تصاعد عمليات الإعدام في إيران بعد الحرب.. جواسيس لإسرائيل أم معارضون للنظام؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران والسلطات الإيرانية تقوم باعتقال المئات من الأشخاص وتنفيذ الإعدامات بحق بعض الأشخاص بتهم التجسس لصالح إسرائيل.

ومع الإقرار بوجود العديد من العملاء الإسرائيليين داخل إيران، إلا أن موقع "دويتش فيله" الألماني يشكك في عمليات الاعتقال والإعدام هذه، إذ يدعي أن النظام الإيراني يستخدم حجة التجسس لقمع المعارضين.

قمع متزايد

وأشار الموقع الألماني إلى أن "عمليات الاعتقال تزايدت بشكل ملحوظ منذ وقف إطلاق النار مع إسرائيل؛ حيث تستهدف من يوُصفون بأنهم (جواسيس للموساد) و(مثيرو شغب)".

وأفاد أنه في يوم الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران 2025، أقدمت السلطات الإيرانية على إعدام  ثلاثة أكراد في مدينة أرومية الواقعة شمال غرب البلاد قرب الحدود التركية.

وفي بيان صادر عن وزارة العدل الإيرانية، وصف التقرير لهجته بأنها "جافة"، جاء فيه: "حاول هؤلاء الأشخاص إدخال معدات لتنفيذ عمليات اغتيال، واعتقلوا بتهمة التعاون مع النظام الصهيوني".

لكن يدعي الموقع الألماني أن "اثنين منهم على الأقل يقتاتون من التهريب في منطقة الحدود الإيرانية العراقية. إلا أن المحكمة بررت الإعدام بحجة أن الرجال الثلاثة تجسسوا لصالح إسرائيل".

وأفاد الموقع بأن رجلا آخر أعدم بتهمة التجسس قبل هذه الواقعة بيومين.

وأشار إلى أن "هذه الموجة الجديدة من الإعدامات، التي تمّت دون وجود محامين ودون إجراءات قضائية عادلة، جاءت عقب إعلان من رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي، الذي أمر بتسريع البت في (القضايا الأمنية)". لا سيما تلك المتعلقة بـ"الكيان الغاصب (إسرائيل)" و"العمل كطابور خامس لصالح العدو".

في الوقت نفسه، أوضح الموقع الألماني أن السلطة القضائية في إيران "أعلنت عن قانون جديد خاص بالتجسس، يهدف إلى تمكين رد سريع وحاسم ضد (المتسللين والجواسيس)"

في سياق متصل، نقل الموقع عن الناشطة الحقوقية والحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي قولها على منصة "إكس" يوم 26 يونيو/ حزيران 2025: "تلقينا اتصالا هاتفيا من أحد السجناء من القسم 209 في سجن إيفين".

وبحسب ما ورد في الاتصال، فإن نزلاء هذا القسم سيئ السمعة بشكل خاص -حيث تُجرى الاستجوابات تحت ظروف قاسية للغاية- قد نُقلوا إلى مكان آخر.

وتابعت الناشطة الحقوقية: "منذ ذلك الاتصال, لا تتوفر لدينا أي معلومات عن مكان وجودهم أو حالتهم الصحية، مع العلم أنه نقل كذلك سجناء من أقسام أخرى في السجن إلى مواقع غير معروفة أيضا".

وبحسب ما رصده الموقع الألماني، فإن “الإجراءات القاسية تستهدف حاليا بشكل رئيس الأكراد في شمال غرب البلاد”؛ حيث إن "النظام يرى أن الأكراد غير مخلصين إلى حد كبير، ويخشى من محاولتهم الانفصال عن إيران في أول فرصة ممكنة".

ولهذا السبب، وفق الموقع، اعتمد مجلس الشورى الإسلامي قانونا يشدد العقوبات على المتعاونين مع الأعداء الخارجيين.

وحسب التشريع الجديد، يعد التجسس أو التعاون مع الحكومات المعادية، بما في ذلك الولايات المتحدة، جريمة "إفسادا في الأرض"، ويعاقب مرتكبها بالإعدام.

