ثلاثة خيارات أحلاها مر.. بدائل إسرائيل للتعامل مع حماس في غزة

"إنهاء الحرب سيسمح ببدء عملية التعافي وإعادة هيكلة المجتمع الإسرائيلي"
يواجه قطاع غزة واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في التاريخ المعاصر، وسط مجاعة يتعرض لها أكثر من مليوني نسمة بفعل الحرب والحصار ومنع التدفق الطبيعي للمساعدات الإنسانية.
ويعيش الأسرى الإسرائيليون لدى الفصائل الفلسطينية الظروف ذاتها التي يعيشها الشعب الغزي المحاصر، وهو ما ظهر جليا في مقاطع فيديو نشرتها المقاومة لعدد من الأحياء منهم.
وحسب مقال نشره موقع "القناة 12" العبرية، وكتبه اللواء احتياط تامير هيمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، فإن "إسرائيل اليوم تواجه خيارات صعبة تنطوي على ثمن باهظ ومخاطر إستراتيجية جسيمة".
وأوضح أن هذه الخيارات ستكون عبارة عن "مواجهة عزلة دولية غير مسبوقة، أو الاستسلام بما يعزز الإرهاب الفلسطيني لأجيال قادمة، أو خوض حرب استنزاف طويلة الأمد تزيد من الإنهاك الداخلي"، وفق زعمه.

واقع أليم
ويرى هيمان أن فشل المفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى جانب "المشاهد المؤثرة" للأسرى، أجبرا إسرائيل على فتح نقاش حول الإجراءات الممكن اتخاذها في ظل رفض الحركة إطلاق سراحهم.
وتساءل الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية عما إذا كانت حماس قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن "الوضع الحالي يتيح لها ابتزاز إسرائيل إلى أقصى حد، وفرض شروط تضمن انتصارها".
وتشمل هذه الشروط المحتملة “الإفراج عن عناصر النخبة (القسامية) الذين نفذوا عمليات القتل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
وأيضا “ربط الإفراج عن الأسرى بإعادة إعمار قطاع غزة بنفس الوتيرة، بحيث لا يُفرج عن الأسير الأخير إلا بعد اكتمال إعادة الإعمار”. وفق تقديره.
كما قد تشمل الشروط الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة دون الاحتفاظ بأي منطقة أمنية قرب المستوطنات.
وإفراغ السجون من الأسرى الأكثر خطورة، ورفض أي مقترح لنزع السلاح أو تفكيك البنية العسكرية لحماس.
وفي ضوء ذلك "الواقع المؤلم"، بحسب وصف هيمان، تبرز ثلاثة خيارات رئيسة للتعامل مع الأزمة.
وهي: "إنشاء المدينة الإنسانية (جنوب القطاع) مع تشجيع الهجرة الطوعية، أو التوقف عن الحرب بشروط حماس، أو حرب استنزاف طويلة".
ضغط عسكري
وأوضح هيمان أنه "وفق تصور مقترح المدينة الإنسانية، سيُنقل كامل سكان قطاع غزة إلى مخيم لاجئين ضخم بين منطقتي المواصي ورفح، ليصبح المكان الأكثر كثافة سكانية في العالم، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي من جميع الجهات".
ويقدر أن "الظروف القاسية في هذا المخيم ستدفع الناس للهجرة طوعا إلى دول مستعدة لاستقبالهم كلاجئين".
ولتحقيق ذلك، أفاد بأن "الجيش الإسرائيلي سيضغط عسكريا من الشمال إلى الجنوب، من خلال التوغل داخل مدينة غزة ومخيمات المنطقة الوسطى لدفع السكان نحو هذه المدينة".
ومع ذلك، يحذر الخبير العسكري من أن "هذا المسار يعرض حياة الأسرى للخطر"، وذلك في ضوء ترجيحه بأنهم "محتجزون في الأنفاق تحت الأرض، وهو ما يعني أن أي محاولة للتسلل إليهم ستؤدي إلى مقتلهم".
