مسؤول العلاقات الخارجية بحماس: "طوفان الأقصى" أعادت الروح لقضية فلسطين (خاص)

طوفان الأقصى مثل الجبل الناس يرون أعلاه فقط ولا يرون ما بداخله
أكد مسؤول دائرة العلاقات الخارجية بحركة حماس في الضفة الغربية جاسر البرغوثي أن الضفة تواجه إبادة صامتة منذ سنوات، وأن الاحتلال استغل حرب الإبادة في غزة للتعمية على ممارساته الشنيعة في الضفة.
وأضاف في حوار خاص لـ"الاستقلال" أن الذين يلقون اللوم على المقاومة بتنفيذها طوفان الأقصى نظرتهم قصيرة المدى ولا يرون الحقيقة على مساحتها الحقيقية.
وأكد أنه قبل طوفان الأقصى كانت القضية الفلسطينية في طريقها للاندثار، وكان الجميع في اتجاه تماهٍ عميق مع الواقع الذي كان يفرضه الاحتلال، وأوضح أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله على كل المستويات إيجابًا وسلبًا، غير أن المقاومة هي حق وواجب على كل شعب أرضه محتلة فضلا عن مقدساته وكرامته.
وعن العلاقات الخارجية لحماس أشار البرغوثي بأن الحركة فتحت الباب مشرعا لجميع الدول والجهات لتأسيس علاقات مع الحركة لكن على ثوابت المقاومة وأفكارها وليس بناء على تنازلات عميقة، وفي الوقت نفسه في ظل مرونة واضحة من الحركة.
واستشهد على ذلك بعلاقة الحركة بالنظام في مصر وكيف أنها احتوت الأحداث من بعد عام 2014، وأوضحت للنظام مدى تفهمها لما جرى كشأن داخلي مصري. وكذلك إبداء الحركة لأكثر من مرة عن استعدادها لعقد هدنة مع العدو.
وأوضح جاسر الملقب بـ"أبو همام" أن القضية الفلسطينية أكبر من أن تكون قضية فصيل بمفرده، مؤكدا أن الحركة منذ السيطرة على قطاع غزة عرضت على السلطة الفلسطينية أشكالا مختلفة من التواصل والتعاون في إطار ثوابت القضية الفلسطينية ومقتضياتها إلا أن السلطة كانت تنأى بنفسها، وتراوغ وراهنت على أمور غير مقبولة.
كذلك عرّجت "الاستقلال" مع البرغوثي على واقع المقاومة في الضفة وما الذي تحتاج إليه كي تستعيد بعضا مما فقدته على إثر الإبادة في غزة.
وأوضح بدوره أن مصير الشعوب المناضلة أن تتعرض لمثل هذه التراجعات على مدار التاريخ لكنها تعاود النهوض مرة أخرى حتى تنتصر وتقتنص حريتها، واستشهد من التاريخ على ذلك بمواقف عديدة.

الضفة الغربية.. واقع المقاومة والطوفان
كيف تصف لنا واقع المقاومة في الضفة الغربية ما قبل طوفان الأقصى وما بعده؟
الأوضاع في الضفة الغربية تاريخيا مشتعلة بين المقاومة والاحتلال، إذا نظرنا إلى عدد قتلى الاحتلال والعمليات التي تنفذها المقاومة ومحطات المواجهة ستجدها أكثر مما كان يقع في غزة أو في أي مكان من أرضنا المحتلة، الضفة دائما كانت مشتعلة، والكثير يريد أن يصور أن المشكلة فقط في غزة حتى يصرف الأنظار عن التحدي الذي يواجهه الاحتلال في الضفة ولأنه لا يريد أي تدخلات تخص الضفة؛ لأنه يعلم أنها مهمة وخطيرة بالنسبة له.
