عقب صفقة العار مع إسرائيل.. لماذا اشتبك الذباب الإلكتروني السعودي مع المصري؟

هذه ليست أول مرة يشتبك فيها إعلاميو ولجان البلدين بضوء أخضر من النظامين
لم تكد حالة التوتر التي اندلعت في يوليو/ تموز 2025، في العلاقات بين النظامين المصري والسعودي تخفت نسبيا، ويخرج رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ليقول يوم 23 من الشهر ذاته: "لن نسمح بأي محاولات تؤدى لتوتر العلاقات بين مصر والسعودية"، حتى ساءت مجددا.
عاد التوتر والهجمات الإلكترونية المتبادلة بين لجان البلدين الموالية للسلطة، بسبب إعلان شراء مصر أكبر صفقة غاز من إسرائيل بـ 35 مليار دولار، يوم 7 أغسطس/آب 2025.
والعلاقات بين النظامين المصري والسعودي متدهورة منذ عدة سنوات، جراء خلافات سياسية ومالية، وكان الصدام الأخير في يوليو، الذي قاده إعلاميون ولجان موالية لنظامي البلدين، بسبب التلكؤ المصري في تسليم جزيرتي تيران وصنافير و"الرز".
لكن الخلافات عادت مجددا في أغسطس، بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد المملكة محمد بن سلمان، ولكن هذه المرة على خلفية إتمام مصر صفقة غاز من إسرائيل بـ 35 مليار دولار.
وهو أمر انتقدته لجان السعودية الإلكترونية لأنه جاء في وقت تحاول فيه المملكة الظهور كمدافع عن القضية الفلسطينية.
ومثلما نالت الحملة السابقة، رأسي النظامين معا، ما رجح وجود خلافات شديدة، تمثلت في حديث إعلامي سعودي عن نهاية حكم السيسي عام 2026 ودخوله السجن، ودعوة موالين له لتدبير "انقلاب" ضد ابن سلمان داخل الأسرة الحاكمة، استمرت في الحملة الحالية.

ما السبب؟
فور الكشف عن صفقة الغاز الإسرائيلية الضخمة لمصر بقيمة 35 مليار دولار، بدأ صحفيون سعوديون بارزون وحسابات غير رسمية معروفة بقربها من الديوان الملكي، حملة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات لاذعة لمصر.
لم تكتف هذه الحسابات بشن هجوم على مصر بسبب اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها تساءلت أيضا عن "المليارات" التي حصل عليها نظام السيسي من السعودية وأين ذهبت؟
لكن القضية المركزية التي دارت حولها الانتقادات للسيسي ومصر كانت تتعلق بالقضية الفلسطينية، واتهام مصر بمنع إدخال المساعدات لأهالي غزة الذين يعانون من القتل والجوع، فيما شجعت السعودية دول العالم على الاعتراف بدولة فلسطين.
سعوديون كتبوا يقولون إنه منذ 7 أكتوبر تحركت السعودية بثقلها الدبلوماسي لعزل إسرائيل سياسيًا وحققت نجاحات بارزة كان آخرها دفع حل الدولتين وانتزاع اعترافات من دول كبرى.
ثم "جاءت مصر بقيادة الجيش لتنقذ تل أبيب من عزلتها بصفقة غاز قيمتها 35 مليار دولار"، وفق قولهم.
وعكس موقف مصر الذي هوجم عالميا بدعوى أنها تغلق معبر رفح وتمنع دخول المساعدات لغزة، وهو ما نفته، قال موقع "دويتشه فيله" الألماني، إن السعودية تحركت لدفع العالم نحو الاعتراف بدولة فلسطين.
ولكنه أرجع التحرك السعودي لمصالح إستراتيجية خاصة بالمملكة ورغبتها في الظهور كقائدة للعالم العربي منافسة لمصر، وتصحيح الصورة السلبية التي ارتبطت بها أخيرا من أنها تنوي التطبيع مع إسرائيل.
