الحرب الرقمية بين طهران وتل أبيب.. كيف هددت الأمن العالمي؟

التحدي الأساسي يكمن في قدرة الشركات على الصمود والرد السريع
في خضم حرب إيران وإسرائيل (13 - 24 يونيو/حزيران)، برز البعد السيبراني بشكل كبيرة بعد أن تصاعدت الهجمات الإلكترونية لتشكل تهديدا خطيرا يتجاوز المواجهات العسكرية التقليدية.
ورأى موقع "أتلانتيكو" الفرنسي أنه كان يتخوف تأثير مثل هذه الهجمات وامتدادها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا الإطار، يشير الموقع إلى أن القوة السيبرانية باتت تلعب دورا أكبر من القوة العسكرية التقليدية في النزاع، مع تحذيرات من تعرض أنظمة حيوية وشركات كبرى لهجمات قد تسبب اضطرابات واسعة.
ويؤكد أن "الحروب المستقبلية ستكون محورية في المجال الرقمي والمعلوماتي، ما يحدد المنتصرين في النزاعات القادمة".

حرب مؤثرة
ومنذ بدء إطلاق الصواريخ في 13 يونيو 2025، دارت مواجهة سرية بين إسرائيل وإيران في المجال السيبراني، وهو أمر أكدت عليه عدة مصادر.
إذ كشفت شركة "رادوير" الأميركية للأمن السيبراني عن زيادة بنسبة 700 بالمئة في الهجمات السيبرانية الإيرانية على أهداف إسرائيلية منذ الضربة الأولى على طهران.
في المقابل، شنت إسرائيل هجمات مماثلة استهدفت بنوكا إيرانية مملوكة للحرس الثوري بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي من خلال تعطيل نظم الدفع، وكانت هذه العمليات معدة مسبقا وتتطلب تخطيطا دقيقا، وفق قول الموقع.
ومن ناحية أخرى، يضيف أن "الإيرانيين يركزون أيضا على استهداف البنى التحتية الخفيفة عبر حملات معلومات مضللة، مثل نشر رسائل كاذبة تهدف إلى تقليل ثقة الإسرائيليين بالملاجئ من هجمات الصواريخ".
وهو أسلوب إيراني تقليدي يشكل حرب معلومات تهدف للتأثير النفسي عبر الأخبار المزيفة.
ومن جهة أخرى، تحدث الموقع عن وجود احتمال (قبل أن تنتهي الحرب باتفاق بين الطرفين) بامتداد الصراع السيبراني إلى الولايات المتحدة، التي ضربت منشآت نووية إيرانية، وأصدرت تحذيرات لشركات كبرى لتعزيز أمنها السيبراني تحسبا لهجمات عبر برامج فدية خبيثة.
علاوة على ذلك، كانت هناك شكوك حول عمل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي؛ إذ ظهرت مشكلات في اعتراض الصواريخ قد تكون ناجمة عن تشويش إلكتروني إيراني، مع احتمال تلاعب معلوماتي.
وفي هذا الصدد، يبرز الموقع أن "القوة السيبرانية بدأت تتفوق على نظيرتها الباليستية، حيث تسبق الهجمات الإلكترونية الضربات العسكرية وتتسبب بأضرار كبيرة".
ويؤكد أن "إيران وإسرائيل تمتلكان خبرات عالية في القرصنة، مع جامعات متقدمة في كلا البلدين".
ورغم موقفها الحذر، ينوه الموقع أن "فرنسا (كان يمكن أن) تصبح هدفا غير مباشر لهجمات إيرانية تستهدف سلاسل التوريد أو شركات مرتبطة بالتكنولوجيا الأميركية، مما قد يؤدي لفوضى لوجستية في الطاقة والتجارة".
وأردف: "باختصار، الصراع لم يعد مقتصرا على الصواريخ، بل يشمل حربا رقمية متقدمة تتحكم في المعلومات والعمليات السيبرانية والدعاية النفسية".

