قرار نتنياهو احتلال غزة.. لماذا اعترض الجيش وهدد رئيس الأركان بالاستقالة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أنه لا علاقة بين "ذكرى خراب الهيكل" المزعوم، التي احتفل بها 4 آلاف متطرف إسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى، وخرق "الوضع الراهن" بشأن الأوقاف الإسلامية منذ عام 1967، وبين غزة، فقد تعمد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الربط بينهما.

خلال اجتماع حكومته، 4 أغسطس/آب 2025، قال: إنه عازم على "توجيه الجيش الإسرائيلي بشأن كيفية تحقيق الأهداف الثلاثة التي وضعناها للحرب"، على غزة، رباطا بين ذكرى خراب الهيكل وما أسماه مهمة "إتمام النصر" في غزة.

وفسر وزير الشرطة المتطرف إيتمار بن غفير ما قاله نتنياهو بقوله: "نحن لا نكتفي بالحداد على خراب الهيكل، بل نفكر في بناء الهيكل، والسيادة على القدس والمسجد وفرض حكمنا عليه وعلى غزة".

والمفارقة أن الحديث عن أن "نتنياهو يستعد لإصدار أوامره بالسيطرة الكاملة على غزة، على الرغم من تحفظات الجيش وخطر مقتل أسرى"، كما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 5 أغسطس 2025، تزامن مع تحذير 600 من جنرالات جيشه السابقين له من هذه المغامرة.

الجنرالات أكدوا أنه يغامر بذلك بما حققه الجيش من "إنجازات" في غزة ولبنان وإيران ويحولها لخسائر، جازمين بأن قوات الاحتلال في القطاع "على شفا هزيمة"، وطالبوا الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتدخل لإنقاذ إسرائيل من نتنياهو!

الحرب ليست نُزْهة

كانت التقارير المتطابقة التي نشرتها صحف وفضائيات الاحتلال يوم 4 أغسطس/آب 2025، عن عزم نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة مواصلة الحرب واحتلال قطاع غزة بضوء أخضر أميركي، مثيرة للاستغراب.

إذ يحاول جيش الاحتلال بالفعل احتلال غزة والقضاء على حماس منذ عامين، ولم ينجح، ولجأ لأسلوب الإبادة الجماعية (بالقتل والتجويع)، والتهجير، للضغط على المقاومة، ولكنه فشل، فلماذا يعلن الآن أنه سيحتلها؟!

وسائل الإعلام الإسرائيلية، ذكرت أن نتنياهو، اتخذ قرارًا بالمضي نحو "احتلال قطاع غزة"، بتشجيع من وزرائه في اليمين المتطرف، رغم معارضة الجيش وتحذيراته من تعريض حياة الأسرى للخطر.

قناة "كان 11" نقلت عن "وزراء تحدثوا مع نتنياهو"، إنه اتخذ قرارًا بتوسيع الحرب واحتلال غزة، وأنه استخدم عبارة "احتلال القطاع" حرفيًا خلال حديثه معهم".

وأشارت إلى أن القرار يخالف موقف الجيش ورئيس الأركان "إيال زامير"، الذي قد يقدم استقالته من منصبه؛ لأنه يعرف أن "التوغل في المناطق التي يُحتجز فيها أسرى يُعرض حياتهم للخطر بشكل كبير".

حديث نتنياهو طرح تساؤلات: هل خطة احتلال غزة مجرد أداة للضغط على المقاومة ضمن أوراق التفاوض، أم استمرار لغطرسة نتنياهو ووزرائه المتطرفين "بن غفير" و"سموتريش"، لإبقاء ائتلافهم في السلطة بالحرب، وعدم سقوطه؟

ولماذا الآن وجيش الاحتلال يعاني، من أقصى حالات الإحباط والإرهاق بفعل عمليات العدوان المتتالية في غزة والضفة ولبنان وإيران واليمن، حتى إن الصحف تتحدث عن زيادة حالات رفض التجنيد والانتحار داخله؟

والأكثر أهمية لماذا إعلام ذلك الآن، رغم تحذير 600 من كبار الجنرالات ومسؤولي المخابرات الإسرائيلية من خسارة الحرب لو استمر نتنياهو في التصعيد، وزيادة تفكك المجتمع الإسرائيلي؟

وقد نقلت القناة 12 عن "جهات رفيعة في مكتب رئيس الحكومة أن "القرار قد اتُخذ، وإسرائيل تتجه نحو احتلال قطاع غزة"، والحجة أن "حماس لن تُفرج عن مزيد من الرهائن دون استسلام كامل، وإذا لم نتحرك الآن، فسيموت الرهائن وستبقى غزة تحت سيطرتها".