وكان حساب "أخبار السعودية"، المتابع من قبل 40 مليونا، عبر "إكس"، أبرز من قادوا هذه الحملة منتقدا مصر بقوله: "منذ 7 أكتوبر 2023، أضخم دعم اقتصادي لتل أبيب يأتي من مصر".
كتب يسخر من إبرام مصر أكبر صفقة اقتصادية بشراء الغاز من إسرائيل قيمتها 35 مليار دولار، ويقول: إن مصر "تمنح بذلك الاقتصاد الإسرائيلي أكبر إنعاش في تاريخه، وتدعم الخزينة الإسرائيلية بعشرات المليارات".
وعقب سعوديون: بينما ندعم غزة، وقعت مصر مع إسرائيل أكبر اتفاقية غاز، وكأنها تقول للعالم أنا أدعم إسرائيل في وجودها وفي هجومها على غزة وضغطكم على إسرائيل لإيقاف الحرب والاعتراف بفلسطين لا يعنيني!!
قالوا: يشترون الغاز من إسرائيل بـ 35 مليار دولار ويبيعون الأسمنت لإسرائيل حتى تبني المستوطنات!!
ونشروا كاريكاتيرا بعنوان: "مقابل كل جزيء غاز، رصاصة تقتل بريئا في غزة.
ودار سجال بين مصريين وسعوديين حول أي النظامين خدم إسرائيل أكثر: مصر أم السعودية؟ وبرر مصريون صفقة الغاز بأن السعودية والخليج منعوا إرسال الغاز إلا بمقابل مالي، بينما صفقة إسرائيل أرخص من الشراء من الخليج.
وبرر الناشط سامح عسكر أيضا استيراد الغاز من إسرائيل بأنه أرخص من الخليجي، ولقطع السعودية النفط عن مصر، وانتقد استثمارات دول الخليج في أميركا، ورد عليه السعوديون بعنف.
وقال سعوديون وهم يردون على اللجان المصرية: إن قيمة المساعدات السعودية للدول حوالي 141 مليار دولار منذ عام 1975، ومصر على رأس قائمة المستفيدين بـ 32.49 مليار دولار وفق منصة المساعدات السعودية
وكان دخول حساب "أخبار السعودية" على خط التراشق الإعلامي مع مصر تطورا لافتا بعد شهور من المواجهة الإعلامية المستمرة بين البلدين، ما رجح أن هناك خلافات شديدة في الكواليس غير معلنة بين القاهرة والرياض.
إذ إن موقع “أخبار السعودية” ليس كتيبة إلكترونية، بل منصة إخبارية رقمية وله موقع إلكتروني وحسابات موثقة على مواقع التواصل، وقريب من القصر.
أيضا لعبت صفحة "اينشتاين السعودي"، التي دخلت في هجوم شديد على مصر بسبب صفقة الغاز، دورا في الحملة، وتشير متابعتها لوقوف جهات رسمية سعودية وراءها لحد قيامها بتنظيم مسابقات بمبالغ مالية تتضمن إسقاطا على مصر.
إذ كان السؤال هو: ما هي أكبر صفقة تجارية في تاريخ إسرائيل؟ وفاز من قال: هي اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي بين إسرائيل ومصر، بقيمة 35 مليار دولار، وتشمل تصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز من حقل ليفياثان إلى مصر.
وقد سخرت هذه الصفحة ضمنا من "حلب" السيسي للسعودية وحصوله على أموال ضخمة، وهي ترد على لجان مصر التي كانت تصرخ وتقول إن "ترامب حلَب السعودية".
وكان أكثر هجوم الصفحة موجها لما أسمته "ذباب الشركة المتحدة"، أي شركة المخابرات المصرية التي تسيطر على الصحف والفضائيات، ما يشير لوقوف جهات استخبارية سعودية خلفها.
ومنذ شهور، تخوض حسابات سعودية وأخرى مصرية في مواقع التواصل الاجتماعي حربا إعلامية غير مسبوقة، بالتزامن مع فتور لافت في العلاقة الرسمية بين البلدين.
