"تفكيك الظلال".. كيف أسقطت المقاومة منظومة التخابر مع الاحتلال في غزة؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتواصل حملات المقاومة الفلسطينية والأجهزة الأمنية في قطاع غزة ضد عملاء الاحتلال والعصابات الخائنة المتواطئة معه خلال فترة العدوان الإسرائيلي التي ارتقى على إثرها أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء.

فمنذ وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ركزت المقاومة ووزارة الداخلية جهودها لاجتثاث منظومة متكاملة من الخونة في شتى مجالات الخيانة وخدمة الاحتلال.

ونفّذت الأجهزة الأمنية إلى جانب أجهزة المقاومة، مئات العمليات ضد المتخابرين مع الاحتلال والمتعاونين معه، بمختلف أشكالهم، سواء أفرادا أو مجموعات منظمة.

وأسفرت هذه العمليات المتواصلة، وفق ما نشرته منصة "الحارس" التابعة لأمن المقاومة، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، عن اعتقال أعداد كبيرة من عملاء الاحتلال وإخضاعهم للتحقيق، والوصول من خلالهم إلى معلومات حساسة.

إضافة إلى تصفية عدد كبير من العملاء الذين ثبت تورطهم في تقديم دعم مباشر للاحتلال.

كما نجحت المقاومة في تفكيك عصابات موالية للاحتلال، واستسلام عائلات كانت تعمل بشكل غير مباشر معه، وتسليم سلاحها.

مسارات الهروب

وأعلن القضاء العسكري في قطاع غزة سلسلة من أحكام الإعدام بحق عملاء للاحتلال أُلقي القبض عليهم، وجرى تنفيذ هذه الأحكام في ميادين عامة بأيدي عناصر المقاومة الفلسطينية.

ومع الملاحقة الأمنية وعمليات الإعدام، ضاق الخناق على العصابات المتواطئة مع الاحتلال، وعلى الأفراد المتورطين في العمالة، في ظل اتساع نطاق التعاون الشعبي مع قوى الأمن في جهود تفكيك هذه المجموعات.

وقد أسهم هذا الضغط المتصاعد في إحكام الطوق عليهم، ما دفع كثيرين منهم إلى محاولة الفرار من مناطق وجود المقاومة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال، أو ما يعرف بـ"خلف الخط الأصفر"، في محاولة للهروب من مصير الخونة.

وكشف مصدر أمني في وزارة داخلية غزة، أن أجهزة الأمن رصدت فرار عدد من العملاء الذين كانوا يوجدون في مناطق انسحاب جيش الاحتلال والمناطق المأهولة بالسكان، حيث لجأوا إلى المناطق الواقعة خلف الخط الأصفر طلبا لحماية قوات الاحتلال، واتخاذ تلك المناطق مكانا مؤقتا للإقامة".

وقال المصدر الأمني لـ"الاستقلال": إن "عددا من العملاء فروا باتجاه مناطق شرق خان يونس وشرق قرية القرارة، إضافة إلى مدينة رفح جنوب القطاع؛ حيث لجأ بعضهم إلى مخيم تتحصن فيه عصابة أبو شباب والعائلات المرتبطة بها".

وأضاف "كما رصدت حالات هروب لعملاء نحو شرق مدينة غزة، حيث تتمركز مليشيا أحمد جندية، إلى جانب أفراد عملاء آخرين اتجهوا نحو شمال القطاع، لمناطق وجود مليشيا أبو منسي التي تتمركز حاليا بشكل رئيس في منطقة بيت حانون".

وتابع: "رصدنا وجود مليشيا تابعة لحسام الأسطل، تتمركز داخل إحدى المدارس شرق القرارة، وتمارس سيطرة على عدد من السكان القاطنين في المناطق المعروفة بالمنطقة الصفراء أو خلف الخط الأصفر، وهي مناطق تقع ضمن نفوذ الاحتلال".

واستطرد: "تنشط هذه المليشيا في مهام تتعلق بالتفتيش عن أنفاق وبنى عسكرية تابعة للمقاومة، كما تحولت مناطق تمركزها إلى ما يشبه تجمعا للعملاء ومن كان يتعاون معهم في مناطق جنوب القطاع".

وشدد المصدر على أن “العديد من العصابات الموالية للاحتلال، إضافة إلى أفراد من العملاء، تمّ استهدافهم أيضا داخل المناطق الصفراء؛ حيث جرى اعتقالهم والوصول إليهم عبر عمليات نوعية، وحتى استدراج بعضهم من تلك المناطق بكمائن محكمة نفذتها الأجهزة الأمنية”.

وبين أن هؤلاء كانوا يظنون أن تلك المناطق تشكل ملاذا آمنا لهم، إلا أن اتساع العمليات الأمنية الذي كان تحديا واضحا للاحتلال، حال دون ذلك.

وأكد المصدر على أنه “مع شروع الاحتلال في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، لن يكون أمام هؤلاء أي مفر أو مساحة للهروب”.

وأشار إلى أن "الأجهزة الأمنية وأمن المقاومة فتحت الباب أمام العملاء والأشخاص الذين جرى التغرير بهم ويرغبون في التوبة وتصحيح ما اقترفوه، حيث أتيح لهم التوجه لتسوية أوضاعهم ومراجعة الجهات المختصة".

واسترسل: "بالفعل، سجلت استجابة ملحوظة من عدد كبير من المتخابرين مع الاحتلال، ومن بينهم أفراد كانوا ضمن عصابات موالية له، وآخرون جرى استدراجهم أو ابتزازهم بالطعام وبأساليب متعددة دفعتهم للانخراط في العمالة".