وفق خبراء، تدرك إسرائيل مخاطر إقدامها على احتلال قطاع غزة كاملا رغم تدمير معظمه في حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومنها تسبب العمليات العسكرية بمقتل أسرى والمزيد من الجنود، فضلا عن استنزافهم، بخلاف الكلفة العسكرية والاقتصادية.

كما أن قرار احتلال القطاع، قد يؤدي إلى "تفكك" الجيش الإسرائيلي وفرض عزلة دولية غير مسبوقة على إسرائيل، لذا تُثار شكوك حول الإقدام على مخاطرة بهذا الحجم، وفق "يديعوت أحرونوت".

صفقة واحدة

بعدما أعلنت حماس مررا استعدادها لإطلاق جميع الأسرى دفعة واحدة مقابل اتفاق واضح لوقف الحرب، صرح مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، مطلع أغسطس/آب 2025: إن ترامب "يعتقد أن على الجميع العودة إلى ديارهم دفعة واحدة، ولا صفقات جزئية".

وذكر أن الإدارة بصدد صياغة خطة جديدة "الكل أو لا شيء"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، 5 أغسطس/آب 2025.

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، أن الخطة التي بحثها ترامب ونتنياهو تدور حول مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة يشمل نزع سلاح حركة حماس بالكامل، والإفراج عن جميع الأسرى، وتشكيل إدارة دولية مؤقتة للقطاع بقيادة أميركية.

وفي حال رفض الحركة لهذه المطالب، فإن إسرائيل ستشرع في "عملية عسكرية لحسم المواجهة معها" وستحظى بـ"ضوء أخضر" من إدارة ترامب لفعل ما يحلو لها على الصعيد العسكري في غزة.

وتقول "نيويورك تايمز": إن "تفاصيل النهج الجديد للإدارة الأميركية - أو مدى ارتباطه بالخطط العسكرية الجديدة لنتنياهو (احتلال غزة) - غير واضحة، وفقا لدبلوماسيين ومسؤولين أميركيين"!.

لكن الصحيفة الأميركية نقلت عن "محمود المرداوي"، أحد قادة حركة حماس "إنهم لم يتلقوا مقترحا إسرائيليا رسميا من أجل صفقة شاملة، والحركة تدعم فكرة الصفقة الشاملة لكنها لن تنزع سلاحها".

وقال المرداوي: "كان هذا مطلبنا منذ البداية: وقف الحرب مقابل الإفراج عن السجناء وترتيبات اليوم التالي في غزة، صفقة شاملة وواضحة".

اعتراض الجيش

كان لافتا أن وسائل إعلام إسرائيلية ومسؤولين في حكومة نتنياهو ألمحوا أن قادة الجيش، خاصة رئيس الأركان يرفضون خطة احتلال غزة.

وحين تم إعلان أن قرار احتلال غزة سيتم اتخاذه في جلسة الكابينت (مجلس الوزراء الحربي المصغر) يوم 5 أغسطس، كان لافتا مجددا (من البيان الذي أعلنه مكتب نتنياهو) أن الجلسة بدل أن تتمحور حول احتلال غزة، ركزت على "إصدار تعهد من الجيش بتنفيذ ما تطالبه به الحكومة"، ما يؤكد وجود خلافات.

وقال البيان: إن "الجيش مستعد لتنفيذ أي قرار يتخذه الكابينيت السياسي الأمني"، لكنه أعلن تأجيل قرار احتلال غزة ليوم 7 أغسطس 2025.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 4 أغسطس 2025، عن "مسؤولين بارزين في محيط نتنياهو" أن قرار احتلال كامل غزة وحسم المعركة ضد حماس قد اتخذ"، و"إذا لم يكن هذا القرار ملائمًا لرئيس الأركان، فليقدم استقالته".

وهي إشارة إلى تصاعد التوتر بين المستويين السياسي والعسكري، وترجح ما نُشر حول احتمال أن يفكر زامير، في الاستقالة.

ويعارض قادة الجيش احتلال غزة بشكل كامل، بحجة أن توسيع الحرب سيهدد حياة الأسرى الأحياء وغالبيتهم من الجنود الإسرائيليين (قرابة 21 جنديا)، ويفضلون الاستمرار في تقسيم وتقطيع أواصل غزة لمزيد من السيطرة.

