هل يمنح الشرع الجنسية السورية لرفقاء الثورة الأجانب؟

مصعب المجبل | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتزايد النقاشات في سوريا بشأن تجنيس المقاتلين الأجانب الذين شاركوا الثوار في معارك الإطاحة بنظام بشار الأسد حتى النجاح في دحره بالثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

وأتاح قانون الجنسية السوري لوزارة الداخلية منحها وفقا لمعايير محددة، ولذلك بات المقاتلون الأجانب متحمسين أكثر من أي وقت مضى لنيل جنسية هذا البلد الذي يتلمس الاستقرار السياسي والأمني.

الجنسية السورية

وفي خطوة عملية نحو ذلك، تقدم مقاتلون أجانب وآخرون ممن انضموا للقتال في سوريا من الخارج عقب اندلاع الثورة عام 2011 بطلب إلى الحكومة الجديدة للحصول على الجنسية، قائلين إنهم يستحقونها بعد أن ساعدوا الثوار في الوصول للسلطة.

وقُدمت رسالة إلى وزارة الداخلية السورية في 15 أغسطس/آب 2025 واطلعت عليها وكالة رويترز البريطانية، قال المقاتلون الأجانب فيها: إنه ينبغي منحهم الجنسية حتى يتمكنوا من الاستقرار وتملّك الأراضي وحتى السفر.

وأوضحوا في الرسالة: "تقاسمنا الخبز والأحزان والأمل في مستقبل حر وعادل لسوريا... ومع ذلك بالنسبة لنا نحن المهاجرين، لا يزال وضعنا غامضا".

وجاء فيها على لسان المقاتلين "نطلب من القيادة السورية، باحترام وحكمة وبعد نظر وأخوة، أن تمنحنا الجنسية السورية الكاملة والحق في حمل جواز سفر سوري".

الشخص الذي قدم هذه الرسالة كان بلال عبد الكريم، وهو ممثل كوميدي أميركي تحول إلى مراسل عسكري ويقيم في سوريا منذ عام 2012.

وقال عبد الكريم وهو من الأصوات البارزة بين الإسلاميين الأجانب في سوريا، لوكالة رويترز عبر الهاتف: إن هذه الرسالة سيستفيد منها آلاف الأجانب من أكثر من 10 دول. 

يشمل ذلك مصريين وسعوديين ولبنانيين وباكستانيين وإندونيسيين ومواطنين من جزر المالديف، بالإضافة إلى بريطانيين وألمان وفرنسيين وأميركيين وكنديين وآخرين من أصل شيشاني ومن قومية الإيغور.

بحسب رويترز فإن ثلاثة أجانب في سوريا، وهم بريطاني وفرنسي وشخص من قومية الإيغور المسلمة، أكدوا أنهم أيدوا العريضة.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية السورية: إن الرئاسة هي وحدها صاحبة القرار في قضية منح الجنسية للأجانب.

ولا يملك عدد كبير من المقاتلين أو أسرهم، إضافة إلى آخرين مثل العاملين في الإغاثة والصحفيين الذين انضموا للثوار، أي وثائق قانونية سارية. 

كما أن بعضهم جرى تجريده من جنسيته الأصلية ويخشى السجن لفترات طويلة أو حتى الإعدام في بلده الأم.

وبات مصير هؤلاء المقاتلين الأجانب من القضايا الشائكة منذ وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، في ظل رفض عدد قليل من الدول استعادة أشخاص يعدونهم في الغالب متطرفين وقلق بعض السوريين من وجودهم.

لكن منحهم الجنسية السورية قد يؤدي إلى نفور السوريين وبعض الدول، التي تسعى الحكومة الجديدة لكسب دعمها في أثناء محاولتها توحيد وإعادة بناء بلد دمرته الحرب وعصفت به أعمال قتل طائفية.

وسبق أن ألمح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في أبريل/نيسان 2025 إلى أن حكومته قد تمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا و"ثبتوا إلى جانب الثورة". على حد تعبيره.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، يقدر عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بـ10 آلاف، جاءوا من مختلف دول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى.

واكتسب المقاتلون الأجانب في “هيئة تحرير الشام”سمعة طيبة كمقاتلين مخلصين ومنضبطين وذوي خبرة، وشكلوا العمود الفقري لما يُسمى بالوحدات النخبوية.

 وقد قاتل هؤلاء ضد تنظيم الدولة منذ عام 2016 عندما انفصلت هيئة تحرير الشام بقيادة الشرع (حُلت لاحقا) عن تنظيم القاعدة.

"مواد قانونية"

في البعد القانوني، فإن الكثير من دول العالم غالبا ما تؤهل الأفراد للحصول على الجنسية بمجرد الإقامة لمدة تتراوح بين أربع وسبع سنوات، علاوة على منحها للعلماء والأطباء والباحثين والمبتكرين ورواد الأعمال والمتميزين من أصحاب الكفاءات والخبرات والتخصصات النادرة.

