تحول إستراتيجي في دمشق.. ما حقيقة تسليم مقاتلي الإيغور إلى الصين؟

منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

في أعقاب زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، توجه وزير الخارجية أسعد الشيباني في 17 منه إلى بكين، مكلفا، بحسب صحف صينية، بمهمة أساسية تتمثل في طلب المساعدة في جهود إعادة إعمار سوريا.

ووفق صحيفة "سوهو" فإن "الهدف من هذه الزيارة هو الحصول على دعم بكين لجهود إعادة البناء، مقابل تقديم دمشق مجموعة من التعهدات في قضايا أساسية".

خيار حتمي 

وقالت الصحيفة: إن "زيارة الشيباني إلى بكين جاءت بهدف عرض خريطة إعادة الإعمار على الجانب الصيني". 

وأضافت أنه “في مقابلة أجراها قبيل الزيارة، أكد الشيباني أن دمشق بحاجة ماسة إلى دعم بكين، سواء من حيث التمويل أو الموارد. مشيرا إلى أن إعادة الإعمار ”باتت ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل".

ويعود ذلك إلى ما خلفته "الحرب الأهلية في سوريا من دمار كامل للبنية التحتية، ما يتطلب استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات".

وترى الصحيفة أنه "رغم الدعم المقدم من قبل الدول الغربية لسوريا، إلا أنه على أرض الواقع فإن مساعداتها محدودة للغاية".

في المقابل، تعتقد أن "الصين هي الدولة الوحيدة القادرة على تحمل هذه المهمة الشاقة، ولهذا، وبعد أن أعاد الشرع ترتيب علاقاته مع الولايات المتحدة وروسيا، اتجه إلى بكين سعيا لكسب دعمها"، وفقا لها.

وفي هذا السياق، تقدر "سوهو" أن "الحكومة السورية الجديدة لا تنوي الاعتماد كليا على الدعم الروسي، فهي تدرك تماما ضرورة توسيع نطاقها الدبلوماسي والبحث عن شركاء دوليين أكثر، لذلك، وجهت القيادة السورية اهتمامها نحو الصين".

وبحسب تقديرها، "يعد هذا التحول الإستراتيجي خيارا حتميا لسوريا في سعيها للخروج من عزلتها الدبلوماسية وتحقيق تنمية مستدامة".

من زاوية أخرى، ترى "سوهو" أن "زيارة الشيباني تعني أن دمشق ترغب في تحقيق اختراق دبلوماسي يتيح لها الحصول على دعم بكين، خصوصا فيما يتعلق بالاعتراف الدولي، ومعالجة القضايا الأمنية".

من هذا المنطلق، تعتقد أن "زيارة الشيباني لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي عادي، بل حملت في جوهرها أبعادا أعمق".

وتابعت موضحة مقصدها: "فالمحادثات لم تقتصر على بحث التعاون الاقتصادي، وإنما هدفت إلى وضع ترتيبات إستراتيجية جديدة في مسار العلاقات السورية الصينية".

وتساءلت الصحيفة: هل ستقبل الصين بدعم إعادة التموضع الدبلوماسي لسوريا؟ وهل ستتمكن من أن تكون صوتا داعما لها في المحافل الدولية؟"

التزامات واضحة 

وفيما يتعلق بالمخاوف الأمنية التي أبدتها الصين بشأن مقاتلي الإيغور الموجودين في سوريا، قالت الصحيفة: "خلال لقاء نظيره الصيني وانغ يي، أبدى الشيباني موقفا حازما. مؤكدا أن دمشق ستلتزم بشكل صارم بمبدأ (الصين الواحدة) -في إشارة إلى ملف تايوان- كما تعهد بعدم السماح لأي قوة باستخدام الأراضي السورية للإضرار بأمن الصين أو سيادتها أو مصالحها".

من جهتها، أفادت وكالة أنباء “شينخوا”، بأن وزير الخارجية السوري أكد خلال محادثاته مع الجانب الصيني أن دمشق "تولي أهمية كبيرة للهواجس الأمنية التي تطرحها بكين، وترفض جميع أشكال الإرهاب".