ونقلت صحيفة "معاريف"، 5 أغسطس 2025، عن مصدر عسكري أن جيش الاحتلال "يرى أن البقاء في المناطق المكتظة، في غزة حتى بعد تطهيرها، يُشكل خطرا على القوات".

لذلك، قرر رئيس الأركان تقليص حجم القوات في غزة إلى الحد الأدنى بصفته "يُعد ضرورياً"، رغم أن هذا القرار يتعارض مع طموحات وزراء اليمين في حكومة نتنياهو، وفق الصحيفة.

وكان رئيس الأركان زامير، طالب الحكومة بمنح الجيش "وضوحا إستراتيجيا"، وأن تقرر الحكومة هل تنوي استمرار الحرب على غزة، مؤكدا أنه لا يتلقى أوامر وتعليمات واضحة من نتنياهو حول مستقبل الحرب.

وتزامن هذا مع تأكيد صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 3 أغسطس 2025، أن عملية "عربات جدعون" العسكرية "لم تحقق هدفها المعلن، وهو ممارسة ضغط عسكري على حماس كي توافق على تبادل أسرى ووقف إطلاق نار بشروط إسرائيلية، أي بدون إنهاء الحرب، وبدون القضاء على حماس.

ضوء أخضر أميركي

كان تصريح الرئيس ترامب يوم 27 يوليو/تموز 2025، الذي قال فيه: "على إسرائيل اتخاذ قرار بشأن غزة ولا أعتقد أن هناك مجاعة"، مؤشرا على إعطائه ضوءا أخضر لاحتلال غزة.

وقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الرئيس ترامب، منح نتنياهو "ضوءًا أخضر" لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة"، بحجة أن "حماس لا تريد التوصل إلى صفقة".

لكن صحيفة "نيويورك تايمز"، 5 أغسطس/آب 2025، نقلت عن مسؤول إسرائيلي أن المناقشات حول "احتلال غزة" مع إدارة ترامب بشأن هذا القرار لا تزال جارية، و"هناك إدراك متزايد بأن حماس غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق".

والمفارقة أنه رغم كل هذه التصريحات العنترية بشأن احتلال غزة بالكامل، وإجبار الجيش على تنفيذ رغبة حكومة نتنياهو المتطرف، تزامنت مع تحذيرات غاية في الأهمية لمئات من قادة الجيش السابقين يحذرون أن "إسرائيل على شفا هزيمة".

في يوم 2 أغسطس/آب 2025، سلم 600 من جنرالات إسرائيل السابقين، "رسالة"، لترامب وقعها كبار المسؤولين السابقين مثل رئيس الموساد السابق تمير باردو، ورؤساء جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) عامي أيالون وآدم راز، ونائب قائد الجيش ماتان فيلناي. 

وطلبوا في رسالتهم ترامب بـ "إجبار نتنياهو على إنهاء الحرب في غزة"، حسبما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، 3 أغسطس/آب 2025.

وقالوا لترامب: "حقق الجيش الإسرائيلي منذ زمن طويل الهدفين اللذين يمكن تحقيقهما بالقوة: تفكيك التشكيلات العسكرية لحماس، وحكمها، أما الهدف الثالث، والأكثر أهمية، وهو إعادة جميع الرهائن إلى ديارهم فلا يمكن تحقيقه إلا بصفقة".

وأكدوا له أن: "حماس لم تعد تشكل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل، التي لديها كل ما يلزم للتعامل مع قدرات حماس المتبقية، عن بعد أو بغير ذلك، ومن الممكن أن يتم ملاحقة بقية قادة حماس في وقت لاحق".

ودعا الجنرالات السابقين ترامب إلى "توجيه نتنياهو وحكومته في الاتجاه الصحيح: إنهاء الحرب، وإعادة الرهائن، ووقف المعاناة، وتشكيل تحالف إقليمي دولي يساعد السلطة الفلسطينية على تقديم بديل لحماس وأيديولوجيتها".

وينتمي من وقعوا الرسالة إلى حركة تُسمى "قادة من أجل أمن إسرائيل" (CIS)، وهي حركة إسرائيلية تضم مسؤولين عسكريين كبارا متقاعدين، تأسست في أكتوبر 2014، بزعم "تعزيز نهج إقليمي لتحقيق الأمن".