مصر تبرر
وحاول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في 13 أغسطس، الرد على اتهام مصر بأنها عقدت صفقة غاز ضخمة مع إسرائيل، بينما الأخيرة تقوم بمجازر في غزة، بزعم أن الاتفاقية موقعة منذ 2019، أي قبل العدوان على غزة.
قال خلال مؤتمر صحفي: "قيل إن الاتفاقية ممكن تؤثر على مواقف مصر السياسية، وأقول إن الاتفاقية من 2019 والأحداث في فلسطين منذ عامين، وبالتالي موقف مصر ثابت ولا تؤثر على مواقف مصر السياسية".
وقد اعترف السيسي ضمنا بهذا التوتر في العلاقات ليس فقط بين مصر السعودية ولكن مع الإمارات أيضا (هناك خلافات حول ملف السودان وليبيا)، وحاول التخفيف منه بتحذيره من "فتنة السوشيال ميديا".
أكد، خلال كلمة ألقاها أمام طلاب الأكاديمية العسكرية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة، أن هناك مشاكل في العلاقات المصرية مع الدول العربية، لكنه دعا إلى تجاوز الخلافات والتمسك بوحدة الصف العربي.
زعم أن هناك مخططاً لزرع الفتنة بين الشعوب العربية، محذراً من محاولات إثارة الخلافات، قائلا: يا سعودي.. يا إماراتي.. يا كويتي.. يا سوري.. يا عربي.. انتبهوا هناك مخطط بأن نختلف مع بعضنا البعض".
وفي خطابه أكد السيسي أكثر من مرة وبشكل لافت على غير العادة أن علاقة مصر جيدة جدًا مع جميع الأشقاء في المنطقة العربية، ونفى وجود أي خلافات مع السعودية خصوصا.
قال: إن المنطقة تمر بظروف صعبة، والأمن الإقليمي مهدد بشكل كبير. مشددا على ضرورة تجنب الخلافات والنزاعات في هذا الوقت الحساس.
وفيما يبدو ردا على تصريحات السيسي، سخر منه حساب باسم محمد بن سلمان لأحد مؤيدي الأمير، تضمن رسالة موجهة إلى "رئيس لجان المتحدة"، تقول "اللف والدوران مكشوف"، في إشارة ضمنية للسيسي نفسه.
أكد أن "قائد لجان المتحدة هو من سلط اللجان والإعلام للإساءة إلى المملكة قيادة وشعبا، ومن ثم أخذ مسارا آخر رسميا يؤكد رفضه لهذه الإساءات، ولكن حجم الرد وتدمير سرديات اللجان جعلت الجنرال الضعيف بحالة صدمة وارتباك".
وفي إشارة لمطالبة السيسي العرب أن يتوحدوا ولا يتأثروا بفتنة السوشيال قال الحساب: "بعد 3 أشهر ظهر الجنرال المنفوخ وقال: هذه مؤامرة يجب أن تتوقف! بعدما أدرك أنه "بائس عاجز من دون السعودية لا يساوي شيئًا يُذكَر".
وكان الدكتور رامي عزيز، وهو مسيحي مصري أسلم، وكان يتعاون سابقا مع إسرائيل لكنه انقلب عليهم وفضحهم، كتب يقول:
"ذات مرة سألت إيدي كوهين لماذا تهاجمون السيسي وهو يعمل كل ما هو في صالحكم؛ من إعادة ترسيم للحدود، والتنازل عن الغاز، ورهن نهر النيل لإثيوبيا التي تعمل لصالحكم من خلف الكواليس؟"
أضاف: "وكان رده (كوهين) صادماً، نحن نهاجمه من وقت لآخر حتي نزرع الشك وننفي أنه يعمل لصالحنا".
ومن مفارقات التراشق بين اللجان المصرية والسعودية، أن الأجهزة الأمنية المصرية اعتقلت أحد كبار العاملين في لجانها، وهو سامح أبو عرايس، بالتزامن مع الحملة السعودية ومنعته بالتالي من الرد على السعوديين.
