دولة مسلمة في آسيا الوسطى.. ما دوافع انفتاح كازاخستان الرسمي على إسرائيل؟

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في مشهد بدا وكأنه استعادة لوهج اتفاقات "إبراهام" التي طبعت الشرق الأوسط عام 2020، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، انضمام كازاخستان رسميا إلى مسار التطبيع مع إسرائيل، لتصبح أول دولة من آسيا الوسطى تنضم إلى الاتفاقيات منذ توقيعها قبل خمس سنوات.

وجرى الإعلان خلال حفل عشاء في البيت الأبيض ضمن قمة الولايات المتحدة وآسيا الوسطى، حاملا رمزية سياسية بارزة، إذ أعاد ترامب تقديم نفسه كصانع سلام جديد، في حين رأى مراقبون الخطوة توسيعًا لنطاق التطبيع من العالم العربي إلى العمق الآسيوي.

ورغم الاحتفاء الأميركي الإسرائيلي، يبرز سؤال جوهري: هل يمثل انضمام كازاخستان بداية موجة تطبيع آسيوية جديدة، أم أنه تتويج لتحالف اقتصادي وأمني قائم منذ عقود بعيدا عن الأضواء؟

إعلان رسمي

في كلمته أمام قادة آسيا الوسطى، قال ترامب: "يسرني جدًا أن أعلن أن كازاخستان وافقت رسميًا على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام. قبل نحو ربع ساعة، انضمت دولة عظيمة بقيادة قوية رسميًا إلى الاتفاقيات. إنه لشرف عظيم أن أكون معكم".

وجاء الإعلان بحضور رؤساء دول المنطقة، من بينهم قاسم جومارت توكاييف (كازاخستان)، صدر جباروف (قرغيزستان)، إمام علي رحمن (طاجكستان)، سردار بردي محمدوف (تركمانستان)، وشوكت ميرضيائيف (أوزبكستان).

وفي تدوينة على منصته "تروث سوشيال"، أوضح ترامب أنه تحدث إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأن مراسم التوقيع الرسمية ستُعقد قريبًا.

وجاءت الخطوة بعد تسريبات نقلها موقع "أكسيوس" الأميركي، أكدت أن توكاييف كان يعتزم الإعلان عن الانضمام إلى اتفاقية إبراهام خلال لقائه بترامب في واشنطن، وهو ما تحقق بالفعل.

وليست كازاخستان وافدة جديدة على العلاقات مع إسرائيل، فقد أقامت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية في أبريل/نيسان 1992، وحافظ الجانبان منذ ذلك الحين على مستوى ثابت من التعاون الاقتصادي والعسكري.

تشير بيانات دائرة الإحصاء الإسرائيلية إلى أن العلاقات التجارية بين تل أبيب وأستانا مستمرة، مع تحقيق إسرائيل فائضًا تجاريًا مستمرًا لصالحها طوال هذه المدة.

ورغم تذبذب حجم التبادل التجاري بين الجانبين، فقد بلغ ذروته عام 2020 حين وصلت قيمته إلى 123 مليون دولار، بينما سجل خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 نحو 34 مليون دولار فقط، وفقًا للبيانات الإسرائيلية الرسمية.

لكن الأرقام الكازاخستانية ترسم صورة مختلفة تمامًا، فبحسب هيئة الإحصاء الوطنية في كازاخستان، بلغت قيمة التجارة بين البلدين خلال نفس الفترة من عام 2025 نحو 80 مليون دولار، أي أكثر من ضعف الرقم الإسرائيلي.

وليس هذا التباين وليد اللحظة؛ إذ يتكرر منذ خمس سنوات على الأقل، ففي عام 2020 سجلت كازاخستان رقمًا يعادل ثلاثة أضعاف ما أعلنته إسرائيل، وارتفعت الفجوة عام 2021 إلى ثمانية أضعاف، ثم بلغت ذروتها في عام 2022 عندما قدرت أستانا حجم التجارة بـ883 مليون دولار مقابل 79 مليونًا فقط في الإحصاءات الإسرائيلية، أي أحد عشر ضعفًا.

وفي عام 2023 استمر التفاوت بمعدل ستة أضعاف، ثم انخفض العام الماضي إلى أربعة أضعاف، في نمط يثير التساؤلات حول شفافية البيانات الإسرائيلية.

سياحة متبادلة

وفي موازاة التجارة، حافظت العلاقات السياحية بين الجانبين على وتيرة ثابتة منذ التسعينيات.

فقد بلغ عدد السياح الكازاخيين الوافدين إلى إسرائيل نحو 18 ألف سائح في عامي 2013 و2015، قبل أن تتراجع الأعداد مع جائحة كورونا عام 2020، واستمر الانخفاض في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة.

وتشير بيانات وزارة السياحة الإسرائيلية إلى أن عدد الزائرين من كازاخستان لم يتجاوز 1200 سائح العام الماضي، وارتفع قليلاً خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي إلى نحو 1300 سائح.

أما على الجانب الآخر، فقد سجلت الإحصاءات الكازاخستانية 4875 سائحاً إسرائيلياً زاروا كازاخستان العام الماضي، مما يدل على استمرار التبادل البشري رغم الأزمات.