وضمن هذا السياق، أوضح المحامي السوري عبد الناصر حوشان لـ "الاستقلال"، أنه "بغضّ النظر فيما إذا كانوا مقاتلين أو غير مقاتلين فإن قانون الجنسية السوري أتاح لوزارة الداخلية منحهم الجنسية السورية".

وأضاف حوشان: “أحكام المادتين الرابعة والخامسة من قانون الجنسية المذكور تنص على أنه يجوز منحها للأجنبي بمرسوم بناء على اقتراح وزير الداخلية السوري وعلى طلب خطي يقدمه طالبها”.

ويشترط أن يكون طالب الجنسية كامل الأهلية ومقيما في القطر إقامة متتالية مدة خمس سنوات على الأقل  سابقة لتقديم الطلب".

وكذلك أن يكون طالب الجنسية خاليا من الأمراض السارية والعاهات والعلل التي تمنعه من مزاولة أي عمل.

وأيضا، لا بد أن يكون حسن السلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو بأخرى مقيدة للحرية في جريمة شائنة إلا إذا رد إليه اعتباره.

وأن يكون ذا اختصاص أو خبرة يمكن الاستفادة منها في القطر أو أن تكون له وسيلة مشروعة للكسب أو يملك ما يغنيه عن مساعدة الغير، وملما باللغة العربية قراءة وكتابة.

أما المادة 5 فتنص على أنه "لا تمنح الجنسية إلا بصورة إفرادية ويستثنى من ذلك أفراد العائلة الواحدة".

أما المادة 6 فتوضح أنه يجوز منح الجنسية بمرسوم بناء على اقتراح الوزير دون التقيد بشروط منح الجنسية المنصوص عليها في المادة (4) للأشخاص الآتي ذكرهم:

لمن يحمل شهادة مواطن مغترب ويتقدم بطلب الجنسية، ولمن أدى للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة، ولمن كان ينتمي في الأصل إلى بلد عربي.

ويجب أن يقدم ذلك بناء على طلب هؤلاء للحصول على الجنسية السورية وأن تمنح وفقا لأسباب يعود تقديرها لوزير الداخلية، بحسب حوشان.

"تقسيمهم لشرائح"

وطالما أن هؤلاء الأجانب يشاركون قيم الشعب السوري وفكره، فإن هذا يجعل اندماجهم في المجتمع أمرا ممكنا.

لا سيما أن الولايات المتحدة أعطت في يونيو/حزيران 2025 موافقتها على خطة القيادة السورية الجديدة لدمج آلاف المقاتلين الأجانب في الجيش الوطني الجديد بشرط أن يتم ذلك بشفافية.

وقال ثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين لوكالة رويترز: إنه بموجب الخطة، فإن نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، سينضمون إلى وحدة تم تشكيلها حديثا، وهي الفرقة 84 في الجيش السوري، والتي ستضم أيضا سوريين.

وحتى أوائل مايو/أيار 2025 على الأقل، ظلت الولايات المتحدة تطالب القيادة الجديدة باستبعاد المقاتلين الأجانب على نطاق واسع من قوات الأمن.

لكن نهج واشنطن تجاه سوريا تغير جذريًا منذ جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط في 13 مايو 2025.

إذ وافق ترامب على رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد، والتقى وقتها بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض.

وقال مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية لرويترز: إن الشرع ودائرته كانوا يجادلون مع محاورين غربيين بأن إدخال مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم وهو ما قد يدفعهم إلى فلك تنظيمي الدولة أو القاعدة.

حتى إن توماس براك مبعوث ترامب، قال في يونيو 2025: إنه من الأفضل إبقاء المقاتلين الأجانب بسوريا، وكثير منهم "موالون للغاية" للإدارة السورية الجديدة، داخل مشروع الدولة بدلا من استبعادهم.

وهنا يشير الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان إلى أنه "يمكن احتواء بعض المقاتلين الأجانب، وهذه إحدى السياسات التي ربما تلجأ إليها الحكومة السورية الحالية لحل ملف المقاتلين الأجانب المعقد".

وأضاف علوان لـ"الاستقلال": "تفكر الحكومة السورية بشكل جدي بحل مشكلة المقاتلين الأجانب عبر طرق تخدم استقرار البلاد".

وأردف أن "هناك بعض الأجانب الذين اندمجوا بالفعل  وانخرطوا مع التوجه الوطني للدولة السورية الجديدة، وهؤلاء يمكن منحهم الجنسية السورية عبر القانون والدستور وليس الآن، خاصة أنه يجرى حاليا العمل على إعداد دستور جديد للبلاد".

ونوَّه علوان إلى أن "الحكومة الحالية لا تنظر إلى المقاتلين الأجانب على أنهم شريحة واحدة، حيث سيخضع بعضهم ربما لتسوية في حال عدم تشكيلهم أي ضرر على استقرار البلاد".

ويقول المؤيدون لفكرة منح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية: إن ذلك سيجعلهم خاضعين للمساءلة بموجب قانون البلاد.

ففي الأشهر التي تلت سقوط بشار الأسد، وُجّهت اتهامات لمقاتلين أجانب بالمشاركة في أعمال عنف استهدفت أفرادا من الأقليات الدينية.