ثلاث رسائل.. ماذا تهدف "الحوثي" من وراء الحكم بإعدام أحمد عبد الله صالح؟

"حكم بلا قيمة قانونية، لكنه محمّل برسائل سياسية عميقة"
في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات عديدة بخصوص توقيتها ودلالاتها، أصدرت محكمة عسكرية تابعة للحوثيين، حكما بالإعدام بحق "أحمد" نجل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، ومصادرة ممتلكاته، بتهمة "الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو".
الحكم الصادر في 31 يوليو/ تموز 2025، قضى أيضا بـ"استرداد الأموال المختلسة في جريمة الفساد، إضافة إلى عقوبات تكميلية متعلقة بالوظيفة العامة"، فيما لم يصدر أي تعليق من أحمد علي صالح، ولا من حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يُعد هو أحد شخصياته.
وأحمد علي عبدالله صالح، هو النجل الأكبر للرئيس الراحل علي عبدالله صالح ويبلغ من العمر 53 عاماً، وكان يشغل منصب قائد قوات الحرس الجمهوري خلال احتجاجات عام 2011، وكان قائداً لنحو 80 ألف جندي من وحدة الحرس الجمهوري بالجيش اليمني، ثم شغل منصب سفير اليمن في الإمارات خلال الفترة بين عامي 2013 و2015.
وأقيل من منصب السفير بعد سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على العاصمة صنعاء بعد إنهاء التحالف مع والده الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وبعد مقتل والده على يد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، أصدر أحمد علي بياناً نعى فيه والده وهدد بـ "الثأر"، وما زال يقيم في الإمارات بدون أي منصب رسمي.

"توقيت مدروس"
على وقع الحكم الصادر بحق أحمد صالح، ساق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن تكهنات عديدة تتعلق بتوقيت خطوة الحوثيين ضد نجل الرئيس اليمني السابق.
ورأى الناشط اليمني القاضي عرفات جعفر بديل، عبر تدوينة على منصة "أكس" في 2 أغسطس أن "أحمد علي صالح حرص على عدم الاصطفاف مع أي طرف من أطراف الصراع في صنعاء وعدن طوال العشر السنوات الماضية، وتقديم نفسه كشخصية محايدة وليست طرفا في الصراع".
وأشار إلى أن "الحكم الحوثي الصادر بحقه سيكون له أثر سلبي على السلطة القائمة حاليا في صنعاء، ذلك لأن الأخير سينتقل من الحياد المعلن إلى الاصطفاف المعلن، ومن الابتعاد عن ممارسة أي دور سياسي إلى المشاركة وبفاعلية في المشهد السياسي اليمني".
من جهته، علق الناشط اليمني جواد أحمد عبر منصة "أكس" في 1 أغسطس، قائلا: "الحكم على أحمد علي عبدالله صالح لا قيمة قانونية له؛ لأنه صادر من جماعة انقلابية تفتقر لأي شرعية دستورية، لكن توقيته مدروس بعناية ليخدم أهدافًا دعائية، انتقامية، استباقية لأي تغيير سياسي".
وتابع أحمد قائلا: "كل من يدرك عقلية الحوثي يعرف أن العدالة عندهم تُفصّل حسب المقاس الطائفي والمصلحة السلالية".
وكتب الناشط اليمني محمود عقلان على "إكس" في 1 أغسطس، قائلا: "تدرك مليشيا الحوثي ألا شرعية ولا قيمة ولا تأثير لقرارها الانتقامي بحق شخص السفير أحمد علي عبد الله صالح".
وبحسب عقلان، فإن القرار الحوثي ضد أحمد علي صالح بمثابة "صك براءة له، أنه كأبيه لم ولن يهادن هذه الجماعة المليشياوية، التي سبق وأصدرت دكاكينها القضائية قرارات بإعدام أكثر من 500 شخصية وطنية وعربية".
من جانبه، علق السياسي اليمني كامل الخوداني، عبر منصة "إكس" في 3 أغسطس، بالقول إنه "منذ يومين تتبنى جماعة الحوثي وبشكل رسمي حملة تهديد ووعيد ضد حزب المؤتمر وأعضائه".