أما المفارقة فهي أن اعتقاله جاء بسبب الحملة السابقة في يوليو ودوره فيها الذي هاجم فيه ابن سلمان وطالب الأسرة الحاكمة بالانقلاب عليه، وكان حينها يدافع عن السيسي، وحديث سعوديين أن حكمه سينتهي 2026 وسيدخل السجن.
وجاء اعتقاله بعد توقف الحملات بين البلدين التي اندلعت في يوليو، قبل أن تتجدد في أغسطس، وكرسالة محتملة للسعودية بأن القاهرة لجمت لجانها، في وقت عاد فيه التراشق والخلاف للعلن بين السيسي وابن سلمان!
وتم اعتقاله بعد يوم واحد فقط من نشره تغريدة عبر تويتر انتقد فيها السعودية وولي عهدها ابن سلمان لسعيهم لمنافسة مصر في ملف فلسطين.
وتم اعتقاله يوم 30 يوليو، وإخفاؤه قسرا ثم حبسه ونقله لسجن العاشر من رمضان بنفس التهم التي توجه لكل المعارضين وهي "نشر أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون"، ما أثار السخرية لأنه علماني من الداعين لمصر الفرعونية.
وقبل اعتقاله انتقد السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، قائلا إن "مؤتمر نيويورك السعودي الفرنسي حول فلسطين هو مجرد بروباجاندا وشو إعلامي تحاول به السعودية السطو على الدور المصري في القضية الفلسطينية على أمل تحقيق زعامة إقليمية".
قال: "يحاول محمد بن سلمان من خلاله تلميع صورته أمام شعبه وشعوب المنطقة بعد موقفهم ضد فلسطين في بداية عملية طوفان الأقصى"، وعقب اعتقاله تم حذف انتقاداته للسعودية.
وقد علق "اينشتاين السعودي" على اعتقال أبو العرايس، الذي تجرأ على الدعوة لانقلاب في السعودية، واصفا إياه بأنه "ما يشبه بداية تصحيح مسار متأخر" من جانب مصر.
قال: إحالته للنيابة تشير، ربما، إلى بوادر كبح جماح اللجان الإلكترونية التي تجاوزت حدودها المرسومة وانزلقت نحو التطاول على المملكة.
وهذه ليست أول مرة يشتبك فيها إعلاميو ولجان البلدين بضوء أخضر من النظامين، لكن في كل مرة يكون هناك سبب مختلف للاشتباك.
ففي يناير/ كانون الثاني 2023، اندلعت معارك إعلامية كجزء من الأزمة والخلاف المالي المرتبط بتيران وصنافير.
وخرج أحد الأذرع الإعلامية الخاصة بجهاز المخابرات العامة المصرية، محمد الباز، في بث مباشر عبر صفحته على "فيسبوك"، مهاجما السعودية.
فيما انتقد الكاتب السعودي خالد الدخيل، عبر حسابه على "إكس"، سيطرة الجيش على السلطة والاقتصاد المصري وعدم السماح ببديل سياسي أو اقتصادي مختلف.
وسخر من قول السيسي أن “مصر لن تركع إلا لله”، متسائلا إذا كانت مصر لن تركع للمال الخليجي، فلماذا يطالب السيسي بـ"الرز الخليجي"؟!
وفي 3 فبراير/ شباط 2023، عاد رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية” المصرية شبه رسمية، عبد الرزاق توفيق، ليشن هجوما عنيفا على دول الخليج.
واستخدم ألفاظا قادحة من قبيل "الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرا"، و"اللئام والأنذال ومحدثي النعمة"، ثم حذف المقال عقب ما أثاره من ضجة وردود خليجية لمهاجمة مصر.
وهذه المرة جاء الخلاف حول زعامة العالم العربي ومن يتحرك لنصرة قضية فلسطين ومن يخدم إسرائيل بالتطبيع أو بإبرام صفقات معها مثل صفقة الغاز.
ورغم الخلافات، أعلن وزيرا خارجية مصر والسعودية بدر عبد العاطي وفيصل بن فرحان في بيان مشترك في 13 أغسطس، رفض البلدين بشكل قاطع لخطة الحكومة الإسرائيلية باحتلال قطاع غزة بالكامل.