من جانبه، شدد وزير الخارجية الصيني على أن "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" مصنفة كمنظمة إرهابية دولية من قبل مجلس الأمن.

وأشار، بحسب الصحيفة، إلى أن "تعهد سوريا بعدم السماح لأي طرف باستغلال أراضيها ضد الصين يحظى بتقدير كبير، مع التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لضمان إزالة العقبات الأمنية أمام تطور العلاقات الثنائية".

وعقبت الصحيفة: "هذا الموقف يعكس إدراك دمشق لأهمية المطالب الجوهرية لبكين، ويُظهر استعدادها لتقديم التزامات واضحة في هذا الصدد".

إلا أنها لفتت أن الصين "رغم ترحيبها بهذه التعهدات، فإنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة أن تُترجم هذه الكلمات إلى خطوات عملية ملموسة، بما يضمن إزالة المخاطر الأمنية التي قد تعيق تطور العلاقات الثنائية".

وهذا يعني -وفق الصحيفة- أن بكين "لن تكتفي بالوعود الشفهية، بل ستراقب عن كثب ما إذا كانت دمشق قادرة على إثبات مصداقية التزاماتها عبر أفعال واقعية".

وفي تعقيبه على ملف الإيغور، قال الأكاديمي والخبير الصيني البارز في شؤون الشرق الأوسط سون ده قانغ: "يضم الجيش السوري حاليا عددا من المقاتلين السابقين الذين كانوا يُعرفون بـ(الجهاديين) أو المتطرفين، وبعضهم لديه سجل جنائي، الأمر الذي يثير قلقا واسعا لدى المجتمع الدولي".

وأضاف: "هؤلاء العناصر يمسون مصالح أساسية لدول عدة، وإذا أرادت الحكومة السورية الحصول على اعتراف المجتمع الدولي ودعمه ورفع العقوبات المفروضة عليها، فإن الخطوة الأولى تكمن في الاستجابة لهذه المخاوف عبر التزام واضح وحازم بمكافحة الإرهاب، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو في الإطار الثنائي".

احتمال مستبعد

بدوره، تطرق موقع "المراقب" الصيني إلى ما أوردته وكالة "فرانس برس" الفرنسية حول نية الحكومة السورية تسليم عدد من مقاتلي الإيغور إلى الصين قائلا: "من المستبعد تماما أن تقدم دمشق على مثل هذه الخطوة".

يذكر، أنه من جهتها، نفت الحكومة السورية هذه المزاعم، مؤكدة أن هذا الخبر غير صحيح.

ويرى الموقع أن السلطات السورية لن تقدم على تسليم مقاتلي "حركة تركستان الشرقية"  إلى الصين.

وقال: إن “عدد هؤلاء المقاتلين بلغ عام 2018 نحو 7000 عنصر، ومع عائلاتهم ربما يصل العدد إلى 80 ألفا”.

وتابع: "وإذا قامت السلطات السورية بتسليم 400 عنصر منهم فقط، فقد يؤدي ذلك إلى تمرد واسع بين من تبقى".

ووفق رأي الموقع، فإن "هذا يؤكد أن احتمالية اتخاذ الشرع أي خطوة ضد (حركة تركستان الشرقية) حاليا، تكاد تكون معدومة".

في سياق متصل، يقسّم الموقع "مقاتلي الإيغور إلى فئتين، الأولى التي انضمت إلى تنظيم الدولة، وكانوا أكثر صخبا، إذ نشروا مرارا مقاطع دعائية يتوعدون فيها بالعودة إلى الصين لمواصلة القتال هناك".

وأردف: "أما الذين انضموا إلى الهيئة، فقد اتسموا بالهدوء، ولم يُعرف عنهم إطلاق تصريحات مشابهة بشأن نقل المعركة إلى الصين".