علاوة على ذلك، يقدر الموقع أن "حماس ستختفي إما مع السكان الذين يفرون جنوبا، أو تحت الأرض مع الأسرى".
وأضاف: "حتى إذا جرى القضاء على العناصر الأخيرة تحت الأرض، فإن حماس التي انتقلت إلى الجنوب ستظل موجودة بين السكان وتعود للعمل كحركة مقاومة أو تنفذ حرب عصابات".

انتصار حماس
أما السيناريو الثاني؛ بعنوان "قبول شروط حماس وإنهاء الحرب"، فهو يعني أن "إسرائيل ستوافق على مطالب الحركة الحالية كافة، بما في ذلك وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل من غزة، والإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين".
ورجح الموقع أنه "في حال تنفيذ هذا الاقتراح، فستصر إسرائيل والولايات المتحدة على تشكيل سلطة بديلة في غزة، وقد توافق حماس على ذلك، لكنها سترى فيها مجرد حكومة صورية تتحكم هي بمفاصلها من خلف الكواليس".
ويرى أن هذا الخيار "قد يؤدي إلى إعادة معظم الأسرى الأحياء وبعض الجثث". واستدرك: "لكن من المحتمل أن تُبقي حماس على عدد من الأسرى، أو تُظهر عدم وضوح مصيرهم كورقة ضغط لمنع استئناف القتال".
أما بالنسبة لهدف القضاء على حماس، فيقدر هيمان أن “الحركة، رغم الضربات العسكرية التي تلقتها، ستستمر كتنظيم إرهابي وتشكيل عصابي، وستدّعي تحقيق نصر إلهي، خاصة مع مشاهد الإفراج عن الأسرى وانسحاب الجيش، ما سيُعد انتصارا بالنسبة لها”. وفق تعبيره.
وأضاف: "ستتفاقم هذه الرواية مع تصاعد الانتقادات الداخلية في إسرائيل، حيث سترتفع أصوات تتهم الحكومة بأن ثمن الحرب كان بلا جدوى وأن حماس حققت النصر".
معركة استنزاف
ويأتي السيناريو الثالث تحت عنوان "الاستنزاف". ووفقا للمقال، ففي هذا المخطط، لن ينسحب الجيش الإسرائيلي بل سيثبت وجوده من خلال إقامة مواقع عسكرية ثابتة داخل قطاع غزة.
وأضاف: "كما سيعمق الجيش الإسرائيلي عملية تدمير البنية التحتية تحت الأرض في كامل المنطقة الواقعة تحت سيطرة قواته، بهدف تقليص فعالية تكتيكات حرب العصابات التي ينفذها مقاتلو حماس".
وأردف: "من هذه المواقع الدفاعية التي سيتمركز فيها الجيش، ستنفذ القوات الإسرائيلية عمليات هجومية منتظمة داخل الشريط الساحلي، يشمل مدينة غزة والمخيمات الوسطى ومنطقة المواصي".
وتابع: “ستدخل المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة بهدف دحض ادعاءات التجويع المتعمد وتخفيف بعض الضغوط الدولية”. وفق تعبيره.
وبخصوص تداعيات هذا السيناريو على تحرير الأسرى، قال هيمان: "مع مرور الوقت وعدم وجود تنازلات من الجانب الإسرائيلي، ستزداد حالة الرهائن سوءا، لكن أيضا لن يتحسن وضع حركة حماس، بل ستستمر في التدهور وفقدان الأمل".
وأضاف: "تظل فرصة التوصل إلى صفقة تبادل قائمة طوال هذه الفترة، مع اعتماد نجاحها على الوضع الداخلي لحماس". ومع ذلك، لفت إلى أنه "من المحتمل أن يقل عدد الأحياء منهم عند تنفيذ الصفقة".
وفيما يتعلق بهدف القضاء على حماس، أشار إلى أن الحركة "ستستمر في التدهور بشكل بطيء وطويل الأمد". ويرى أن "الغضب الشعبي في غزة سيزداد مع استمرار فترة الإرهاق والتعب".