وأكد المصدر أن "من لم يتسبب بارتكاب مجازر أو عمليات استهداف مباشرة سيعامل معاملة عادلة ورحيمة تأخذ في الحسبان ظروفه ودرجة تورطه".

شبكات التجنيد

وكشفت عمليات التحقيق مع العملاء عن تأسيس الاحتلال شبكات متخصصة في تجنيد العملاء بمختلف الأساليب والوسائل. 

واستغل الكيان كل ما يمكن استغلاله لابتزاز الأشخاص وتهديدهم بهدف جرهم إلى الخيانة والتعاون الأمني معه، حتى وإن كان ثمن ذلك ارتكاب مجازر بحق الغزيين.

وقال الضابط في الشرطة الفلسطينية (م ج)، والذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية: إن “الاحتلال أسس منذ بداية الحرب شبكات متخصصة لتجنيد العملاء، اعتمدت على أساليب إسقاط متعددة، بعضها يستخدم لأول مرة ولم يكن معروفا في السابق”.

وأوضح الضابط لـ"الاستقلال"، أن "هذه الشبكات عملت بطرق سرية ومنظمة، مستغلة الظروف الصعبة التي يمر بها السكان، بهدف توسيع دائرة التجنيد وتنويع أدوات الابتزاز والإغراء والترهيب كذلك".

وأضاف أن "الاحتلال استغل أزمات القطاع المختلفة واستخدمها كأدوات فعالة في عمليات التجنيد، مثل فترات المجاعة ونقص الدواء، إلى جانب استغلال المساعدات الإنسانية كورقة ضغط، كما فتح صفحات وهمية تسوق للراغبين بالسفر للعلاج، ليتبين لاحقا أنها مجرد واجهات لمحاولات التجنيد".

وأشار الضابط إلى أن الاحتلال لجأ أيضا لأساليب التهديد المباشر، عبر اعتقال أشخاص من الحواجز والمناطق التي تعرضت لهجمات برية، ومساومتهم بالعمل لصالحه مقابل الإفراج عنهم.

وتابع: “لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل استخدم كذلك التهديد بالتصفية أو قتل أفراد العائلة للحصول على معلومات ودفع بعض الأشخاص للانخراط في العمالة”.

وسائل قذرة

وحول مراكز المساعدات الأميركية، أكد الضابط أن الهدف الرئيس من تلك المراكز كان تجنيد العملاء لصالح الاحتلال. مشيرا إلى وجود كبير للشاباك داخل غرف المراكز.

وكشفت التحقيقات عن تجنيد أعداد كبيرة من العملاء، فضلا عن محاولات الاحتلال لتجنيد أشخاص آخرين في تلك المراكز.

وأشار إلى إحدى الحالات الواقعية؛ حيث تلقى أحد المواطنين زيارة من جاره الذي أبلغه بأنه يمكنه الحصول على المساعدات من مركز المساعدات الأميركية في نيتساريم، بشرط أن يرافقه صباح اليوم التالي.

وعندما ذهب، فوجئ بوجود ضابط للاحتلال في غرفة في الشق الشرقي للمركز، وطالبه بتزويده بالمعلومات مقابل أن يحصل يوميا على طرد غذائي.

وأوضح الضابط أن ملف المخدرات، رغم كونه جريمة مكتملة الأركان، استغله الاحتلال أيضا كأداة لتجنيد وتمويل العملاء والمتخابرين. 

ولفت إلى أن الاحتلال سمح وسهل وصول المخدرات لعصابات موالية له، وعصابات عميلة، إضافة إلى عملاء يعملون بشكل منفرد، ما أتاح لهم التورط في التجارة بالممنوعات وتحقيق أرباح مالية طائلة.

وأضاف: "وفي الوقت نفسه، حقق الاحتلال هدفين، وهما إغراق القطاع بالمخدرات، واستخدام العائدات كوسيلة لتمويل وتشجيع العمالة، وأظهرت التحقيقات أن كثيرين ممن أُلقي القبض عليهم بتهمة التجارة بالمخدرات خلال الحرب لهم صلة مباشرة بالاحتلال، وتعاونوا معه لتحقيق أهدافه الأمنية".

وكشف الضابط أن شبكات التجنيد “كانت تعتمد بشكل كبير على الابتزاز الأخلاقي خلال الحرب؛ حيث كانت مهمتها توفير أدوات ضغط على أشخاص محددين لاستغلالهم في أعمال التجسس والعمالة لصالح الاحتلال”. 

وأضاف أن هذه الطريقة، رغم قدمها واعتماد الاحتلال عليها سابقا، نجحت خلال الحرب في الإيقاع بعدد من المتخابرين، ما ساعد الاحتلال في توسيع دائرة عملائه.

وأوضح أن الاحتلال اعتمد أيضا على أسلوب شراء ولاءات عائلات بأكملها، عبر التواصل مع مختاري العائلات أو الأشخاص المتنفذين فيها، بهدف تحويلهم إلى أدوات خدمة لمصالحه.

وقد تجسد هذا الأسلوب في شكل عصابات موالية للاحتلال مثل عصابة دغمش، أو عصابات أخرى تهدف إلى زعزعة الأمن داخل القطاع وجمع المعلومات لصالح الاحتلال.

وأكد الضابط أن هذا الأسلوب كان مؤثرا للغاية، وساهم في تعزيز مصالح الاحتلال خلال فترات الحرب، خصوصا في الأشهر الأخيرة منها.