وأضاف الخوداني أن "التهديد والوعيد يجعلنا نشفق على المؤتمريين قيادة وأعضاء من حالة الترهيب هذه والوعيد، بل ونشفق على كل شخص من أي طرف كان في مناطق سيطرتهم (الحوثي).. تنتظرهم أيام سوداء".
وتابع: "لقد أصبح إنقاذ الملايين مواطنين وأحزاب ومكونات في مناطق سيطرة الحوثي من حالة البطش هذه حالة إنسانية أكثر منها سياسية وإن استدعى الأمر تحالف عالمي ودولي على غرار تحالف إنقاذ الناس من سكاكين داعش".
"ثلاث رسائل"
وبخصوص ما يحمله قرار الحوثي ضد أحمد علي صالح من دلالات، قال السياسي اليمني محمود الطاهر، إنه "حكم بلا قيمة قانونية، لكنه محمّل برسائل سياسية عميقة تكشف نوايا الجماعة في تصفية خصومها وإخلاء الساحة من أي منافسين محتملين".
وأضاف الطاهر خلال مقال نشره موقع "الخلاصة نت" اليمني في 2 أغسطس، أن قرار الحوثيين لم يُتخذ بناءً على أفعال أحمد علي عبد الله صالح، بل استُهدف بسبب "اسمه والرمزية السياسية" التي لا تزال تثير القلق في أوساط جماعة الحوثي.
ورأى أن الحكم يحمل ثلاث رسائل أساسية، أولها ضربة استباقية للمؤتمر الشعبي، لأن أحمد لا يزال يشكل حالة رمزية وسياسية قوية في صفوف الحزب، وتحديدا داخل التيار الرافض للحوثي، وقد سعى الحكم إلى تحجيم وتشويه صورته قبل أن يتحرك أو يُعاد طرحه كخيار سياسي بالمرحلة المقبلة.
ولفت إلى أن الرسالة الثانية هي التحذير من عودته المحتملة للمشهد، إذ إنه في ظل الحديث عن تسويات سياسية بدعم إقليمي ودولي، يرى الحوثيون في أحمد علي خطرا حقيقيا، بصفته أحد أبرز المرشحين للعودة بدعم إماراتي، ولو بشكل غير مباشر.
أما الرسالة الثالثة، فإنها تحمل ابتزازا للإمارات، لأن العلاقة التاريخية التي تربط أحمد علي بأبوظبي دفعت الحوثيين لاستخدام الحكم كورقة ضغط على أي طرف خارجي يسعى لإعادة إنتاج دور سياسي له.
وبحسب الطاهر، فإن الحكم يعكس "حالة من الارتباك والخوف داخل الجماعة، في ظل أي حديث عن مشروع وطني جامع لا يقوم على الهيمنة الحوثية" لافتا إلى أن "القيمة القانونية للحكم معدومة خارج نطاق سيطرة الجماعة، لكنه يكرس واقع الدولة الأمنية والقمعية التي يحاول الحوثي فرضها كأمر واقع".
من جهته، رأى الكاتب اليمني، محمد الظرافي، أن "هذا الحكم لا يمكن فصله عن السياق السياسي، لأن العميد أحمد علي يمثل تيارا سياسيا له امتداد واسع في الشمال والجنوب، مستندا إلى إرث والده الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود، ونسج شبكة نفوذ معقدة داخل الجيش والقبائل اليمنية".
وأضاف الكاتب خلال مقال نشره موقع "اليمن فويس" في 1 أغسطس، أن "الحكم صدر عن محكمة خاضعة لسيطرة الحوثي، وهو ما يطرح تساؤلات حول شرعيته، لكن يمكن تفسيره بأنه رسالة سياسية مفادها بأن الجماعة تمتلك السلطة القضائية، والجرأة على استهداف خصومها الكبار عبر قضائها".
وأشار الظرافي إلى أن "المحاكمة الغيابية من الناحية القانونية تعد واحدة من أكثر القضايا إشكالا في القانون الجنائي بشكل عام، وخاصة في بلد يعاني من انهيار شبه كامل في مؤسساته القضائية".
وأردف: "إذا لم يتمكن- أحمد علي - من المثول أمام المحكمة أو الدفاع عن نفسه، كما لم تتوفر له ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ما ُيضعف من شرعية الحكم من منظور القانون المحلي والدولي".
