يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي.. كيف أضحت حروب القرن 21 الأطول والأكثر تعقيدا؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يبلغ عدد بؤر الصراع الساخنة، في الوقت الراهن، ضعف ما كان عليه سنة 1989، عندما انتهت الحرب الباردة، في غضون ذلك، تسيطر التقنيات الحديثة على ساحة المعركة.

وقالت صحيفة “الإسبانيول” الإسبانية: إن "خريف 2024 شهد سلسلة من المؤتمرات التي عقدت في الطابق السفلي الواسع لفندق في كييف، جمعت أعضاء من الحكومة الأوكرانية وعشرات من ممثلي صناعة الأسلحة الأوروبية".

وأضافت أنه “على عكس ما كان يعتقد؛ حيث يبدو من الوهلة الأولى أن السلطات الأوكرانية نظَّمتها للمطالبة بمزيد من الأسلحة؛ فإن الحقيقة مختلفة للغاية”.

واستطردت: “في الواقع، كان الهدف من هذا الحدث هو تزويد جميع تلك الشركات بالمعرفة المكتسبة بعد حوالي ثلاث سنوات من الحرب”.

ولهذا الغرض، دعا الأوكرانيون أيضا رواد أعمال محليين شبابا يتمتعون بخبرة مماثلة لتلك التي يحظى بها مؤسس شركة "تي آي أف درونز"، أولكسندر ياكوفينكو.

كساد جيوسياسي

وتأسَّست شركة الطائرات المسيرة "تي آي أف درونز" عام 2020، ويعمل في فروعها مئات الموظفين، غالبيتهم من النساء، موزعين على عدة مصانع سرية تقع غرب أوكرانيا.

ويحصد بعض هذه المصانع ما يصل إلى ألف طائرة مُسيّرة يوميا، بتكلفة حوالي 500 دولار للطائرة الواحدة.

وقالت “الإسبانيول”: إن “هذه الصفقة في الحقيقة تُعدّ رابحة بمقاييس صناعة الأسلحة؛ حيث يعد جهاز بقيمة أقل من مليوني دولار نادرا”.

وأضافت "في الواقع، تُعد هذه إحدى أهم مزايا أوكرانيا مقارنة بقوة مسلحة أكبر وأقوى بكثير، من حيث الأسلحة الثقيلة، مثل روسيا". 

وقد أصبحت أخيرا طائرتان مُسيّرتان، يبلغ سعر كل منهما ألف دولار، قادرة على تدمير دبابات وقاذفات صواريخ تُقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات يوميا.

وتابعت الصحيفة: “صحيح أن الروس يُطوّرون باستمرار أساليب لاعتراض الطائرات الأوكرانية المُسيّرة، ولكن بمجرد تفعيل إحدى هذه الأساليب، يُعدّل الأوكرانيون برامج طائراتهم المُسيّرة للتحايل عليها”.

في الواقع، تتأثر العديد من هذه الابتكارات بشكل مباشر بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي. 

وكان أبرز مثال على ذلك ما حدث في يونيو/ حزيران 2025، عندما هاجم أسطول يضم أكثر من 100 طائرة مسيرة أوكرانية أهدافا في خمس قواعد جوية تقع في قلب روسيا، مما شكل أعنف هجوم عسكري تعرّض له الروس منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعبارة أخرى، أثبتت الحرب في أوكرانيا أن مستقبل الصراع المسلح لم يعد يعتمد بالضرورة على الاستثمارات الهائلة في الأسلحة الضخمة، بل على القدرة على الابتكار المستمر مع التركيز على التقنيات الجديدة، وبشكل أكثر تحديدا، الذكاء الاصطناعي.

وقالت “الإسبانيول”: إنه “من هنا يمكن تفسير وجود عدد لا يُحصى من شركات الأسلحة الأوروبية في قبو فندق كييف خريف 2024”.

وأوضحت أن "هذه الشركات تدرك أن العالم يدخل فيما يطلق عليه المحلل الشهير، إيان بريمر، كسادا جيوسياسيا". 

واستطردت: “باختصار، لا تعد التوقعات واعدة، ويستحق الأمر البدء بالاستعداد”.

حروب هجينة

وفقا لقسم "أبحاث السلام والصراع” في جامعة أوبسالا، إحدى أعرق مؤسسات التعليم العالي في الدول الإسكندنافية، تضاعف عدد النزاعات منذ نهاية الحرب الباردة. 