نحن كمقاومة في الضفة والاحتلال متفقان على عبارة واضحة "من يحسم ساحة الضفة هو المنتصر"؛ لأنها البؤرة الإستراتيجية بالنسبة للاحتلال، وبالتالي من مصلحة الصهاينة أن يعموا الأعين عن الضفة وما يجري فيها، إذا تأملنا رواية الصهاينة لإقناع العالم بقيام دولة إسرائيل ستجد أن الحديث كله يدور عن الأقصى والهيكل وغير ذلك، وهذه كلها رموز وأماكن في الضفة الغربية.
الضفة جغرافيا هي الدولة بالنسبة للاحتلال سلسلة الجبال فيها بشكل عملي تحمي دولة الاحتلال، على مستوى الموارد الضفة هي الأغنى والأكثر إمدادا للاحتلال بكل ما يحتاج إليه خصوصا المياه.
قبل الطوفان كانت هناك إبادة صامتة تدور في الضفة، ومن مصلحة الاحتلال أن لا يسلط أحد الضوء عليها. تلاحظ أن ممارسات الاحتلال كلها متركزة هناك، بدؤوا ببضع من المستوطنين، الآن نحن نتكلم عن مليون مستوطن تقريبا يسكنون الضفة الغربية، هذه أرقام مهولة مقارنة بعدد الفلسطينيين، وتلاحظ أن إخلاء الناس عملية مستمرة في الضفة ولا تتوقف من حين إلى آخر. إسرائيل تبيد الضفة بالفعل لكن تحت النيران الدائرة في غزة.
هل من الممكن أن نلقي الضوء أكثر على تأثّر الضفة من بعد الطوفان؟
من قبل الطوفان هناك حدث مؤثر جدا وكانت له انعكاساته على الضفة الغربية وهو حدث الحسم العسكري الذي نفذته حماس في غزة عندما سيطرت على القطاع.
وقتها مارس الاحتلال أبشع أنواع التضييق والاعتقال بل والقتل المستمر حتى لا تنضم الضفة إلى الحدث نفسه أو تكون جزءاً منه، وكانت ضربة قاصمة للمقاومة في الضفة وكان حدثا له انعكاسات شديدة، ووقعت أحداث تنطوي على العديد من التحركات من الأطراف كافة، وكانت القرارات وقتها تُتخذ تحت ضغوط شديدة.
الاحتلال رأى أنك ما دمت قد حققت انتصارا في ساحة ما يجب أن تخسر في ساحة أخرى، ولذلك أطلق وقتها عملية سماها "جز العشب"، وقال يجب ألا تقوم قائمة لحماس في الضفة.
أما بعد الطوفان فالاحتلال أيضا طبق سياسة انتهازية شديدة ضد أهل الضفة والمقاومة هناك؛ لأن المذبحة في غزة كبيرة ورهيبة، القتل في الضفة كان يمر ولا يهتم به أحد بنفس درجة الاهتمام بالإبادة في حق أهلنا في غزة، فتوسعت عمليات القتل وهدم المنازل والاعتقال والتنكيل بالمقاومين وطرد الناس من بيوتهم.
هل يعني ذلك الواقع أن الإبادة وما حدث بعد الطوفان جعلت استعادة المقاومة لعافيتها مرة أخرى أمرا صعبا؟
لم نسمع عن شعوب تحررت إلا وتعرضت لما نتعرض له، خصوصا الشعب الفلسطيني منذ عام 48، بعد كل مذبحة أو مقتلة يتوقع البعض أن المقاومة قد انتهت، ثم بعد ذلك نجد المقاومة موجودة في بؤرة جديدة وبقوة أشد مما كانت عليه من قبل.
انظر إلى المتحف الموجود في فرنسا من جماجم المجاهدين، كلها دلائل تشير إلى احتمالية انتهاء المقاومة إلا أنهم كانوا يعودون ويمارسون عملياتهم ضد المحتل.
ما دام الاحتلال قائما فالمقاومة موجودة والشعب الفلسطيني خير دليل على هذه المسألة. وفي هذا الإطار أذكر عندما قال لي المحقق الصهيوني بعد اعتقال إحدى خلايا المقاومة في الضفة.. قال لي أنتم آخر خلية للمقاومة في الضفة ولا توجد أي خلية بعدكم، قلت له ما زالت هناك خلية أقوى وهي "الشعب الفلسطيني نفسه". ما دامت الأرض مغتصبة لن نتوقف عن مطاردتكم.