واستطرد: "إذا صحت تصريحات وزير الخارجية السوري، فقد يعني ذلك أن الشرع يسعى لإقناع مقاتلي (حركة تركستان الشرقية) بالبقاء في سوريا وعدم محاولة نقل (الجهاد) إلى الصين، تجنبا لإثارة غضب بكين".

كعكة ضخمة 

في قضية إعادة الإعمار، وحول فرص الانخراط الصيني في هذا الملف، قالت صحيفة سوهو: "يُنظر إلى سوق إعادة إعمار سوريا بصفته (كعكة ضخمة)، إذ تحتاج البلاد إلى استثمارات تُقدر بمئات المليارات من الدولارات تشمل قطاعات البنية التحتية والطاقة والاتصالات وغيرها".

وترى أن الشركات الصينية "تتمتع بميزة واضحة في هذه المجالات، خاصة مع إمكانية ربط مشاريع الإعمار بمبادرة (الحزام والطريق)، ما يمنح الصين فرصة فريدة للانخراط في هذا الملف".

"ولهذا، حرص وزير الخارجية السوري خلال لقائه نظيره الصيني على الإشادة بالمبادرة الصينية، مؤكدا رغبة بلاده في المشاركة الفاعلة فيها".

ولفتت إلى أنه "رغم ضخامة الفرص، فإن المخاطر لا تزال قائمة، فالوضع الداخلي في سوريا لم يستقر بعد، كما أن قدرة الحكومة الانتقالية على الوفاء بتعهداتها في مجال مكافحة الإرهاب وإرساء حكومة منفتحة ما تزال محل شك".

وأوضحت أنه "إذا لم تتمكن دمشق من تحقيق الاستقرار داخليا وخارجيا، فإن خطط إعادة الإعمار قد تتحول إلى مجرد شعارات فارغة، وتصبح أي استثمارات عرضة للفشل".

"أما إذا تمكنت سوريا من الوفاء بوعودها في مكافحة الإرهاب، فإن العلاقات السورية الصينية ستتجه نحو مسار إيجابي، كما أن خيارات دمشق ستشكل مرجعا هاما لدول أخرى"، تقول الصحيفة.

وتابعت: "فالمكاسب الاقتصادية التي قد تحققها الصين من مشاركتها في إعادة إعمار سوريا يمكن أن تجذب دولا إضافية للانخراط في هذا المسار".

وأشارت إلى أن "تصريح الشيباني بشأن (الاستفادة من التجربة الصينية)، يعكس هذا الواقع الملموس، إذ إن العديد من الدول النامية تدرس بالفعل إمكانية الاستفادة من النموذج الصيني لإيجاد طريق يناسب ظروفها الخاصة".

في هذا الصدد، رجحت الصحيفة أن "تشكل التحولات الجارية في سوريا مؤشرا لاتجاهات جديدة في الشرق الأوسط".

وتوقعت أنه "إذا اقتدت دول أخرى بالخطوة السورية، فإن المشهد الجيوسياسي للمنطقة قد يشهد تغييرات عميقة".

فبحسب تقديرها، "تتراجع تدريجيا حقبة الهيمنة الأميركية المنفردة في الشرق الأوسط، بينما تتسارع وتيرة تشكل نظام إقليمي متعدد الأقطاب، وتلعب الصين فيه دورا متناميا".

وأردفت بأن "مسار تفكيك الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط أصبح اتجاها لا رجعة فيه، وهو انعكاس طبيعي لمسار العولمة المتعددة الأقطاب، ولتراجع القوة الأميركية".

واستطردت: "اليوم تسعى دول الشرق الأوسط إلى التحرر من هذا القيد، والبحث عن مسارات جديدة للتنمية والتوازن الدولي".

واسترسلت: "إرسال الشرع لأحد أبرز معاونيه إلى الصين ليس سوى خطوة أولى على مسار التحرر من الهيمنة الأميركية، فيما تبدو آفاق التعاون المستقبلي أكثر اتساعا وإثارة للاهتمام".