حجم التأثر
وفي هذا الإطار، يقول الموقع: إنه "من الطبيعي أن حجم وطبيعة الهجمات السيبرانية الإيرانية المحتملة على المؤسسات الأميركية (كانت) ستتأثر بشكل كبير برد فعل الولايات المتحدة على الصراع العسكري الأوسع".
فشركات مثل "جوجل" و"أمازون" و"مايكروسوفت" تخزن وتعالج كميات هائلة من البيانات.
وأضاف: "ولذلك، إذا نفذت إيران هجمات واسعة النطاق أُعدت مسبقا في حالة اندلاع الصراع، بتقدير الولايات المتحدة العدو الرئيس أو الشيطان الأكبر، فمن المرجح أن تتعرض هذه الشركات لهجمات".
"وفي حال تأثرت هذه الشركات، فإن العواقب ستنال العالم بأسره، بما في ذلك المواطنون الأوروبيون، لأن الدول الغربية تعتمد كثيرا على القدرات الأميركية في تخزين ومعالجة البيانات".
وحتى الآن، يوضح الموقع أن "النشاطات السيبرانية الإيرانية تبدو محدودة إلى حد ما، ربما لأن طهران تركز أغلب مواردها على الحرب المادية في الوقت الحالي".
وفي الصراعات العسكرية التقليدية، تستخدم الهجمات السيبرانية غالبا لإثارة الخوف والارتباك بين المدنيين.
أما العمليات الأكثر تدميرا، مثل استهداف البنى التحتية، فتظهر عادة قبل الضربات أو المعارك الكبرى، كما حدث قبل الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وهذا ربما يفسر -حسب الموقع- تركيز إيران على التضليل الإعلامي والهجمات "صغيرة النطاق"، حيث الهدف الأساسي هو "الترهيب عبر الأخبار الكاذبة".

تهديد كارثي
وفي هذا السياق، يبرز أن "التحدي الأساسي يكمن في قدرة الشركات على الصمود والرد السريع على الهجمات السيبرانية العدوانية".
ولذلك، تعمل الشركات من خلال المعايير والإجراءات المتبعة على بناء سلسلة قيادة وأمن متكاملة تبدأ من الموردين الصغار وصولا إلى الشركات الكبرى، بهدف "ضمان استمرارية الأعمال عند وقوع هجمات سيبرانية كبيرة".
وهنا، يوضح الموقع أن إجراءات مثل "NIS2" تلعب دورا مهما في رفع مستوى الأمن السيبراني داخل الاتحاد الأوروبي، شاملة الشركات وسلسلة التوريد كاملة، لضمان حماية حتى أضعف حلقات هذه السلسلة.
وNIS2 (أمن الشبكات والمعلومات)، تشريع أقره الاتحاد الأوروبي في عام 2023، وهو عبارة عن مراجعة لتوجيه الأمن السيبراني لعام 2016.
ويهدف إلى تشديد الأمن السيبراني لقطاعات الطاقة والخدمات المصرفية والرعاية الصحية الحيوية.
كما يوسع نطاقه ليشمل إدارة النفايات والخدمات البريدية وصانعي المنتجات الأساسية، وهو ما من شأنه أن يعزز الدفاع الجماعي لأوروبا ضد الهجمات السيبرانية.
"ورغم ذلك، لم يستثمر العديد من الشركات بما يكفي في حماية نظمها المعلوماتية، مما يجعلها غير جاهزة لحماية بياناتها الحيوية التي تمثل جوهر نشاطها واستمراريتها"، وفق التقرير الفرنسي.
ومن المعروف أن "معظم الشركات التي تتعرض لهجوم سيبراني تُغلق خلال عامين بعد الحادث".
فتعطيل النشاط أو وسائل الدفع والتحويلات أو سلسلة التوريد يهدد "استمرارية العمل ويتسبب في اضطرابات اقتصادية كبيرة".
و"قد تستخدم إيران هذا التكتيك عبر زرع قنابل فيروسية في أنظمة استولت عليها قبل الصراع الحالي، مما قد يجبر شركات على إبطاء أو إيقاف أنشطتها، وهو سيناريو كارثي محتمل".
على الجانب الآخر، ينوه الموقع إلى أن هناك هياكل متقدمة عالميا في مواجهة هذه التهديدات، مثل الوحدة "8200" الإسرائيلية المتخصصة في الهجمات السيبرانية، والتي ابتكرت فيروس "Stuxnet".
وهذا الفيروس الأخير أبطأ البرنامج النووي الإيراني، رغم انتشاره الواسع لاحقا، وفق الموقع.
أما الإيرانيون، فيوضح أنهم "يتمتعون بعقلية هجومية أكثر انفتاحا مقارنة بدول مثل فرنسا، التي تتصرف فقط بعد وقوع هجمات مؤكدة".
ولفت إلى أن "الإيرانيين يطورون قدراتهم بشكل مستقل، معتمدين على مبدأ أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، مما يمنحهم كفاءة عالية رغم نقص الموارد، بينما يتحمل المدنيون العبء الأكبر من تبعات الصراع".