هل توجد مجالات أو قنوات للتواصل بين المقاومة في الضفة والسلطة؟
نحن نؤمن أن قضيتنا خصوصا في هذه المرحلة تحتاج إلى تعاضد جميع أبناء الشعب الفلسطيني، قضيتنا أكبر من فصيل، وأوصلنا هذه الرسالة إليهم بعد الطوفان.
لكنهم تصرفوا على نحو عجيب لدرجة أنهم عطلوا الجامعات والمدارس وبعض الخدمات لفترة عند وقوع طوفان الأقصى وكأنهم دولة غير الدولة وكأنهم ليسوا طرفا وكأن القضية ليست قضيتهم! تصرفوا كأن العملية أشبه بوباء كورونا، حتى لا يتظاهر أحد أو يتفاعل أحد مع الحدث.
هذا جعل بعض الدول أو الجهات تتذرع بأنه إذا كانت السلطة المفترض أنها فلسطينية أصلا تعمل ضدكم فكيف تريدون منا أن نساعدكم؟!
برأيكم.. ما الذي ينتظر الضفة في الفترة القادمة مع وجود مؤشرات سلبية عديدة من ممارسات احتلالية غير مسبوقة؟ إلى أين الضفة ذاهبة؟
على العالم أن تبقى عيونه مفتوحة على الضفة وما يحدث فيها، لأن العدو يرى أنه إذا كانت الإبادة قائمة في غزة ولا يستطيع أحد أن يوقفها فمن الطبيعي أن يفعل هو بالضفة ما يشاء وهو مطمئن.
طبعا من الوارد بشدة أن يتغير وضع الضفة الغربية للأسوأ مع الوقت وأن يحقق فيها العدو ما يريد، لا أريد أن أجزم بذلك لكن المعطيات على الأرض توحي بقلق بالغ أو دولة الاحتلال تسعى بشكل عملي لضم الضفة والتنكيل بأهلها وبالمقاومة هناك.
الاتحاد الأوروبي يدعي أنه لن يسمح بضم الضفة وأنها تابعة لدولة فلسطينية ما، إلا أن كل إجراء يتخذه الاحتلال لا يجد له رادعا، الآن مليون مستوطن موجودون في الضفة، الآن بن غفير قام بتسليح حوالي 140 مستوطنا والحبل على الجرار، بعد أن كانوا يقولون إن المستوطنين المتطرفين تجري ملاحقتهم من الدولة الآن يسلحونهم ولا أحد يتحرك.. نعم الضفة على شفا مرحلة خطيرة وغير مستبعد أي إجراء من الاحتلال تجاهها.

العلاقات الخارجية.. التوازن والمرونة والثوابت
كيف وجدتم واقع علاقاتكم الخارجية بعد طوفان الأقصى؟ هل تغيرت مكونات المشهد في هذا الإطار؟
النجاح الحقيقي في تكوين العلاقات الخارجية بالنسبة لأصحاب القضايا هو أن تكون على وعي تام باحتياجات الدول وكيف أنها ستستفيد من وراء قضيتك، طبعا هناك جهات ودول من الممكن أن تقف إلى جانبك دون أن تعود عليها منافع أيضا لمجرد أنك صاحب قضية، لكن الأصل في الأمر هو تبادل المصالح.
بالنسبة لطوفان الأقصى هو طوفان في كل شيء، وعندما نتخذ خطوة من الطبيعي أن نكون مستعدين لانعكاساتها سواء السلبية أو الإيجابية، نحن قدمنا الفعل ومن الطبيعي أن نجد رد فعل سواء من الاحتلال أو من الدول الصديقة أو الدول المحايدة أو تلك التي تخدم أهداف الاحتلال.
