قانون "التسلسل الإسلامي".. ذريعة ماكرون لجذب أصوات اليمين المتطرف

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تضييق الخناق على المجتمع المسلم ببلاده أداة مثالية لإعادة ترتيب أوراقه السياسية، ومحاولة إنعاش نفوذه الداخلي الذي تآكل بفعل الأزمات المتلاحقة، مختلقا تهديدات وهمية يشكك سياسيون فرنسيون في وجودها.

فقد أعلن ماكرون عن مشروع قانون جديد يستهدف مواجهة ما أسماها التهديدات غير المباشرة الناجمة عما يُعرف بـ "المجتمعات الموازية" و"التهديدات الإسلاموية". وفق تعبيره.

ولفت موقع "تيليبوليس" الألماني إلى أن هذا الإعلان يأتي في ظل تراجع نفوذ ماكرون السياسي الداخلي منذ مبادرته غير الناجحة لحل البرلمان في يونيو/ حزيران 2024، ما دفعه إلى التركيز على قضايا السياسة الخارجية. 

في هذا السياق، استدعى ماكرون مطلع شهر يوليو/ تموز 2025، فريقا لإدارة الأزمات، يُعرف رسميا باسم "مجلس الدفاع".

وهو مصطلح يحمل دلالات الحرب والتهديدات الأساسية التي تواجه الدولة، رغم أنه يُستخدم في فرنسا بشكل عام للإشارة إلى فرق إدارة الأزمات، بما في ذلك تلك المعنية بالكوارث الطبيعية.

تهديد غامض

وخلال الاجتماع، أعلن ماكرون أنه يريد من حكومة فرانسوا بايرو تقديم نص القانون بحلول نهاية الصيف.

ووفقا للدستور الفرنسي، لا يملك رئيس الجمهورية صلاحيات تشريعية مباشرة، حيث يقتصر دوره على إجراءات مثل حل البرلمان أو تعيين وإقالة رئيس الوزراء، ما يتيح له التأثير غير المباشر على شؤون الحكومة. 

ومع ذلك، يقدر الموقع أن ماكرون "يُظهر في هذه الحالة تدخلا مباشرا في صياغة هذا المشروع منذ البداية".

ووفقا للموقع، يهدف مشروع القانون إلى "توسيع نطاق تجميد الأموال والحسابات المصرفية، الذي كان يقتصر في السابق على الأنشطة الإرهابية، ليشمل الأفراد والجمعيات التي يُشتبه في ارتباطها بالتطرف الإسلاموي، حتى دون وجود صلة مباشرة بجريمة جنائية".

"وبذلك، سيتوسع استخدام أداة قانونية صارمة كانت تستعمل فقط في حالات الجرائم الجسيمة، لتشمل حالات محددة أيديولوجيا دون أي صلة بالقانون الجنائي"، بحسب الموقع.

ورغم غياب تعريف دقيق له، يظل مصطلح الإرهاب خاضعا للقوانين الجنائية الفرنسية. غير أن مشروع القانون الجديد يسعى لتطبيق إجراءات مماثلة على حالات لا تقوم على أي أساس جنائي.

وأشار الموقع إلى أن مشروع القانون "يشمل أيضا تسهيل وتسريع تطبيق العقوبات المالية، مثل تجميد الدعم الحكومي أو المحلي، على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي (لا تحترم مبادئ الجمهورية)، وهي إجراءات أقرت بموجب قانون مكافحة الانفصالية لعام 2021".

وذكر أن "هذه الإجراءات التقييدية بُررت في ذلك الوقت بأنها تهدف إلى مكافحة "المجتمعات الإسلامية الموازية"، وذلك عقب اغتيال المعلم صامويل باتي على يد جهادي شيشاني في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بمدينة كونفلان سانت أونورين قرب باريس".

وانتقد الموقع آلية تطبيق هذه الإجراءات التقييدية، قائلا: إنها طُبقت لاحقا على ناشطين بيئيين ومدافعين عن المناخ؛ حيث وُضعت جمعيات ومنظمات غير حكومية تحت الرقابة الحكومية، وأُجبرت على التوقيع على إقرارات التزام باحترام قيم الجمهورية".

وأردف: "وهذه المرة، لا تتعلق المبررات حتى بأنشطة إرهابية أو جرائم جنائية، بل بسيناريو تهديد غامض نسبيا يقوم على مفهوم التغلغل".

وبين أن هذا المصطلح "نشأ في بدايات القرن العشرين لوصف الأقليات الثورية التي كانت تنضم إلى أحزاب كبرى في حركة العمال، مثل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، بهدف التأثير على توجهاتها من الداخل".

وأشار إلى أنه "في الوقت الحالي، تواجه جماعة الإخوان المسلمين اتهامات بممارسة التغلغل -سواء بصيغة مشابهة أو مختلفة- من خلال مشاركتها في العمل الديمقراطي، مثل قرار الترشح للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في فرنسا في مارس/ آذار 2026".

