دليل المقاطعة.. إلى أي مدى نجحت الحملات ضد الشركات الداعمة لإسرائيل؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

دفع العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن الردود الفاترة من الدول الغربية، العديد من المواطنين الإسبان إلى الانضمام إلى مبادرات المقاطعة ضد إسرائيل؛ على غرار الحملة بقيادة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، “بي دي إس”. 

وقالت صحيفة بوبليكو الإسبانية: إن الأشهر الأخيرة شهدت تغييرا جذريا على مستوى المقاطعة للكيان الإسرائيلي؛ حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قوائم لشركات وعلامات تجارية يقال: إنها تستفيد من نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، واستعمار أراضيهم، والإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

وتحمل معظم هذه القوائم ختم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل، "بي دي أس". 

تغير لافت

ومنذ سنة 2005، عرفت هذه الحركة بترويجها لحملات مقاطعة ضد الشركات والمنظمات السياسية والرياضية والثقافية التي تعدها متواطئة مع النظام الإسرائيلي. وتشير أحدث تقاريرها إلى أن تأثير هذه الإجراءات قد ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

ويبقى السؤال المطروح هنا متمحورا حول كيفية تحديد الجهات التي تستهدفها الحركة بحملاتها. 

في الحقيقة، تركز حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل بشكل أساسي على الشركات، سواء أكانت إسرائيلية أم لا، التي تمارس جزءا من أنشطتها في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل بشكل غير قانوني، مستفيدة بذلك من الاستعمار. 

وبالمثل، تندد الحركة بالشركات التي تمكّن إسرائيل من العديد من الاستثمارات وتجعل من الاحتلال عملية ممكنة. 

وأشارت الصحيفة إلى أن شركة كاتربيلر الأميركية تعدّ من إحدى الشركات التي تضعها حركة المقاطعة تحت المجهر، والتي تستوفي كل الشروط. 

وفي الحقيقة، تُصنّع هذه الشركة بعض الجرافات التي تستخدمها إسرائيل لتدمير منازل الفلسطينيين وآبارهم ومزارعهم ومدارسهم وغيرها من البُنى التحتية المدنية. 

والأسوأ من ذلك، حَظِيت بعض هذه العمليات  بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وعلى أنقاضها، تبني الحكومة الحالية معسكرات تدريب لجيش الدفاع الإسرائيلي أو تسمح بإقامة مستوطنات غير شرعية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاستعمار ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي يملك نظاما متطورا لمراقبة السكان الفلسطينيين والسيطرة عليهم، ويعتمد على العديد من الشركات لتشغيله. 

ومن بينها شركة هيوليت باكارد، المعروفة اختصارا باسم “إتش بي”. 

وتُعد هذه الشركة من أكثر الجهات استهدافا من قبل حركة المقاطعة، "بي دي أس"؛ لأنها توفّر أجهزة وبرمجيات للطائرات الذكية المُسيّرة، والأسوار، وأنظمة التعرف على الوجه، وغيرها من البُنى التحتية التي تُصنّفها تل أبيب "دفاعية". 

وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل تحتل أيضا بشكل غير قانوني جزءا من سوريا، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية. وتحديدا في حوالي 1200 كيلومتر مربع من مرتفعات الجولان.

في الواقع، وُلد في المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في هذه المنطقة أحد أكثر وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية تطرفا، وهو القومي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، من حزب الصهيونية الدينية، المؤيد لضم غزة والمعارض للوجود العربي في أراضيهم.

ومنذ احتلال الأراضي السورية سنة 1967، عملت عدة شركات هناك. وركزت حركة المقاطعة، "بي دي أس"، بشكل خاص على إحداها: "مي إيدن"، العلامة التجارية لشركة "إيدن سبرينجز المحدودة"، التي تُعبّئ المياه المعدنية المستخرجة من الأراضي المحتلة وتُصدّرها إلى بقية العالم.

حركة من أجل العدالة

ونقلت الصحيفة عن باتريثيا ليزاما، الناشطة في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أن “حركة بي دي أس أنشئت لفعل ما لم تفعله الدول”.

"وتحديدا، من أجل الضغط على إسرائيل للامتثال لتفويضات الأمم المتحدة، وتفويضات محكمة العدل الدولية، التي تحث الدول على اتخاذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية في غزة، وتعلن أن المستوطنات على الأراضي الفلسطينية غير قانونية، بالإضافة إلى القانون الإنساني". 

ولهذه الأسباب، تؤكد ليزاما أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "هي حركة من أجل العدالة". 