كل الجهات لها رد فعل تجاهنا، بعد الطوفان وجدنا دولا تريد الوقوف إلى جانبنا لكن بدرجات متفاوتة وعلى حسب مدى استعدادها ونحن قدّرنا ذلك، حتى رد فعل الدول التي تقف إلى جانب الاحتلال تعاملنا معه.
ومشهد العلاقات تأثر هذا أمر مؤكد مثل ما قلت إن الطوفان كان فعلا ومن الطبيعي أن تكون له ردود فعل متنوعة ونحن بصدد التعامل مع المتغيرات جميعا.
كيف تفتحون آفاقا جديدة لترميم العلاقات الخارجية للمقاومة من بعد "طوفان الأقصى"؟
العلاقات الخارجية لحماس بشكل عام تعتمد على عدالة قضيتها، ونحن حاليا بنظر العالم لسنا مجرد تنظيم ولا نتحدث مع الدول على أننا مجرد حركة لها أهداف سياسية.
وبسبب تشعب المصالح والروافد التي تفتحها القضية الفلسطينية على العالم تتعامل معنا الدول بدرجة أعلى من كوننا حركة وهنا، كما ذكرنا، تتدخل المصالح وتتلاقي الأهداف.
نحن نتحدث باسم قضية تهم أكثر من مليارَي مسلم حول العالم بل تهم كل الأحرار حول العالم، بالتالي علاقاتنا مع الدول هي علاقات لها حسابات الدول وليس مجرد الحركات.
الحركة لها ثوابت عامة في العلاقات وتفتح الأبواب دائما على مصاريعها وكل دولة تقدر الأمور وفق ما تريد. هناك دول أخرى تصل لدرجة التعطيل إذا استطاعت أن تعطلك فإنها تفعل.
نريد أن نسجل هنا نقطة مهمة أن البعض يستهين بالتاريخ وعقابه، كل الجهات الطاغية التي احتلت أو ظلمت غيرها وجدت من يقف إلى جانبها من الخونة والغادرين لكن كلهم يرحلون ولا يبقى سوى سيرتهم وشهادة التاريخ عليهم بأنهم كانوا خونة. عندما تريد حماس فتح علاقات مع دولة ما فإنها تفتح لها الباب للوقوف إلى الجانب السليم لأن قضيتنا عادلة.
وتوسُّعا في هذه المسألة أقول: نحن كالمياه، عندما تُسد القنوات في طريقها من الطبيعي أنها تنسال في اتجاهات أخرى، ونكررها أن ذلك لا يكون على حساب المبادئ أو ثوابت قضيتنا.
عندما سألونا لماذا لا تتعاونون مع دول بعينها سألناهم: ولماذا هذه الدول لا تريد أن تعمل معنا؟ نحن لا نرفض أن يتعاون معنا أي أحد بل كنا مرِنين جدا وفي غاية السهولة لنهاية الطريق، لكن عندما تتعلق الأمور بثوابت القضية يكون من الصعب أن نتنازل.
عندما تم اللعب على الوتر الطائفي وقالوا سُنة وشيعة ولماذا تتعاملون مع إيران! يا سادة، الباب مفتوح ونحن عندما نتعامل مع إيران لا نتعاون معها لأنها شيعية، نتعاون ونقبل تعاونها معنا لأنها مؤمنة بأننا أصحاب حق، وفي الوقت نفسه تتلاقى مصالحهم مع مصالحنا ولا وجود لفكرة سُنة وشيعة في الأمر، كل من يرانا أصحاب حق ويريد أن يتعاون معنا على قاعدة ثوابت قضيتنا وأصولها أهلا وسهلا به.
عندما تجد دولة تقدم لك ما يمكنها من المساعدات وما تحتاج إليه سياسيا أو عسكريا ودولة أخرى تمنع عنك أبسط ما تريد.. مع مَن ستؤسس علاقاتك؟ الإجابة واضحة.
نعم نحن نحتاج إلى توثيق وتقوية علاقاتنا الخارجية، وثوابتنا يعرفها الجميع ومرونتنا أيضا معروفة، كنا مرنين جدا في كل الأحوال ومن يريد أن يمد يده فأيادينا ممدودة إليه.
