من يربح ومن يخسر؟ دلالات الدعم القطري للحوار الليبي وتفاعلات معسكر حفتر

منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

ما أن تنتهي أزمة حتى تظهر أخرى، هكذا أصبح العنوان الأبرز للمشهد السياسي الليبي، في ظل حالة الانقسام المؤسساتي والسياسي بالبلاد، بين قوى شرعية في الغرب وأخرى موالية للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في الشرق.

جدل وخلاف سياسي جديد خلفه إعلان الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا هانا تيتيه، بشأن تمويل قطر مشروع دعم الحوار الليبي للمساهمة في تنفيذ خارطة طريق أممية لإيجاد حل سياسي للأزمة.

تفاعلات متباينة

وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا عبر بيان، في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025: إن تيتيه ترحب بتوقيع اتفاقية تمويل من الحكومة القطرية وقعها بطرابلس، سفير الدوحة لدى ليبيا خالد الدوسري والممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صوفي كيمخدزه.

وذكرت أن التمويل يأتي "دعما للمشروع المشترك وهو دعم الحوار السياسي وتعزيز المشاركة المدنية".

وسيسهم هذا التمويل وفق البيان الأممي "في تعزيز جهود الأمم المتحدة لتنفيذ خارطة الطريق التي تيسّرها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والتي قدّمتها الممثلة الخاصة تيتيه إلى مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس 2025".

كما سيعمل على "تعزيز المشاركة المدنية الواسعة دعما لعملية سياسية ليبية القيادة والملكية".

من جانبها، قالت السفارة القطرية بطرابلس في بيان: إن الدوحة قدمت دعما ماليا للبعثة الأممية "في إطار المساهمة في تطوير البرامج الإنمائية وجهود تعزيز الاستقرار".

وأوضح السفير الدوسري أن الدعم “يعكس إيمان قطر بالدور الحيوي للأمم المتحدة في تعزيز المسار السياسي، وتقوية المؤسسات، وتنفيذ البرامج الإنسانية والإنمائية في مختلف المناطق”. وفق ذات المصدر.

الإعلان الأممي خلف انتقادات واسعة لدى سلطات الشرق، حيث أعلنت الحكومة هناك برئاسة أسامة حماد، ومقرها بنغازي، إيقاف كل أشكال التعامل والتنسيق مع البعثة الأممية للدعم لدى ليبيا.

واتهمت حكومة الشرق  عبر بيان في 17 نوفمبر 2025، البعثة بـ"الابتعاد عن مبدأ الملكية الليبية للعملية السياسية وإرادة الشعب الليبي ومؤسساته الشرعية".

ورأت أن “البحث عن تمويل خارجي لعمليات سياسية داخل ليبيا دون التشاور مع أي جهة رسمية، يمثل انتهاكا للأعراف الدبلوماسية ويعكس نهجا مشبوها يتعارض مع طبيعة دور البعثة المفترض، وهو الأمر الذي يثير الشكوك حول نواياها الحقيقية”.

على المستوى البرلماني، أعلنت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس نواب الشرق، "استنكارها ورفضها توقيع البعثة اتفاقية تمويل خريطة الطريق مع الحكومة القطرية"، واصفة هذا الأمر بأنه "تجاوز خطير لمبدأ الحياد والمهنية" الذي يجب أن تلتزم به البعثة في تعاملها مع الشأن الليبي.

ووصفت اللجنة الإجراء عبر بيان في 18 نوفمبر 2025، بأنه "تدخل سافر في السيادة الوطنية"، معربة عن "إدانتها محاولة تدويل الأزمة الليبية عبر أدوات مشبوهة، تهدف إلى فرض مشاريع خارجية تتقاطع مع مصالح الشعب الليبي وطموحاته في الاستقرار والسيادة".

وأكدت “دعمها الكامل لما ورد في بيان حكومة حماد”، داعية إلى مراجعة شاملة لدور البعثة الأممية في ليبيا، بما في ذلك "المطالبة بإعادة تقييم استمرار وجودها في حال استمرارها في تجاوز حدود تفويضها، والانحياز لطرف سياسي على حساب مصالح الوطن".

على المستوى الحزبي، راسل "تجمع الأحزاب الليبية" الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، معربا عن استيائه الشديد من قبول بعثة الأمم المتحدة تمويلا خارجيا من دولة قطر.

ورأى في بيان 18 نوفمبر، أن “هذا الأمر يمثل سابقة خطيرة ومخالفة صريحة للقواعد الدولية المنظمة لعمل البعثات الأممية، ومساسا بمبدأ الحياد الذي تنص عليه مواد (100) و(101) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تؤكد على استقلال موظفيها وضرورة امتناعهم عن تلقي أي توجيهات أو دعم من أي دولة عضو”.