وتضم قادة سابقين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ووزارة الخارجية، وعدد أعضائها الآن أكثر من 600 مسؤول عسكري وسياسي كبير سابق.

وقد نشر 12 من هؤلاء القادة السابقين مقطعا مصورا يوم 3 أغسطس/آب 2025، تحدث فيه كل منهم، محذرين من أن إسرائيل مُعرضة للهزيمة وخسارة مكاسب الحرب لو استمر نتنياهو فيها، في "تحذير شديد اللهجة" وفق صحف إسرائيلية.

وقالوا في الفيديو: إن "الغالبية العظمى من رؤساء الأركان، ورؤساء الأجهزة والموساد، ورؤساء الاستخبارات العسكرية، الموجودين هنا جميعهم، كانوا في مكاتب ومطابخ وعمليات صُنع القرار، الأكثر حساسية، ومن واجبنا أن نقف ونقول ما لدينا".

وأكّدوا: "نحن على أعتاب (شفا) الهزيمة، في إشارة ضمنية لسقوط قتلي يوميا من جيش الاحتلال، وتدهور سمعة الاحتلال بسبب جرائمه في غزة، التي تجاوزت أي حد.

وعكس مزاعم نتنياهو ورئيس أركانه، اعترف المسؤولون العسكريون السابقون في اجتماعهم بالفيديو: إن عملية "عربات جدعون"، التي بدأت في مارس 2025، والتي انطوت على جرائم مُمنهجة من قبل الاحتلال "لم تُحرز أي تقدم يُذكر".

وقالوا: إنه على العكس: "لقد دفعنا ثمنًا باهظًا من الضحايا والقتلى، وإنجازاتنا محدودة، أما الضرر الدولي فبالغ"، وفق قولهم.

وخاطبوا الحكومة والإسرائيليين، مؤكدين أن "هذه الحرب لم تعد حربًا عادلة، وهي تُفقد إسرائيل أمنها، وهويتها"، مؤكدين أن الجيش عالق في غزة، والحرب بلا هدف سياسي ستؤدي للهزيمة".

قالوا: "نحن حاليًا نتلقى الخسائر بشكل رئيس، وندفن الإنجازات، ولا نعرف جيشا هزم حرب عصابات"، و"مهما بلغت قوة الجيش، فإن الحرب بلا هدف سياسي، ستؤدي إلى الهزيمة".

وذكر المسؤولون العسكريون السابقون أن الجيش الإسرائيلي "الآن في وضع ثابت في قطاع غزة"، و"الجيش الذي لا يتحرك، هو جيش مُدمر".

ووصف جنرالات الجيش السابقين أنّ "هذه الحرب، لم تعد عادلة، وليست من أجل إعادة المحتجزين، بل من أجل أهداف مسيانية (دينية) ومتطرفة، فلدينا الآن حكومة يقودها المسيانيون في اتجاه غير منطقي، والمشكلة أن هذه الأقلية تُسيطر على السياسة".

وتساءل رئيس جهاز الشاباك الأسبق، يوروم كوهين: “هل يتخيل أحد أننا سنتمكن من الوصول إلى كل مخرب (مقاوم) وكل نفق، وكل سلاح، وفي الوقت نفسه إعادة محتجزينا إلى ديارهم؟” مؤكدا: "هذا أمر لا يُعقل وخيالي".

وقال: إن على القادة العسكريين أن يطرقوا على الطاولة (احتجاجا)، ويواجهون نتنياهو وحكومته بشجاعة، وأن يقولوا ما يريدون بصدق تام عن هذه الحرب وعبثيتها، وما هو غير ممكن".

واختتم المسؤولون الأمنيون السابقون، بيانهم المصور بالتأكيد على أنه "كان من الممكن إنهاء هذه الحرب بالأمس، بالانسحاب إلى أطراف قطاع غزة، وإنهاء الحرب، وإعادة المحتجزين إلى ديارهم، دفعة واحدة".

شارك في الاجتماع، رؤساء الشاباك السابقون: يوروم كوهين، ونداف أرغمان، وعامي أيالون، ورؤساء الموساد: تامير باردو، وإفرايم هليفي، وداني ياتوم.

ورئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق، إيهود باراك، ورئيسا الأركان السابقين، موشيه بوغي يعالون، ودان حالوتس، ورئيسا المخابرات العسكرية، عاموس مالكا، وأوري ساغي؛ ومفوض الشرطة السابق، شلومو أهرونيشكي.