حاملو الحماية الثانوية بألمانيا.. هل يمكنهم الحفاظ على حق لم الشمل؟

مصعب المجبل | منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بات المهاجرون ممن يتمتعون بوضع "الحماية الثانوية" في ألمانيا على بُعد خطوة واحدة من حرمانهم رسميا حق لم شمل عائلاتهم بعد سنوات من الانتظار والعيش على "أمل فارغ".

فقد أقر مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) في 28 يونيو/حزيران 2025 مشروع قانون لتعليق لم شمل أسر المهاجرين غير المؤهلين للحصول على وضع اللاجئ الكامل.

تعليق لم الشمل

وجرت الموافقة على النص بغالبية كبيرة؛ إذ صوت لصالحه 444 نائبا مقابل 135 ضده. وقد أعلن اليمين المتطرف مسبقا أنه سيصوت لصالحه.

ويعلق النص لعامين على الأقل عمليات لم شمل الأسر التي تقتصر حاليا على ألف شخص شهريا، وذلك بالنسبة للاجئين الذين حصلوا فقط على الحماية الفرعية، أي أنه مسموح لهم بالبقاء؛ لأنهم مهددون بالتعرض للتعذيب أو الإعدام في بلدانهم الأصلية.

وقال وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت أمام مجلس النواب الألماني: "تظل ألمانيا دولة منفتحة على العالم، لكن قدرة أنظمتنا الاجتماعية والتعليمية وسوق العقارات، لها حدود".

وأضاف دوبريندت أن “الهجرة إلى ألمانيا يجب أن تكون لها حدود أيضا”، زاعما أن مشروع القانون الجديد ضروري؛ لأن قدرة برلين على الدمج بلغت حدودها القصوى، خاصة في مجالات التعليم ورعاية الأطفال والإسكان.

ومضى يقول: إن تعليق لم شمل الأسر سيساعد على ردع الهجرة غير الشرعية من خلال تعطيل شبكات التهريب، التي تعتمد في كثير من الأحيان على إرسال أحد أفراد الأسرة قبل أن يجلب الآخرين لاحقا.

وتستضيف ألمانيا حاليا حوالي 388 ألف لاجئ يتمتعون “بوضع الحماية الثانوية”، ولا يعرف نسبة السوريين منهم.

وهذا الأخير هو شكل من الحماية الدولية الممنوحة لمن لا تنطبق عليهم صفة اللاجئين لكنهم لا يزالون يواجهون خطرا حقيقيا بالتعرض لأذى جسيم سواء عقوبة الإعدام، أو التعذيب، إذا ما أعيدوا إلى بلدهم الأصلي.

ولا ينطبق القانون على الأشخاص الذين حصلوا على حق اللجوء أو الذين جرى الاعتراف بهم كلاجئين بموجب اتفاقية جنيف بشأن اللاجئين 1951.

وغالبية الحاصلين على وضع "الحماية الثانوية" هم من السوريين؛ حيث تضم ألمانيا أكبر جالية سورية في أوروبا بعد استقبالها مليون لاجئ منهم عقب اندلاع الثورة في بلدهم عام 2011.

ولكي يصبح مشروع القانون نافذا، يتطلب موافقة المجلس الاتحادي - الغرفة العليا من البرلمان والذي يمثل الولايات الاتحادية -، حيث سيجرى التصويت على مشروع القانون في يوليو/تموز 2025. 

وحتى 31 مارس/آذار 2025، كان نحو 389 ألف شخص يستفيدون من وضع "الحماية الثانوية" في ألمانيا.

وهذه الخطوة التي تمثل فصلا مريعا للعائلات في حال إقرارها رسميا، جاءت وفاء بتعهد انتخابي للمحافظين للحد من الهجرة وتخفيف الضغط على أنظمة الدمج؛ إذ كانت الهجرة قضية محورية في الانتخابات الاتحادية التي جرت في فبراير/شباط 2025 وحل فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف ثانيا، وهي نتيجة غير مسبوقة، اعتمد فيها الأخير على خطابه المناهض للهجرة.

وكانت ألمانيا قد علقت عمليات لم شمل الأسر عام 2016 في خضم تدفق اللاجئين وافتقارها إلى مرافق الاستقبال، خصوصا في البلديات.

وجعل المستشار المحافظ فريدريش ميرتس الحد من الهجرة أولوية أساسية لحكومته، ودافع عن صد طالبي اللجوء المثير للجدل على الحدود.

وقد كان لافتا خروج ميرتس رئيس الحزب الديموقراطي- المسيحي في مقابلة مع قناة “ZDF” في 29 مايو 2025 قائلا: إن بإمكان السوريين الحاصلين على الحماية الفرعية العودة إلى وطنهم والمشاركة في إعادة الإعمار هناك، بعد تغيّر ما وصفه بالظروف الأمنية.

وأردف "نتحدث هنا عن مجموعة من اللاجئين الحاصلين على إقامة مؤقتة، خاصة السوريين، وهؤلاء يستطيعون العودة إلى أماكن كثيرة في بلدهم، وهو ما نشجع عليه".