وأشار التجمع إلى أن “هذا السلوك ينتهك أيضا اللوائح المالية للأمم المتحدة التي تنص على أن تمويل البعثات يتم حصرا من ميزانية الأمم المتحدة أو الدولة المضيفة وفق ترتيبات معلنة، كما يشكل مخالفة جوهرية للمبدأ الوارد في القرار الأممي رقم 182/46 بشأن حيادية واستقلالية العمل الأممي في الدول التي تشهد نزاعات”.

كذلك أعربت "الحركة الوطنية الشعبية الليبية"، عن استيائها من اتفاقية التمويل القطري، مشددة على أن “هذه الخطوة تمثل سابقة خطيرة تمسّ حياد البعثة الأممية”.

وذكرت الحركة في بيان، أن السماح لأي دولة أو كيان بتقديم تمويل مباشر أو شراكة سياسية ومالية مع البعثة "يفتح الباب أمام التأثير على مسارات الحوار، ويمنح الممول أفضلية على حساب دول أخرى".

وأشارت إلى أن “هذه الخطوة قد تعرقل مسار الحل السلمي وتزيد من حالة عدم الثقة”.

رد البعثة

أمام حدة الانتقادات الموجهة لها، أعلنت البعثة في بيان أن ميزانية الأمم المتحدة تعتمد على المساهمات المقررة من جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة، وذلك وفقا لقرارات الجمعية العامة التي تعد ليبيا عضوا فيها.

وتابعت في بلاغ توضيحي، "إضافة إلى المساهمات الطوعية المخصصة لمشاريع وبرامج محددة من قبل الدول الأعضاء، حيث يمكن للجهات المانحة من خلال مساهماتها الطوعية تمويل برامج محددة أو المساهمة في ترتيبات التمويل المشترك، ويتم تنفيذ هذه البرامج تحت إدارة الأمم المتحدة حصرا".

وشددت البعثة على أن أي تمويل يخضع لنظام الرقابة المالية العالمي للأمم المتحدة، وهو نظام يفرض على البعثات الالتزام بضوابط موحدة في الميزانية والمشتريات والإنفاق.

وأردفت، بما في ذلك إعداد تقارير إلزامية، واتباع آليات للموافقة من عدة مستويات، والتدقيق المستقل للحسابات لضمان توافق كل عملية صرف مع ولاية البعثة.

وذكرت أن هذا الإطار يضمن أن تكون الأموال المخصصة لدعم العملية السياسية محايدة وشفافة وتدار وفق هيكل موحد يمنع إساءة الاستخدام، ويحافظ على نزاهة عمليات الأمم المتحدة حول العالم.

وتقول البعثة: إن ما لا يقل عن 13 دولة ومنظمة إقليمية قدمت تمويلا طوعيا لدعم العملية السياسية والمشاركة المجتمعية.

وشددت على أن هذه المساهمات المالية المقدمة لبرامج البعثة لا تخول أي دور لأي بلد مانح في تحديد اتجاه العملية السياسية، بما في ذلك جدول الأعمال والمشاركون ونتائج العملية.

وأكدت البعثة التزامها بعملية سياسية يقودها ويملكها الليبيون، وأن مهمة البعثة تتمثل في تيسير منصة شاملة ومهنية تُمكّن الليبيين من جميع المناطق والمكونات من مناقشة القضايا الأساسية لمستقبل سلمي ومزدهر.

وأدنت البعثة جميع المحاولات الرامية إلى تضليل الرأي العام من خلال نشر سرديات زائفة، داعية جميع الأطراف الليبية إلى تضافر الجهود لإعادة السلطة إلى الشعب الليبي.

وسيط موثوق

وفي تقييمه لهذه التفاعلات، أكد المحلل السياسي الليبي إبراهيم الأصيفر، أن توقيع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مذكرة تعاون مع قطر لتمويل مشروع الحوار "يحمل دلالات سياسية واضحة".

وأضاف الأصيفر لـ"الاستقلال" أن هذه الدلالات "تتجاوز بعدها الإجرائي لتؤكد أن المجتمع الدولي ما زال يرى في الدوحة شريكا يمكن الاعتماد عليه في الملفات الأكثر تعقيدا وحساسية".

واستطرد "فهذه الخطوة ليست مجرد دعم مالي لمسار سياسي، بل تعبير عن ثقة أممية بدور قطري اتسم على الدوام بالالتزام بالقانون الدولي واحترام الشرعية".