لو تكلمنا بصراحة مثلا النظام المصري عندما كانت لديهم مشكلة داخلية مع جماعة الإخوان المسلمين ووجدنا أن هذا سيؤثر على علاقتنا بهم قلنا لهم نعم نحن خرجنا من رحم الإخوان وفكرنا هو فكر إسلامي لكن مشكلتكم الداخلية لا علاقة لنا بها، وعلاقتكم معنا مبينة بالأساس على حق الشعب الفلسطيني في حريته.
أوضحنا لهم أننا نفصل بين الأمرين وهذا شأن داخلي لديكم، لكنهم يتعاملون بنفس الحساسية ونفس الحسابات السياسية الضيقة في أوقات كثيرة وفي أوقات أخرى يتعاونون.
ما أبرز العوائق التي تواجهكم عند تدشين علاقات خارجية مع دول تظنون أنها قد تخدم قضيتكم؟
العائق الأكبر أن البعض قد يرى أن الفكرة الإسلامية تهدد وجوده في الحكم لذلك يتجنب إقامة علاقات معنا، فهم يعلمون أن العزة مُعدية والانتصار معدٍ وربما ينعكس انتصارنا على تلك الدول، أو تكون علاقاته معنا غير معمقة أو غير خادمة له، ومن الدول من يرى أن الفكرة نفسها غير مرحّب بها وتؤثر على علاقاته بدول محددة. المسألة لها أبعاد ومعايير كثيرة ومتنوعة.
أخيرا صدرت وثيقة "مؤتمر حل الدولتين" وتدعو المقاومة في غزة إلى التخلي عن سلاحها وتسليمه للسلطة الفلسطينية.. كيف ترون دعوات المقاومة لإلقاء السلاح بشكل عام؟
هل يُعقل أو تطالب مقاومة بتسليم سلاحها أمام احتلال بهذا المستوى من الإجرام؟ منذ متى والناس تنجو من المجازر إذا سلموا أسلحتهم؟ هم يبيدوننا ويقتلون منا الأطفال والشيوخ والنساء ونحن في يدنا السلاح فما بالنا إذا تجردنا من هذا السلاح؟!
كل التجارب تقول: إن من يلقي سلاحه يباد أيضا بل ويفرض على شعبه أوامر ينفذها مكرها ولا ينجو أيضا من القتل والتاريخ مليء بشواهد على ذلك أقربها تسليم المقاومة سلاحها في لبنان بعدها كانت المذابح.
نحن نادينا بدولة فلسطين الحرة عندما تقام هذه الدولة بالفعل وتكون لها مؤسساتها ومكوناتها تسلم المقاومة سلاحها بالفعل وتندمج في هذه الدولة، لكنك تقول لي سلم سلاحك وبعدها سوف أعطيك دولة! هذا أمر غير مقبول وغير وارد.
برأيك.. إلامَ يحتاج الخطاب الإعلامي المقاوِم العسكري منه والسياسي بحكم انعكاسه أيضا على العلاقات الخارجية؟
لا ننكر أننا مقصرون في هذا الملف بشكل أو بآخر، ما نحتاج إليه إعلاميا طبعا الكثير والكثير، القدرة على تقديم خطاب احترافي واعٍ متفهم لطبيعة القضية، وأمور فنية كثيرة.
يجب أن نوصل إلى العالم من خلال الإعلام أننا لن نريد أن نعيش من أجل الطحين والخبز مثلا، نحن نبحث عن حريتنا وكرامتنا قبل الطحين والخبز، هذه مسألة مثلا تحتاج إلى جهد إعلامي وتركيز وتكثيف.
قضية أخرى يجب التركيز عليها والعمل عليها إعلاميا أننا نقع تحت احتلال نحن الوحيدون الباقون تحت الاحتلال.. لماذا؟ إعلامنا يجب أن يعمل على مثل هذه القضية بقوة واحترافية.