وأوضح الموقع أنه "منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران، بدأت الجمهورية الإسلامية -تحت ذرائع مثل نشر أخبار مؤيدة لإسرائيل، أو الاتصال بوسائل الإعلام الأجنبية، أو التعاون مع إسرائيل أو التجسس لصالحها- في تنفيذ حملات اعتقال واسعة، وفقا لتقارير منظمات حقوق الإنسان".

مشيرا إلى أن التقارير أفادت باعتقال 900 شخص خلال الآونة الأخيرة، وحسب عدة صحف إسرائيلية، فإن من بين المعتقلين أكثر من 700 من المواطنين الإيرانيين اليهود.

وادعت التقارير الحقوقية أن "أغلب المعتقلين هم أشخاص فُتشت أجهزتهم المحمولة خلال توقيفهم، واكتُشفت على أجهزتهم محتويات مثل تسجيلات للعمليات العسكرية الإسرائيلية".

ترهيب المجتمع

وعلق ديتر كارغ، خبير الشؤون الإيرانية في منظمة العفو الدولية، في مقابلة مع "دويتشه فيله" على هذه الأخبار قائلا: "إن تهمة التجسس، وكذلك تنفيذ عقوبة الإعدام، دليل واضح على أن الحكومة الإيرانية تبذل قصارى جهدها لقمع المعارضة في الفترة المضطربة التي أعقبت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية".

ويعتقد أن النظام يريد إرسال رسالة مفادها: "أنه ما زال يستطيع فرض كامل قوته على الأرض".

مضيفا: "يبدو أن الهدف ليس مجرد معاقبة من لهم أي صلة بإسرائيل، بل يتعلق الأمر الآن باتهام أشخاص كانوا مسجونين في الأصل بسبب جرائم غير سياسية، بدوافع سياسية في الوقت الراهن".

واستطرد: "ففي الواقع، كان الرجال الذين أُعدموا يسعون لكسب عيشهم عبر عمليات التهريب، لكن يُستغل هذا الوضع الآن لأغراض سياسية".

وبحسب ما أفادت به "منظمة حقوق الإنسان الإيرانية"، فقد أُعدم 9 أشخاص منذ بداية الصراع الإيراني الإسرائيلي.

"ووفقا لها، بلغ عدد الإعدامات منذ بداية هذا العام وحده 594 حالة، كما تشير منظمات حقوقية أخرى إلى تزايد مستمر في عدد الإعدامات"، كما يشير الموقع الألماني.

"بناء على هذه الأرقام، لا تُعد الحالات الأخيرة مفاجئة"، تقول ديبا ميرزائي، الباحثة في العلوم السياسية بمعهد الدراسات العالمية والإقليمية الألماني والمتخصصة في الشأن الإيراني.

وتضيف: "إن النظام الإيراني يتخذ منذ سنوات إجراءات أكثر وحشية ولا إنسانية ضد من يشتبه في أنهم يشكلون تهديدا له".

وأردفت: "الرسالة التي يبعث بها النظام من خلال هذه الإجراءات واضحة تماما: إما أن تكون معنا، أو ضدنا. وإذا كنت ضدنا، فسنفعل بك ما نراه مناسبا، ولا أحد بمقدوره منعنا".

من جانبه، عقب الموقع قائلا: "يبدو أن الحكومة تنشر الرعب وتلاحق أعداءها في الداخل باسم مقاومة العدو الخارجي"، ويضيف زاعما: "هناك نية واضحة لترهيب المجتمع بأسره".

ويدعي أنه "في ظل عجزها عن منع التسلل الحقيقي لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تستغل الجمهورية الإسلامية الوضع من خلال تنفيذ اعتقالات عشوائية، والعودة إلى تقليدها القديم في بثّ الاعترافات القسرية عبر التلفزيون الرسمي".

واستشهد على صحة مزاعمه بما حدث أخيرا في مدينة كرمان الواقعة جنوب شرق البلاد.

حيث "أُعلن عن محاكمة 9 معلمين نقابيين، وجهت إليهم تهم إهانة كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، و(الدعاية ضد النظام)، و(تعريض الأمن القومي للخطر)".

جواسيس إيرانيون 

وفيما يتعلق بقضية وجود جواسيس لصالح إسرائيل، قالت ديبا ميرزائي: "الادعاءات بوجود جواسيس لصالح إسرائيل لا يمكن رفضها بصفتها غير ذات صلة أو خاطئة بالكلية؛ لأن إسرائيل ما كانت لتتمكن من تنفيذ هجمات من داخل إيران دون متعاونين على الأرض".

