انسحابات من “الحشد الشعبي” في العراق.. ضغوط أميركية أم ترتيبات داخلية؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

تزامنا مع ضغوطات تمارسها واشنطن على بغداد لحل قوات "الحشد الشعبي"، أعلنت شخصيات وفصائل عدة الانسحاب من المليشيا الأخيرة لأسباب مختلفة، مما طرح تساؤلات عما إذا كانت هذه بدايات تفكك التشكيل التابع لإيران.

وفي عام 2014 تشكلت قوات "الحشد الشعبي" على أثر اجتياح تنظيم الدولة العراق وسيطرته على ثلث مساحة البلاد، بعد فتوى "الجهاد الكفائي" للمرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني.

واندمجت نحو 70 مليشيا مسلحة شيعية غالبيتها موالية لإيران في الحشد الشعبي الذي يتهمه الغرب بأنه ذراع طهران في العراق. وبعد انقضاء مهمته والانتصار على تنظيم الدولة عادت المطالبات بضرورة حله.

انسحابات متكررة

على وقع حادثة وصفتها بـ"الفتخ"، أعلنت مليشيا "كتائب حزب الله" في 4 أغسطس/آب 2025، انسحابهم من مناطق "طوق بغداد" وتسليم جميع معداتها ومواقعها إلى هيئة "الحشد الشعبي"، لافتة إلى أن الخطوة جاءت لتفويت الفرصة على محاولات التشويه والإساءة.

وجاءت تلك الدعوات على وقع اشتباكات مسلحة اندلعت في 27 يوليو/تموز 2025 بين القوات الأمنية، وعناصر من اللواءين "45" و"46" في الحشد الشعبي التابعين لـ"كتائب حزب الله".

وأتت الاشتباكات على خلفية استبدال مدير عام إحدى دوائر وزارة الزراعة ببغداد، وينتمي إلى "كتائب حزب الله" بزعامة (أبو حسين) أحمد محسن المحمداوي، بشخصية أخرى تابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي.

وأصدرت خلية الإعلام الأمني العراقية، بيانا أعلنت فيه تمكن القوات الأمنية من إلقاء القبض على 14 متهما.

ولدى تدقيق هويات الملقى القبض عليهم تبين أنهم ينتمون إلى اللواءين المذكورين بالحشد الشعبي، وأحيلوا إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

ولأول مرة تسمي الحكومة "الكتائب" وتتهمها صراحة بالاسم؛ إذ أكدت في بيان لها صدر في 10 أغسطس، أن "العناصر المسلحة التي ارتكبت هذا الخرق تتبع تشكيل حزب الله (العراقي)، وهم منسوبون إلى اللواءين 45 و46 للحشد الشعبي".

وأعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إعفاء قائدي اللواءين لتورطهما في الهجوم على موقع دائرة الزراعة في بغداد، وما صحبه من استخدام السلاح ضد منتسبين للأجهزة الأمنية ما أدى إلى سقوط قتلى ومصابين بعضهم من المدنيين.

وفي تطور آخر، أعلن القيادي البارز في الحشد الشعبي، شاكر محمود التميمي المعروف باسم “أبو تراب” انسحابه النهائي من هذه القوات، متعهدا بعدم العودة إليها مطلقا، معللا ذلك برغبته في خوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وقال التميمي خلال مقابلة تلفزيونية مطلع أغسطس، إنّه غادر الحشد الشعبي بشكل نهائي، و"لن أعود إليه أبدا". مؤكدا وجود جهات تستغل اسم التشكيل المذكور "الذي تعرض لأذى من الداخل والخارج"، متوعدا في الوقت ذاته بكشف جميع الحقائق خلال الأيام المقبلة.

وأكد "أبو ترامب التميمي" الذي ينتمي إلى مليشيا "بدر" بقيادة هادي العامري، أن الأخير سيكون مرشحهم لرئاسة مجلس الوزراء في مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة. مؤكدا أنه لن يتوانى عن المطالبة بالحصول على منصب وزير في الحكومة العراقية القادمة.

انسحاب التميمي من التشكيل العسكري لخوضه الانتخابات، يعد سابقة تحدث لأول مرة؛ وذلك لأن رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لم يغادر منصبه، رغم أنه يمتلك حركة "عطاء" السياسية، ويشارك في كل انتخابات منذ عام 2014، ولديه نواب في البرلمان.

تبادل أداور

وعن أسباب الانسحابات الأخيرة ومدى ارتباطها بالضغوط الأميركية، رأى الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي: إن "كتائب حزب الله حتى لو أعلنت انسحابها فلا يوجد شيء يثبت ذلك؛ لأن الحشد الشعبي كل قيادته بيدهم، ورئيس أركانه عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) أحد أبرز قياداتهم".

وأضاف الباحث العبيدي لـ"الاستقلال" أن “الأشخاص الذين اعتقلتهم الحكومة وقالت: إنهم ينتمون لكتائب حزب الله ضمن الحشد الشعبي، لم تنشر صورهم بشكل واضح وإنما وضعت تمويها على الوجوه”.

وهو ما "يثير شكوكا حقيقية بأنها قد تفرج عنهم في أي لحظة؛ لأنها لا تفعل ذلك مع كل من تعتقلهم ضمن قضايا أمنية وإرهابية".

 من جانبه، رأى المحلل السياسي العراقي، وائل حازم، أن "الجانب الأميركي قايض الإطار التنسيقي الشيعي: إما تسليم السلاح وحلّ الفصائل أو أنكم ستخسرون السلطة، بالتالي فإنّ أي شخص عقلاني لديهم سيفكر بالحفاظ على السلطة مقابل التنازل عن السلاح".