وأشار المستشار الألماني حينها إلى أن حق اللجوء في ألمانيا لا يزال قائما لمن يثبت استحقاقه.

إلا أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أعرب أخيرا عن تحفظاته بشأن التشريع الجديد، لكن أعضاءه وافقوا عليه في نهاية المطاف كجزء من تسوية سياسية.

واعترفت مفوضة الحكومة الاتحادية للتكامل ومكافحة العنصرية، وزيرة الدولة ناتالي باوليك، بوجود حالة من عدم الارتياح داخل حزبها وقالت: "إن التكامل يعمل بشكل أفضل عندما تكون الأسر معا".

ومع ذلك، أضافت باوليك من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن الأخير سيدعم هذا الإجراء؛ لأنه لا ينطبق على ما يسمى بحالات الصعوبة ويقتصر على عامين.

ويُعدّ هذا المشروع الذي أقره البرلمان الألماني، أول قانون هجرة يُقر منذ تولي المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس منصبه في 6 مايو 2025، وقد وعدت حكومته بتشديد سياسة الهجرة في ظل تزايد الضغوط الشعبية.

ووصف حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف التشريع المقترح من الائتلاف بأنه "خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح"، ولذلك يدعمه.

وصرح بيرند باومان رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل بأن وزير الداخلية ألكسندر دوبرينت تبنى أفكار حزبهم. 

"أمل قانوني"

وقلبت خطط الحكومة الألمانية حياة المهاجرين الحاملين لـ "الحماية الثانوية" رأسا على عقب منذ أن وافقت في 28 مايو 2025 على خطط لتقييد لمّ شمل العائلات لبعض المهاجرين، لمدة عامين؛ إذ عادت حالة التشتت والقلق لتخيم على حاملي "الحماية الثانوية"، بعدما كان الأمل يحدوهم بلقاء عائلاتهم بعدما انتظروا لسنوات على أمل الالتحاق بهم، قبل أن يقضي المشروع الجديد على “حلمهم في العيش معا” من جديد.

ومع ذلك، يؤكد المراقبون أن الحكومة الألمانية تركت الباب مواربا وضمن شروط صعبة لكنها قابلة للتحقق لمن يريد الحفاظ على حقه في لم شمل عائلته ممن يحمل "الحماية الثانوية".

وضمن هذا السياق، قال المستشار القانوني والإداري في ألمانيا عزام بدوي لـ "الاستقلال": إن “لدى برلمان الولايات مهلة ثلاثة أسابيع للاعتراض على نتيجة التصويت”.

ولكي يتم الاعتراض يحتاج إلى 35 صوتا من أصل 69، علما بأن لكل ولاية عددا من الأصوات يتراوح بين ثلاثة وستة حسب نسبة السكان. وفق قوله.

وأردف بدوي: "في حال الاعتراض يعاد مشروع قانون الحكومة إلى لجنة مشتركة بين البرلمان الألماني وبرلمان الولايات، ثم يتم عرضه للتصويت مرة ثانية (في البوندستاغ) ويحتاج لموافقة الغالبية المطلقة لتمريره".

ولفت إلى أن حامل “الحماية الثانوية” يمكنه الاحتفاظ بحق لم شمل عائلته بشرط تغيير نوع هذه الإقامة والحصول على أخرى دائمة أو إقامة عمل أو الجنسية الألمانية".

وأردف بدوي قائلا: "هذه الخيارات المتاحة لمن يحملون الحماية الثانوية في ألمانيا على الرغم من أنها ليست بالسهلة لكنها السبيل القانوني لمتابعة لم شمل العائلات".

ونوَّه إلى أن "تعلم اللغة الألمانية مهم في هذا الإطار وكذلك تعديل الشهادات الجامعية الحاصلين عليها في سوريا، أو شهادات البكالوريا وشهادات المعاهد المتوسط، علاوة على الخروج من مساعدات الحكومة والاعتماد على الذات في العمل وتأمين الدخل".

وأشار بدوي إلى أن "ألمانيا عدلت قانون الإقامة لجلب عمالة ماهرة للشركات في قطاعات مختلفة من أجل إشباع السوق ودوائر الدولة التي تشهد في بعض الولايات نقصا في الموظفين".

وذكر أنه "على الرغم من تمرير البرلمان للمشروع، فإن السفارة الألمانية إذا خاطبت العائلة المقدمة للم شمل وطلبت منها الجواز وتمّ تسليمه للصق التأشيرة عليها فإنه سيتم لم شمل عائلاتها بمعنى أنه لن يشملهم القانون".

ويلاحظ أن البرنامج الانتخابي للحكومة كان قائما على تشديد سياسة اللجوء ومنها لم الشمل؛ إذ إن السفارة الألمانية بدأت خطة تخفيف لم شمل العائلات منذ سنوات قبل الوصول إلى صياغة هذا القانون وتمريره للتصويت.

وقد أعطى ذلك وفق المراقبين، مؤشرا على وجود تنبيهات مسبقة من السلطات الألمانية لتطبيق سياسة وقف لم شمل العائلات لحاملي الحماية الثانوية.