الإعلامي المناهض لقضيتنا يظهرنا أننا نريد الضرر بالآخرين ونبحث عن الجريمة والقتل إعلامنا يجب أن يعلم كيف يواجه هذه الأكاذيب ويقدم المواد التي تدحض هذا كله ليس من خلال السرديات فقط بل من خلال العمل الإعلامي المبدع والمحترف. نعم لدينا قنواتنا ومنصاتنا لكننا نحتاج إلى مزيد من الجهد والشراكات والعلاقات والارتقاء الفني في هذا المجال.
هل بذلتم جهدا في هذا الإطار لدحض رواية الاحتلال إعلاميا؟
نحن أطلقنا منذ بداية الحرب ما أسميناه "هذه رواية الطوفان" عبر منصات مختلفة لكن طبعا تمت مواجهتنا وحظرنا من معظم المنصات ودُفع نحونا جيوش من إعلام الروايات المضللة ولكننا ما زلنا نبذل جهدا في هذا الإطار والمعركة الإعلامية دائرة.
ورغم ما يبذلونه ضدنا من جهد إلا أن الحقيقة تظل هي الرهان الحقيقي، الحقيقة تظهر للعالم مع مرور الوقت، صور الأطفال والشيوخ والنساء الذين يقتلون بلا ذنب أو جريرة تطغى على كل الأكاذيب التي يروجون لها حول العالم.
كيف ترون الحراك الشعبي في بعض بلدان العالم مناصرة لغزة والقضية الفلسطينية.. ما حدث في أستراليا أخيرا على سبيل المثال؟
هذه طبيعة الأشياء إذا تركنا الأمور على طبيعتها دون مؤامرات أو دون تضييقات، الطبيعي جدا أن يكون الإنسان الطبيعي ضد الإجرام والظلم واغتصاب الأراضي.
هذه الأصوات الحرة التي تجوب العالم هي أصوات لأناس يملأهم العدل من داخلهم، وهم عندما يقفون إلى جانب القضية الفلسطينية فإنهم يقفون إلى جانب إنسانيتهم أولا.
نعم نحن نحاول توظيف ذلك في مواجهة عدونا ونضغط في هذا الاتجاه، ولا نفوت هذه الأمور، لأنها دليل قاطع على أن جانبنا هو الجانب الصواب، عندما نجد أوروبيين وأفارقة وآسيويين ومن كل جهات الأرض يرفعون العلم الفلسطيني في الحفلات والمناسبات الرياضية والثقافية والتعليمية وغيرها.. كل هذا نراه في الحسبان ونسعى لتوظيفه بأشكال مختلفة في التعامل مع عدونا ومع الأطراف المتداخلة في قضيتنا.
من الطبيعي أن تكون حماس لديها رؤية لما بعد انتهاء الحرب في غزة.. إلى أين أنتم ذاهبون إذا وضعت الحرب أوزارها؟
نحن بندقيتنا ليست عمياء، فمبدئيا لا نسعى لأي قتل أو إيذاء، أي رؤية تحافظ على قضيتنا حية حتى نسترد أرضنا وحقوقنا نحن معها.
العالم كله يعلم أننا انطلقنا بهدف استقلالنا وإقامة دولتنا التي اغتصبت منا، وليتذكر العالم أننا عرضنا هدنة من قبل لعشر سنوات وإقامة دولة على حدود 67 لدرجة أن هذا الاقتراح كان مرفوضا حتى من قبل بعض عناصر الحركة، لكننا أردنا أن نقدم مرونة واسعة ونظهر أنه ليست البندقية فقط التي تتكلم بل هناك عقل واع واستعداد للتعاون وفق طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم.

السلطة الفلسطينية وأوسلو..
كيف ترون أداء السلطة الفلسطينية وتعاطيها مع الأحداث من بعد السابع من أكتوبر؟
للأسف السلطة مارست دورا انتهازيا ضد المقاومة، وقوفها موقف المتفرج حتى يتم القضاء على المقاومة لتتسلم هي إدارة القطاع هذا تصرف في غير محله حتى في شريعة الغاب ترى أخاك يُذبح وتتفرج لتحل أنت محله!.