دوافع سياسية

وبحسب مصادر تُعرف بميولها السلبية تجاه الجماعة، مثل مجلة بيليرين Pèlerin المسيحية، والصحفي المؤيد لإسرائيل ميكائيل بارزن، فإن عدد أعضاء الإخوان في فرنسا يتراوح بين 400 و1000 شخص فقط.

وهو رقم -بحسب الموقع- "يضعهم في إطار مجموعة صغيرة نسبيا بين العديد من الجماعات السياسية أو الدينية أو الطائفية، ولا يمثل بأي حال من الأحوال تهديدا واسع النطاق".

ومع ذلك، يحذر الموقع من أن "أنصار هذا التنظيم العالمي بإمكانهم التحرك ضمن أوساط أوسع لا تشاركهم توجهاتهم السياسية الأساسية، لكنها تتفق معهم في الرغبة في تعزيز العودة إلى القيم الإسلامية".

وأضاف: "ينطبق هذا على المهاجرين وأبنائهم، حيث قد تجد هذه الأفكار صدى بسبب تجارب مثل الجريمة في الأحياء الفقيرة التي تُفسر على أنها انحلال قيمي، أو بسبب الفقر الاجتماعي، أو حتى بسبب الإحساس بعدم الاندماج في المجتمع الفرنسي العام".

وتابع: "الانتقاد الموجه لأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات السياسية الدينية، التي تروج في جوهرها ليوتوبيا (مجتمع مثالي) رجعية، هو انتقاد مشروع".

واستدرك: "لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت موجة من الأدبيات التي تتسم إما بالإثارة أو تنبع من دوافع سياسية -مثل العداء العام للإسلام والأجانب- تصور هذا التيار الأوسع، الساعي للحفاظ على القيم الإسلامية؛ على أنه مجرد واجهة لعمل تنظيمي سري لجماعة قوية ومهيمنة".

وأردف: "وفقا لهذا التصور، فإن النزاعات اليومية، مثل رغبة نساء في ممارسة الرياضة بالحجاب، أو مشاركة الأمهات منهن في الرحلات المدرسية -وهي أمور يعدها بعض السياسيين مخالفة لمبدأ العلمانية في التعليم الفرنسي- تُعد تعبيرا عن عمل سري لمنظمة مركزية قوية، أي الإخوان المسلمين".

وأشار الموقع إلى أن "أبرز من تبنوا هذه الأطروحات في السنوات الأخيرة كانت الأنثروبولوجية فلورانس بيرجو بلاكلر".

وأثارت كتب بلاكلر العديدة، التي تتناول التأثير المفترض الكبير لجماعة الإخوان المسلمين -وهو موضوع أصبح محور حياتها المهنية- جدلا واسعا، وتعرضت بسببها لتهديدات بالقتل، إلى جانب انتقادات علمية من باحثين في العلوم الاجتماعية.

وذكر الموقع أن "صورتها كباحثة محايدة سياسيا تضررت منذ ظهورها الإعلامي ومنشوراتها على منصة إكس في صيف 2024، خلال الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا".

وعزا ذلك إلى "دعمها العلني لفوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، قبل أن تعلن لاحقا استياءها مما قالت: إنه انحياز في النظام الانتخابي ضد الحزب".

ولفت إلى أن "ادعاءاتها المبالغ فيها بشأن التأثير الضخم لما يُسمى أخطبوط الإخوان المسلمين، وجدت صدى واضحا في تقرير وزارة الداخلية الفرنسية، الصادر في مايو/ أيار 2025".

وأفاد بأنه "رغم تولى برونو ريتايو، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، منصب وزير الداخلية الفرنسي منذ سبتمبر/ أيلول 2024، فإن المقترحات الأولية التي أصدرتها الوزارة بعد نشر تقريرها في مايو 2025 جاءت معتدلة نسبيا أو ذات طابع تقني، مما يتناقض بشكل طفيف مع نبرة التقرير المثيرة للقلق".

خلية أزمة

وأوضح أنه "بسبب هذا الاختلاف، أمر ماكرون بتشكيل خلية أزمة في 7 يوليو 2025 للعمل على سن قوانين لمكافحة تهديدات المجتمعات الموازية والإسلاموية".

إلى جانب ذلك، شُكلت لجنة تحقيق برلمانية تتناول موضوعا مشابها، لكنها تتميز بأنها تهدف منذ البداية إلى استهداف حزب سياسي معين بناء على توجهاته، وليس بناء على أنشطة جنائية، وفقا للموقع.