وتوقع حازم في مقابلة تلفزيونية على قناة الفلوجة المحلية أنّ “نسمع خلال الأيام المقبلة أن الكثير من الفصائل تعلن عن انسحابات من الحشد الشعبي بحجة الخلاف مع رئيس الحكومة، وأنهم مع الدولة وسلاحهم يذهب إليها”.

وأفاد الخبير العراقي بأنّ "فصائل مسلحة أخرى انسحبت بشكل سرّي من دون أن تعلن ذلك وذهبت للمشاركة في العملية السياسية عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة".

ومن منظور أوسع، رأى النائب الأسبق والسياسي العراقي، مثال الآلوسي، أن ما يُطرح عن وجود انقسام الإطار التنسيقي الحاكم بخصوص نزع السلاح غير دقيق، مؤكدا أن الموقف موحد بسبب "وحدة القيادة والولاء والتبعية"، فضلا عن وجود "توزيع أدوار" داخله.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" المحلية في 10 أغسطس، عن الآلوسي قوله: "الحكومة العراقية، بقيادة السوداني، تحاول إقناع الإدارة الأميركية بأنها جادة في ضبط السلاح المنفلت وإنهاء الفصائل الخارجة عن القانون، لكن واشنطن ما تزال تعد هذا السلاح إيرانيا ينفذ مهام إرهابية".

ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي والسوداني يحاولان تقديم نفسيهما كحليف سياسي موثوق للولايات المتحدة في العراق". مؤكدا أن "الموقف الأميركي، المدعوم من بريطانيا، لا يقبل بأي نفوذ إيراني مباشر أو غير مباشر داخل البلاد".

وشدد الآلوسي على أن "واشنطن تعد وجود السلاح المنفلت وسيلة لفرض القرار الإيراني على العملية السياسية بالعراق، وتؤمن بأن رؤساء الحكومات المتعاقبين جاؤوا بتوافق إيراني، لكن هذه المرحلة انتهت بلا رجعة، والمرحلة المقبلة يجب أن تشهد تشكيل حكومة بأغلبية برلمانية دون تدخل خارجي".

ضغوط أميركية

ومنذ نحو شهر تحولت مطالبات واشنطن بحل الحشد الشعبي من الرسائل إلى التصريحات العلنية.

فقد جدد القائم بالأعمال الأميركي في بغداد السفير ستيفن فاجن، قلق الولايات المتحدة من مقترح قانون الحشد الشعبي، وذلك خلال لقائه مع النائب الأول للبرلمان العراقي، محسن المندلاوي.

وبحسب تدوينة نشرتها السفارة الأميركية في بغداد، على منصة "إكس" في الثاني من أغسطس، ذكّر فاجن وزير خارجيته ماركو روبيو، أن تشريع قانون الحشد الشعبي سيؤسس لنفوذ إيراني ويقوّي الجماعات الإرهابية المسلحة، مما يهدد سيادة العراق".

ويُعد مشروع القانون الجديد تعديلا لقانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016، ويهدف إلى دمج المليشيا ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحها صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة.

ويقضي القانون بعَدّ الحشد الشعبي جزءا من القوات النظامية، ويرتبط مباشرة بالقائد العام، وهو ما ترفضه الدول الغربية؛ لأن من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق.

وفي اتصال حمل ما وصفه بعض المراقبين بأنّه "إملاءات أميركية"، عبّر روبيو، لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، عن مخاوف بلاده بشأن مشروع القانون الذي ما يزال قيد المناقشة في البرلمان.

وشدَّد الوزير الأميركي خلال بيان رسمي في 22 يوليو، على أن "تشريع هذا النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق".

وسبق أن طالبت السفارة الأميركية، الحكومة العراقية بضرورة محاسبة عناصر كتائب حزب الله وقادتها، بسبب حادثة دائرة الزراعة في الدورة جنوب بغداد.

وقالت السفارة في 27 يوليو: إن الضحايا "قُتلوا على يد الكتائب"، ودعت الحكومة العراقية إلى "اتخاذ إجراءات لتقديم هؤلاء الجناة وقادتهم إلى العدالة دون تأخير"، مبينة أن "المساءلة أمر أساسي للحفاظ على سيادة القانون ومنع تكرار أعمال العنف".

وفي خضمّ هذه الأزمات خرج السفير البريطاني لدى العراق، عرفان صديق، بتصريح خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أغسطس، أشار فيه إلى "انتفاء الحاجة للحشد الشعبي"، وأكّد أن "جميع الفصائل المسلحة موجودة فيه، وليس من الممكن أن يكون دور الحشد نفسه كما كان خلال الحرب ضد تنظيم الدولة".

ودافع صديق عن موقف لندن الداعم لواشنطن في معارضة تشريع القانون، بالقول: إن "تشكيل الحشد الشعبي جاء لمحاربة الإرهاب ممثلاً بتنظيم الدولة وطالما انتهت مهمته بدحره فلم تعد هناك حاجة إليه".

وأشار إلى أن الحكومة العراقية “هي التي طلبت إنهاء مهمة التحالف الدولي، وبريطانيا شريكة رئيسة فيه، على تقدير أن تنظيم الدولة لم يعد يشكل خطرا”.

وبحسب السفير، فإن "الحشد الشعبي يمثّل تهديدا للعراق نفسه؛ لأن فصائل منضوية فيه لا تلتزم بقرارات القائد العام للقوات المسلحة، إضافة إلى أنها تهدد دولا أخرى لأن بعضها سبق أن استهدف أهدافا بالمنطقة، وبالتالي فهي تستجلب الخطر للبلد، وهذا خارج إطار سياسة الدولة".