هناك من هم داخل السلطة قالوا لقياداتهم لن تكون هناك غزة إذا سقطت المقاومة ولن تتسلموا الحكم هناك. للأسف هم حتى لم يكونوا محايدين بل سعوا لتعقب المقاومين مثلا في جنين وفي طولكرم، وعندما عجزوا دخل الاحتلال ليكمل الدور.
لقد لعبوا دورا سلبيا لن ينساه التاريخ لهم، لقد أظهروا أنهم يتمنون هزيمة المقاومة من أجل مصالحهم للأسف.
كيف ترون امتداد آثار اتفاقية أوسلو على أهداف المقاومة حتى الآن وبعد مرور كل هذه السنوات؟
حماس وفصائل أخرى كانت تستشعر مدى خطورة توقيع اتفاقية أوسلو، نعلم والجميع يعلم أن أي محتل دائما يسعى إلى هندسة الشعب الذي يحتل أرضه.
الصهاينة كانوا يرون أن استقطاب فئة أو فصيل من الشعب الفلسطيني نحو اتفاقيات مقيدة هو حل رائع بالنسبة إليهم، لأن هذا يحول هذا الفصيل لأفراد يبحثون عن مصالحهم وللأسف مصالحهم طبعا ارتبطت بهذه الاتفاقيات.
هم نجحوا بالفعل في ذلك، فوجدنا فلسطينيين مثلنا مصالحهم متشابكة ومترابطة مع مصالح الاحتلال بسبب أوسلو. وطبعا هذا وسع الفجوة وزاد من صعوبة الموقف بالنسبة للمقاومة وأفرادها.
كل شعب فيه منتفعون وعندما يربط الاحتلال بين مصالح المنتفعين ومصالحه يصعب الأمور على المقاومة.
أوسلو مثلت انتكاسة لنا لا شك في ذلك، نحن شعب ذخيرته الحقيقية هي الشباب وعندما يتم تحييد عدد من هؤلاء الشباب باسم دولة وهمية ووظائف ومرتبات ووعد بحياة مستقرة فإننا لا شك خسرناهم بل وتحولوا إلى سهم يطعننا داخليا وهذه الطعنة تكون أشد من طعنة الاحتلال.
للأسف لا يريدون أن يسمعوا أنه في لحظة كل هذا ينتهي، الآن أين هي الدولة التي وعدوكم بها؟ كل وعد من الصهاينة لشباب أوسلو والسلطة أصبحت سرابا.
وعدوهم أنه بعد خمس سنوات ستكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة! أين هي الآن؟! لذلك قلنا لهم ونقولها دائما إن ضريبة العزة أقل بكثير من ضريبة الذل. وهي الأصدق على أرض الواقع. لا يوجد شعب تحرر بتوقيع سلام مبهم ووهمي مثل أوسلو.

الطوفان والاتهامات المعلّبة..
كيف ترون الرأي القائل بأن مواجهة الاحتلال بوتيرة بطيئة ومتباعدة كان أفضل مما حدث في السابع من أكتوبر وبأن الطوفان كان تهورا غير محسوب؟
هؤلاء يستعجلون في الحكم.. الطوفان بدأ ولن ينتهي الآن، ونحن كنا نتعرض لإبادة صامتة من قبل طوفان الأقصى سواء في غزة أو في الضفة أو في أي أرض يحتلها الصهاينة.
الحكم الآن على الطوفان فيه تعجل شديد، وما يحدث الآن هو فرصة لأقلام صفراء وأصحاب نفوس لا تتمنى الخير للفصائل المقاومة لذلك يروجون بشدة لهذه الآراء.
لا نقول بأن الثمن بسيط نعم الثمن غال والشعب يدفعه الآن نتاج مواجهته للعدو، لكن المقاومة بعد طوفان الأقصى سعت بكل قوة لوقف الإبادة والمقتلة الحاصلة من خلال مرونة واضحة في المفاوضات.