كما شهدت الفترة الأخيرة تبادل زيارات رسمية بين مسؤولين في وزارات مختلفة وبرلمانيين من الجانبين، إضافة إلى مشاركات في برامج تدريبية داخل إسرائيل.

وأسهمت كازاخستان أيضاً في موجة الهجرة الواسعة التي شهدتها دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل عقب تفككه في مطلع التسعينيات.

فقد تجاوز عدد المهاجرين الكازاخيين إلى إسرائيل ألف شخص عام 1990، وارتفع تدريجياً ليصل إلى نحو 18 ألف مهاجر حتى عام 2001.

واستمرت الهجرة بوتيرة أبطأ خلال العقدين التاليين، لتتراجع بفعل الحرب في غزة خلال العامين الماضيين، من دون أن تتوقف تماماً.

السلاح الإسرائيلي

ومع ذلك، فإن خلف العلاقات النفطية تطورت شراكة عسكرية وثيقة بين البلدين. ففي عام 2014، وقعت تل أبيب وأستانا اتفاقًا دفاعيًا شمل صفقات تسليح متقدمة، تضمنت طائرات مسيرة، وصواريخ موجهة، وأنظمة رادار واتصالات من إنتاج شركتين إسرائيليتين هما "إلبيت سيستمز" وIsrael Aerospace Industries.

وفي مايو/أيار 2021، دشنت شركة Kazakhstan Aviation Industry مصنعًا لإنتاج وصيانة الطائرات المسيرة بترخيص من "إلبيت سيستمز"، لتصبح كازاخستان أول دولة في آسيا الوسطى تمتلك صناعة محلية للمسيرات بتكنولوجيا إسرائيلية.

كما أشارت تقارير من منظمات حقوقية، بينها منظمة العفو الدولية، إلى استخدام السلطات الكازاخية برامج تجسس إسرائيلية مثل "بيغاسوس" (من شركة NSO Group)، بالإضافة إلى تقنيات مراقبة من شركتي Verint Systems وNice، استخدمت ضد صحفيين ونشطاء داخل البلاد.

وتجاوز التعاون بين البلدين حدود النفط والسلاح إلى مجال الأمن السيبراني والمراقبة الرقمية.

فقد كشفت منظمة العفو أن أربعة هواتف لنشطاء كازاخيين تعرضت للاختراق بواسطة برامج تجسس إسرائيلية، ما يعكس عمق الشراكة التقنية بين أجهزة الأمن في البلدين.

وفي سياق مشابه، باعت شركة "Beit Alfa Technologies" الإسرائيلية 17 مدرعة مكافحة شغب لكازاخستان قبل نحو عقد، وهو ما يوضح أن التعاون الأمني امتد إلى أدوات السيطرة الداخلية.

إستراتيجية الأطراف

يرى الباحث صالح النعامي، في ورقة نشرها مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2022، أن العلاقة بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى، وعلى رأسها كازاخستان، تُجسد التطبيق العملي لما يُعرف بـ"إستراتيجية الأطراف" التي أرساها ديفيد بن غوريون في خمسينيات القرن الماضي.

وتقوم هذه الإستراتيجية على بناء تحالفات مع دول غير عربية في محيط الشرق الأوسط بهدف موازنة العداء العربي، من خلال توثيق العلاقات مع دول مثل تركيا وإيران (سابقًا)، وإثيوبيا، ثم كازاخستان لاحقًا.

وتوضح الدراسة أن إسرائيل تنظر إلى كازاخستان بوصفها رهانًا مزدوجًا، يتمثل في تحييد النفوذين الإيراني والتركي في آسيا الوسطى، ونقل مركز الثقل الإسلامي شمالًا لتقليص الدور العربي في قضايا المنطقة.

وقد تجلى هذا التوجه عام 2011، حين تولت كازاخستان رئاسة منظمة التعاون الإسلامي، ودعت ممثلين إسرائيليين لحضور جلسة اقتصادية بصفة مراقبين، في سابقة لافتة داخل المنظمة.

لذا يرى محللون أن انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات إبراهام لا يشكل تحولًا مفاجئًا، بل يمثل إعلانًا رسميًا لتحالف قديم.

فالدولة كانت شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا لإسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي، وما حدث أخيرًا هو انتقال هذا التعاون من السر إلى العلن.

سياسيًا، يُعد الإعلان ورقة رمزية تُوظفها إدارة ترامب التي تسعى لإحياء ملف التطبيع بعد تعثر المفاوضات مع السعودية، والتي لا تزال مشروطة بإقامة دولة فلسطينية.

أما إقليميًا، فيمنح انضمام كازاخستان إسرائيل بوابة إستراتيجية جديدة في عمق آسيا الوسطى، على مقربة من إيران وروسيا والصين، ويعزز حضورها في فضاء غير عربي لطالما عد هامشيًا في سياق العالم الإسلامي.

وقد أكدت مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية هذا التوجه في مقال نُشر بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أشارت فيه إلى أن انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات إبراهام يُمهّد الطريق لتوسيع التطبيع خارج الشرق الأوسط، ويشكّل منصة محتملة للتعاون مع دول إسلامية أخرى، وربما مستقبلا نحو جنوب شرق آسيا والقرن الإفريقي.