مضيفة: "هؤلاء قد يأتون من داخل المجتمع الإيراني أو حتى من داخل النظام نفسه، وهو ما يُقلق القيادة بشكل خاص".

وفي هذا الصدد، ذكر الموقع أحد أشهر حالات التجسس من داخل النظام نفسه، وهي قضية علي رضا أكبري.

وأشار إلى أنه شغل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني بين عامي 1997 و2002، وفي عام 2019، اعتقل بتهمة التجسس لصالح جهاز الاستخبارات البريطاني، وهي التهم التي أنكرها أكبري، لكن رغم نفيه، نُفذ فيه حكم الإعدام عام 2023.

وترى ميرزائي أنه "من وجهة نظر النظام، لا خيار أمام الحكومة الإيرانية سوى اتخاذ إجراءات ضد من يُشتبه بأنهم جواسيس".

واستطردت: "وفقا لمنطق النظام، إذا لم يعاقب هؤلاء بقسوة، فقد يتشجع آخرون على العمل كجواسيس أيضا".

وتؤكد ميرزائي على أنه "من البديهي أن يحصل المتهمون على دفاع قانوني ملائم، لكن هذا ليس منطق النظام، ومن ثم، لا يرى خيارا آخر سوى اللجوء إلى هذه الإجراءات الوحشية للغاية".

معتقلون سياسيون 

من جانبه، يقول ديتر كارغ، من منظمة العفو الدولية، إن الحكومة الإيرانية "فقدت معظم حلفائها في الخارج"، وذلك في الإشارة إلى ضعف حزب الله وحماس، بالإضافة إلى سقوط نظام الأسد.

ويضيف: "يحاول النظام الآن الحفاظ على قاعدته في الداخل باتخاذ إجراءات صارمة".

مشيرا إلى أنّ "منظمة العفو الدولية لا تتلقى حاليا سوى معلومات ضئيلة للغاية بسبب انقطاع الإنترنت في إيران لأيام".

"لذلك، لا يمكننا الجزم بتداعيات هذا الإجراء على السجناء السياسيين، الذين قضى بعضهم سنوات طويلة في السجن"، يقول كارغ.

ويتابع: "ثمة مخاوف من ازدياد عدد أحكام الإعدام وعمليات الإعدام المنفذة".

وأشار إلى أن هذا "قد ينطبق أيضا على الطبيب الإيراني-السويدي أحمد رضا جلالي، الذي اعتقل عام 2016 وحُكم عليه بالإعدام بتهمة التجسس لصالح إسرائيل".

وأفاد بأنه "بعد الهجوم على سجن إيفين، نُقل جلالي إلى مكان مجهول، وكتبت منظمة حقوق الإنسان الدولية: هناك خطر وشيك من تنفيذ حكم الإعدام بحقه في أي وقت".

بدورها، "تخشى ديبا مرزائي أيضا من أن تشهد البلاد مزيدا من الإعدامات، وأن يُتعامل مع السجناء السياسيين بشكل أكثر قسوة من السابق".

وقالت للموقع الألماني: "بشكل عام، الوضع صعب. في الماضي كان الشعب الإيراني يأمل أن يفعل الغرب شيئا من أجلهم، لكنهم الآن مقتنعون بالعكس".

"لذلك، أصبح من الأصعب الآن فعل شيء من أجل السجناء السياسيين، الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله ويجب أن نفعله هو متابعة عدد من أُعدموا، ومعرفة عدد السجناء السياسيين، ومعرفة ما يتعرضون له من تعذيب وإساءات شديد، كل شيء آخر يمكن أن يأتي من الشعب الإيراني نفسه فقط"، وفق قولها.

أما ديتر كارغ فيعتقد أن "الضغط الاقتصادي والمفاوضات حول العقوبات قد يسهمان في التأثير على النظام في قضايا حقوق الإنسان".

مع ذلك، يتفق مع مرزائي حول أن "القوة الحقيقة تنبع من الشعب نفسه"، مشيرا إلى أن "منظمة العفو الدولية نجحت جزئيا عبر مناشدتها النظام الإيراني في تحقيق بعض التقدم في المجال الحقوقي".