ولفت إلى أنه "في البداية، رفضت لجنة الشؤون القانونية في الجمعية الوطنية تشكيل هذه اللجنة، معتبرة أنها غير مشروعة، لكن بعد أسبوعين تمت الموافقة عليها بعد إعادة صياغة عنوانها".

وقد تقدم بطلب تشكيل اللجنة نواب من التيار المحافظ الفرنسي بقيادة لوران فوكييه، الذي اقترح، في مايو 2025، ترحيل الأجانب الخاضعين لأوامر الترحيل من فرنسا إلى جزر سان بيير وميكلون الصغيرة قبالة سواحل كندا.

وبحسب الموقع، "كان الهدف من اللجنة هو استهداف حزب فرنسا الأبية، ذي التوجه اليساري الشعبوي".

في هذا السياق، انتقد الموقع الألماني حزب فرنسا الأبية قائلا: إنه "يتبنى أحيانا نهجا غير دقيق في سياسات الأقليات، خاصة في ظل التوترات بين بعض فئات المسلمين واليهود في فرنسا، ويقدم تصورا مختزلا للصراع في الشرق الأوسط".

وأضاف: "فهو يدافع بشكل عام عن السكان ذوي الخلفيات الإسلامية أو المهاجرة دون تمييز كاف بين المسلمين ذوي التوجهات اليسارية أو الليبرالية، وأولئك ذوي التوجهات الرجعية".

وتابع: "على الرغم من أن هذا الدفاع قد يكون مبررا في مواجهة العنصرية التي تكتسب بالفعل نفوذا سياسيا متزايدا، فإن نهجه العام يظل محل انتقاد".

تكتيك انتخابي

ويرى الموقع أن "هذا التوجه للحزب يرتبط بشكل واضح بالحسابات الانتخابية". فمؤسس فرنسا الأبية والمرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلانشون لا يخفي طموحاته، ويعتبر خسارته في انتخابات 2022 -بفارق 400 ألف صوت فقط عن مارين لوبان التي تأهلت للجولة الثانية- جرحا سياسيا شخصيا.

ومنذ ذلك الحين، يؤكد ميلانشون أن نتيجة الانتخابات كان من الممكن أن تُحسم لصالحه لو شارك سكان ضواحي باريس وليون، الذين يعانون من التهميش الاجتماعي، في التصويت بنسبة أكبر.

خاصة أن حزب فرنسا الأبية كان الأكثر حضورا في هذه المناطق، غير أن معدلات الامتناع عن التصويت هناك كانت مرتفعة للغاية. 

ولهذا، يؤكد ميلانشون أن "تعبئة هذه الأصوات في تلك المناطق كفيلة بضمان الفوز في الانتخابات المقبلة".

ومع ذلك، يعتقد الموقع أن "إستراتيجية ميلانشون قد لا تنجح، إذ يتعرض نهج الحزب الحالي لانتقادات من طرفين متباينين: طرف تحركه نزعات عنصرية تجاه فئات مثل المهاجرين والمسلمين وسكان الضواحي".

وطرف آخر يرى أن الحزب يفتقر إلى الوعي والحساسية في التعامل مع قضايا بالغة الحساسية، وعلى رأسها معاداة السامية.

وعقب أن "ما يفعله ميلانشون مجرد تكتيك انتخابي، لكن بالنسبة لبعض المحافظين، وبالطبع لليمين المتطرف، فإن الأمر مؤامرة مع أعداء الأمة لجر فرنسا إلى الهاوية".

وأوضح أنه من أجل الحفاظ على مظهر الحياد الحزبي، أعيد تسمية لجنة التحقيق البرلمانية بعد أن رفض ذكر فرنسا الأبية في العنوان، وأصبح اسمها: "لجنة حول الروابط القائمة بين ممثلي الحركات السياسية والمنظمات التي تدعم الإرهاب أو تروج للأيديولوجيا الإسلامية المتطرفة".

هذا العنوان -وفق الموقع- يبدو "أقرب إلى لائحة اتهام في محكمة استثنائية مخصصة لمحاكمة الخيانة العظمى، وهو ما يتماشى مع مطالب حزب التجمع الوطني اليميني بإنشاء محكمة أمن دولة خاصة لمكافحة الإسلاموية".

واستطرد: "المفترض في لجان التحقيق البرلمانية أن تصاغ بشكل محايد عابر للأحزاب".

واستدرك: "لكن قيادة اللجنة الجديدة تخلو من أي تمثيل للقوى اليسارية المتنوعة، كما استقالت النائبة الوحيدة المحسوبة على الجناح اليميني للحزب الاشتراكي، بعد أن كانت مهمشة داخل اللجنة".

ورجح الموقع أن "تظل قضية النفوذ الإسلامي -الحقيقي أو المزعوم- تشغل الساحة السياسية الفرنسية، وسط محاولات واضحة للتوظيف السياسي والتلاعب بالرأي العام".