ففي عام 1989، كان هناك 86 بؤرة صراع ساخنة حول العالم، وفقا للمؤسسة، بينما وصل عددها إلى 184 في عام 2024.

علاوة على ذلك، ازداد متوسط مدة النزاعات أيضا؛ حيث تضاعف أربع مرات.

وتحديدا، تقدر مدة الصراعات الحالية بحوالي عقدين في المتوسط، بينما كانت هذه المدة لا تتجاوز حوالي خمس سنوات قبل الحرب الباردة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه “قد لا يبدو أن هناك 184 حربا في العالم، ولكن يفسر ذلك بأن هذه الصراعات ليست كلها بين دول”.

من جهة، هناك نوع من الحروب، الذي يسميه البعض "كلاسيكيا"، وعلى غرار المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، التي تعد مثالا نموذجيا.

ولكن من جهة أخرى، هناك مواجهات لا حصر لها، والتي تشمل، بشكل مقلق، جماعات مسلحة من مختلف الأنواع.

ومن بين هذه الصراعات التي تصنف ضمن الحروب الأهلية، تبرز الحرب في السودان، المتورط في صراع داخلي لأكثر من عامين خلّف عشرات الآلاف من القتلى وملايين على شفا المجاعة.

وينطوي الصراع السوداني على أطراف ثالثة متورطة في الخفاء نظرا لثروة البلاد من الموارد الطبيعية، بما في ذلك مناجم الذهب.

وهناك أيضا صراعات ناجمة عن الإرهاب، أي أراضٍ متأثرة بنوع من "الحرب الهجينة" بين الدولة وجماعات مسلحة ذات دوافع أيديولوجية قوية، تسيطر بشكل متزايد على مساحة أكبر من الخريطة.

وبالمثل، أصبحت دول غرب الساحل، مالي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، والنيجر، بؤرة صراع دمّر دولا مثل كولومبيا، وفق الصحيفة الإسبانية.

الإفلات من العقاب

وفقا لمحللين من مجلة "لو غران كونتينينت" الفرنسية، فإن أسباب تزايد النزاعات متعددة ومتنوعة. 

وأكد المحللون أن "الإفلات من العقاب الذي تتمتع به الدول التي تثير بعض النزاعات، خاصة روسيا، قد أدى إلى تمادي بعض الجهات الفاعلة، التي تواجه عواقب قانونية أقل بشكل متزايد".

وبالمثل، يجب أن نأخذ في الحسبان "اتخاذ الجريمة المنظمة طابعا دوليا" وكيف "يسمح ذلك للدول والجماعات المسلحة بتمويل صراعها المسلح بسهولة أكبر وعلى نطاق أوسع".

ويضاف إلى ذلك الجرائم الإلكترونية، حيث تعد كوريا الشمالية مثالا.

وتُولّد الهجمات الإلكترونية بقيادة كوريا الشمالية، التي تستهدف عالم العملات المشفرة، 50 بالمئة من عائدات النظام من العملات الأجنبية. 

ثم تستخدم بيونغ يانغ هذه الأموال لتمويل برامج الأسلحة، والتي تلعب دورا أيضا في الحرب في أوكرانيا، وفق الصحيفة الإسبانية.

ودفعت هذه السيناريوهات العديد من الدول إلى البدء بزيادة إنفاقها الدفاعي.

ففي حزيران/ يونيو 2025، على سبيل المثال، قررت الدول الأعضاء في حلف الناتو زيادة هذا النوع من الإنفاق إلى خمسة بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وتتمثل الفكرة في تخصيص 3.5 بالمئة للقدرات العسكرية البحتة، والتي تشمل تمويل جميع أنواع برامج الابتكار، و1.5 بالمئة للبنية التحتية الحيوية؛ على غرار النقل، والأمن السيبراني، والصناعة، وغيرها. 

وبالأرقام، ستعني هذه الزيادة 510 مليارات يورو إضافية سنويا. 

وقالت “الإسبانيول”: إن “ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ستحتاج إلى بذل أقصى جهد اقتصادي للوصول إلى هذه المستويات”.

ويتجلى اتجاه مماثل في الإنفاق الدفاعي العالمي بين سنتي 2023 و2024 بزيادة قدرها 9.4 بالمئة.

وختمت الصحيفة بالقول: “في الحقيقة، يمثل هذا الرقم أكبر زيادة مسجلة منذ الحرب الباردة”.