وأوضحت الصحيفة أن التحدي الذي يواجهونه ليس بالأمر الهيّن؛ إذ تتمتع إسرائيل بشرعية واسعة. وليس من المستغرب أن يستمر الشمال العالمي في الإشادة بها والترويج إلى كونها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

لهذا السبب، يتمثل الهدف الرئيس لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، على حد تعبير ليزاما، في "إلغاء التطبيع مع دولة إبادة جماعية تهدف إلى القضاء على السكان الأصليين، الفلسطينيين".

وتقول باتريثيا ليزاما: "بالنسبة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات كل ما يصدر عن إسرائيل هو دعاية لدعم صورتها المطبعة والديمقراطية".

ومع ذلك، تبدو مواجهة جميع الأنشطة التجارية والثقافية الإسرائيلية مهمة مستحيلة.

لذلك، تنفذ الحركة ما يُعرف بالمقاطعة الإستراتيجية. ووفقا لموقعها الإلكتروني، فإن هذه الطريقة "الناجحة تاريخيا" "مستوحاة من حركة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحركة الحقوق المدنية الأميركية، ونضالات الهنود والإيرلنديين ضد الاستعمار".

كيفية المقاطعة

ونقلت الصحيفة أن حركة المقاطعة تبحث عن تضييق نطاق الأهداف والتركيز على عدد محدود من الشركات والمنتجات "لتحقيق أقصى تأثير".

ووفقا لموقعهم الإلكتروني، تعطي الحركة الأولوية أيضا للشركات ذات التواطؤ الكبير في نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية، والشركات ذات الصلة الأوسع بعلاماتهم التجارية، والشركات الأكثر عرضة للمقاطعة.

ولا تعتمد حركة المقاطعة على الشركة فقط، بل أيضا على المنطقة التي تطلق فيها الحملة. لذلك، تخضع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات لمبدأ الاستقلالية. 

فعلى سبيل المثال، تستهدف حركة فيزكايا "بي دي أس"، التي تشارك فيها باتريثيا ليزاما، والتي تنشط في مقاطعة الباسك الإسبانية، على شركة مترو بلباو منذ أشهر "لشرائها خدمات أمنية من شركة إسرائيلية".

وتشتري شركة مترو بلباو خدمات من آي-سيك لأمن الطيران. ووفقا لجماعات مؤيدة للفلسطينيين، تأسست سنة 1982 على يد "عدد من الأعضاء السابقين في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وعناصر أمن في الخطوط الجوية الإسرائيلية". 

أما رئيسها التنفيذي فهو روم شاكيد، الذي كان "رئيسا لمجموعة محللي الاستخبارات في وحدة الاستخبارات العسكرية 8200، أكبر وحدة في جيش الدفاع الإسرائيلي".

وأكَّدت حركة المقاطعة أنها "شركة أسسها أعضاء في الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات"، وأن "مشاركتها المباشرة في الهجمات العسكرية الإسرائيلية في غزة وفي جميع أنحاء فلسطين" أمر "لا يمكن إنكاره". 

وبشكل عام، يظهر هذا المثال كيف تميل حملات المقاطعة إلى التكيف مع كل منطقة وفقا لخصوصياتها. ورغم استقلالية فروعها الإقليمية، تمتلك حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عدة هيئات تنسيقية. 

إحداها على المستوى الإقليمي، تُنظّم المجموعات المختلفة في إقليم ما، والأخرى على المستوى الدولي.

سباق طويل

وحول تكييف أهداف حركة المقاطعة مع كل منطقة، أوضح هيكتور غراد فوشسيل، المتحدث باسم شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين، لهذه الصحيفة، أن الأهداف ذات الأولوية هي شركات وعلامات تجارية لها "تاريخ من التواطؤ مع نظام الفصل العنصري"، ومعروفة و"يقاطعها الناس بسهولة".

ومن العوامل الرئيسة لنجاح المقاطعة إمكانية استبدال المنتجات المستهدفة بأخرى. 

ويستشهد بمثال بنك سانتاندير الإسباني، الذي انتقدته شبكات التواصل الاجتماعي لاستثماره في شركات أسلحة قد تلعب دورا رئيسا في التدخل العسكري في غزة.

ويشير التقرير الذي يتناول تأثير حركة المقاطعة بين تموز/ يوليو وكانون الأول ديسمبر 2024 إلى أن حملات "بي دي أس" اكتسبت شعبية واسعة عالميا، مما أدى إلى "التأثير على سياسات بعض الدول".

ويستشهد بأمثلة عديدة، مثل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أقرّ قرارا يدعو الدول إلى فرض عقوبات على إسرائيل لأول مرة منذ 42 عاما، أو سحب دعوة إسرائيل لحضور حفل توزيع جوائز نوبل في ستوكهولم، السويد.

وفيما يتعلق بالشركات المتواطئة في نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية، تستشهد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بإعلان الحكومة الكولومبية عن استبدال طائراتها العسكرية بطائرات غير إسرائيلية الصنع.