من يريد أن يخطئ المقاومة لأنها أسرت عددا من العدو وقتلت عددا من جنوده وأرادت بهذا أن تخرج أسرانا من السجون وتحرر أرضنا هو الخاطئ وهو يحتاج لمن يوضح له الأمور، أو أنه بالأساس لا يريد أن يسمع ويعمل أصلا ضد المقاومة ويريد أن يظهرها في المربع الخاطئ.
الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني عموما اليوم هو مستمر في دفعه منذ زمن والمقاومة وأبناؤها في المقدمة والواقع يتحدث بكل وضوح. نقول لهؤلاء كونوا مع المقاومة أو على الأقل لا تخذلوها وتتهموها.
قبل عام من طوفان الأقصى قالها يحيى السنوار بأننا ذاهبون إلى خطوة إما نحقق بها دولة على أرض الـ 67 أو يتم عزل إسرائيل عن العالم بشكل أو بآخر. والآن عزلة إسرائيل تتزايد وتتوسع.
أريد أن أقول إن طوفان الأقصى مثل الجبل الناس يرون أعلاه فقط ولا يرون ما بداخله، وتوقعي أنه ستكون له توابع سلبية على دولة الكيان المحتل خصوصا مع المستقبل.
بهذا الصدد نريد أن نسلط الضوء على أن نتنياهو لا يريد أن تتوقف الحرب وهذه المقتلة.. لماذا؟ لأنه يعلم أن دولته ستدفع الثمن بعد أن يدفع هو أيضا الثمن.
على المستوى الشخصي.. أنت قُدمت عملا عسكريا ضد الاحتلال منذ الصغر وكوّنت خلايا مقاومة في الضفة. ما أبرز الشخصيات العسكرية في الحركة التي أثرت في أدائك في هذه المرحلة؟
الحقيقة أنا تأثرت في هذا الإطار بشخصيتين لهما تأثير كبير في العمل ضد الاحتلال أولهما هو عمر البرغوثي (أبو عاصف) فقد شارك في العمل ضد الاحتلال وكون في البداية مجموعة أو خلية عمل عسكري ضد الاحتلال مكونة منه هو وأخوه وابن عمه فقط، وكان له سبق شاسع في العمل العسكري وكانوا يحسبون له ألف حساب وهو أخو عميد الأسرى نائل البرغوثي، حتى إن هذا الرجل قال عنه الشهيد يحيى السنوار إنه لو كان الشعب الفلسطيني في صف وأبو عاصف في صف آخر سأكون في صف أبو عاصف من شدة ثقته في رؤيته وإخلاصه لقضيته.
أما الشخص الثاني الذي تأثرت به بشدة هو يحيى السنوار، تأثرت به على مستويين، المستوى الأول ما يخص العزة والرجولة والحفاظ على الكرامة لم يكن أحد يضاهيه في هذه الثوابت أبدا، في العزة والكرامة كان يدرب نفسه على أن لا يحتاج إلى أحد أبدا.
كانوا أحيانا يمنعون الزيارات بالسنة والسنتين وكان يجهز نفسه دائما على أنه في غير حاجة إلى أحد كان يخلع قميصه يغسله وينتظره ليجف ليرتديه ولا يطلب من أحد شيئا، كان دائما يريد هو أن يقدم للآخرين.
المستوى الثاني ما يخص الرؤية المستقبلية والتخطيط تأثرت به جدا في هذا الشأن، وفي هذا السياق أذكر عندما أشرف السنوار على الموت داخل السجن بسبب المرض وكانت إدارة السجن تنوي تركه ليموت من المرض فعلا، وكان هناك طبيب إسرائيلي أصر على أن يعالجه حتى يفتخر بذلك وبعد أن عالجه بالفعل أو شارك في علاجه قال للسنوار يا يحيى أنا قدمت لك خدمة فماذا ستقدم لي مقابل ذلك؟ فضحك أبو إبراهيم وقال له بكل عزة هذا وعد مني أنك إذا وقعت في الأسر عندنا ستخرج بدون مقابل. هذه العزة وهذه الثقة بالله تعلمتها أكثر من يحيى السنوار داخل السجن.