ومنذ اندلاع الأزمة الليبية، يقول الأصيفر، حافظت قطر على نهج دبلوماسي يتسق مع قرارات مجلس الأمن، دون أن تسجّل عليها أي مخالفة لقرارات حظر السلاح أو دعم عسكري لأي طرف.

ورأى أن ما تقدمه قطر اليوم لليبيا يأتي في سياق دور دولي آخذ في الاتساع. 

وأوضح أن “الدوحة أثبتت خلال السنوات الماضية قدرتها على إدارة ملفات شائكة وذات طابع عالمي، بدءا من وساطة الاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة وطالبان، مرورا بدورها الإنساني والسياسي البارز في حرب غزة، وصولا إلى كونها منصة دبلوماسية تستطيع جمع أطراف متباعدة على طاولة واحدة”.

وشدد المحلل السياسي على أن "هذه الخبرة التراكمية تجعل من قطر وسيطا جديرا بالثقة، وقادرا على مواكبة المسار الأممي في ليبيا دون فرض أي أجندة أو خلق اصطفافات جديدة".

وأكد  أن دعم الدوحة لمشروع الحوار الليبي "لا يمثل اصطفافا إلى طرف ضد آخر، بل هو تعزيز لفكرة أن الحل السياسي يستحق أن يُمنح فرصة حقيقية، وأن السبيل الأمثل لتسوية النزاع الليبي يكمن في الحوار، لا في منطق الكسب بالقوة أو السلاح".

ونبه إلى أن هذا الدعم يأتي منسجما مع التوجه الدولي العام الذي يرى أن ليبيا بحاجة إلى شريك يضيف زخما للعملية الأممية، لا أن ينافسها أو يعمّق حالة الاستقطاب القائمة.

قيمة نوعية

ورأى الأصيفر أنه في بلد عانى طويلا من تعدد المبادرات وتناقض المصالح الإقليمية، يشكل الدخول الرسمي لقطر كداعم للحوار فرصة لاستعادة الثقة بالمسار السياسي وتقوية أدوات الوساطة التي يمكن أن تجمع الليبيين حول رؤية مشتركة.

وذكر أن "وجود وسيط يحظى باحترام دولي، ويحافظ على مسافة واحدة من الجميع، ويعمل ضمن إطار الأمم المتحدة، يسهم في خلق بيئة أكثر استقرارا ويدعم إمكانية الوصول إلى تفاهمات قابلة للبناء عليها".

ورأى المتحدث ذاته أن توقيع مذكرة التعاون بين بعثة الأمم المتحدة وقطر "يمثل خطوة يمكن أن تضيف قيمة نوعية للمسار السياسي الليبي، وتمنح الليبيين مساحة أوسع للتحاور بعيدا عن الضغوط والاستقطاب".

وخلص الأصيفر إلى أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام دور دولي أكثر توازنا يضع مصلحة ليبيا فوق أي تقديرات أخرى، ويرسّخ فكرة أن الدبلوماسية حين تُعطى المساحة الكافية قادرة على صنع الفارق.

من زاوية أخرى، يرى الكاتب والباحث السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن الدعم القطري ليس الأول أو الاستثناء، حيث إن ليبيا تتلقى تمويلات من عدة دول كالاتحاد الأوروبي والإفريقي ودول أخرى.

وذكر محفوظ في حوار متلفز على قناة "فرانس24" في 18 نوفمبر 2025، أن هذا الدعم يأتي في إطار دعم العملية السياسية وهو أمر مستساغ وغير منكر، لأنه دعم معلن وغير سري.

وشدد الباحث السياسي على أن الجدل الذي خلفه الدعم مرده أن هناك من له مواقف سلبية تجاه ما تقوم به قطر، بسبب قضايا متعددة.

ونبه محفوظ إلى أن الحوار المهيكل الذي تدعمه قطر ودول أخرى يقدم توصيات غير ملزمة ولا يتخذ قرارات تنفيذية، وعليه، فالليبيون هم الذين يتحكمون ويقررون فيما يقع بليبيا وليس أي دولة داعمة.

وبشأن موقف حكومة حماد، قال محفوظ: إن الأخير يريد استغلال ما يجري من أجل الاستمرار في حالة الانقسام، لأنه لا يريد للمسار السياسي أن يذهب إلى الأمام، وهذا ما يفسر بيانه الصادر في هذه القضية.

وخلص محفوظ إلى أن المهم حاليا هو الانطلاق قدما، وليس وضع العراقيل أمام كل مبادرة أو فكرة يمكن أن تسهم في تعزيز النقاش في الأزمة الليبية.