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن "حكم الإعدام على أحمد علي من شأنه أن يعّمق الانقسام في اليمن ويعرقل أي جهود مستقبلية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، لا سيما أنه لايزال ينظر إليه كرقم صعب في المعادلة اليمنية، خصوصا إذا ما تم التفاوض عل تسوية سياسية شاملة برعاية إقليمية دولية".
وبحسب تقرير نشرته "بي بي سي" في 1 أغسطس، فإن "أحمد" النجل الأكبر للرئيس السابق علي عبد الله صالح، يُطرح اسمه أحيانا كورقة سياسية بديلة في ترتيبات ما بعد الحرب، لكنه لم يظهر في المشهد بشكل حاسم حتى الآن.

رجل الإمارات
أحمد المولود بالعاصمة صنعاء عام 1972، حاصل على بكالوريوس في علوم الإدارة من الولايات المتحدة، والماجستير من الأردن، وتلقى دورات مختلفة في العلوم العسكرية في كلتا الدولتين.
وكان نجل الرئيس اليمني السابق، يشغل منصب قائد قوات الحرس الجمهوري بالجيش اليمني خلال احتجاجات عام 2011، ثم شغل منصب سفير اليمن في الإمارات خلال الفترة بين عامي 2013 و2015.
أقيل من منصب السفير بعد سيطرة الحوثيين، على العاصمة صنعاء بعد إنهاء التحالف مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إذ إنه بعد مقتل الأخير في ديسمبر 2017، أصدر أحمد بيانا نعى فيه والده وهدد بـ "الثأر"، ومازال يقيم في الإمارات، بدون أي منصب رسمي.
فرض عليه مجلس الأمن عقوبات دولية عام 2015، ومع انطلاق عاصفة الحزم (بقيادة السعودية والإمارات) في 26 مارس من العام نفسه، فرضت أبوظبي الإقامة الجبرية عليه، وذلك عقب استدعائه إلى الرياض ومقابلته وزير الدفاع السعودي آنذاك محمد بن سلمان.
برر مجلس الأمن الدولي إدراج "أحمد علي" على قائمة العقوبات لقيامه بأعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن، وذلك عبر نسف سلطة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، وإفشال محاولاته الرامية إلى إصلاح الجيش، وعرقلة انتقال اليمن السلمي.
وحسب حيثيات القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، قام قائد الحرس الجمهوري "أحمد علي" في منتصف فبراير/ شباط 2013، بتوزيع الآلاف من البنادق الجديدة (أسلحة الكلاشنكوف وأسلحة أميركية) على ألوية الحرس الجمهوري، وشيوخ قبائل لم تحدد هويتهم.
وتوجه اتهامات لكتائب من الحرس الجمهوري، بالتورط في جرائم قتل بحق المتظاهرين السلميين في ثورة فبراير/شباط 2011، إضافة إلى تسليم قيادة وسلاح وأفراد الحرس للحوثي في انقلاب 2014، ساعدها ذلك في السيطرة على صنعاء ومحافظات يمنية عدة.
وفي عام 2018، رفعت أبو ظبي الإقامة الجبرية عن أحمد علي، ثم ألغيت عنه العقوبات الدولية في 2024، ليعود إلى المشهد السياسي بدعم إماراتي من خلال أنشطة دبلوماسية وتصريحات تدعو إلى التوافق الوطني، ويُنظر إليه بصفته شخصية محورية في حزب المؤتمر الشعبي العام.
المصادر
- المحكمة العسكرية المركزية تقضي بإعدام الخائن أحمد علي عفاش
- تفاعل على مواقع التواصل مع الحكم بإعدام نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح
- الطاهر يكشف دلالات مرعبة لحكم إعدام أحمد علي عبدالله صالح
- سخرية اليمنيين من حكم الإعدام تؤكد سقوط أدوات الترهيب الحوثية
- أحمد علي عبدالله صالح.. لهذه الأسباب تخلت الإمارات عنه وتسعى حاليا لإعادته
- بدعم سعودي إماراتي.. رفع العقوبات عن أحمد علي صالح ووالده
- مساعي الإمارات لإحياء عائلة "صالح".. تهديد للحوثيين أم إضعاف لشرعية "هادي"؟