكذلك "السماح لهم بممارسة نشاط سياسي واجتماعي محلي، شريطة أن يُوضع حدٌّ فوريٌّ للتحريض على الكراهية والإرهاب والعنف".
وأكد ديكال على أن "استمرار الحرب يعني تواصل نزيف إسرائيل في غزة دون هدف واضح، إلى جانب التمرغ في مستنقع يُضعف الجيش الإسرائيلي والصمود الوطني، ويُفاقم الأزمة الإنسانية والفوضى في القطاع".
"كما أنه يُعيق فرصة استغلال مكاسب إسرائيل في المواجهة ضد إيران لتوسيع اتفاقيات أبراهام وتشكيل تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة الدول العربية المعتدلة وإسرائيل".
وختم مقاله قائلا: "باختصار، إن عدم اغتنام فرصة إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن هو أسوأ خيار مُمكن، لذا، فإن إغلاق هذه الدائرة بات ضرورة ملحة".