"دفع للمغادرة"

ويؤكد مراقبون أن حالة الرخاء السابقة التي كانت في ألمانيا لم تعد متاحة؛ حيث إن بعض الولايات تطلب الحد الأدنى من اللغة الألمانية في مقابلات من لديهم لهم شمل لعائلاتهم من حملة الحماية الثانوية، والتي يؤثر ضعفها سلبا على ملف اللاجئ.

وأمام ذلك، أعرب لاجئون عن اعتراضهم على خطة الحكومة الألمانية الجديدة؛ حيث تجمع العشرات منهم أمام البرلمان الألماني في 26 يونيو 2025 للاحتجاج على قانون تعليق لم الشمل.

ونقلت وكالة رويترز البريطاني عن السوري أحمد شيخ علي قوله: "لم يكن أمام أسرتي العالقة في تركيا سوى حالتين فقط للنظر فيهما حتى يأتي دورهم في عملية لم الشمل من أجل الحصول على تأشيرة دخول إلى ألمانيا قبل طرح هذا القانون".

وقال علي وهو يجهش بالبكاء أمام البرلمان الألماني: "منذ أن علمت بهذا القرار، لا أستطيع النوم ولا مواصلة حياتي".

وأضاف وهو يحمل صورة غير واضحة لابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات "كان ابني يحبو عندما تركته قبل عامين ونصف العام، وهو الآن يمشي".

وتؤكد المتحدثة باسم حزب اليسار لشؤون اللاجئين كلارا بونغر، أن الائتلاف الحاكم ينتهج "سياسة ردع معادية للبشر". 

كما انتقد المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون السياسة الداخلية مارسيل إميريش، تعليق لمّ شمل العائلات ووصفه بأنه "قاس".

وقال إميريش خلال تصريحات صحفية في 27 يونيو 2025 "بدون عائلاتهم، غالبا ما يفتقر اللاجئون إلى الدعم العاطفي اللازم لاندماجهم الناجح".

من جانبه قال طارق الأوس المتحدث باسم سياسة اللاجئين في مجموعة "برو أسيل" المؤيدة للهجرة: إن المجموعة تراجع دستورية مشروع القانون وستدعم الإجراءات القانونية للأفراد المتضررين إذا ما تبيَّن وجود انتهاكات للحقوق.

ويرى كثير من حاملي الحماية الثانوية في ألمانيا، أن "تعليق لم الشمل ينتهج سياسة الإجبار على مغادرة ألمانيا عبر طرق قانونية"، خاصة أنه في سوريا على سبيل المثال، لا يزال الوضع الأمني غامضا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقد حذرت الأمم المتحدة في 28 يونيو 2028 من إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم في الوقت الراهن، مرجعة ذلك إلى افتقار "الحكومة السورية الجديدة إلى الخبرة وهشاشة الوضع القائم".

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ": إنه “لم يُقدم أي سوري تقريبا على العودة من أوروبا؛ لأن الوضع فيها أفضل”.

وأردف: "لا ينبغي لنا الضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم؛ فهذا يخلق مشاكل جديدة". مشيرا إلى أنه يتعين أولا المساعدة في تحسين الوضع داخل سوريا.

وهنا يقول سارية الأحمد وهو سوري حاصل على الحماية الثانوية في ألمانيا منذ عام 2022 إنه “من الواضح أن برلين تريد تقليص أعداد حاملي الحماية الثانوية الراغبين في لم شمل عائلاتهم”.

وأضاف لـ "الاستقلال" أن برلين تريد دفع الآخرين غير المتزوجين إلى الانخراط بسوق العمل وعدم التفكير بالزواج ولم شمل زوجاتهم قبل الحصول على عقد عمل وتحويل هذه الإقامة إلى إقامة عمل.

وبين الأحمد أن تحويل الحماية الثانوية إلى إقامة عمل بألمانيا يتطلب وجود خبرة أو شهادة جامعية، إضافة إلى وجود لغة في المستوى الثالث، وشهادة اندماج.

وهذا يتطلب من الشخص العمل لمدة لا تقل عن عام في الشركة قبل الحصول على العقد الدائم فيها والذي يخوله بتغطية تكاليف معيشة عائلته لتحقيق لم الشمل.

ويتطلب العمل بدوره بعض الشروط أبرزها الحصول على شهادة في المستوى الأول للغة الألمانية.

وترى منظمة حماية اللاجئين "برو أزيل" أن تعليق لم شمل الأسرة، الذي أقرّه "البوندستاغ"، محل شك قانوني.

وصرح المدير التنفيذي لمجموعة "برو أزيل"، كارل كوب، في 28 يونيو 2025 بقوله: "نجري مراجعة قانونية للقانون، وسندعم رفع دعاوى قضائية ضده".

وأردف لشبكة التحرير الألمانية (RND): "لا يعقل أن يعلق لمّ شمل العائلات بأثر رجعي للأشخاص الذين فرّوا إلى ألمانيا معتقدين أنهم يستطيعون اصطحاب عائلاتهم معهم.. هذا القرار غير إنساني ويسبب معاناة".