ورغم ذلك، لفت إلى أن حماس ستنجح في الاحتفاظ بقوتها العسكرية كما في كل السيناريوهات السابقة، لكنها هذه المرة لن تتمكن من إعلان النصر". بحسب تقديره.

الأقل سوءا
وشدد هيمان على أن “كل تلك الخيارات سيئة، لكن لا بد من اختيار أقلها سوءا”، مضيفا أن "الخيار الأول (الضغط العسكري) سيؤدي إلى عزل إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية، وإقصاء الإسرائيليين من الأوساط الأكاديمية والعلمية العالمية، كما سيبرر الادعاءات بانتهاك القانون الدولي".
كما حذر من أن هذا السيناريو "سيعزز من قوة التنظيمات الفلسطينية في غزة؛ لأن التجربة تشير إلى أن لا شيء جيدا ينمو في مخيم لاجئين ضخم".
وأضاف: "من جهة أخرى، سيقع العبء الاقتصادي المترتب على إدارة قطاع غزة على عاتق دافع الضرائب الإسرائيلي".
وأفاد بأن “التكلفة الاقتصادية المرتبطة باحتلال القطاع ثقيلة؛ حيث تشير تقديرات الجهات الأمنية إلى الحاجة لنحو 25 مليار شيكل (7.29 مليارات دولار تقريبا) سنويا للنفقات العسكرية”.
وكذلك "نحو 10 مليارات شيكل (2.92 مليار دولار تقريبا) إضافية سنويا لتوفير الخدمات الأساسية للسكان المحليين، بما في ذلك الكهرباء والمياه والخدمات الطبية والغذاء".
ونبه إلى أن "الصدمة الأكثر إيلاما ستكون المتعلقة بالتضحية بالأسرى؛ إذ ستترك ندبة عميقة في التماسك الاجتماعي الإسرائيلي".
في المقابل، أشار إلى أن "هناك من سيرحب بالعودة (احتلال) إلى أراضي غزة وإمكانية استئناف الاستيطان هناك، وهي ميزة لأولئك الذين يرون في ذلك تحقيقا للهدف الوطني للدولة اليهودية، وانتصارا كاملا"، وفق قوله.
وتابع: "أما الخيار الثاني، الذي قد يمنح حماس نصرا شكليا مع احتمال تحرير معظم الرهائن، فسيأتي بثمن مؤلم للغاية؛ حيث يتوقع أن يؤدي إلى زيادة الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، كما سيُضعف القدرة على الردع في مواجهة عمليات الخطف المستقبلية".
وأردف: "من الجانب الآخر، سيحقق هذا الخيار معظم أهداف الحرب، بينما يمكن نظريا تحقيق الهدف الآخر (القضاء على حماس) في المستقبل، رغم أن الكثيرين يشككون في ذلك بناء على ذات الوعود في الماضي".
وأضاف: "كذلك، فإن إنهاء الحرب سيسمح ببدء عملية التعافي وإعادة هيكلة المجتمع الإسرائيلي وسياسته الأمنية". وهكذا، يبدو أن كلا من الخيارين المذكورين يعاني من إشكاليات، ولذلك دعا هيمان الجيش الإسرائيلي لتبني السيناريو الثالث (معركة استنزاف).
فهو، “الخيار الوحيد الذي يحافظ على المرونة للتطور نحو الخيارين الآخرين، كما أنه يوقف النزيف السياسي لإسرائيل”، بحسب تقديره.
من الناحية العسكرية، يرى أن هذا الخيار "يتيح إعادة تعزيز جاهزية الأفراد للقتال، ويقلل من التحديات الأخلاقية التي يواجهها الجيش الإسرائيلي يوميا".
واختتم: "في هذا الخيار، قد يتيح مرور الوقت فرصا جديدة غير متاحة حاليا، وقد يقلل الثمن الذي تطلبه حماس، مما يجعل إنهاء الحرب (في وقت لاحق وبظروف وشروط أفضل) الخيار المفضل".